[ ص: 227 ] nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=15nindex.php?page=treesubj&link=29003إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجدا وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=16تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=17فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون
استئناف ناشئ عن قوله " أم يقولون افتراه " الآية ، تفرغ المقام له بعد أن أنحى بالتقريع والوعيد للكافرين على كفرهم بلقاء الله ، بما أفادت اسمية جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=10بل هم بلقاء ربهم كافرون من أنهم ثابتون على الكفر بلقاء الله دائمون عليه ، وهو مما أنذرتهم به آيات القرآن ، فالتكذيب بلقاء الله تكذيب بما جاء به القرآن فهم لا يؤمنون ، وإنما يؤمن بآيات الله الذين ذكرت أوصافهم هنا .
والمراد بالآيات هنا آيات القرآن بقرينة قوله "
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=15الذين إذا ذكروا بها " بتشديد الكاف ، أي أعيد ذكرها عليهم وتكررت تلاوتها على مسامعهم .
ومفاد إنما قصر إضافي ، أي يؤمن بآيات الله الذين إذا ذكروا بها تذكيرا بما سبق لهم سماعه لم يتريثوا عن إظهار الخضوع لله دون الذين قالوا (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=10أإذا ضللنا في الأرض إنا لفي خلق جديد ) ، وهذا تأييس للنبي - صلى الله عليه وسلم - من إيمانهم ، وتعريض بهم بأنهم لا ينفعون المسلمين بإيمانهم ولا يغيظونهم بالتصلب في الكفر .
وأوثرت صيغة المضارع في إنما يؤمن لما تشعر به من أنهم يتجددون في الإيمان ويزدادون يقينا وقتا فوقتا ، كما تقدم في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=15الله يستهزئ بهم في سورة البقرة ، وإلا فإن المؤمنين قد حصل إيمانهم فيما مضى ففعل المضي آثر بحكاية حالهم في الكلام المتداول لولا هذه الخصوصية ، ولهذا عرفوا بالموصولية والصلة الدال معناها على أنهم راسخون في الإيمان ، فعبر عن إبلاغهم آيات القرآن وتلاوتها على أسماعهم بالتذكير المقتضي أن ما تتضمنه الآيات حقائق مقررة عندهم لا يفادون بها فائدة لم تكن حاصلة في نفوسهم ولكنها تكسبهم تذكيرا
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=55فإن الذكرى تنفع المؤمنين . وهذه الصفة التي تضمنتها الصلة هي حالهم التي عرفوا بها لقوة إيمانهم وتميزوا بها عن الذين كفروا ، وليست تقتضي أن
nindex.php?page=treesubj&link=32451_1901من لم يسجدوا عند سماع الآيات ولم يسبحوا بحمد ربهم من المؤمنين ليسوا ممن يؤمنون ، ولكن هذه
[ ص: 228 ] nindex.php?page=treesubj&link=29680_29674حالة أكمل الإيمان وهي حالة المؤمنين مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يومئذ عرفوا بها ، وهذا كما تقول للسائل عن علماء البلد : هم الذين يلبسون عمائم صفتها كذا . جاء في ترجمة
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك بن أنس أنه ما أفتى حتى أجازه سبعون محنكا ، أي عالما يجعل شقة من عمامته تحت حنكه وهي لبسة أهل الفقه والحديث . قال
مالك - رحمه الله - : قلت لأمي : أذهب فأكتب العلم ، فقالت : تعال فالبس ثياب العلم . فألبستني ثيابا مشمرة ووضعت الطويلة على رأسي وعممتني فوقها .
والخرور : الهوي من علو إلى سفل .
والسجود : وضع الجبهة على الأرض إرادة التعظيم والخضوع .
وانتصب سجدا على الحال المبينة للقصد من خروا ، أي سجدا لله وشكرا له على ما حباهم به من العلم والإيمان كما دل عليه قرنه بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=15وسبحوا بحمد ربهم . والباء فيه للملابسة وتقدم في سورة الإسراء
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=107إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا .
ودلت الجملة الشرطية على اتصال تعلق حصول الجواب بحصول الشرط وتلازمهما .
وجيء في نفي التكبر عنهم بالمسند الفعلي لإفادة اختصاصهم بذلك ، أي دون المشركين الذين كان الكبر خلقهم فهم لا يرضون لأنفسهم بالانقياد للنبيء منهم وقالوا :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=21لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا .
وقوله تعالى "
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=15وهم لا يستكبرون " موضع سجدة من سجدات تلاوة القرآن رجاء أن يكون التالي من أولئك الذين أثنى الله عليهم بأنهم إذا ذكروا بآيات الله سجدوا ، فالقارئ يقتدي بهم .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=16تتجافى جنوبهم حال من الموصول ، أي الذين إذا ذكروا بها خروا ومن حالهم
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=16تتجافى جنوبهم عن المضاجع ، أو استئناف .
وجيء فيها بالمضارع لإفادة تكرر ذلك وتجدده منهم في أجزاء كثيرة من الأوقات المعدة للاضطجاع وهي الأوقات التي الشأن فيها النوم .
[ ص: 229 ] والتجافي : التباعد والمتاركة ، والمعنى : أن تجافي جنوبهم عن المضاجع يتكرر في الليلة الواحدة ، أي يكثرون السهر بقيام الليل والدعاء لله ; وقد فسره النبيء - صلى الله عليه وسلم - بصلاة الرجل في جوف الليل ، كما سيأتي في حديث
معاذ عند
الترمذي .
والمضاجع : الفرش جمع مضجع ، وهو مكان الضجع ، أي الاستلقاء للراحة والنوم . و ( أل ) فيه عوض عن المضاف إليه ، أي عن مضاجعهم كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=41فإن الجنة هي المأوى .
وهذا تعريض بالمشركين إذ يمضون ليلهم بالنوم لا يصرفه عنهم تفكر بل يسقطون كما تسقط الأنعام . وقد صرح بهذا المعنى
nindex.php?page=showalam&ids=82عبد الله بن رواحة
بقوله يصف النبيء - صلى الله عليه وسلم - وهو سيد أصحاب هذا الشأن :
يبيت يجافي جنبه عن فراشه إذا استثقلت بالمشركين المضاجع
وجملة يدعون ربهم يجوز أن تكون حالا من ضمير جنوبهم والأحسن أن تجعل بدل اشتمال من جملة تتجافى جنوبهم .
وانتصب خوفا وطمعا على الحال بتأويل خائفين وطامعين ، أي من غضبه وطمعا في رضاه وثوابه ، أي هاتان صفتان لهم .
ويجوز أن ينتصبا على المفعول لأجله ، أي لأجل الخوف من ربهم والطمع في رحمته .
ولما ذكر
nindex.php?page=treesubj&link=27927إيثارهم التقرب إلى الله على حظوظ لذاتهم الجسدية ذكر معه إيثارهم إياه على ما به نوال لذات أخرى وهو المال إذ ينفقون منه ما لو أبقوه لكان مجلبة راحة لهم فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=16ومما رزقناهم ينفقون أي يتصدقون به ولو أيسر أغنياؤهم فقراءهم .
ثم عظم الله جزاءهم إذ قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=17فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين أي لا تبلغ نفس من أهل الدنيا معرفة ما أعد الله لهم قال النبيء - صلى الله عليه وسلم - قال الله تعالى :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341791أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر فدل على أن المراد بـ " نفس " في هذه الآية أصحاب النفوس البشرية
[ ص: 230 ] فإن مدركات العقول منتهية إلى ما تدركه الأبصار من المرئيات من الجمال والزينة ، وما تدركه الأسماع من محاسن الأقوال ومحامدها ومحاسن النغمات ، وإلى ما تبلغ إليه المتخيلات من هيئات يركبها الخيال من مجموع ما يعهده من المرئيات والمسموعات مثل الأنهار من عسل أو خمر أو لبن ، ومثل القصور والقباب من اللؤلؤ ، ومثل الأشجار من زبرجد ، والأزهار من ياقوت ، وتراب من مسك وعنبر ، فكل ذلك قليل في جانب ما أعد لهم في الجنة من هذه الموصوفات ولا تبلغه صفات الواصفين لأن منتهى الصفة محصور فيما تنتهي إليه دلالات اللغات مما يخطر على قلوب البشر فلذلك قال النبيء - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342348ولا خطر على قلب بشر وهذا كقولهم في تعظيم شيء : هذا لا يعلمه إلا الله .
قال الشاعر :
فلم يدر إلا الله ما هيجت لنا عشية آناء الديار وشامها
وعبر عن تلك النعم بما أخفي لأنها مغيبة لا تدرك إلا في عالم الخلود .
وقرة الأعين : كناية عن المسرة كما تقدم في قوله تعالى " وقري عينا " في سورة مريم .
وقرأ الجمهور ( أخفي ) بفتح الياء بصيغة الماضي المبني للمجهول .
وقرأ حمزة ويعقوب ( أخفي ) بصيغة المضارع المفتتح بهمزة المتكلم والياء ساكنة ، و جزاء منصوب على الحال من ما أخفي لهم وقد فسر النبيء - صلى الله عليه وسلم - أنه جزاء على هذه الأعمال الصالحات في حديث أغر رواه
الترمذي عن
nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342349قلت يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار . قال : لقد سألت عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله عليه : تعبد الله لا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت ثم قال : ألا أدلك على أبواب الخير : الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطايا كما يطفئ الماء النار nindex.php?page=treesubj&link=1252وصلاة الرجل في جوف الليل ثم تلا nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=16تتجافى جنوبهم عن المضاجع حتى بلغ " . . . يعملون " . . الحديث .
[ ص: 227 ] nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=15nindex.php?page=treesubj&link=29003إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=16تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=17فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
اسْتِئْنَافٌ نَاشِئٌ عَنْ قَوْلِهِ " أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ " الْآيَةَ ، تَفَرَّغَ الْمَقَامُ لَهُ بَعْدَ أَنْ أَنْحَى بِالتَّقْرِيعِ وَالْوَعِيدِ لِلْكَافِرِينَ عَلَى كُفْرِهِمْ بِلِقَاءِ اللَّهِ ، بِمَا أَفَادَتِ اسْمِيَّةُ جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=10بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ مِنْ أَنَّهُمْ ثَابِتُونَ عَلَى الْكُفْرِ بِلِقَاءِ اللَّهِ دَائِمُونَ عَلَيْهِ ، وَهُوَ مِمَّا أَنْذَرَتْهُمْ بِهِ آيَاتُ الْقُرْآنِ ، فَالتَّكْذِيبُ بِلِقَاءِ اللَّهِ تَكْذِيبٌ بِمَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ، وَإِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِ اللَّهِ الَّذِينَ ذُكِرَتْ أَوْصَافُهُمْ هُنَا .
وَالْمُرَادُ بِالْآيَاتِ هُنَا آيَاتُ الْقُرْآنِ بِقَرِينَةِ قَوْلِهِ "
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=15الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا " بِتَشْدِيدِ الْكَافِ ، أَيْ أُعِيدَ ذِكْرُهَا عَلَيْهِمْ وَتَكَرَّرَتْ تِلَاوَتُهَا عَلَى مَسَامِعِهِمْ .
وَمُفَادُ إِنَّمَا قَصْرٌ إِضَافِيٌّ ، أَيْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِ اللَّهِ الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا تَذْكِيرًا بِمَا سَبَقَ لَهُمْ سَمَاعُهُ لَمْ يَتَرَيَّثُوا عَنْ إِظْهَارِ الْخُضُوعِ لِلَّهِ دُونَ الَّذِينَ قَالُوا (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=10أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ إِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ) ، وَهَذَا تَأْيِيسٌ لِلنَّبِيِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ إِيمَانِهِمْ ، وَتَعْرِيضٌ بِهِمْ بِأَنَّهُمْ لَا يَنْفَعُونَ الْمُسْلِمِينَ بِإِيمَانِهِمْ وَلَا يَغِيظُونَهُمْ بِالتَّصَلُّبِ فِي الْكُفْرِ .
وَأُوثِرَتْ صِيغَةُ الْمُضَارِعِ فِي إِنَّمَا يُؤْمِنُ لِمَا تُشْعِرُ بِهِ مِنْ أَنَّهُمْ يَتَجَدَّدُونَ فِي الْإِيمَانِ وَيَزْدَادُونَ يَقِينًا وَقْتًا فَوَقْتًا ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=15اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ ، وَإِلَّا فَإِنَّ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ حَصَلَ إِيمَانُهُمْ فِيمَا مَضَى فَفِعْلُ الْمُضِيِّ آثَرُ بِحِكَايَةِ حَالِهِمْ فِي الْكَلَامِ الْمُتَدَاوَلِ لَوْلَا هَذِهِ الْخُصُوصِيَّةُ ، وَلِهَذَا عُرِّفُوا بِالْمَوْصُولِيَّةِ وَالصِّلَةِ الدَّالِّ مَعْنَاهَا عَلَى أَنَّهُمْ رَاسِخُونَ فِي الْإِيمَانِ ، فَعَبَّرَ عَنْ إِبْلَاغِهِمْ آيَاتِ الْقُرْآنِ وَتِلَاوَتِهَا عَلَى أَسْمَاعِهِمْ بِالتَّذْكِيرِ الْمُقْتَضِي أَنَّ مَا تَتَضَمَّنَهُ الْآيَاتُ حَقَائِقُ مُقَرَّرَةٌ عِنْدَهُمْ لَا يُفَادُونَ بِهَا فَائِدَةً لَمْ تَكُنْ حَاصِلَةً فِي نُفُوسِهِمْ وَلَكِنَّهَا تُكْسِبُهُمْ تَذْكِيرًا
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=55فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ . وَهَذِهِ الصِّفَةُ الَّتِي تَضَمَّنَتْهَا الصِّلَةُ هِيَ حَالُهُمُ الَّتِي عُرِفُوا بِهَا لِقُوَّةِ إِيمَانِهِمْ وَتَمَيَّزُوا بِهَا عَنِ الَّذِينَ كَفَرُوا ، وَلَيْسَتْ تَقْتَضِي أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=32451_1901مَنْ لَمْ يَسْجُدُوا عِنْدَ سَمَاعِ الْآيَاتِ وَلَمْ يُسَبِّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَيْسُوا مِمَّنْ يُؤْمِنُونَ ، وَلَكِنَّ هَذِهِ
[ ص: 228 ] nindex.php?page=treesubj&link=29680_29674حَالَةُ أَكْمَلِ الْإِيمَانِ وَهِيَ حَالَةُ الْمُؤْمِنِينَ مَعَ النَّبِيِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَئِذٍ عُرِفُوا بِهَا ، وَهَذَا كَمَا تَقُولُ لِلسَّائِلِ عَنْ عُلَمَاءِ الْبَلَدِ : هُمُ الَّذِينَ يَلْبَسُونَ عَمَائِمَ صِفَتُهَا كَذَا . جَاءَ فِي تَرْجَمَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّهُ مَا أَفْتَى حَتَّى أَجَازَهُ سَبْعُونَ مُحَنَّكًا ، أَيْ عَالِمًا يَجْعَلُ شُقَّةً مِنْ عِمَامَتِهِ تَحْتَ حَنَكِهِ وَهِيَ لُبْسَةُ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ . قَالَ
مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - : قُلْتُ لِأُمِّي : أَذْهَبُ فَأَكْتُبُ الْعِلْمَ ، فَقَالَتْ : تَعَالَ فَالْبَسْ ثِيَابَ الْعِلْمِ . فَأَلْبَسَتْنِي ثِيَابًا مُشَمَّرَةً وَوَضَعَتِ الطَّوِيلَةَ عَلَى رَأْسِي وَعَمَّمَتْنِي فَوْقَهَا .
وَالْخُرُورُ : الْهُوِيُّ مِنْ عُلُوٍّ إِلَى سُفْلٍ .
وَالسُّجُودُ : وَضْعُ الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ إِرَادَةَ التَّعْظِيمِ وَالْخُضُوعِ .
وَانْتَصَبَ سُجَّدًا عَلَى الْحَالِ الْمُبَيِّنَةِ لِلْقَصْدِ مِنْ خَرُّوا ، أَيْ سُجَّدًا لِلَّهِ وَشُكْرًا لَهُ عَلَى مَا حَبَاهُمْ بِهِ مِنَ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ قَرْنُهُ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=15وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ . وَالْبَاءُ فِيهِ لِلْمُلَابَسَةِ وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=107إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا .
وَدَلَّتِ الْجُمْلَةُ الشَّرْطِيَّةُ عَلَى اتِّصَالِ تَعَلُّقِ حُصُولِ الْجَوَابِ بِحُصُولِ الشَّرْطِ وَتَلَازُمِهِمَا .
وَجِيءَ فِي نَفْيِ التَّكَبُّرِ عَنْهُمْ بِالْمُسْنَدِ الْفِعْلِيِّ لِإِفَادَةِ اخْتِصَاصِهِمْ بِذَلِكَ ، أَيْ دُونَ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ كَانَ الْكِبْرُ خُلُقُهُمْ فَهُمْ لَا يَرْضَوْنَ لِأَنْفُسِهِمْ بِالِانْقِيَادِ لِلنَّبِيءِ مِنْهُمْ وَقَالُوا :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=21لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى "
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=15وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ " مَوْضِعُ سَجْدَةٍ مِنْ سَجَدَاتِ تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ التَّالِي مِنْ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَثْنَى اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُمْ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ سَجَدُوا ، فَالْقَارِئُ يَقْتَدِي بِهِمْ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=16تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ حَالٌ مِنَ الْمَوْصُولِ ، أَيِ الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا وَمِنْ حَالِهِمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=16تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ ، أَوِ اسْتِئْنَافٌ .
وَجِيءَ فِيهَا بِالْمُضَارِعِ لِإِفَادَةِ تَكَرُّرِ ذَلِكَ وَتُجَدُّدِهِ مِنْهُمْ فِي أَجْزَاءٍ كَثِيرَةٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ الْمُعَدَّةِ لِلِاضْطِجَاعِ وَهِيَ الْأَوْقَاتُ الَّتِي الشَّأْنُ فِيهَا النَّوْمُ .
[ ص: 229 ] وَالتَّجَافِي : التَّبَاعُدُ وَالْمُتَارَكَةُ ، وَالْمَعْنَى : أَنَّ تَجَافِيَ جُنُوبِهِمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَتَكَرَّرُ فِي اللَّيْلَةِ الْوَاحِدَةِ ، أَيْ يُكْثِرُونَ السَّهَرَ بِقِيَامِ اللَّيْلِ وَالدُّعَاءِ لِلَّهِ ; وَقَدْ فَسَّرَهُ النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِصَلَاةِ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ ، كَمَا سَيَأْتِي فِي حَدِيثِ
مُعَاذٍ عِنْدَ
التِّرْمِذِيِّ .
وَالْمَضَاجِعُ : الْفُرُشُ جَمْعُ مَضْجَعٍ ، وَهُوَ مَكَانُ الضَّجْعِ ، أَيِ الِاسْتِلْقَاءِ لِلرَّاحَةِ وَالنَّوْمِ . وَ ( أَلْ ) فِيهِ عِوَضٌ عَنَ الْمُضَافِ إِلَيْهِ ، أَيْ عَنْ مَضَاجِعِهِمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=41فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى .
وَهَذَا تَعْرِيضٌ بِالْمُشْرِكِينَ إِذْ يُمْضُونَ لَيْلَهُمْ بِالنَّوْمِ لَا يَصْرِفُهُ عَنْهُمْ تَفَكُّرٌ بَلْ يَسْقُطُونَ كَمَا تَسْقُطُ الْأَنْعَامُ . وَقَدْ صَرَّحَ بِهَذَا الْمَعْنَى
nindex.php?page=showalam&ids=82عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ
بِقَوْلِهِ يَصِفُ النَّبِيءَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ سَيِّدُ أَصْحَابِ هَذَا الشَّأْنِ :
يَبِيتُ يُجَافِي جَنْبَهُ عَنْ فِرَاشِهِ إِذَا اسْتَثْقَلَتْ بِالْمُشْرِكِينَ الْمَضَاجِعُ
وَجُمْلَةُ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ حَالًا مِنْ ضَمِيرِ جُنُوبِهِمْ وَالْأَحْسَنُ أَنْ تُجْعَلَ بَدَلَ اشْتِمَالٍ مِنْ جُمْلَةِ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ .
وَانْتَصَبَ خَوْفًا وَطَمَعًا عَلَى الْحَالِ بِتَأْوِيلِ خَائِفِينَ وَطَامِعِينَ ، أَيْ مِنْ غَضَبِهِ وَطَمَعًا فِي رِضَاهُ وَثَوَابِهِ ، أَيْ هَاتَانِ صِفَتَانِ لَهُمْ .
وَيَجُوزُ أَنْ يَنْتَصِبَا عَلَى الْمَفْعُولِ لِأَجْلِهِ ، أَيْ لِأَجْلِ الْخَوْفِ مِنْ رَبِّهِمْ وَالطَّمَعِ فِي رَحْمَتِهِ .
وَلَمَّا ذَكَرَ
nindex.php?page=treesubj&link=27927إِيثَارَهُمُ التَّقَرُّبَ إِلَى اللَّهِ عَلَى حُظُوظِ لَذَّاتِهِمُ الْجَسَدِيَّةِ ذَكَرَ مَعَهُ إِيثَارَهُمْ إِيَّاهُ عَلَى مَا بِهِ نَوَالُ لَذَّاتٍ أُخْرَى وَهُوَ الْمَالُ إِذْ يُنْفِقُونَ مِنْهُ مَا لَوْ أَبْقَوْهُ لَكَانَ مَجْلَبَةَ رَاحَةٍ لَهُمْ فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=16وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ أَيْ يَتَصَدَّقُونَ بِهِ وَلَوْ أَيْسَرَ أَغْنِيَاؤُهُمْ فُقَرَاءَهُمْ .
ثُمَّ عَظَّمَ اللَّهُ جَزَاءَهُمْ إِذْ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=17فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ أَيْ لَا تَبْلُغُ نَفْسٌ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا مُعَرِفَةَ مَا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ قَالَ النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341791أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِـ " نَفْسٌ " فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَصْحَابُ النُّفُوسِ الْبَشَرِيَّةِ
[ ص: 230 ] فَإِنَّ مُدْرَكَاتِ الْعُقُولِ مُنْتَهِيَةٌ إِلَى مَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ مِنَ الْمَرْئِيَّاتِ مِنَ الْجَمَالِ وَالزِّينَةِ ، وَمَا تُدْرِكُهُ الْأَسْمَاعُ مِنْ مَحَاسِنِ الْأَقْوَالِ وَمَحَامِدِهَا وَمَحَاسِنِ النَّغَمَاتِ ، وَإِلَى مَا تَبْلُغُ إِلَيْهِ الْمُتَخَيَّلَاتُ مِنْ هَيْئَاتٍ يَرْكَبُهَا الْخَيَالُ مِنْ مَجْمُوعِ مَا يَعْهَدُهُ مِنَ الْمَرْئِيَّاتِ وَالْمَسْمُوعَاتِ مِثْلَ الْأَنْهَارِ مِنْ عَسَلٍ أَوْ خَمْرٍ أَوْ لَبَنٍ ، وَمِثْلَ الْقُصُورِ وَالْقِبَابِ مِنَ اللُّؤْلُؤِ ، وَمِثْلَ الْأَشْجَارِ مِنْ زَبَرْجَدٍ ، وَالْأَزْهَارِ مِنْ يَاقُوتٍ ، وَتُرَابٍ مِنْ مِسْكٍ وَعَنْبَرٍ ، فَكُلُّ ذَلِكَ قَلِيلٌ فِي جَانِبِ مَا أُعِدَّ لَهُمْ فِي الْجَنَّةِ مِنْ هَذِهِ الْمَوْصُوفَاتِ وَلَا تَبْلُغُهُ صِفَاتُ الْوَاصِفِينَ لِأَنَّ مُنْتَهَى الصِّفَةِ مَحْصُورٌ فِيمَا تَنْتَهِي إِلَيْهِ دَلَالَاتُ اللُّغَاتِ مِمَّا يَخْطُرُ عَلَى قُلُوبِ الْبَشَرِ فَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342348وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ وَهَذَا كَقَوْلِهِمْ فِي تَعْظِيمِ شَيْءٍ : هَذَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ .
قَالَ الشَّاعِرُ :
فَلَمْ يَدْرِ إِلَّا اللَّهُ مَا هَيَّجَتْ لَنَا عَشِيَّةَ آنَاءِ الدِّيَارِ وِشَامُهَا
وَعَبَّرَ عَنْ تِلْكَ النِّعَمِ بِمَا أُخْفِيَ لِأَنَّهَا مُغَيَّبَةٌ لَا تُدْرَكُ إِلَّا فِي عَالَمِ الْخُلُودِ .
وَقُرَّةُ الْأَعْيُنِ : كِنَايَةٌ عَنِ الْمَسَرَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى " وَقَرِّي عَيْنًا " فِي سُورَةِ مَرْيَمَ .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ ( أُخْفِيَ ) بِفَتْحِ الْيَاءِ بِصِيغَةِ الْمَاضِي الْمَبْنِيِّ لِلْمَجْهُولِ .
وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَيَعْقُوبُ ( أُخْفِي ) بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ الْمُفْتَتَحِ بِهَمْزَةِ الْمُتَكَلِّمِ وَالْيَاءِ سَاكِنَةً ، وَ جَزَاءً مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ مِنْ مَا أُخْفِي لَهُمْ وَقَدْ فَسَّرَ النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ جَزَاءٌ عَلَى هَذِهِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَاتِ فِي حَدِيثٍ أَغَرَّ رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=32مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342349قَلَتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ وَيُبَاعِدُنِي عَنِ النَّارِ . قَالَ : لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْ عَظِيمٍ وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ : تَعْبُدُ اللَّهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ وَتَصُومُ رَمَضَانَ وَتَحُجُّ الْبَيْتَ ثُمَّ قَالَ : أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ : الصَّوْمُ جُنَّةٌ وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطَايَا كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ nindex.php?page=treesubj&link=1252وَصَلَاةُ الرَّجُلِ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ ثُمَّ تَلَا nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=16تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ حَتَّى بَلَغَ " . . . يَعْمَلُونَ " . . الْحَدِيثَ .