nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=26nindex.php?page=treesubj&link=28999_32450_31921قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=27قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=28قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل
حذف ما لقيه
موسى من
شعيب من الجزاء بإضافته وإطعامه ، وانتقل منه إلى عرض إحدى المرأتين على أبيها أن يستأجره للعمل في ماشيته ، إذ لم يكن لهم ببيتهم رجل يقوم بذلك ، وقد كبر أبوهما فلما رأت أمانته وورعه رأت أنه خير من يستأجر للعمل عندهم لقوته على العمل وأمانته .
والتاء في " أبت " عوض عن ياء المتكلم في النداء خاصة ، وهي يجوز كسرها وبه قرأ الجمهور . ويجوز فتحها وبه قرأ
ابن عامر وأبو جعفر .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=26إن خير من استأجرت القوي الأمين علة للإشارة عليه باستئجاره ، أي لأن مثله من يستأجر . وجاءت بكلمة جامعة مرسلة مثلا ؛ لما فيها من العموم ومطابقة الحقيقة بدون تخلف ، فالتعريف باللام في " القوي الأمين " للجنس مراد به العموم . والخطاب في " من استأجرت " موجه إلى
شعيب ، وصالح لأن يعم كل من يصلح للخطاب لتتم صلاحية هذا الكلام لأن يرسل مثلا . فالتقدير : من استأجر المستأجر . و " من " موصولة في معنى المعرف بلام الجنس إذ لا يراد بالصلة هنا وصف خاص بمعين .
وجعل " خير من استأجرت " مسندا إليه بجعله اسما ؛ لأن جعل " القوي
[ ص: 106 ] الأمين " خبرا مع صحة جعل " القوي الأمين " هو المسند إليه فإنهما متساويان في المعرفة من حيث إن المراد بالتعريف في الموصول المضاف إليه " خير " ، وفي المعرف باللام هنا العموم في كليهما ، فأوثر بالتقديم في جزأي الجملة ما هو أهم وأولى بالعناية وهو خير أجير ؛ لأن الجملة سيقت مساق التعليل لجملة " استأجره " فوصف الأجير أهم في مقام تعليلها ونفس السامع أشد ترقبا لحاله .
ومجيء هذا العموم عقب الحديث عن شخص معين يؤذن بأن المتحدث عنه ممن يشمله ذلك العموم ، فكان ذلك مصادفا المحز من البلاغة إذ صار إثبات الأمانة والقوة لهذا المتحدث عنه إثباتا للحكم بدليل . فتقدير معنى الكلام : استأجره فهو قوي أمين وإن خير من استأجر مستأجر القوي الأمين . فكانت الجملة مشتملة على خصوصية تقديم الأهم وعلى إيجاز الحذف وعلى المذهب الكلامي ، وبذلك استوفت غاية مقتضى الحال فكانت بالغة حد الإعجاز .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب أنه قال ( أشكو إلى الله ضعف الأمين وخيانة القوي ) . يريد أسأله أن يؤيدني بقوي أمين أستعين به .
والإشارة في قوله " هاتين " إلى المرأتين اللتين سقى لهما إن كانتا حاضرتين معا دون غيرهما من بنات
شعيب لتعلق القضية بشأنهما ، أو تكون الإشارة إليهما لحضورهما في ذهن
موسى باعتبار قرب عهده بالسقي لهما إن كانت الأخرى غائبة حينئذ .
وفيه جواز
nindex.php?page=treesubj&link=25319عرض الرجل مولاته على من يتزوجها رغبة في صلاحه . وجعل
لموسى اختيار إحداهما ؛ لأنه قد عرفها وكانت التي اختارها
موسى صفورة ، وهي الصغرى كما جاء في رواية
أبي ذر ، عن النبيء صلى الله عليه وسلم . وإنما اختارها دون أختها ؛ لأنها التي عرف أخلاقها باستحيائها وكلامها فكان ذلك ترجيحا لها عنده .
وكان هذا التخيير قبل انعقاد النكاح ، فليس فيه جهل المعقود عليها . وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=27على أن تأجرني ثماني حجج حرف " على " من صيغ الشرط في العقود . و " تأجرني " مضارع أجره مثل نصره إذا كان أجيرا له . والحجج اسم
[ ص: 107 ] جمع حجة بكسر الحاء وهي السنة ، مشتقة من اسم الحج ؛ لأن الحج يقع كل سنة وموسم الحج يقع في آخر شهر من السنة العربية .
والتزام جعل تزويجه مشروطا بعقد الإجارة بينهما عرض منه على
موسى ، وليس بعقد نكاح ولا إجارة حتى يرضى
موسى . وفي هذا العرض دليل لمسألة جمع عقد النكاح مع عقد الإجارة . والمسألة أصلها من السنة حديث
المرأة التي عرضت نفسها على النبيء صلى الله عليه وسلم فلم يتزوجها ، وزوجها من رجل كان حاضرا مجلسه ، ولم يكن عنده ما يصدقها فزوجه إياها بما معه من القرآن ، أي على أن يعلمها إياه .
والمشهور من مذهب
مالك أن
nindex.php?page=treesubj&link=11320_11315الشرط المقارن لعقد النكاح إن كان مما ينافي عقد النكاح فهو باطل ، ويفسخ النكاح قبل البناء ويثبت بعده بصداق المثل . وأما غير المنافي لعقد النكاح فلا يفسخ النكاح لأجله ، ولكن يلغى الشرط . وعن
مالك أيضا : تكره الشروط كلها ابتداء فإن وقع مضى . وقال
أشهب ،
وأصبغ : الشرط جائز ، واختاره
nindex.php?page=showalam&ids=12815أبو بكر بن العربي وهو الحق للآية ، ولقول النبيء صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342299أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم عليه الفروج .
وظاهر الآية أيضا أن الإجارة المذكورة جعلت مهرا للبنت . ويحتمل أن المشروط التزام الإجارة لا غير ، وأما المهر فتابع لما يعتبر في شرعهم ركنا في النكاح ، والشرائع قد تختلف في معاني الماهيات الشرعية . وإذا أخذنا بظاهر الآية كانت دالة على أنهما جعلا المهر منافع إجارة الزوج
لشعيب فيحتمل أن يكون ذلك برضاها ؛ لأنها سمعت وسكتت بناء على عوائد مرعية عندهم بأن ينتفع بتلك المنافع أبوها .
ويحتمل أن يكون لولي المرأة بالأصالة إن كان هو المستحق للمهر في تلك الشريعة ، فإن عوائد الأمم مختلفة في تزويج ولاياهم . وإذ قد كان في الآية إجمال لم تكن كافية في الاحتجاج على جواز جعل مهر المرأة منافع من إجارة زوجها فيرجع النظر في صحة
nindex.php?page=treesubj&link=33325جعل المهر إجارة إلى التخريج على قواعد الشريعة ، والدخول تحت عموم معنى المهر ، فإن منافع الإجارة ذات قيمة فلا مانع من أن تجعل مهرا . والتحقيق من مذهب
مالك أنه مكروه ويمضي . وأجازه
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وعبد الملك بن [ ص: 108 ] حبيب من المالكية . وقال
أبو حنيفة : لا يجوز جعل المهر منافع حر ويجوز كونه منافع عبد . ولم ير في الآية دليلا ؛ لأنها تحتمل عنده أن يكون النكاح مستوفيا شروطه فوقع الإجمال فيها . ووافقه
ابن القاسم من أصحاب
مالك .
وإذ قد كان
nindex.php?page=treesubj&link=22128حكم شرع من قبلنا مختلفا في جعله شرعا لنا كان حجة مختلفا فيها بين علماء أصول الفقه ، فزادها ضعفا في هذه الآية الإجمال الذي تطرقها فوجب الرجوع إلى أدلة أخرى من شريعة الإسلام . ودليل الجواز داخل تحت عموم معنى المهر . فإن كانت المنافع المجعولة مهرا حاصلة قبل البناء فالأمر ظاهر ، وإن كان بعضها أو جميعها لا يتحقق إلا بعد البناء كما في هذه الآية رجعت المسألة إلى النكاح بمهر مؤجل وهو مكروه غير باطل . وإلى الإجارة بعوض غير قابل للتبعيض بتبعيض العمل ، فإذا لم يتم الأجير العمل في هذه رجعت إلى مسألة عجز العامل عن العمل بعد أن قبض الأجر . وقد ورد في الصحيح وفي حديث
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342300المرأة التي وهبت نفسها للنبيء صلى الله عليه وسلم فظهر عليه أنه لم يقبلها وأن رجلا من أصحابه قال له : إن لم تكن لك بها حاجة فزوجنيها . قال : هل عندك ما تصدقها ؟ إلى أن قال له صلى الله عليه وسلم التمس ولو خاتما من حديد قال : ما عندي ولا خاتم من حديد ، وأن النبيء صلى الله عليه وسلم قال له : ما معك من القرآن ؟ قال : معي سورة كذا وسورة كذا لسور سماها . قال له : قد ملكتكها بما معك من القرآن . وفي رواية أن النبيء أمره أن nindex.php?page=treesubj&link=33323_32236يعلمها عشرين آية مما معه من القرآن وتكون امرأته . فإن صحت هذه الزيادة كان الحديث جاريا على وفق ما في هذه الآية وكان حجة لصحة جعل الصداق إجارة على عمل ، وإن لم تصح كما هو المشهور في كتب الصحيح فالقصة خصوصية يقتصر على موردها .
ولم يقع التعرض في الآية للعمل المستأجر عليه . وورد في سفر الخروج أنه رعى غنم
يثرون وهو شعيب ، ولا غرض للقرآن في بيان ذلك . ولم يقع التعرض إلى الأجر وقد علمت أن الظاهر أنه إنكاحه البنت فإذا لم نأخذ بهذا الظاهر كانت الآية غير متعرضة للأجر ، إذ لا غرض فيه من سوق القصة فيكون جاريا على ما هو متعارف عندهم في أجور الأعمال ، وكانت للقبائل عوائد في ذلك . وقد أدركت
[ ص: 109 ] منذ أول هذا القرن الرابع عشر أن راعي الغنم له في كل عام قميص وحذاء يسمى بلغة ونحو ذلك لا أضبطه الآن .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=27فإن أتممت عشرا فمن عندك جعل ذلك إلى
موسى تفضلا منه أن اختاره ووكله إلى ما تكون عليه حاله في منتهى الحجج الثمان من رغبة في الزيادة .
و " من " ابتدائية . و " عند " مستعملة في الذات والنفس مجازا ، والمجرور خبر مبتدأ محذوف ، والتقدير : فإتمام العشر من نفسك ، أي لا مني ، يعني : أن الإتمام ليس داخلا في العقدة التي هي من الجانبين فكان مفهوم الظرف معتبرا هنا .
واحتج
مالك بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=27إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن للأب إنكاح ابنته البكر بدون إذنها وهو أخذ بظاهرها إذ لم يتعرض لاستئذانها . ولمن يمنع ذلك أن يقول : إن عدم التعرض له لا يقتضي عدم وقوعه .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=27ستجدني إن شاء الله من الصالحين يريد الصالحين بالناس في حسن المعاملة ولين الجانب . قصد بذلك تعريف خلقه لصاحبه ، وليس هذا من تزكية النفس المنهي عنه ؛ لأن المنهي عنه ما قصد به قائله الفخر والتمدح ، فأما ما كان لغرض الدين أو المعاملة فذلك حاصل لداع حسن كما قال
يوسف nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=55اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم .
و " أشق عليك " معناه : أكون شاقا عليك ، أي مكلفك مشقة ، والمشقة : العسر والتعب والصعوبة في العمل . والأصل أن يوصف بالشاق العمل المتعب ، فإسناد " أشق " إلى ذاته إسناد مجازي ؛ لأنه سبب المشقة ، أي ما أريد أن أشترط عليك ما فيه مشقتك . وهذا من السماحة الوارد فيها حديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342301رحم الله امرأ سمحا إذا باع ، سمحا إذا اشترى . . .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=28قال ذلك بيني وبينك حكاية لجواب
موسى عن كلام
شعيب . واسم الإشارة إلى المذكور وهو
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=27على أن تأجرني ثماني حجج إلى آخره . وهذا قبول
موسى لما أوجبه
شعيب وبه تم التعاقد على النكاح وعلى الإجارة ، أي الأمر على ما شرطت علي وعليك . وأطلق بيني وبينك مجازا في معنى الثبوت واللزوم والارتباط ، أي كل فيما هو من عمله .
[ ص: 110 ] و " أيما " منصوب بـ " قضيت " . و " أي " اسم موصول مبهم مثل ( ما ) . وزيدت بعدها " ما " للتأكيد ليصير الموصول شبيها بأسماء الشرط ؛ لأن تأكيد ما في اسم الموصول من الإبهام يكسبه عموما فيشبه الشرط فلذلك جعل له جواب كجواب الشرط . والجملة كلها بدل اشتمال من جملة " ذلك بيني وبينك " ؛ لأن التخيير في منتهى الأجل مما اشتمل عليه التعاقد المفاد بجملة " ذلك بيني وبينك " والعدوان بضم العين : الاعتداء على الحق ، أي فلا تعتدي علي . فنفى جنس العدوان الذي منه عدوان مستأجره . واستشهد
موسى على نفسه وعلى
شعيب بشهادة الله .
وأصل الوكيل : الذي وكل إليه الأمر ، وأراد هنا أنه وكل على الوفاء بما تعاقدا عليه ، حتى إذا أخل أحدهما بشيء كان الله مؤاخذه . ولما ضمن الوكيل معنى الشاهد عدي بحرف " على " وكان حقه أن يعدى بـ ( إلى ) .
والعبرة من سياقة هذا الجزء من القصة المفتتح بقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=22ولما توجه تلقاء مدين إلى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=28والله على ما نقول وكيل هو ما تضمنته من فضائل الأعمال ومناقب أهل الكمال ، وكيف هيأ الله تعالى
موسى لتلقي الرسالة بأن قلبه في أطوار الفضائل ، وأعظمها معاشرة رسول من رسل الله ومصاهرته ، وما تتضمنه من خصال المروءة والفتوة التي استكنت في نفسه من فعل المعروف ، وإغاثة الملهوف ، والرأفة بالضعيف ، والزهد ، والقناعة ، وشكر ربه على ما أسدى إليه ، ومن العفاف والرغبة في عشرة الصالحين ، والعمل لهم ، والوفاء بالعقد ، والثبات على العهد حتى كان خاتمة ذلك تشريفه بالرسالة وما تضمنته من خصال النبوة التي أبداها
شعيب من حب القرى ، وتأمين الخائف ، والرفق في المعاملة ، ليعتبر المشركون بذلك إن كان لهم اعتبار في مقايسة تلك الأحوال بأجناسها من أحوال النبيء صلى الله عليه وسلم فيهتدوا إلى أن ما عرفوه به من زكي الخصال قبل رسالته ، وتقويم سيرته ، وإعانته على نوائب الحق ، وتزوجه أفضل امرأة من نساء قومه ، إن هي إلا خصال فاذة فيه بين قومه وإن هي إلا
[ ص: 111 ] بوارق لانهطال سحاب الوحي عليه . والله أعلم حيث يجعل رسالته وليأتسي المسلمون بالأسوة الحسنة من أخلاق أهل النبوءة والصلاح .
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=26nindex.php?page=treesubj&link=28999_32450_31921قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=27قَالَ إِنِّيَ أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِيَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=28قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ
حَذَفَ مَا لَقِيَهُ
مُوسَى مِنْ
شُعَيْبٍ مِنَ الْجَزَاءِ بِإِضَافَتِهِ وَإِطْعَامِهِ ، وَانْتَقَلَ مِنْهُ إِلَى عَرْضِ إِحْدَى الْمَرْأَتَيْنِ عَلَى أَبِيهَا أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ لِلْعَمَلِ فِي مَاشِيَتِهِ ، إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بِبَيْتِهِمْ رَجُلٌ يَقُومُ بِذَلِكَ ، وَقَدْ كَبُرَ أَبُوهُمَا فَلَمَّا رَأَتْ أَمَانَتَهُ وَوَرَعَهُ رَأَتْ أَنَّهُ خَيْرُ مَنْ يُسْتَأْجَرُ لِلْعَمَلِ عِنْدَهُمْ لِقُوَّتِهِ عَلَى الْعَمَلِ وَأَمَانَتِهِ .
وَالتَّاءُ فِي " أَبَتِ " عِوَضٌ عَنْ يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ فِي النِّدَاءِ خَاصَّةً ، وَهِيَ يَجُوزُ كَسْرُهَا وَبِهِ قَرَأَ الْجُمْهُورُ . وَيَجُوزُ فَتْحُهَا وَبِهِ قَرَأَ
ابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو جَعْفَرٍ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=26إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ عِلَّةٌ لِلْإِشَارَةِ عَلَيْهِ بِاسْتِئْجَارِهِ ، أَيْ لِأَنَّ مِثْلَهُ مَنْ يُسْتَأْجَرُ . وَجَاءَتْ بِكَلِمَةٍ جَامِعَةٍ مُرْسَلَةٍ مَثَلًا ؛ لِمَا فِيهَا مِنَ الْعُمُومِ وَمُطَابَقَةِ الْحَقِيقَةِ بِدُونِ تَخَلُّفٍ ، فَالتَّعْرِيفُ بِاللَّامِ فِي " الْقَوِيُّ الْأَمِينُ " لِلْجِنْسِ مُرَادٌ بِهِ الْعُمُومُ . وَالْخِطَابُ فِي " مَنِ اسْتَأْجَرْتَ " مُوَجَّهٌ إِلَى
شُعَيْبٍ ، وَصَالِحٌ لِأَنْ يَعُمَّ كُلَّ مَنْ يَصْلُحُ لِلْخِطَابِ لِتَتِمَّ صَلَاحِيَّةُ هَذَا الْكَلَامِ لِأَنْ يُرْسَلَ مَثَلًا . فَالتَّقْدِيرُ : مَنِ اسْتَأْجَرَ الْمُسْتَأْجِرُ . وَ " مَنْ " مَوْصُولَةٌ فِي مَعْنَى الْمُعَرَّفِ بِلَامِ الْجِنْسِ إِذْ لَا يُرَادُ بِالصِّلَةِ هُنَا وَصْفُ خَاصٍّ بِمُعَيَّنٍ .
وَجَعْلُ " خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ " مُسْنَدًا إِلَيْهِ بِجَعْلِهِ اسْمًا ؛ لِأَنَّ جَعْلَ " الْقَوِيُّ
[ ص: 106 ] الْأَمِينُ " خَبَرًا مَعَ صِحَّةِ جَعْلِ " الْقَوِيُّ الْأَمِينُ " هُوَ الْمُسْنَدَ إِلَيْهِ فَإِنَّهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فِي الْمَعْرِفَةِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ الْمُرَادَ بِالتَّعْرِيفِ فِي الْمَوْصُولِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ " خَيْرَ " ، وَفِي الْمُعَرَّفِ بِاللَّامِ هُنَا الْعُمُومُ فِي كِلَيْهِمَا ، فَأُوثِرَ بِالتَّقْدِيمِ فِي جُزْأَيِ الْجُمْلَةِ مَا هُوَ أَهَمُّ وَأَوْلَى بِالْعِنَايَةِ وَهُوَ خَيْرُ أَجِيرٍ ؛ لِأَنَّ الْجُمْلَةَ سِيقَتْ مَسَاقَ التَّعْلِيلِ لِجُمْلَةِ " اسْتَأْجَرَهُ " فَوَصْفُ الْأَجِيرِ أَهَمُّ فِي مَقَامِ تَعْلِيلِهَا وَنَفْسُ السَّامِعِ أَشَدُّ تَرَقُّبًا لِحَالِهِ .
وَمَجِيءُ هَذَا الْعُمُومِ عَقِبَ الْحَدِيثِ عَنْ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ يُؤْذِنُ بِأَنَّ الْمُتَحَدَّثَ عَنْهُ مِمَّنْ يَشْمَلُهُ ذَلِكَ الْعُمُومُ ، فَكَانَ ذَلِكَ مُصَادِفًا الْمَحَزَّ مِنَ الْبَلَاغَةِ إِذْ صَارَ إِثْبَاتُ الْأَمَانَةِ وَالْقُوَّةِ لِهَذَا الْمُتَحَدَّثِ عَنْهُ إِثْبَاتًا لِلْحُكْمِ بِدَلِيلٍ . فَتَقْدِيرُ مَعْنَى الْكَلَامِ : اسْتَأْجِرْهُ فَهُوَ قَوِيٌّ أَمِينٌ وَإِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرَ مُسْتَأْجِرٌ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ . فَكَانَتِ الْجُمْلَةُ مُشْتَمِلَةً عَلَى خُصُوصِيَّةِ تَقْدِيمِ الْأَهَمِّ وَعَلَى إِيجَازِ الْحَذْفِ وَعَلَى الْمَذْهَبِ الْكَلَامِيِّ ، وَبِذَلِكَ اسْتَوْفَتْ غَايَةَ مُقْتَضَى الْحَالِ فَكَانَتْ بَالِغَةً حَدَّ الْإِعْجَازِ .
وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَالَ ( أَشْكُو إِلَى اللَّهِ ضَعْفَ الْأَمِينِ وَخِيَانَةَ الْقَوِيِّ ) . يُرِيدُ أَسْأَلُهُ أَنْ يُؤَيِّدَنِي بِقَوِيٍّ أَمِينٍ أَسْتَعِينُ بِهِ .
وَالْإِشَارَةُ فِي قَوْلِهِ " هَاتَيْنِ " إِلَى الْمَرْأَتَيْنِ اللَّتَيْنِ سَقَى لَهُمَا إِنْ كَانَتَا حَاضِرَتَيْنِ مَعًا دُونَ غَيْرِهِمَا مِنْ بَنَاتِ
شُعَيْبٍ لِتَعَلُّقِ الْقَضِيَّةِ بِشَأْنِهِمَا ، أَوْ تَكُونُ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِمَا لِحُضُورِهِمَا فِي ذِهْنِ
مُوسَى بِاعْتِبَارِ قُرْبِ عَهْدِهِ بِالسَّقْيِ لَهُمَا إِنْ كَانَتِ الْأُخْرَى غَائِبَةً حِينَئِذٍ .
وَفِيهِ جَوَازُ
nindex.php?page=treesubj&link=25319عَرْضِ الرَّجُلِ مَوْلَاتِهِ عَلَى مَنْ يَتَزَوَّجُهَا رَغْبَةً فِي صَلَاحِهِ . وَجَعَلَ
لِمُوسَى اخْتِيَارَ إِحْدَاهُمَا ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عَرَفَهَا وَكَانَتِ الَّتِي اخْتَارَهَا
مُوسَى صَفُّورَةَ ، وَهِيَ الصُّغْرَى كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَةِ
أَبِي ذَرٍّ ، عَنِ النَّبِيءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَإِنَّمَا اخْتَارَهَا دُونَ أُخْتِهَا ؛ لِأَنَّهَا الَّتِي عَرَفَ أَخْلَاقَهَا بِاسْتِحْيَائِهَا وَكَلَامِهَا فَكَانَ ذَلِكَ تَرْجِيحًا لَهَا عِنْدَهُ .
وَكَانَ هَذَا التَّخْيِيرُ قَبْلَ انْعِقَادِ النِّكَاحِ ، فَلَيْسَ فِيهِ جَهْلُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهَا . وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=27عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ حَرْفُ " عَلَى " مَنْ صِيَغِ الشَّرْطِ فِي الْعُقُودِ . وَ " تَأْجُرُنِي " مُضَارِعُ أَجَرَهُ مِثْلُ نَصَرَهُ إِذَا كَانَ أَجِيرًا لَهُ . وَالْحِجَجُ اسْمٌ
[ ص: 107 ] جَمْعُ حِجَّةٍ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَهِيَ السَّنَةُ ، مُشْتَقَّةٌ مِنِ اسْمِ الْحَجِّ ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ يَقَعُ كُلَّ سَنَةٍ وَمَوْسِمُ الْحَجِّ يَقَعُ فِي آخِرِ شَهْرٍ مِنَ السَّنَةِ الْعَرَبِيَّةِ .
وَالْتِزَامُ جَعْلِ تَزْوِيجِهِ مَشْرُوطًا بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ بَيْنَهُمَا عَرْضٌ مِنْهُ عَلَى
مُوسَى ، وَلَيْسَ بِعَقْدِ نِكَاحٍ وَلَا إِجَارَةٍ حَتَّى يَرْضَى
مُوسَى . وَفِي هَذَا الْعَرْضِ دَلِيلٌ لِمَسْأَلَةِ جَمْعِ عَقْدِ النِّكَاحِ مَعَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ . وَالْمَسْأَلَةُ أَصْلُهَا مِنَ السُّنَّةِ حَدِيثُ
الْمَرْأَةِ الَّتِي عَرَضَتْ نَفْسَهَا عَلَى النَّبِيءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَتَزَوَّجْهَا ، وَزَوَّجَهَا مِنْ رَجُلٍ كَانَ حَاضِرًا مَجْلِسَهُ ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ مَا يُصْدِقُهَا فَزَوَّجَهُ إِيَّاهَا بِمَا مَعَهُ مِنَ الْقُرْآنِ ، أَيْ عَلَى أَنْ يُعَلِّمَهَا إِيَّاهُ .
وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ
مَالِكٍ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=11320_11315الشَّرْطَ الْمُقَارِنَ لِعَقْدِ النِّكَاحِ إِنْ كَانَ مِمَّا يُنَافِي عَقْدَ النِّكَاحِ فَهُوَ بَاطِلٌ ، وَيُفْسَخُ النِّكَاحُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ . وَأَمَّا غَيْرُ الْمُنَافِي لِعَقْدِ النِّكَاحِ فَلَا يُفْسَخُ النِّكَاحُ لِأَجْلِهِ ، وَلَكِنْ يُلْغَى الشَّرْطُ . وَعَنْ
مَالِكٍ أَيْضًا : تُكْرَهُ الشُّرُوطُ كُلُّهَا ابْتِدَاءً فَإِنْ وَقَعَ مَضَى . وَقَالَ
أَشْهَبُ ،
وَأَصْبَغُ : الشَّرْطُ جَائِزٌ ، وَاخْتَارَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12815أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ وَهُوَ الْحَقُّ لِلْآيَةِ ، وَلِقَوْلِ النَّبِيءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342299أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ يُوَفَّى بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ عَلَيْهِ الْفُرُوجَ .
وَظَاهِرُ الْآيَةِ أَيْضًا أَنَّ الْإِجَارَةَ الْمَذْكُورَةَ جُعِلَتْ مَهْرًا لِلْبِنْتِ . وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَشْرُوطَ الْتِزَامُ الْإِجَارَةِ لَا غَيْرُ ، وَأَمَّا الْمَهْرُ فَتَابِعٌ لِمَا يُعْتَبَرُ فِي شَرْعِهِمْ رُكْنًا فِي النِّكَاحِ ، وَالشَّرَائِعُ قَدْ تَخْتَلِفُ فِي مَعَانِي الْمَاهِيَّاتِ الشَّرْعِيَّةِ . وَإِذَا أَخَذْنَا بِظَاهِرِ الْآيَةِ كَانَتْ دَالَّةً عَلَى أَنَّهُمَا جَعَلَا الْمَهْرَ مَنَافِعَ إِجَارَةِ الزَّوْجِ
لِشُعَيْبٍ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِرِضَاهَا ؛ لِأَنَّهَا سَمِعَتْ وَسَكَتَتْ بِنَاءً عَلَى عَوَائِدَ مَرْعِيَّةٍ عِنْدَهُمْ بِأَنْ يَنْتَفِعَ بِتِلْكَ الْمَنَافِعِ أَبُوهَا .
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِوَلِيِّ الْمَرْأَةِ بِالْأَصَالَةِ إِنْ كَانَ هُوَ الْمُسْتَحِقَّ لِلْمَهْرِ فِي تِلْكَ الشَّرِيعَةِ ، فَإِنَّ عَوَائِدَ الْأُمَمِ مُخْتَلِفَةٌ فِي تَزْوِيجِ وَلَايَاهُمْ . وَإِذْ قَدْ كَانَ فِي الْآيَةِ إِجْمَالٌ لَمْ تَكُنْ كَافِيَةً فِي الِاحْتِجَاجِ عَلَى جَوَازِ جَعْلِ مَهْرِ الْمَرْأَةِ مَنَافِعَ مِنْ إِجَارَةِ زَوْجِهَا فَيَرْجِعُ النَّظَرُ فِي صِحَّةِ
nindex.php?page=treesubj&link=33325جَعْلِ الْمَهْرِ إِجَارَةً إِلَى التَّخْرِيجِ عَلَى قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ ، وَالدُّخُولِ تَحْتَ عُمُومِ مَعْنَى الْمَهْرِ ، فَإِنَّ مَنَافِعَ الْإِجَارَةِ ذَاتُ قِيمَةٍ فَلَا مَانِعَ مِنْ أَنْ تُجْعَلَ مَهْرًا . وَالتَّحْقِيقُ مِنْ مَذْهَبِ
مَالِكٍ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ وَيَمْضِي . وَأَجَازَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ [ ص: 108 ] حَبِيبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ . وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ : لَا يَجُوزُ جَعْلُ الْمَهْرِ مَنَافِعَ حُرٍّ وَيَجُوزُ كَوْنُهُ مَنَافِعَ عَبْدٍ . وَلَمْ يَرَ فِي الْآيَةِ دَلِيلًا ؛ لِأَنَّهَا تَحْتَمِلُ عِنْدَهُ أَنْ يَكُونَ النِّكَاحُ مُسْتَوْفِيًا شُرُوطَهُ فَوَقَعَ الْإِجْمَالُ فِيهَا . وَوَافَقَهُ
ابْنُ الْقَاسِمِ مِنْ أَصْحَابِ
مَالِكٍ .
وَإِذْ قَدْ كَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=22128حُكْمُ شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا مُخْتَلِفًا فِي جَعْلِهِ شَرْعًا لَنَا كَانَ حُجَّةً مُخْتَلَفًا فِيهَا بَيْنَ عُلَمَاءِ أُصُولِ الْفِقْهِ ، فَزَادَهَا ضَعْفًا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْإِجْمَالُ الَّذِي تَطَرَّقَهَا فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إِلَى أَدِلَّةٍ أُخْرَى مِنْ شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ . وَدَلِيلُ الْجَوَازِ دَاخِلٌ تَحْتَ عُمُومِ مَعْنَى الْمَهْرِ . فَإِنْ كَانَتِ الْمَنَافِعُ الْمَجْعُولَةُ مَهْرًا حَاصِلَةً قَبْلَ الْبِنَاءِ فَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ ، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهَا أَوْ جَمِيعُهَا لَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا بَعْدَ الْبِنَاءِ كَمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ رَجَعَتِ الْمَسْأَلَةُ إِلَى النِّكَاحِ بِمَهْرٍ مُؤَجَّلٍ وَهُوَ مَكْرُوهٌ غَيْرُ بَاطِلٍ . وَإِلَى الْإِجَارَةِ بِعِوَضٍ غَيْرِ قَابِلٍ لِلتَّبْعِيضِ بِتَبْعِيضِ الْعَمَلِ ، فَإِذَا لَمْ يُتِمَّ الْأَجِيرُ الْعَمَلَ فِي هَذِهِ رَجَعَتْ إِلَى مَسْأَلَةِ عَجْزِ الْعَامِلِ عَنِ الْعَمَلِ بَعْدَ أَنْ قَبَضَ الْأَجْرَ . وَقَدْ وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ وَفِي حَدِيثِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342300الْمَرْأَةِ الَّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَظَهَرَ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَقْبَلْهَا وَأَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ قَالَ لَهُ : إِنْ لَمْ تَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا . قَالَ : هَلْ عِنْدَكَ مَا تُصْدِقُهَا ؟ إِلَى أَنْ قَالَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْتَمَسَ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ قَالَ : مَا عِنْدِي وَلَا خَاتَمٌ مِنْ حَدِيدٍ ، وَأَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ : مَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ ؟ قَالَ : مَعِي سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا لِسُوَرٍ سَمَّاهَا . قَالَ لَهُ : قَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ . وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ النَّبِيءَ أَمَرَهُ أَنْ nindex.php?page=treesubj&link=33323_32236يُعَلِّمَهَا عِشْرِينَ آيَةً مِمَّا مَعَهُ مِنَ الْقُرْآنِ وَتَكُونُ امْرَأَتَهُ . فَإِنْ صَحَّتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ كَانَ الْحَدِيثُ جَارِيًا عَلَى وَفْقِ مَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَكَانَ حُجَّةً لِصِحَّةِ جَعْلِ الصَّدَاقِ إِجَارَةً عَلَى عَمَلٍ ، وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ الصَّحِيحِ فَالْقِصَّةُ خُصُوصِيَّةٌ يُقْتَصَرُ عَلَى مَوْرِدِهَا .
وَلَمْ يَقَعِ التَّعَرُّضُ فِي الْآيَةِ لِلْعَمَلِ الْمُسْتَأْجَرِ عَلَيْهِ . وَوَرَدَ فِي سِفْرِ الْخُرُوجِ أَنَّهُ رَعَى غَنَمَ
يَثْرُونَ وَهُوَ شُعَيْبٌ ، وَلَا غَرَضَ لِلْقُرْآنِ فِي بَيَانِ ذَلِكَ . وَلَمْ يَقَعِ التَّعَرُّضُ إِلَى الْأَجْرِ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ إِنْكَاحُهُ الْبِنْتَ فَإِذَا لَمْ نَأْخُذْ بِهَذَا الظَّاهِرِ كَانَتِ الْآيَةُ غَيْرَ مُتَعَرِّضَةٍ لِلْأَجْرِ ، إِذْ لَا غَرَضَ فِيهِ مِنْ سَوْقِ الْقِصَّةِ فَيَكُونُ جَارِيًا عَلَى مَا هُوَ مُتَعَارَفٌ عِنْدَهُمْ فِي أُجُورِ الْأَعْمَالِ ، وَكَانَتْ لِلْقَبَائِلِ عَوَائِدُ فِي ذَلِكَ . وَقَدْ أَدْرَكْتُ
[ ص: 109 ] مُنْذُ أَوَّلِ هَذَا الْقَرْنِ الرَّابِعَ عَشَرَ أَنَّ رَاعِيَ الْغَنَمِ لَهُ فِي كُلِّ عَامٍ قَمِيصٌ وَحِذَاءٌ يُسَمَّى بَلْغَةً وَنَحْوُ ذَلِكَ لَا أَضْبُطُهُ الْآنَ .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=27فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ جَعَلَ ذَلِكَ إِلَى
مُوسَى تَفَضُّلًا مِنْهُ أَنِ اخْتَارَهُ وَوَكَّلَهُ إِلَى مَا تَكُونُ عَلَيْهِ حَالُهُ فِي مُنْتَهَى الْحِجَجِ الثَّمَانِ مِنْ رَغْبَةٍ فِي الزِّيَادَةِ .
وَ " مِنْ " ابْتِدَائِيَّةٌ . وَ " عِنْدَ " مُسْتَعْمَلَةٌ فِي الذَّاتِ وَالنَّفْسِ مَجَازًا ، وَالْمَجْرُورُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ ، وَالتَّقْدِيرُ : فَإِتْمَامُ الْعَشْرِ مِنْ نَفْسِكَ ، أَيْ لَا مِنِّي ، يَعْنِي : أَنَّ الْإِتْمَامَ لَيْسَ دَاخِلًا فِي الْعُقْدَةِ الَّتِي هِيَ مِنَ الْجَانِبَيْنِ فَكَانَ مَفْهُومُ الظَّرْفِ مُعْتَبَرًا هُنَا .
وَاحْتَجَّ
مَالِكٌ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=27إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنَّ لِلْأَبِ إِنْكَاحَ ابْنَتِهِ الْبِكْرِ بِدُونِ إِذْنِهَا وَهُوَ أَخْذٌ بِظَاهِرِهَا إِذْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِاسْتِئْذَانِهَا . وَلِمَنْ يَمْنَعُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ : إِنَّ عَدَمَ التَّعَرُّضِ لَهُ لَا يَقْتَضِي عَدَمَ وُقُوعِهِ .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=27سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ يُرِيدُ الصَّالِحِينَ بِالنَّاسِ فِي حُسْنِ الْمُعَامَلَةِ وَلِينِ الْجَانِبِ . قَصَدَ بِذَلِكَ تَعْرِيفَ خُلُقِهِ لِصَاحِبِهِ ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ تَزْكِيَةِ النَّفْسِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ مَا قَصَدَ بِهِ قَائِلُهُ الْفَخْرَ وَالتَّمَدُّحَ ، فَأَمَّا مَا كَانَ لِغَرَضِ الدِّينِ أَوِ الْمُعَامَلَةِ فَذَلِكَ حَاصِلٌ لِدَاعٍ حَسَنٍ كَمَا قَالَ
يُوسُفُ nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=55اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ .
وَ " أَشُقَّ عَلَيْكَ " مَعْنَاهُ : أَكُونَ شَاقًّا عَلَيْكَ ، أَيْ مُكَلِّفَكَ مَشَقَّةً ، وَالْمَشَقَّةُ : الْعُسْرُ وَالتَّعَبُ وَالصُّعُوبَةُ فِي الْعَمَلِ . وَالْأَصْلُ أَنْ يُوصَفَ بِالشَّاقِّ الْعَمَلُ الْمُتْعِبُ ، فَإِسْنَادُ " أَشُقَّ " إِلَى ذَاتِهِ إِسْنَادٌ مَجَازِيٌّ ؛ لِأَنَّهُ سَبَبُ الْمَشَقَّةِ ، أَيْ مَا أُرِيدُ أَنْ أَشْتَرِطَ عَلَيْكَ مَا فِيهِ مَشَقَّتُكَ . وَهَذَا مِنَ السَّمَاحَةِ الْوَارِدِ فِيهَا حَدِيثُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342301رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً سَمْحًا إِذَا بَاعَ ، سَمَحًا إِذَا اشْتَرَى . . .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=28قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ حِكَايَةٌ لِجَوَابِ
مُوسَى عَنْ كَلَامِ
شُعَيْبٍ . وَاسْمُ الْإِشَارَةِ إِلَى الْمَذْكُورِ وَهُوَ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=27عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ إِلَى آخِرِهِ . وَهَذَا قَبُولُ
مُوسَى لِمَا أَوْجَبَهُ
شُعَيْبٌ وَبِهِ تَمَّ التَّعَاقُدُ عَلَى النِّكَاحِ وَعَلَى الْإِجَارَةِ ، أَيِ الْأَمْرُ عَلَى مَا شَرَطْتَ عَلَيَّ وَعَلَيْكَ . وَأَطْلَقَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ مَجَازًا فِي مَعْنَى الثُّبُوتِ وَاللُّزُومِ وَالِارْتِبَاطِ ، أَيْ كُلٌّ فِيمَا هُوَ مِنْ عَمَلِهِ .
[ ص: 110 ] وَ " أَيَّمَا " مَنْصُوبٌ بِـ " قَضَيْتُ " . وَ " أَيَّ " اسْمٌ مَوْصُولٌ مُبْهَمٌ مِثْلُ ( مَا ) . وَزِيدَتْ بَعْدَهَا " مَا " لِلتَّأْكِيدِ لِيَصِيرَ الْمَوْصُولُ شَبِيهًا بِأَسْمَاءِ الشَّرْطِ ؛ لِأَنَّ تَأْكِيدَ مَا فِي اسْمِ الْمَوْصُولِ مِنَ الْإِبْهَامِ يُكْسِبُهُ عُمُومًا فَيُشْبِهُ الشَّرْطَ فَلِذَلِكَ جُعِلَ لَهُ جَوَابٌ كَجَوَابِ الشَّرْطِ . وَالْجُمْلَةُ كُلُّهَا بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنْ جُمْلَةِ " ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ " ؛ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ فِي مُنْتَهَى الْأَجَلِ مِمَّا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ التَّعَاقُدُ الْمُفَادُ بِجُمْلَةِ " ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ " وَالْعُدْوَانُ بِضَمِّ الْعَيْنِ : الِاعْتِدَاءُ عَلَى الْحَقِّ ، أَيْ فَلَا تَعْتَدِي عَلَيَّ . فَنَفَى جِنْسَ الْعُدْوَانِ الَّذِي مِنْهُ عُدْوَانُ مُسْتَأْجِرِهِ . وَاسْتَشْهَدَ
مُوسَى عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى
شُعَيْبٍ بِشَهَادَةِ اللَّهِ .
وَأَصْلُ الْوَكِيلِ : الَّذِي وُكِّلَ إِلَيْهِ الْأَمْرُ ، وَأَرَادَ هُنَا أَنَّهُ وُكِّلَ عَلَى الْوَفَاءِ بِمَا تَعَاقَدَا عَلَيْهِ ، حَتَّى إِذَا أَخَلَّ أَحَدُهُمَا بِشَيْءٍ كَانَ اللَّهُ مُؤَاخِذَهُ . وَلَمَّا ضُمِّنَ الْوَكِيلُ مَعْنَى الشَّاهِدِ عُدِّيَ بِحَرْفِ " عَلَى " وَكَانَ حَقُّهُ أَنْ يُعَدَّى بِـ ( إِلَى ) .
وَالْعِبْرَةُ مِنْ سِيَاقَةِ هَذَا الْجُزْءِ مِنَ الْقِصَّةِ الْمُفْتَتَحِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=22وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ إِلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=28وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ هُوَ مَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ وَمَنَاقِبِ أَهْلِ الْكَمَالِ ، وَكَيْفَ هَيَّأَ اللَّهُ تَعَالَى
مُوسَى لِتَلَقِّي الرِّسَالَةِ بِأَنْ قَلَّبَهُ فِي أَطْوَارِ الْفَضَائِلِ ، وَأَعْظَمُهَا مُعَاشَرَةُ رَسُولٍ مِنْ رُسُلِ اللَّهِ وَمُصَاهَرَتُهُ ، وَمَا تَتَضَمَّنَهُ مِنْ خِصَالِ الْمُرُوءَةِ وَالْفُتُوَّةِ الَّتِي اسْتَكَنَّتْ فِي نَفْسِهِ مِنْ فِعْلِ الْمَعْرُوفِ ، وَإِغَاثَةِ الْمَلْهُوفِ ، وَالرَّأْفَةِ بِالضَّعِيفِ ، وَالزُّهْدِ ، وَالْقَنَاعَةِ ، وَشُكْرِ رَبِّهِ عَلَى مَا أَسْدَى إِلَيْهِ ، وَمِنَ الْعَفَافِ وَالرَّغْبَةِ فِي عِشْرَةِ الصَّالِحِينَ ، وَالْعَمَلِ لَهُمْ ، وَالْوَفَاءِ بِالْعَقْدِ ، وَالثَّبَاتِ عَلَى الْعَهْدِ حَتَّى كَانَ خَاتِمَةُ ذَلِكَ تَشْرِيفَهُ بِالرِّسَالَةِ وَمَا تَضَمَّنَتْهُ مِنْ خِصَالِ النُّبُوَّةِ الَّتِي أَبْدَاهَا
شُعَيْبٌ مِنْ حُبِّ الْقِرَى ، وَتَأْمِينِ الْخَائِفِ ، وَالرِّفْقِ فِي الْمُعَامَلَةِ ، لِيَعْتَبِرَ الْمُشْرِكُونَ بِذَلِكَ إِنْ كَانَ لَهُمُ اعْتِبَارٌ فِي مُقَايَسَةِ تِلْكَ الْأَحْوَالِ بِأَجْنَاسِهَا مِنْ أَحْوَالِ النَّبِيءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَهْتَدُوا إِلَى أَنَّ مَا عَرَفُوهُ بِهِ مِنْ زَكِيِّ الْخِصَالِ قَبْلَ رِسَالَتِهِ ، وَتَقْوِيمِ سِيرَتِهِ ، وَإِعَانَتِهِ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ ، وَتَزَوُّجِهِ أَفْضَلَ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَاءِ قَوْمِهِ ، إِنْ هِيَ إِلَّا خِصَالٌ فَاذَّةٌ فِيهِ بَيْنَ قَوْمِهِ وَإِنْ هِيَ إِلَّا
[ ص: 111 ] بِوَارِقُ لِانْهِطَالِ سَحَابِ الْوَحْيِ عَلَيْهِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ وَلِيَأْتَسِيَ الْمُسْلِمُونَ بِالْأُسْوَةِ الْحَسَنَةِ مِنْ أَخْلَاقِ أَهْلِ النُّبُوءَةِ وَالصَّلَاحِ .