الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          3922 حدثنا قتيبة عن مالك ح وحدثنا الأنصاري حدثنا معن حدثنا مالك عن عمرو بن أبي عمرو عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلع له أحد فقال هذا جبل يحبنا ونحبه اللهم إن إبراهيم حرم مكة وإني أحرم ما بين لابتيها قال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح [ ص: 291 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 291 ] قوله : ( طلع له أحد ) أي : ظهر " هذا جبل يحبنا " قال النووي : الصحيح المختار أن معناه أن أحدا يحبنا حقيقة جعل الله تعالى فيه تمييزا يحب به كما قال سبحانه وتعالى : وإن منها لما يهبط من خشية الله وكما حن الجذع اليابس ، وكما سبح الحصى ، وكما فر الحجر بثوب موسى -صلى الله عليه وسلم- قال : وهذا وما أشبهه شواهد لما اخترناه ، واختاره المحققون في معنى الحديث : وإن أحدا يحبنا حقيقة وقيل : المراد يحبنا أهله فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه . انتهى " إن إبراهيم حرم مكة " نسبة التحريم إلى إبراهيم باعتبار دعائه وسؤاله ذلك فلا ينافي ما ورد أن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس " وإني أحرم ما بين لابتيها " معناه اللابتان وما بينهما ، والمراد تحريم المدينة ولابتيها قاله النووي ، واحتج بهذا الحديث وما في معناه محمد بن أبي ذئب والزهري والشافعي ومالك وأحمد وإسحاق ، وقالوا : المدينة لها حرم فلا يجوز قطع شجرها ، ولا أخذ صيدها ، ولكنه لا يجب الجزاء فيه عندهم ، خلافا لابن أبي ذئب فإنه قال : يجب الجزاء ، وكذلك لا يحل سلب من يفعل ذلك عندهم إلا عند الشافعي ، وقال في القديم : من اصطاد في المدينة صيدا أخذ سلبه ، ويروي فيه أثرا عن سعد ، وقال في الجديد بخلافه ، وقال الثوري وعبد الله بن المبارك وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد : ليس للمدينة حرم كما كان لمكة ، فلا يمنع أحد من أخذ صيدها وقطع شجرها ، كذا في شرح البخاري للعيني ، واحتج الطحاوي بحديث أنس في قصة أبي عمير : ما فعل النغير ؟ وقال : لو كان صيدها حراما ما جاز حبس الطير ، وأجيب باحتمال أن يكون من صيد الحل ، قال أحمد : من صاد من الحل ثم أدخله المدينة لم يلزمه إرساله لحديث أبي عمير ، وهذا قول الجمهور لكن لا يرد ذلك على الحنفية ؛ لأن صيد الحل عندهم إذا دخل الحرم كان له حكم الحرم ، ويحتمل أن تكون قصة أبي عمير كانت قبل التحريم ، واحتج بعضهم بحديث أنس في قصة قطع النخل لبناء المسجد ، ولو كان قطع شجرها حراما ما فعله -صلى الله عليه وسلم- وتعقب بأن ذلك كان في أول الهجرة وحديث تحريم المدينة كان بعد رجوعه -صلى الله عليه وسلم- من خيبر كما [ ص: 292 ] يدل عليه حديث أنس يقول : خرجت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى خيبر أخدمه ، فلما قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- راجعا وبدا له أحد قال : هذا جبل يحبنا ونحبه ، ثم أشار بيده إلى المدينة ، قال : اللهم إني أحرم ما بين لابتيها كتحريم إبراهيم مكة ، اللهم بارك في صاعنا ومدنا . رواه البخاري في باب فضل الخدمة في الغزو ، وقال الطحاوي : يحتمل أن يكون سبب النهي عن صيد المدينة وقطع شجرها كون الهجرة كانت إليها فكان بقاء الصيد والشجر مما يزيد في زينتها ويدعو إلى ألفتها كما روى ابن عمر : أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن هدم آطام المدينة فإنها من زينة المدينة فلما انقطعت الهجرة زال ذلك ، وما قاله ليس بواضح لأن النسخ لا يثبت إلا بدليل وقد ثبت على الفتوى بتحريمها سعد وزيد بن ثابت وأبو سعيد وغيرهم كما أخرجه مسلم كذا في الفتح ، والقول الراجح المعول عليه قول من قال : إن للمدينة حرما كما أن لمكة حرما يدل عليه أحاديث كثيرة صحيحة صريحة ، وهو قول الجمهور .




                                                                                                          الخدمات العلمية