الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه عطف بعض أحوالهم على بعض ، انتقل إلى ذكره بمناسبة الإشارة إلى تحقيق رجائهم في ربهم حين قال بعضهم لبعض ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا .

[ ص: 278 ] وهذا حال عظيم ، وهو ما هيأ الله لهم في أمرهم من مرفق ، وأن ذلك جزاؤهم على اهتدائهم ، وهو من لطف الله بهم .

والخطاب لغير معين ، والمعنى : يرى من تمكنه الرؤية ، وهذا كثير في الاستعمال ، ومنه قول النابغة :


ترى عافيات الطير قد وثقت لها بشبع من السخل العتاق الأكايل

وقد أوجز من الخبر أنهم لما قال بعضهم لبعض فأووا إلى الكهف أنهم أووا إليه ، والتقدير : فأخذوا بنصيحته ; فأووا إلى الكهف ، ودل عليه قوله في صدر القصة إذ أوى الفتية إلى الكهف فرد عجز الكلام على صدره .

و " تزاور " مضارع مشتق من الزور بفتح الزاي ، وهو الميل ، وقرأه نافع وابن كثير وأبو عمرو وأبو جعفر بفتح التاء وتشديد الزاي بعدها ألف وفتح الواو ، وأصله : تتزاور بتاءين أدغمت تاء التفاعل في الزاي تخفيفا .

وقرأه عاصم وحمزة والكسائي وخلف بتخفيف الزاي على حذف إحدى التاءين وهي تاء المضارعة للتخفيف اجتزاء برفع الفعل الدال على المضارعة ، وقرأه ابن عامر ويعقوب ( تزور ) بفتح التاء بعدها زاي ساكنة ، وبفتح الواو ، وتشديد الراء بوزن " تحمر " ، وكلها أبنية مشتقة من الزور بالتحريك ، وهو الميل عن المكان ، قال عنترة :


فازور من وقع القنا بلبانه

أي مال بعض بدنه إلى بعض وانقبض .

والإتيان بفعل المضارعة للدلالة على تكرر ذلك كل يوم و " تقرضهم " أي تنصرف عنهم ، وأصل القرض القطع ، أي أنها لا تطلع في كهفهم .

[ ص: 279 ] و ذات اليمين وذات الشمال بمعنى صاحبة ، وهي صفة لمحذوف يدل عليه الكلام ، أي الجهة صاحبة اليمين ، وتقدم الكلام على " ذات " عند قوله تعالى وأصلحوا ذات بينكم في سورة الأنفال .

والتعريف في ( اليمين ، والشمال ) عوض عن المضاف إليه ، أي : يمين الكهف وشماله ، فيدل على أن فم الكهف كان مفتوحا إلى الشمال الشرقي ، فالشمس إذا طلعت تطلع على جانب الكهف ولا تخترقه أشعتها ، وإذا غربت كانت أشعتها أبعد عن فم الكهف منها حين طلوعها .

وهذا وضع عجيب يسره الله لهم بحكمته ; ليكون داخل الكهف بحالة اعتدال ، فلا ينتاب البلى أجسادهم ، وذلك من آيات قدرة الله .

والفجوة : المتسع من داخل الكهف ، بحيث لم يكونوا قريبين من فم الكهف ، وفي تلك الفجوة عون على حفظ هذا الكهف كما هو .

التالي السابق


الخدمات العلمية