الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 276 ] وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا يتعين أن يكون هذا من كلام بعضهم لبعض على سبيل النصح والمشورة الصائبة ، وليس يلزم في حكاية أقوال القائلين أن تكون المحكيات كلها صادرة في وقت واحد ، فيجوز أن يكونوا قال بعضهم لبعض ذلك بعد اليأس من ارعواء قومهم عن فتنتهم في مقام آخر ، ويجوز أن يكون ذلك في نفس المقام الذي خاطبوا فيه قومهم بأن غيروا الخطاب من مواجهة قومهم إلى مواجهة بعضهم بعضا ، وهو ضرب من الالتفات ، فعلى الوجه الأول يكون فعل " اعتزلتموهم " مستعملا في إرادة الفعل ، مثل إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم ، وعلى الوجه الثاني يكون الاعتزال قد حصل فيما بين مقام خطابهم قومهم وبين مخاطبة بعضهم بعضا ، وعلى الاحتمالين فالقرآن اقتصر في حكاية أقوالهم على المقصد الأهم منها في الدلالة على ثباتهم دون ما سوى ذلك مما لا أثر له في الغرض ، وإنما هو مجرد قصص .

و ( إذ ) للظرفية المجازية بمعنى التعليل .

والاعتزال : التباعد والانفراد عن مخالطة الشيء ، فمعنى اعتزال القوم ترك مخالطتهم ، ومعنى اعتزال ما يعبدون : التباعد عن عبادة الأصنام .

والاستثناء في قوله إلا الله منقطع ; لأن الله تعالى لم يكن يعبده القوم .

والفاء للتفريع على جملة وإذ اعتزلتموهم باعتبار إفادتها معنى : اعتزلتم دينهم اعتزالا اعتقاديا ، فيقدر بعدها جملة نحو : اعتزلوهم اعتزال مفارقة فأووا إلى الكهف ، أو يقدر : وإذ اعتزلتم دينهم يعذبونكم فأووا [ ص: 277 ] إلى الكهف ، وجوز الفراء أن تضمن ( إذ ) معنى الشرط ، ويكون فأووا جوابها ، وعلى الشرط يتعين أن يكون " اعتزلتموهم " مستعملا في إرادة الاعتزال .

والأوي تقدم آنفا ، أي فاسكنوا الكهف .

والتعريف في " الكهف " يجوز أن يكون تعريف العهد ، بأن كان الكهف معهودا عندهم يتعبدون فيه من قبل ، ويجوز أن يكون تعريف الحقيقة مثل وأخاف أن يأكله الذئب ، أي فأووا إلى كهف من الكهوف ، وعلى هذا الاحتمال يكون إشارة منهم إلى سنة النصارى التي ذكرناها في أول هذه الآيات ، أو عادة المضطهدين من اليهود كما ارتأيناه هنالك .

ونشر الرحمة : توفر تعلقها بالمرحومين ، شبه تعليق الصفة المتكرر بنشر الثوب في أنه لا يبقي من الثوب شيئا مخفيا ، كما شبه بالبسط ، وشبه ضده بالطي وبالقبض .

والمرفق بفتح الميم وكسر الفاء : ما يرتفق به وينتفع ، وبذلك قرأ نافع وابن عامر وأبو جعفر ، وبكسر الميم وفتح الفاء وبه قرأ الباقون وتهيئته مستعارة للإكرام به والعناية ، تشبيها بتهيئة القرى للضيف المعتنى به ، وجزم " ينشر " في جواب الأمر ، وهو مبني على الثقة بالرجاء والدعاء ، وساقوه مساق الحاصل لشدة ثقتهم بلطف ربهم بالمؤمنين .

التالي السابق


الخدمات العلمية