nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=50nindex.php?page=treesubj&link=28988_30340قل كونوا حجارة أو حديدا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=51أو خلقا مما يكبر في صدوركم فسيقولون من يعيدنا قل الذي فطركم أول مرة فسينغضون إليك رءوسهم ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=52يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده وتظنون إن لبثتم إلا قليلا
جواب عن قولهم
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=49أإذا كنا عظاما ورفاتا إنا لمبعوثون خلقا جديدا ، أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يجيبهم بذلك .
وقرينة ذلك مقابلة فعل كنا في مقالهم بقوله كونوا ، ومقابلة
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=49عظاما ورفاتا في مقالهم بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=50حجارة أو حديدا إلخ ، مقابلة أجسام واهية بأجسام صلبة ، ومعنى الجواب أن وهن الجسم مساو لصلابته بالنسبة إلى قدرة الله تعالى على تكييفه كيف يشاء .
[ ص: 125 ] لهذا كانت جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=50قل كونوا حجارة إلخ غير معطوفة ، جريا على طريقة المحاورات التي بينتها عند قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها في سورة البقرة .
وإن كان قوله قل ليس مبدأ محاورة بل المحاورة بالمقول الذي بعده ، ولكن الأمر بالجواب أعطي حكم الجواب فلذلك فصلت جملة قل .
واعلم أن ارتباط رد مقالتهم بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=50كونوا حجارة إلخ غامض ; لأنهم إنما استعبدوا أو أحالوا إرجاع الحياة إلى أجسام تفرقت أجزاؤها وانخرم هيكلها ، ولم يعللوا الإحالة بأنها صارت أجساما ضعيفة ، فيرد عليهم بأنها لو كانت من أقوى الأجسام لأعيدت لها الحياة .
فبنا أن نبين وجه الارتباط بين الرد على مقالتهم ، وبين مقالتهم المردودة ، وفي ذلك ثلاثة وجوه :
أحدها : أن تكون صيغة الأمر في قوله كونوا مستعملة في معنى التسوية ، ويكون دليلا على جواب محذوف تقديره : إنكم مبعوثون ، سواء كنتم عظاما ورفاتا ، أو كنتم حجارة أو حديدا ; تنبيها على أن قدرة الله تعالى لا يتعاصى عليها شيء ، وذلك إدماج يجعل الجملة في معنى التذييل .
الوجه الثاني : أن تكون صيغة الأمر في قوله كونوا مستعملة في الفرض ، أي لو فرض أن يكون الأجساد من الأجسام الصلبة وقيل لكم : إنكم مبعوثون بعد الموت لأحلتم ذلك واستبعدتم إعادة الحياة فيها ، وعلى كلا الوجهين يكون قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=51مما يكبر في صدوركم نهاية الكلام ، ويكون قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=51فسيقولون من يعيدنا مفرعا على جملة وقالوا أإذا كنا إلخ تفريعا على الاستئناف ، وتكون الفاء للاستئناف ، وهي بمعنى الواو على خلاف في مجيئها للاستئناف ، والكلام انتقال لحكاية تكذيب آخر من تكذيباتهم .
[ ص: 126 ] الوجه الثالث أن يكون قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=50قل كونوا حجارة كلاما مستأنفا ليس جوابا على قولهم
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=49أإذا كنا عظاما ورفاتا إلخ وتكون صيغة الأمر مستعملة في التسوية ، وفي هذا الوجه يكون قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=51فسيقولون من يعيدنا متصلا بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=50كونوا حجارة أو حديدا إلخ ، ومفرعا على كلام محذوف يدل عليه قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=50كونوا حجارة ، أي فلو كانوا كذلك لقالوا : من يعيدنا ، أي لانتقلوا في مدارج السفسطة من إحالة الإعادة إلى ادعاء عدم وجود قادر على إعادة الحياة لهم لصلابة أجسادهم ، وبهذه الوجوه يلتئم نظم الآية ، وينكشف ما فيه من غموض .
والحديد : تراب معدني ، أي لا يوجد إلا في مغاور الأرض ، وهو تراب غليظ مختلف الغلظ ، ثقيل أدكن اللون ، وهو إما محتت الأجزاء ، وإما مورقها ، أي مثل الورق .
وأصنافه ثمانية عشر باعتبار اختلاف تركيب أجزائه ، وتتفاوت ألوان هذه الأصناف ، وأشرف أصنافه الخالص ، وهو السالم في جميع أجزائه من المواد الغريبة ، وهذا نادر الوجود ، وأشهر ألوانه الأحمر ، ويقسم باعتبار صلابته إلى صنفين أصليين يسميان الذكر والأنثى ، فالصلب هو الذكر واللين الأنثى ، وكان العرب يصفون السيف الصلب القاطع بالذكر ، وإذا صهر الحديد بالنار تمازجت أجزاؤه ، وتميع وصار كالحلواء ، فمنه ما يكون حديد صب ، ومنه ما يكون حديد تطريق ، ومنه فولاذ ، وكل صنف من أصنافه صالح لما يناسب سبكه منه على اختلاف الحاجة فيها إلى شدة الصلابة مثل السيوف والدروع ، ومن خصائص الحديد أن يعلوه الصدأ ، وهو كالوسخ أخضر ثم يستحيل تدريجا إلى أكسيد ( كلمة كيمياوية تدل على تعلق أجزاء الأكسجين بجسم فتفسده ) وإذا لم يتعهد الحديد بالصقل والزيت أخذ الصدأ في نخر سطحه ، وهذا المعدن يوجد في غالب البلاد ، وأكثر وجوده في بلاد الحبشة وفي صحراء مصر ، ووجدت في البلاد التونسية
[ ص: 127 ] معادن من الحديد ، وكان استعمال الحديد من العصور القديمة ، فإن الطور الثاني من أطوار التاريخ يعرف بالعصر الحديدي ، أي الذي كان البشر يستعمل فيه آلات متخذة من الحديد ، وذلك من أثر صنعة الحديد ، وذلك قبل عصر تدوين التاريخ ، والعصر الذي قبله يعرف بالعصر الحجري .
وقد اتصلت بتعيين الزمن الذي ابتدئ فيه صنع الحديد أساطير واهية لا ينضبط بها تاريخه ، والمقطوع به أن الحديد مستعمل عند البشر قبل ابتداء كتابة التاريخ ، ولكونه يأكله الصدأ عند تعرضه للهواء والرطوبة لم يبق من آلاته القديمة إلا شيء قليل ، وقد وجدت في طيبة ومدافن الفراعنة في منفيس بمصر صور على الآثار مرسوم عليها : صور خزائن شاحذين مداهم وقد صبغوها في الصور باللون الأزرق لون الفولاذ ، وذلك في القرن الحادي والعشرين قبل التاريخ المسيحي ، وقد ذكر في التوراة وفي الحديث قصة الذبيح ، وقصة اختتان
إبراهيم بالقدوم ، ولم يذكر أن السكين ولا القدوم كانتا من حجر الصوان ، فالأظهر أنه بآلة الحديد ، ومن الحديد تتخذ السلاسل للقيد ، والمقامع للضرب ، وسيأتي قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=21ولهم مقامع من حديد في سورة الحج .
والخلق : بمعنى المخلوق ، أي أو خلقا آخر مما يعظم في نفوسكم عن قبوله الحياة ، ويستحيل عندكم على الله إحياؤه مثل الفولاذ والنحاس .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=51مما يكبر في صدوركم صفة خلقا ، ومعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=51يكبر يعظم وهو عظم مجازي بمعنى القوي في نوعه وصفاته ، والصدور : العقول ، أي مما تعدونه عظيما لا يتغير .
وفي الكلام حذف دل عليه الكلام المردود وهو قولهم
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=49أإذا كنا عظاما ورفاتا إنا لمبعوثون ، والتقدير : كونوا أشياء أبعد عن قبول الحياة من العظام والرفات .
[ ص: 128 ] والمعنى : لو كنتم حجارة أو حديدا لأحياكم الله ; لأنهم جعلوا كونهم عظاما حجة لاستحالة الإعادة ، فرد عليهم بأن الإعادة مقدرة لله تعالى ، ولو كنتم حجارة أو حديدا ; لأن الحجارة والحديد أبعد عن قبول الحياة من العظام والرفات إذ لم يسبق فيهما حلول الحياة قط بخلاف الرفات والعظام .
والتفريع في
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=51فسيقولون من يعيدنا على جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=50قل كونوا حجارة أي قل لهم ذلك فسيقولون لك : من يعيدنا .
وجعل سؤالهم هنا عن المعيد لا عن أصل الإعادة ; لأن البحث عن المعيد أدخل في الاستحالة من البحث عن أصل الإعادة ، فهو بمنزلة الجواب بالتسليم الجدلي بعد الجواب بالمنع فإنهم نفوا إمكان إحياء الموتى ، ثم انتقلوا إلى التسليم الجدلي ; لأن التسليم الجدلي أقوى ، في معارضة الدعوى ، من المنع .
والاستفهام في
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=51من يعيدنا تهكمي ، ولما كان قولهم هذا محقق الوقوع في المستقبل أمر النبيء بأن يحييهم عندما يقولونه جواب تعيين لمن يعيدهم إبطالا للازم التهكم ، وهو الاستحالة في نظرهم بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=51قل الذي فطركم أول مرة إجراء لظاهر استفهامهم على أصله بحمله على خلاف مرادهم ; لأن ذلك أجدر على طريقة الأسلوب الحكيم لزيادة المحاجة ، كقوله في محاجة موسى لفرعون
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=25قال لمن حوله ألا تستمعون قال ربكم ورب آبائكم الأولين .
وجيء بالمسند إليه موصولا ; لقصد ما في الصلة من الإيماء إلى تعليل الحكم بأن الذي فطرهم أول مرة قادر على إعادة خلقهم ، كقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=27وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه فإنه لقدرته التي ابتدأ بها خلقكم في المرة الأولى قادر أن يخلقكم مرة ثانية .
والإنغاض : التحريك من أعلى إلى أسفل والعكس ، فإنغاض الرأس تحريكه كذلك ، وهو تحريك الاستهزاء .
[ ص: 129 ] واستفهموا عن وقته بقولهم
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=51متى هو استفهام تهكم أيضا ، فأمر الرسول بأن يجيبهم جوابا حقا إبطالا للازم التهكم ، كما تقدم في نظيره آنفا .
وضمير
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=51متى هو عائد إلى العود المأخوذ من قوله يعيدنا كقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=8اعدلوا هو أقرب للتقوى ، و ( عسى ) للرجاء على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم : والمعنى لا يبعد أن يكون قريبا .
و
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=52يوم يدعوكم بدل من الضمير المستتر في يكون من قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=51أن يكون قريبا ، وفتحته فتحة بناء ; لأنه أضيف إلى الجملة الفعلية ، ويجوز أن يكون ظرفا ل يكون ، أي يكون يوم يدعوكم ، وفتحته فتحة نصب على الظرفية .
والدعاء يجوز أن يحمل على حقيقته ، أي
nindex.php?page=treesubj&link=30336دعاء الله الناس بواسطة الملائكة الذين يسوقون الناس إلى المحشر .
ويجوز أن يحمل على الأمر التكويني بإحيائهم ، فأطلق عليه الدعاء ; لأن الدعاء يستلزم إحياء المدعو ، وحصول حضوره ، فهو مجاز في الإحياء والتسخير لحضور الحساب .
والاستجابة مستعارة لمطاوعة معنى يدعوكم ، أي فتحيون وتمثلون للحساب ، أي يدعوكم وأنتم عظام ورفات ، وليس للعظام والرفات إدراك واستماع ، ولا ثم استجابة ; لأنها فرع السماع ، وإنما هو تصوير لسرعة الإحياء والإحضار وسرعة الانبعاث والحضور للحساب بحيث يحصل ذلك كحصول استماع الدعوة واستجابتها في أنه لا معالجة في تحصيله وحصوله ولا ريث ولا بطء في زمانه .
[ ص: 130 ] وضمائر الخطاب على هذا خطاب للكفار القائلين
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=51من يعيدنا والقائلين
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=51متى هو .
والباء في بحمده للملابسة ، فهي في معنى الحال ، أي حامدين ، فهم إذا بعثوا خلق فيهم إدراك الحقائق فعلموا أن الحق لله .
ويجوز أن يكون بحمده متعلقا بمحذوف على أنه من كلام النبيء صلى الله عليه وسلم ، والتقدير : انطق بحمده ، كما يقال : باسم الله ، أي أبتدئ ، وكما يقال للمعرس : باليمن والبركة ، أي احمد الله على ظهور صدق ما أنبأتكم به ، ويكون اعتراضا بين المتعاطفات .
وقيل : إن قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=52يوم يدعوكم استئناف كلام خطاب للمؤمنين فيكون
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=52يوم يدعوكم متعلقا بفعل محذوف ، أي اذكروا يوم يدعوكم ، والحمد على هذا الوجه محمول على حقيقته ، أي تستجيبون حامدين الله على ما منحكم من الإيمان وعلى ما أعد لكم مما تشاهدون حين انبعاثكم من دلائل الكرامة والإقبال .
وأما جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=52وتظنون إن لبثتم إلا قليلا فهي عطف على تستجيبون ، أي وتحسبون أنكم ما لبثتم في الأرض إلا قليلا ، والمراد : التعجيب من هذه الحالة ، ولذلك جاء في بعض آيات أخرى سؤال المولى حين يبعثون عن مدة لبثهم تعجيبا من حالهم ، قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=112قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين قال إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون ، وقال
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام ، وهذا التعجيب تنديم للمشركين وتأييد للمؤمنين ، والمراد هنا : أنهم ظنوا ظنا خاطئا ، وهو محل التعجيب ، وأما قوله في الآية الأخرى
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=114قال إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون فمعناه : أنه وإن طال فهو قليل بالنسبة لأيام الله .
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=50nindex.php?page=treesubj&link=28988_30340قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=51أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلْ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=52يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا
جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=49أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا ، أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يُجِيبَهُمْ بِذَلِكَ .
وَقَرِينَةُ ذَلِكَ مُقَابَلَةُ فِعْلِ كُنَّا فِي مَقَالِهِمْ بِقَوْلِهِ كُونُوا ، وَمُقَابَلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=49عِظَامًا وَرُفَاتًا فِي مَقَالِهِمْ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=50حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا إِلَخْ ، مُقَابَلَةَ أَجْسَامٍ وَاهِيَةٍ بِأَجْسَامٍ صُلْبَةٍ ، وَمَعْنَى الْجَوَابِ أَنَّ وَهَنَ الْجِسْمِ مُسَاوٍ لِصَلَابَتِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى تَكْيِيفِهِ كَيْفَ يَشَاءُ .
[ ص: 125 ] لِهَذَا كَانَتْ جُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=50قُلْ كُونُوا حِجَارَةً إِلَخْ غَيْرَ مَعْطُوفَةٍ ، جَرْيًا عَلَى طَرِيقَةِ الْمُحَاوَرَاتِ الَّتِي بَيَّنْتُهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ .
وَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ قُلْ لَيْسَ مَبْدَأَ مُحَاوَرَةٍ بَلِ الْمُحَاوَرَةُ بِالْمَقُولِ الَّذِي بَعْدَهُ ، وَلَكِنَّ الْأَمْرَ بِالْجَوَابِ أُعْطِيَ حُكْمَ الْجَوَابِ فَلِذَلِكَ فُصِلَتْ جُمْلَةُ قُلْ .
وَاعْلَمْ أَنَّ ارْتِبَاطَ رَدِّ مَقَالَتِهِمْ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=50كُونُوا حِجَارَةً إِلَخْ غَامِضٌ ; لِأَنَّهُمْ إِنَّمَا اسْتَعْبَدُوا أَوْ أَحَالُوا إِرْجَاعَ الْحَيَاةِ إِلَى أَجْسَامٍ تَفَرَّقَتْ أَجْزَاؤُهَا وَانْخَرَمَ هَيْكَلُهَا ، وَلَمْ يُعَلِّلُوا الْإِحَالَةَ بِأَنَّهَا صَارَتْ أَجْسَامًا ضَعِيفَةً ، فَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مِنْ أَقْوَى الْأَجْسَامِ لَأُعِيدَتْ لَهَا الْحَيَاةُ .
فَبِنَا أَنْ نُبَيِّنَ وَجْهَ الِارْتِبَاطِ بَيْنَ الرَّدِّ عَلَى مَقَالَتِهِمْ ، وَبَيْنَ مَقَالَتِهِمُ الْمَرْدُودَةِ ، وَفِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنْ تَكُونَ صِيغَةُ الْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ كُونُوا مُسْتَعْمَلَةً فِي مَعْنَى التَّسْوِيَةِ ، وَيَكُونُ دَلِيلًا عَلَى جَوَابٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ : إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ ، سَوَاءٌ كُنْتُمْ عِظَامًا وَرُفَاتًا ، أَوْ كُنْتُمْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا ; تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ قُدْرَةَ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَتَعَاصَى عَلَيْهَا شَيْءٌ ، وَذَلِكَ إِدْمَاجٌ يَجْعَلُ الْجُمْلَةَ فِي مَعْنَى التَّذْيِيلِ .
الْوَجْهُ الثَّانِي : أَنْ تَكُونَ صِيغَةُ الْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ كُونُوا مُسْتَعْمَلَةً فِي الْفَرْضِ ، أَيْ لَوْ فُرِضَ أَنْ يَكُونَ الْأَجْسَادُ مِنَ الْأَجْسَامِ الصُّلْبَةِ وَقِيلَ لَكُمْ : إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ بَعْدَ الْمَوْتِ لَأَحَلْتُمْ ذَلِكَ وَاسْتَبْعَدْتُمْ إِعَادَةَ الْحَيَاةِ فِيهَا ، وَعَلَى كِلَا الْوَجْهَيْنِ يَكُونُ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=51مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ نِهَايَةَ الْكَلَامِ ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=51فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا مُفَرَّعًا عَلَى جُمْلَةِ وَقَالُوا أَإِذَا كُنَّا إِلَخْ تَفْرِيعًا عَلَى الِاسْتِئْنَافِ ، وَتَكُونُ الْفَاءُ لِلِاسْتِئْنَافِ ، وَهِيَ بِمَعْنَى الْوَاوِ عَلَى خِلَافٍ فِي مَجِيئِهَا لِلِاسْتِئْنَافِ ، وَالْكَلَامُ انْتِقَالٌ لِحِكَايَةِ تَكْذِيبٍ آخَرَ مِنْ تَكْذِيبَاتِهِمْ .
[ ص: 126 ] الْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=50قُلْ كُونُوا حِجَارَةً كَلَامًا مُسْتَأْنِفًا لَيْسَ جَوَابًا عَلَى قَوْلِهِمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=49أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا إِلَخْ وَتَكُونُ صِيغَةُ الْأَمْرِ مُسْتَعْمَلَةً فِي التَّسْوِيَةِ ، وَفِي هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=51فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا مُتَّصِلًا بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=50كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا إِلَخْ ، وَمُفَرَّعًا عَلَى كَلَامٍ مَحْذُوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=50كُونُوا حِجَارَةً ، أَيْ فَلَوْ كَانُوا كَذَلِكَ لَقَالُوا : مَنْ يُعِيدُنَا ، أَيْ لَانْتَقَلُوا فِي مَدَارِجِ السَّفْسَطَةِ مِنْ إِحَالَةِ الْإِعَادَةِ إِلَى ادِّعَاءِ عَدَمِ وُجُودِ قَادِرٍ عَلَى إِعَادَةِ الْحَيَاةِ لَهُمْ لِصَلَابَةِ أَجْسَادِهِمْ ، وَبِهَذِهِ الْوُجُوهِ يَلْتَئِمُ نَظْمُ الْآيَةِ ، وَيَنْكَشِفُ مَا فِيهِ مِنْ غُمُوضٍ .
وَالْحَدِيدُ : تُرَابٌ مَعْدِنِيٌّ ، أَيْ لَا يُوجَدُ إِلَّا فِي مَغَاوِرِ الْأَرْضِ ، وَهُوَ تُرَابٌ غَلِيظٌ مُخْتَلِفُ الْغِلَظِ ، ثَقِيلٌ أَدْكَنُ اللَّوْنِ ، وَهُوَ إِمَّا مُحَتَّتُ الْأَجْزَاءِ ، وَإِمَّا مُورِقُهَا ، أَيْ مِثْلَ الْوَرَقِ .
وَأَصْنَافُهُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ بِاعْتِبَارِ اخْتِلَافِ تَرْكِيبِ أَجْزَائِهِ ، وَتَتَفَاوَتُ أَلْوَانُ هَذِهِ الْأَصْنَافِ ، وَأَشْرَفُ أَصْنَافِهِ الْخَالِصُ ، وَهُوَ السَّالِمُ فِي جَمِيعِ أَجْزَائِهِ مِنْ الْمَوَادِّ الْغَرِيبَةِ ، وَهَذَا نَادِرُ الْوُجُودِ ، وَأَشْهَرُ أَلْوَانِهِ الْأَحْمَرُ ، وَيُقَسَّمُ بِاعْتِبَارِ صَلَابَتِهِ إِلَى صِنْفَيْنِ أَصْلِيَّيْنِ يُسَمَّيَانِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ، فَالصُّلْبُ هُوَ الذَّكَرُ وَاللَّيِّنُ الْأُنْثَى ، وَكَانَ الْعَرَبُ يَصِفُونَ السَّيْفَ الصُّلْبَ الْقَاطِعَ بِالذَّكَرِ ، وَإِذَا صُهِرَ الْحَدِيدُ بِالنَّارِ تَمَازَجَتْ أَجْزَاؤُهُ ، وَتَمَيَّعَ وَصَارَ كَالْحَلْوَاءِ ، فَمِنْهُ مَا يَكُونُ حَدِيدَ صَبٍّ ، وَمِنْهُ مَا يَكُونُ حَدِيدَ تَطْرِيقٍ ، وَمِنْهُ فُولَاذٌ ، وَكُلُّ صِنْفٍ مِنْ أَصْنَافِهِ صَالِحٌ لِمَا يُنَاسِبُ سَبْكَهُ مِنْهُ عَلَى اخْتِلَافِ الْحَاجَةِ فِيهَا إِلَى شَدَّةِ الصَّلَابَةِ مِثْلَ السُّيُوفِ وَالدُّرُوعِ ، وَمِنْ خَصَائِصَ الْحَدِيدِ أَنْ يَعْلُوَهُ الصَّدَأُ ، وَهُوَ كَالْوَسَخِ أَخْضَرُ ثُمَّ يَسْتَحِيلُ تَدْرِيجًا إِلَى أُكْسِيدٍ ( كَلِمَةٌ كِيمْيَاوِيَّةٌ تَدُلُّ عَلَى تَعَلُّقِ أَجْزَاءِ الْأُكْسُجِينِ بِجِسْمٍ فَتُفْسِدُهُ ) وَإِذَا لَمْ يُتَعَهَّدِ الْحَدِيدُ بِالصَّقْلِ وَالزَّيْتِ أَخَذَ الصَّدَأُ فِي نَخْرِ سَطْحِهِ ، وَهَذَا الْمَعْدِنُ يُوجَدُ فِي غَالِبِ الْبِلَادِ ، وَأَكْثَرُ وُجُودِهِ فِي بِلَادِ الْحَبَشَةِ وَفِي صَحْرَاءِ مِصْرَ ، وَوُجِدَتْ فِي الْبِلَادِ التُّونِسِيَّةِ
[ ص: 127 ] مَعَادِنُ مِنَ الْحَدِيدِ ، وَكَانَ اسْتِعْمَالُ الْحَدِيدِ مِنَ الْعُصُورِ الْقَدِيمَةِ ، فَإِنَّ الطَّوْرَ الثَّانِيَ مِنْ أَطْوَارِ التَّارِيخِ يُعْرَفُ بِالْعَصْرِ الْحَدِيدِيِّ ، أَيِ الَّذِي كَانَ الْبَشَرُ يَسْتَعْمِلُ فِيهِ آلَاتٍ مُتَّخَذَةً مِنَ الْحَدِيدِ ، وَذَلِكَ مِنْ أَثَرِ صَنْعَةِ الْحَدِيدِ ، وَذَلِكَ قَبْلَ عَصْرِ تَدْوِينِ التَّارِيخِ ، وَالْعَصْرُ الَّذِي قَبْلَهُ يُعْرَفُ بِالْعَصْرِ الْحَجَرِيِّ .
وَقَدِ اتَّصَلَتْ بِتَعْيِينِ الزَّمَنِ الَّذِي ابْتُدِئَ فِيهِ صُنْعُ الْحَدِيدِ أَسَاطِيرُ وَاهِيَةٌ لَا يَنْضَبِطُ بِهَا تَارِيخُهُ ، وَالْمَقْطُوعُ بِهِ أَنَّ الْحَدِيدَ مُسْتَعْمَلٌ عِنْدَ الْبَشَرِ قَبْلَ ابْتِدَاءِ كِتَابَةِ التَّارِيخِ ، وَلِكَوْنِهِ يَأْكُلُهُ الصَّدَأُ عِنْدَ تَعَرُّضِهِ لِلْهَوَاءِ وَالرُّطُوبَةِ لَمْ يَبْقَ مِنْ آلَاتِهِ الْقَدِيمَةِ إِلَّا شَيْءٌ قَلِيلٌ ، وَقَدْ وُجِدَتْ فِي طِيبَةَ وَمَدَافِنِ الْفَرَاعِنَةِ فِي مَنْفِيسَ بِمِصْرَ صُوَرٌ عَلَى الْآثَارِ مَرْسُومٌ عَلَيْهَا : صُوَرُ خَزَائِنَ شَاحِذِينَ مُدَاهُمْ وَقَدْ صَبَغُوهَا فِي الصُّوَرِ بِاللَّوْنِ الْأَزْرَقِ لَوْنِ الْفُولَاذِ ، وَذَلِكَ فِي الْقَرْنِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ قَبْلَ التَّارِيخِ الْمَسِيحِيِّ ، وَقَدْ ذُكِرَ فِي التَّوْرَاةِ وَفِي الْحَدِيثِ قِصَّةُ الذَّبِيحِ ، وَقِصَّةُ اخْتِتَانِ
إِبْرَاهِيمَ بِالْقَدُومِ ، وَلَمْ يُذْكَرْ أَنَّ السِّكِّينَ وَلَا الْقَدُّومَ كَانَتَا مِنْ حَجَرِ الصَّوَّانِ ، فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ بِآلَةِ الْحَدِيدِ ، وَمِنَ الْحَدِيدِ تُتَّخَذُ السَّلَاسِلُ لِلْقَيْدِ ، وَالْمَقَامِعُ لِلضَّرْبِ ، وَسَيَأْتِي قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=21وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ فِي سُورَةِ الْحَجِّ .
وَالْخَلْقُ : بِمَعْنَى الْمَخْلُوقِ ، أَيْ أَوْ خَلْقًا آخَرَ مِمَّا يُعَظِّمُ فِي نُفُوسِكُمْ عَنْ قَبُولِهِ الْحَيَاةَ ، وَيَسْتَحِيلُ عِنْدَكُمْ عَلَى اللَّهِ إِحْيَاؤُهُ مِثْلَ الْفُولَاذِ وَالنُّحَاسِ .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=51مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ صِفَةٌ خَلْقًا ، وَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=51يَكْبُرُ يَعْظُمُ وَهُوَ عِظَمٌ مَجَازِيٌّ بِمَعْنَى الْقَوِيِّ فِي نَوْعِهِ وَصِفَاتِهِ ، وَالصُّدُورُ : الْعُقُولُ ، أَيْ مِمَّا تَعُدُّونَهُ عَظِيمًا لَا يَتَغَيَّرُ .
وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ الْمَرْدُودُ وَهُوَ قَوْلُهُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=49أَإِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ ، وَالتَّقْدِيرُ : كُونُوا أَشْيَاءَ أَبْعَدَ عَنْ قَبُولِ الْحَيَاةِ مِنَ الْعِظَامِ وَالرُّفَاتِ .
[ ص: 128 ] وَالْمَعْنَى : لَوْ كُنْتُمْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا لَأَحْيَاكُمُ اللَّهُ ; لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا كَوْنَهُمْ عِظَامًا حُجَّةً لِاسْتِحَالَةِ الْإِعَادَةِ ، فَرَدَّ عَلَيْهِمْ بِأَنَّ الْإِعَادَةَ مُقَدَّرَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى ، وَلَوْ كُنْتُمْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا ; لِأَنَّ الْحِجَارَةَ وَالْحَدِيدَ أَبْعَدُ عَنْ قَبُولِ الْحَيَاةِ مِنَ الْعِظَامِ وَالرُّفَاتِ إِذْ لَمْ يَسْبِقْ فِيهِمَا حُلُولُ الْحَيَاةِ قَطُّ بِخِلَافِ الرُّفَاتِ وَالْعِظَامِ .
وَالتَّفْرِيعُ فِي
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=51فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا عَلَى جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=50قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَيْ قُلْ لَهُمْ ذَلِكَ فَسَيَقُولُونَ لَكَ : مَنْ يُعِيدُنَا .
وَجُعِلَ سُؤَالُهُمْ هُنَا عَنِ الْمُعِيدِ لَا عَنْ أَصْلِ الْإِعَادَةِ ; لِأَنَّ الْبَحْثَ عَنِ الْمُعِيدِ أَدْخَلُ فِي الِاسْتِحَالَةِ مِنَ الْبَحْثِ عَنْ أَصْلِ الْإِعَادَةِ ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْجَوَابِ بِالتَّسْلِيمِ الْجَدَلِيِّ بَعْدَ الْجَوَابِ بِالْمَنْعِ فَإِنَّهُمْ نَفَوْا إِمْكَانَ إِحْيَاءِ الْمَوْتَى ، ثُمَّ انْتَقَلُوا إِلَى التَّسْلِيمِ الْجَدَلِيِّ ; لِأَنَّ التَّسْلِيمَ الْجَدَلِيَّ أَقْوَى ، فِي مُعَارَضَةِ الدَّعْوَى ، مِنَ الْمَنْعِ .
وَالِاسْتِفْهَامُ فِي
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=51مَنْ يُعِيدُنَا تَهَكُّمِيٌّ ، وَلَمَّا كَانَ قَوْلُهُمْ هَذَا مُحَقَّقُ الْوُقُوعِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَمَرَ النَّبِيءُ بِأَنْ يُحْيِيَهُمْ عِنْدَمَا يَقُولُونَهُ جَوَابَ تَعْيِينٍ لِمَنْ يُعِيدُهُمْ إِبْطَالًا لِلَازِمِ التَّهَكُّمِ ، وَهُوَ الِاسْتِحَالَةُ فِي نَظَرِهِمْ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=51قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ إِجْرَاءٌ لِظَاهِرِ اسْتِفْهَامِهِمْ عَلَى أَصْلِهِ بِحَمْلِهِ عَلَى خِلَافِ مُرَادِهِمْ ; لِأَنَّ ذَلِكَ أَجْدَرُ عَلَى طَرِيقَةِ الْأُسْلُوبِ الْحَكِيمِ لِزِيَادَةِ الْمُحَاجَّةِ ، كَقَوْلِهِ فِي مُحَاجَّةِ مُوسَى لِفِرْعَوْنَ
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=25قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ .
وَجِيءَ بِالْمُسْنَدِ إِلَيْهِ مَوْصُولًا ; لِقَصْدِ مَا فِي الصِّلَةِ مِنَ الْإِيمَاءِ إِلَى تَعْلِيلِ الْحُكْمِ بِأَنَّ الَّذِي فَطَرَهُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ قَادِرٌ عَلَى إِعَادَةِ خَلْقِهِمْ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=27وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لِقُدْرَتِهِ الَّتِي ابْتَدَأَ بِهَا خَلَقَكُمْ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى قَادِرٌ أَنْ يَخْلُقَكُمْ مَرَّةً ثَانِيَةً .
وَالْإِنْغَاضُ : التَّحْرِيكُ مِنْ أَعْلَى إِلَى أَسْفَلَ وَالْعَكْسُ ، فَإِنْغَاضُ الرَّأْسِ تَحْرِيكُهُ كَذَلِكَ ، وَهُوَ تَحْرِيكُ الِاسْتِهْزَاءِ .
[ ص: 129 ] وَاسْتَفْهَمُوا عَنْ وَقْتِهِ بِقَوْلِهِمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=51مَتَى هُوَ اسْتِفْهَامَ تَهَكُّمٍ أَيْضًا ، فَأَمَرَ الرَّسُولَ بِأَنْ يُجِيبَهُمْ جَوَابًا حَقًّا إِبْطَالًا لِلَازِمِ التَّهَكُّمِ ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي نَظِيرِهِ آنِفًا .
وَضَمِيرُ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=51مَتَى هُوَ عَائِدٌ إِلَى الْعَوْدِ الْمَأْخُوذِ مِنْ قَوْلِهِ يُعِيدُنَا كَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=8اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ، وَ ( عَسَى ) لِلرَّجَاءِ عَلَى لِسَانِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَالْمَعْنَى لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا .
وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=52يَوْمَ يَدْعُوكُمْ بَدَلٌ مِنَ الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فِي يَكُونَ مِنْ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=51أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا ، وَفَتْحَتُهُ فَتْحَةُ بِنَاءٍ ; لِأَنَّهُ أُضِيفَ إِلَى الْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِ يَكُونَ ، أَيْ يَكُونَ يَوْمَ يَدْعُوكُمْ ، وَفَتْحَتُهُ فَتْحَةُ نَصْبٍ عَلَى الظَّرْفِيَّةِ .
وَالدُّعَاءُ يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى حَقِيقَتِهِ ، أَيْ
nindex.php?page=treesubj&link=30336دُعَاءُ اللَّهِ النَّاسَ بِوَاسِطَةِ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ يَسُوقُونَ النَّاسَ إِلَى الْمَحْشَرِ .
وَيَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْأَمْرِ التَّكْوِينِيِّ بِإِحْيَائِهِمْ ، فَأَطْلَقَ عَلَيْهِ الدُّعَاءَ ; لِأَنَّ الدُّعَاءَ يَسْتَلْزِمُ إِحْيَاءَ الْمَدْعُوِّ ، وَحُصُولَ حُضُورِهِ ، فَهُوَ مَجَازٌ فِي الْإِحْيَاءِ وَالتَّسْخِيرِ لِحُضُورِ الْحِسَابِ .
وَالِاسْتِجَابَةُ مُسْتَعَارَةٌ لِمُطَاوَعَةِ مَعْنَى يَدْعُوكُمْ ، أَيْ فَتَحْيَوْنَ وَتَمْثُلُونَ لِلْحِسَابِ ، أَيْ يَدْعُوكُمْ وَأَنْتُمْ عِظَامٌ وَرُفَاتٌ ، وَلَيْسَ لِلْعِظَامِ وَالرُّفَاتِ إِدْرَاكٌ وَاسْتِمَاعٌ ، وَلَا ثَمَّ اسْتِجَابَةٌ ; لِأَنَّهَا فَرْعُ السَّمَاعِ ، وَإِنَّمَا هُوَ تَصْوِيرٌ لِسُرْعَةِ الْإِحْيَاءِ وَالْإِحْضَارِ وَسُرْعَةِ الِانْبِعَاثِ وَالْحُضُورِ لِلْحِسَابِ بِحَيْثُ يَحْصُلُ ذَلِكَ كَحُصُولِ اسْتِمَاعِ الدَّعْوَةِ وَاسْتِجَابَتِهَا فِي أَنَّهُ لَا مُعَالَجَةَ فِي تَحْصِيلِهِ وَحُصُولِهِ وَلَا رَيْثَ وَلَا بُطْءَ فِي زَمَانِهِ .
[ ص: 130 ] وَضَمَائِرُ الْخِطَابِ عَلَى هَذَا خِطَابٌ لِلْكُفَّارِ الْقَائِلِينَ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=51مَنْ يُعِيدُنَا وَالْقَائِلِينَ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=51مَتَى هُوَ .
وَالْبَاءُ فِي بِحَمْدِهِ لِلْمُلَابَسَةِ ، فَهِيَ فِي مَعْنَى الْحَالِ ، أَيْ حَامِدِينَ ، فَهُمْ إِذَا بُعِثُوا خُلِقَ فِيهِمْ إِدْرَاكُ الْحَقَائِقِ فَعَلِمُوا أَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ .
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِحَمْدِهِ مُتَعَلِّقًا بِمَحْذُوفٍ عَلَى أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ النَّبِيءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالتَّقْدِيرُ : انْطِقْ بِحَمْدِهِ ، كَمَا يُقَالُ : بِاسْمِ اللَّهِ ، أَيِ أَبْتَدِئُ ، وَكَمَا يُقَالُ لِلْمُعَرِّسِ : بِالْيُمْنِ وَالْبَرَكَةِ ، أَيِ احْمَدِ اللَّهَ عَلَى ظُهُورِ صِدْقِ مَا أَنْبَأْتُكُمْ بِهِ ، وَيَكُونُ اعْتِرَاضًا بَيْنَ الْمُتَعَاطِفَاتِ .
وَقِيلَ : إِنَّ قَوْلَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=52يَوْمَ يَدْعُوكُمْ اسْتِئْنَافُ كَلَامِ خِطَابٍ لِلْمُؤْمِنِينَ فَيَكُونُ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=52يَوْمَ يَدْعُوكُمْ مُتَعَلِّقًا بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ ، أَيِ اذْكُرُوا يَوْمَ يَدْعُوكُمْ ، وَالْحَمْدُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَحْمُولٌ عَلَى حَقِيقَتِهِ ، أَيْ تَسْتَجِيبُونَ حَامِدِينَ اللَّهَ عَلَى مَا مَنَحَكُمْ مِنَ الْإِيمَانِ وَعَلَى مَا أَعَدَّ لَكُمْ مِمَّا تُشَاهِدُونَ حِينَ انْبِعَاثِكُمْ مِنْ دَلَائِلِ الْكَرَامَةِ وَالْإِقْبَالِ .
وَأَمَّا جُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=52وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا فَهِيَ عَطْفٌ عَلَى تَسْتَجِيبُونَ ، أَيْ وَتَحْسَبُونَ أَنَّكُمْ مَا لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا ، وَالْمُرَادُ : التَّعْجِيبُ مِنْ هَذِهِ الْحَالَةِ ، وَلِذَلِكَ جَاءَ فِي بَعْضِ آيَاتٍ أُخْرَى سُؤَالُ الْمَوْلَى حِينَ يُبْعَثُونَ عَنْ مُدَّةِ لُبْثِهِمْ تَعْجِيبًا مِنْ حَالِهِمْ ، قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=112قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ، وَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=259فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ ، وَهَذَا التَّعْجِيبُ تَنْدِيمٌ لِلْمُشْرِكِينَ وَتَأْيِيدٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ، وَالْمُرَادُ هُنَا : أَنَّهُمْ ظَنُّوا ظَنًّا خَاطِئًا ، وَهُوَ مَحَلُّ التَّعْجِيبِ ، وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=114قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ فَمَعْنَاهُ : أَنَّهُ وَإِنْ طَالَ فَهُوَ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ لِأَيَّامِ اللَّهِ .