[ ص: 222 ] nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=14nindex.php?page=treesubj&link=29000_31828_31832_31836ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما فأخذهم الطوفان وهم ظالمون nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=15فأنجيناه وأصحاب السفينة وجعلناها آية للعالمين
سيقت هذه القصة واللاتي بعدها شواهد على ما لقي الرسل والذين آمنوا معهم من تكذيب المشركين ، كما صرح به قوله عقب القصتين
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=18وإن تكذبوا فقد كذب أمم من قبلكم على أحد الوجهين الآتيين .
وابتدئت القصص بقصة أول رسول بعثه الله لأهل الأرض ، فإن لأوليات الحوادث وقعا في نفوس المتأملين في التاريخ ، وقد تقدم تفصيل قصته في سورة هود .
وزادت هذه الآية أنه لبث في قومه تسعمائة وخمسين سنة . وظاهر الآية أن هذه مدة رسالته إلى قومه ، ولا غرض في معرفة عمره يوم بعثه الله إلى قومه ، وفي ذلك اختلاف بين المفسرين ، وفائدة ذكر هذه المدة للدلالة على شدة مصابرته على أذى قومه ودوامه على إبلاغ الدعوة تثبيتا للنبيء - صلى الله عليه وسلم - . وأوثر تمييز ألف بـ سنة لطلب الخفة بلفظ سنة ، وميز خمسين بلفظ عاما ؛ لئلا يكرر لفظ " سنة " .
والفاء من قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=14فأخذهم الطوفان عطف على أرسلنا كما عطف عليه فلبث ، وقد طوي ذكر ما ترتب عليه أخذهم بالطوفان ، وهو استمرار تكذيبهم .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=14وهم ظالمون حال ، أي أخذهم وهم متلبسون بالظلم - أي الشرك وتكذيب الرسول - تلبسا ثابتا لهم متقررا ، وهذا تعريض للمشركين بأنهم سيأخذهم عذاب .
وفاء فأنجيناه عطف على
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=14فأخذهم الطوفان ، وهذا إيماء إلى أن الله منجي المؤمنين من العذاب .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=15وجعلناها آية للعالمين الضمير للسفينة . ومعنى كونها آية أنها دليل على وقوع الطوفان عذابا من الله للمكذبين الرسل ، فكانت السفينة آية ماثلة في
[ ص: 223 ] عصور جميع الأمم الذين جاءتهم الرسل بعد
نوح موعظة للمكذبين وحجة للمؤمنين . وقد أبقى الله بقية السفينة إلى صدر الأمة الإسلامية ، ففي صحيح البخاري : قال
قتادة : بقيت بقايا السفينة على الجودي حتى نظرتها أوائل هذه الأمة . ويقال : إنها دامت إلى أوائل الدولة العباسية ثم غمرتها الثلوج . وكان
الجودي قرب " باقردى " وهي قرية من
جزيرة ابن عمر بالموصل شرقي دجلة "
وباقردى " بموحدة بعدها ألف ، ثم قاف مكسورة ، ويجوز فتحها ، ودال فألف مقصورة . وقال تعالى في سورة القمر :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=15ولقد تركناها آية فهل من مدكر .
وإنما قال للعالمين الشامل لجميع سكان الأرض ؛ لأن من لم يشاهد بقايا سفينة
نوح يشاهد السفن فيتذكر سفينة
نوح وكيف كان صنعها بوحي من الله لإنجاء
نوح ومن شاء الله نجاته ؛ ولأن الذين من أهل قريتها يخبرون عنها تنقل أخبارهم فتصير متواترة .
هذا وقد وقع في الإصحاح الثامن من سفر التكوين من التوراة " واستقر الفلك على
جبال أراراط " ، وقد اختلف الباحثون في تعيين
جبال أراراط ، فمنهم من قال : إنه اسم
الجودي وعينوا أنه من
جبال بلاد الأكراد في الحد الجنوبي
لأرمينيا في سهول ما بين النهرين ، ووصفوه بأن
نهر دجلة يجري بين مرتفعاته بحيث لا يمكن العبور بين الجبل ونهر دجلة إلا في الصيف ، وأيدوا قولهم بوجود بقية سفينة على قمة ذلك الجبل . وبعضهم زعم أن " أراراط " في بلاد أرمينيا ، وهو قريب من القول الأول ؛ لتجاور مواطن
الكردستان وأرمينيا ، وقد تختلف حدود المواطن باختلاف الدول والفتوح .
ويجوز أن يكون ضمير النصب في وجعلناها عائدا إلى الخبر المذكور بتأويل القصة أو الحادثة .
[ ص: 222 ] nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=14nindex.php?page=treesubj&link=29000_31828_31832_31836وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=15فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ
سِيقَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ وَاللَّاتِي بَعْدَهَا شَوَاهِدَ عَلَى مَا لَقِيَ الرُّسُلُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُمْ مِنْ تَكْذِيبِ الْمُشْرِكِينَ ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ قَوْلُهُ عَقِبَ الْقِصَّتَيْنِ
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=18وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ الْآتِيَيْنِ .
وَابْتُدِئَتِ الْقِصَصُ بِقِصَّةِ أَوَّلِ رَسُولٍ بَعْثَهُ اللَّهُ لِأَهْلِ الْأَرْضِ ، فَإِنَّ لِأَوَّلِيَّاتِ الْحَوَادِثِ وَقْعًا فِي نُفُوسِ الْمُتَأَمِّلِينَ فِي التَّارِيخِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْصِيلُ قِصَّتِهِ فِي سُورَةِ هُودٍ .
وَزَادَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَنَّهُ لَبِثَ فِي قَوْمِهِ تِسْعَمِائَةٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً . وَظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّ هَذِهِ مُدَّةُ رِسَالَتِهِ إِلَى قَوْمِهِ ، وَلَا غَرَضَ فِي مَعْرِفَةِ عُمُرِهِ يَوْمَ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى قَوْمِهِ ، وَفِي ذَلِكَ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْمُفَسِّرِينَ ، وَفَائِدَةُ ذِكْرِ هَذِهِ الْمُدَّةِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى شِدَّةِ مُصَابَرَتِهِ عَلَى أَذَى قَوْمِهِ وَدَوَامِهِ عَلَى إِبْلَاغِ الدَّعْوَةِ تَثْبِيتًا لِلنَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . وَأُوثِرَ تَمْيِيزُ أَلْفٍ بِـ سَنَةً لِطَلَبِ الْخِفَّةِ بِلَفْظِ سَنَةٍ ، وَمُيِّزَ خَمْسِينَ بِلَفْظِ عَامًا ؛ لِئَلَّا يُكَرَّرَ لَفْظُ " سَنَةٍ " .
وَالْفَاءُ مِنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=14فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ عَطْفٌ عَلَى أَرْسَلْنَا كَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ فَلَبِثَ ، وَقَدْ طُوِيَ ذِكْرُ مَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ أَخْذُهُمْ بِالطُّوفَانِ ، وَهُوَ اسْتِمْرَارُ تَكْذِيبِهِمْ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=14وَهُمْ ظَالِمُونَ حَالٌ ، أَيْ أَخَذَهُمْ وَهُمْ مُتَلَبِّسُونَ بِالظُّلْمِ - أَيِ الشِّرْكِ وَتَكْذِيبِ الرَّسُولِ - تَلَبُّسًا ثَابِتًا لَهُمْ مُتَقَرِّرًا ، وَهَذَا تَعْرِيضٌ لِلْمُشْرِكِينَ بِأَنَّهُمْ سَيَأْخُذُهُمْ عَذَابٌ .
وَفَاءُ فَأَنْجَيْنَاهُ عَطْفٌ عَلَى
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=14فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ ، وَهَذَا إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ اللَّهَ مُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْعَذَابِ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=15وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ الضَّمِيرُ لِلسَّفِينَةِ . وَمَعْنَى كَوْنِهَا آيَةً أَنَّهَا دَلِيلٌ عَلَى وُقُوعِ الطُّوفَانِ عَذَابًا مِنَ اللَّهِ لِلْمُكَذِّبِينَ الرُّسُلَ ، فَكَانَتِ السَّفِينَةُ آيَةً مَاثِلَةً فِي
[ ص: 223 ] عُصُورِ جَمِيعِ الْأُمَمِ الَّذِينَ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ بَعْدَ
نُوحٍ مَوْعِظَةً لِلْمُكَذِّبِينَ وَحُجَّةً لِلْمُؤْمِنِينَ . وَقَدْ أَبْقَى اللَّهُ بَقِيَّةَ السَّفِينَةِ إِلَى صَدْرِ الْأُمَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ ، فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ : قَالَ
قَتَادَةُ : بَقِيَتْ بَقَايَا السَّفِينَةِ عَلَى الْجُودِيِّ حَتَّى نَظْرَتْهَا أَوَائِلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ . وَيُقَالُ : إِنَّهَا دَامَتْ إِلَى أَوَائِلِ الدَّوْلَةِ الْعَبَّاسِيَّةِ ثُمَّ غَمَرَتْهَا الثُّلُوجُ . وَكَانَ
الْجُودِيُّ قُرْبَ " بَاقِرْدَى " وَهِيَ قَرْيَةٌ مِنْ
جَزِيرَةِ ابْنِ عُمَرَ بِالْمَوْصِلِ شَرْقِيِّ دِجْلَةَ "
وَبَاقِرْدَى " بِمُوَحَّدَةٍ بَعْدَهَا أَلِفٌ ، ثُمَّ قَافٌ مَكْسُورَةٌ ، وَيَجُوزُ فَتْحُهَا ، وَدَالٌّ فَأَلِفٌ مَقْصُورَةٌ . وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْقَمَرِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=15وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ .
وَإِنَّمَا قَالَ لِلْعَالَمِينَ الشَّامِلِ لِجَمِيعِ سُكَّانِ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يُشَاهِدْ بَقَايَا سَفِينَةِ
نُوحٍ يُشَاهِدُ السُّفُنَ فَيَتَذَكَّرُ سَفِينَةَ
نُوحٍ وَكَيْفَ كَانَ صُنْعُهَا بِوَحْيٍ مِنَ اللَّهِ لِإِنْجَاءِ
نُوحٍ وَمَنْ شَاءَ اللَّهُ نَجَاتَهُ ؛ وَلِأَنَّ الَّذِينَ مِنْ أَهْلِ قَرْيَتِهَا يُخْبِرُونَ عَنْهَا تُنْقَلُ أَخْبَارُهُمْ فَتَصِيرُ مُتَوَاتِرَةً .
هَذَا وَقَدْ وَقَعَ فِي الْإِصْحَاحِ الثَّامِنِ مِنْ سِفْرِ التَّكْوِينِ مِنَ التَّوْرَاةِ " وَاسْتَقَرَّ الْفُلْكُ عَلَى
جِبَالِ أَرَارَاطَ " ، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْبَاحِثُونَ فِي تَعْيِينِ
جِبَالِ أَرَارَاطَ ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : إِنَّهُ اسْمُ
الْجُودِيِّ وَعَيَّنُوا أَنَّهُ مِنْ
جِبَالِ بِلَادِ الْأَكْرَادِ فِي الْحَدِّ الْجَنُوبِيِّ
لِأَرْمِينْيَا فِي سُهُولِ مَا بَيْنَ النَّهْرَيْنِ ، وَوَصَفُوهُ بِأَنَّ
نَهْرَ دِجْلَةَ يَجْرِي بَيْنَ مُرْتَفَعَاتِهِ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ الْعُبُورُ بَيْنَ الْجَبَلِ وَنَهْرِ دِجْلَةَ إِلَّا فِي الصَّيْفِ ، وَأَيَّدُوا قَوْلَهُمْ بِوُجُودِ بَقِيَّةِ سَفِينَةٍ عَلَى قِمَّةِ ذَلِكَ الْجَبَلِ . وَبَعْضُهُمْ زَعَمَ أَنْ " أَرَارَاطَ " فِي بِلَادِ أَرْمِينْيَا ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ ؛ لِتَجَاوُرِ مُوَاطِنِ
الْكُرْدِسْتَانِ وَأَرْمِينْيَا ، وَقَدْ تَخْتَلِفُ حُدُودُ الْمُوَاطِنِ بِاخْتِلَافِ الدُّوَلِ وَالْفُتُوحِ .
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ضَمِيرُ النَّصْبِ فِي وَجَعَلْنَاهَا عَائِدًا إِلَى الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ بِتَأْوِيلِ الْقِصَّةِ أَوِ الْحَادِثَةِ .