الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                      2437 أخبرنا عيسى بن مساور قال حدثنا محمد بن شعيب بن شابور عن معاوية بن سلام عن أخيه زيد بن سلام أنه أخبره عن جده أبي سلام عن عبد الرحمن بن غنم أن أبا مالك الأشعري حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إسباغ الوضوء شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان والتسبيح والتكبير يملأ السموات والأرض والصلاة نور والزكاة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك

                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                      2437 ( عن جده أبي سلام عن عبد الرحمن بن غنم أن أبا مالك الأشعري حدثه ) رواه مسلم من طريق أبي سلام عن أبي مالك بإسقاط عبد الرحمن بن غنم فتكلم فيه الدارقطني وغيره ، وقال النووي : يمكن أن يجاب عن مسلم بأن الظاهر من حاله أنه علم سماع أبي سلام لهذا الحديث من أبي مالك ، فيكون أبو سلام سمعه من أبي مالك وسمعه أيضا من عبد الرحمن بن غنم عن أبي مالك ، فرواه مرة عنه ومرة عن عبد الرحمن عنه . وأبو مالك اسمه الحارث بن الحارث وقيل : عبيد وقيل : عمر وقيل : كعب بن عاصم وقيل : عبيد الله وقيل : كعب بن كعب وقيل : عامر بن الحارث وأبو سلام بالتشديد اسمه ممطور ( إسباغ الوضوء شطر الإيمان ) قال النووي : أصل الشطر النصف ، واختلف العلماء [ ص: 6 ] فيه فقيل : معناه أن الإيمان يجب ما قبله من الخطايا ، وكذلك الوضوء لا يصح إلا مع الإيمان ، وصار لتوقفه على الإيمان في معنى الشطر وقيل : المراد بالإيمان هنا الصلاة كما قال الله تعالى : وما كان الله ليضيع إيمانكم والطهارة شرط في صحة الصلاة فصارت كالشطر ، وليس يلزم في الشطر أن يكون نصفا حقيقيا ، وهذا القول أقرب الأقوال ، ويحتمل أن يكون معناه أن الإيمان تصديق بالقلب وانقياد بالظاهر ، وهما شطران للإيمان ، والطهارة متضمنة للصلاة ، فهي انقياد في الظاهر . وقال في النهاية : إنما كان كذلك ؛ لأن الإيمان يطهر نجاسة الباطن ، والوضوء يطهر نجاسة الظاهر ( والحمد لله تملأ الميزان ) قال النووي : معناه عظم أجرها وأنه يملأ الميزان ، وقد تظاهرت نصوص القرآن والسنة على وزن الأعمال وثقل الميزان وخفتها ( والتسبيح والتكبير يملأ السماوات والأرض ) قال النووي : يحتمل أن يقال لو قدر ثوابهما جسما لملأ ما بين السماوات والأرض ، وسبب عظم فضلهما ما اشتملا عليه من التنزيه لله بقوله : سبحان الله ، والتفويض والافتقار إلى الله بقوله : الحمد لله ، وقال القرطبي : الحمد راجع إلى الثناء على الله تعالى بأوصاف كماله ، فإذا حمد الله تعالى [ ص: 7 ] حامد مستحضر معنى الحمد في قلبه امتلأ ميزانه من الحسنات ، فإذا أضاف إلى ذلك " سبحان الله " الذي معناهتبرئة الله وتنزيهه عن كل ما لا يليق به من النقائص ملأت حسناته وثوابها زيادة على ذلك ما بين السماوات والأرض ؛ إذ الميزان مملوء بثواب التحميد ، وذكر السماوات على جهة الاعتناء على العادة العربية . والمراد أن الثواب على ذلك كثير جدا بحيث لو كان أجساما لملأ ما بينهما ( والصلاة نور ) قال النووي : معناه أنها تمنع من المعاصي ، وتنهى عن الفحشاء والمنكر ، وتهدي إلى الصواب ، كما أن النور يستضاء به ، وقيل : معناه أن أجرها يكون نورا لصاحبها يوم القيامة ، وقيل : إنها سبب لإشراق أنوار المعارف ، وانشراح القلب ، ومكاشفات الحقائق ، لفراغ القلب فيها وإقباله إلى الله بظاهره وباطنه ، وقد قال الله تعالى : واستعينوا بالصبر والصلاة وقيل : معناه أنها تكون نورا ظاهرا على وجهه يوم القيامة ، ويكون في الدنيا أيضا على وجهه إليها بخلاف من لم يصل ( والزكاة برهان ) قال النووي : قال صاحب التحرير : معناه يفزع إليها كما يفزع إلى البراهين ، كما أن العبد إذا سئل يوم القيامة عن مصرف ماله ، وقال غير صاحب التحرير : معناه أنها حجة على إيمان فاعلها ، فإن المنافق يمتنع منها لكونه لا يعتقدها ، فمن تصدق استدل بصدقته على صحة إيمانه . وقال في النهاية : البرهان الحجة والدليل أي أنها حجة لطالب الأجر من أجل أنها فرض يجازي الله به وعليه ، وقيل : هي دليل على صحة إيمان صاحبها لطيب نفسه بإخراجها ، وذلك لعلاقة ما بين النفس والمال ، وقال القرطبي : أي برهان على صحة إيمان المتصدق ، أو على أنه ليس من المنافقين الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات ، أو على صحة محبة المتصدق لله تعالى ولما لديه من الثواب ؛ إذ آثر محبة الله وابتغاء ثوابه على ما جبل عليه من حب الذهب والفضة حتى أخرجه لله تعالى ( والصبر ضياء ) قال النووي : معناه الصبر على طاعة الله ، وعن معصيته ، وعلى النائبات وأنواع المكاره في الدنيا ، والمراد : أن الصبر محمود لا يزال صاحبه مستضيئا مهتديا مستمرا على الصواب ، وقال القرطبي : رواه بعض المشايخ : والصوم ضياء بالميم ، ولم تقع لنا تلك الرواية ، على أنه يصح أن [ ص: 8 ] يعبر بالصبر عن الصوم ، وقد قيل ذلك في قوله تعالى : واستعينوا بالصبر والصلاة فإن تنزلنا على ذلك فيقال في كون الصبر ضياء كما قيل في كون الصلاة نورا ، وحينئذ لا يكون بين النور والضياء فرق معنوي بل لفظي ، والأولى أن يقال : إن الصبر في هذا الحديث غير الصوم ، بل هو الصبر على العبادات والمشاق والمصائب ، والصبر عن المخالفات والمنهيات كاتباع هوى النفس والشهوات وغير ذلك ، فمن كان صابرا على تلك الأحوال ، متثبتا فيها مقابلا لكل حال بما يليق به ، ضاءت له عواقب أحواله ، وصحت له مصالح أعماله ، فظفر بمطلوبه ، وحصل من الثواب على مرغوبه ، كما قيل :


                                                                                                      وقل من جد في أمر يحاوله واستعمل الصبر إلا فاز بالظفر

                                                                                                      . ( والقرآن حجة لك أو عليك ) قال النووي : أي تنتفع به إن تلوته وعملت به ، وإلا فهو حجة عليك ، وقال القرطبي : يعني أنك إذا امتثلت أوامره واجتنبت نواهيه كان حجة لك في المواقف التي تسأل منه عنه ، كمساءلة الملكين في القبر ، والمساءلة عند الميزان ، وفي عقاب الصراط ، وإن لم يمتثل ذلك احتج به عليك ، ويحتمل أن يراد به أن القرآن هو الذي ينتهى إليه عند التنازع في المباحث الشرعية والوقائع الحكمية ، فبه تستدل على صحة دعواك ، وبه يستدل عليك خصمك .

                                                                                                      [ ص: 9 ]



                                                                                                      الخدمات العلمية