[ ص: 59 ] nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=268nindex.php?page=treesubj&link=28798_28973الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء .
استئناف عن قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=267أنفقوا من طيبات ما كسبتم لأن الشيطان يصد الناس عن إعطاء خيار أموالهم ، ويغريهم بالشح أو بإعطاء الرديء والخبيث ، ويخوفهم من الفقر إن أعطوا بعض مالهم .
وقدم اسم الشيطان مسندا إليه لأن تقديمه مؤذن بذم الحكم الذي سيق له الكلام وشؤمه لتحذير المسلمين من هذا الحكم ، كما يقال في مثال علم المعاني : السفاح في دار صديقك ، ولأن في تقديم المسند إليه على الخبر الفعلي تقوية الحكم وتحقيقه .
ومعنى ( يعدكم ) : يسول لكم وقوعه في المستقبل إذا أنفقتم خيار أموالكم ، وذلك بما يلقيه في قلوب الذين تخلقوا بالأخلاق الشيطانية ، وسمي الإخبار بحصول أمر في المستقبل وعدا مجازا لأن الوعد إخبار بحصول شيء في المستقبل من جهة المخبر ، ولذلك يقال : أنجز فلان وعده أو أخلف وعده ، ولا يقولون أنجز خبره ، ويقولون صدق خبره وصدق وعده ، فالوعد أخص من الخبر ، وبذلك يؤذن كلام أئمة اللغة ،
nindex.php?page=treesubj&link=29567_28902_28915فشبه إلقاء الشيطان في نفوسهم توقع الفقر بوعد منه بحصوله لا محالة ، ووجه الشبه ما في الوعد من معنى التحقق ، وحسن هذا المجاز هنا مشاكلته لقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=268والله يعدكم مغفرة فإنه وعد حقيقي .
ثم إن كان الوعد يطلق على التعهد بالخير والشر ، كما هو كلام القاموس تبعا لفصيح
ثعلب ، ففي قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=268يعدكم الفقر مجاز واحد ، وإن كان خاصا بالخير كما هو قول
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في الأساس ، ففي قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=268يعدكم الفقر مجازان .
nindex.php?page=treesubj&link=28905والفقر شدة الحاجة إلى لوازم الحياة لقلة أو فقد ما يعاوض به ، وهو مشتق من فقار الظهر ، فأصله مصدر : فقره : إذا كسر ظهره ، جعلوا العاجز بمنزلة من لا يستطيع أدنى حركة ؛ لأن الظهر هو مجمع الحركات ، ومن هذا تسميتهم المصيبة فاقرة ، وقاصمة الظهر ، ويقال : فقر وفقر وفقر وفقر بفتح فسكون ، وبفتحتين ، وبضم فسكون ، وبضمتين ، ويقال رجل فقير ، ويقال : رجل فقر ، وصفا بالمصدر .
[ ص: 60 ] والفحشاء اسم لفعل أو قول شديد السوء ، واستحقاق الذم عرفا أو شرعا ، مشتق من الفحش - بضم الفاء وسكون الحاء - تجاوز الحد ، وخصه الاستعمال بالتجاوز في القبيح ، أي يأمركم بفعل قبيح ، وهذا ارتقاء في التحذير من الخواطر الشيطانية التي تدعو إلى الأفعال الذميمة . وليس
nindex.php?page=treesubj&link=28905المراد بالفحشاء البخل لأن لفظ الفحشاء لا يطلق على البخل ، وإن كان البخيل يسمى فاحشا ، وإطلاق الأمر على وسوسة الشيطان وتأثير قوته في النفوس مجاز لأن الأمر في الحقيقة من أقسام الكلام ، والتعريف في ( الفحشاء ) تعريف الجنس .
[ ص: 59 ] nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=268nindex.php?page=treesubj&link=28798_28973الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ .
اسْتِئْنَافٌ عَنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=267أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ لِأَنَّ الشَّيْطَانَ يَصُدُّ النَّاسَ عَنْ إِعْطَاءِ خِيَارِ أَمْوَالِهِمْ ، وَيُغْرِيهِمْ بِالشُّحِّ أَوْ بِإِعْطَاءِ الرَّدِيءِ وَالْخَبِيثِ ، وَيُخَوِّفُهُمْ مِنَ الْفَقْرِ إِنْ أَعْطَوْا بَعْضَ مَالِهِمْ .
وَقَدَّمَ اسْمَ الشَّيْطَانِ مُسْنَدًا إِلَيْهِ لِأَنَّ تَقْدِيمَهُ مُؤْذِنٌ بِذَمِّ الْحُكْمِ الَّذِي سِيقَ لَهُ الْكَلَامُ وَشُؤْمِهِ لِتَحْذِيرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ ، كَمَا يُقَالُ فِي مِثَالِ عِلْمِ الْمَعَانِي : السَّفَّاحُ فِي دَارِ صَدِيقِكَ ، وَلِأَنَّ فِي تَقْدِيمِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ عَلَى الْخَبَرِ الْفِعْلِيِّ تَقْوِيَةَ الْحُكْمِ وَتَحْقِيقَهُ .
وَمَعْنَى ( يَعِدُكُمْ ) : يُسَوِّلُ لَكُمْ وُقُوعَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إِذَا أَنْفَقْتُمْ خِيَارَ أَمْوَالِكُمْ ، وَذَلِكَ بِمَا يُلْقِيهِ فِي قُلُوبِ الَّذِينَ تَخَلَّقُوا بِالْأَخْلَاقِ الشَّيْطَانِيَّةِ ، وَسُمِّيَ الْإِخْبَارُ بِحُصُولِ أَمْرٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَعْدًا مَجَازًا لِأَنَّ الْوَعْدَ إِخْبَارٌ بِحُصُولِ شَيْءٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مِنْ جِهَةِ الْمُخْبِرِ ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ : أَنْجَزَ فُلَانٌ وَعْدَهُ أَوْ أَخْلَفَ وَعْدَهُ ، وَلَا يَقُولُونَ أَنْجَزَ خَبَرَهُ ، وَيَقُولُونَ صَدَقَ خَبَرَهُ وَصَدَقَ وَعْدَهُ ، فَالْوَعْدُ أَخَصُّ مِنَ الْخَبَرِ ، وَبِذَلِكَ يُؤْذِنُ كَلَامُ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=29567_28902_28915فَشَبَّهَ إِلْقَاءَ الشَّيْطَانِ فِي نُفُوسِهِمْ تَوَقُّعَ الْفَقْرِ بِوَعْدٍ مِنْهُ بِحُصُولِهِ لَا مَحَالَةَ ، وَوَجْهُ الشَّبَهِ مَا فِي الْوَعْدِ مِنْ مَعْنَى التَّحَقُّقِ ، وَحُسْنُ هَذَا الْمَجَازِ هُنَا مُشَاكَلَتُهُ لِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=268وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً فَإِنَّهُ وَعْدٌ حَقِيقِيٌّ .
ثُمَّ إِنَّ كَانَ الْوَعْدُ يُطْلَقُ عَلَى التَّعَهُّدِ بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ ، كَمَا هُوَ كَلَامُ الْقَامُوسِ تَبَعًا لِفَصِيحِ
ثَعْلَبٍ ، فَفِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=268يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ مَجَازٌ وَاحِدٌ ، وَإِنْ كَانَ خَاصًّا بِالْخَيْرِ كَمَا هُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيِّ فِي الْأَسَاسِ ، فَفِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=268يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ مَجَازَانِ .
nindex.php?page=treesubj&link=28905وَالْفَقْرُ شِدَّةُ الْحَاجَةِ إِلَى لَوَازِمِ الْحَيَاةِ لِقِلَّةِ أَوْ فَقْدِ مَا يُعَاوِضُ بِهِ ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ فِقَارِ الظَّهْرِ ، فَأَصْلُهُ مَصْدَرُ : فَقَرَهُ : إِذَا كَسَرَ ظَهْرَهُ ، جَعَلُوا الْعَاجِزَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ أَدْنَى حَرَكَةٍ ؛ لِأَنَّ الظَّهْرَ هُوَ مَجْمَعُ الْحَرَكَاتِ ، وَمِنْ هَذَا تَسْمِيَتُهُمُ الْمُصِيبَةَ فَاقِرَةً ، وَقَاصِمَةَ الظَّهْرِ ، وَيُقَالُ : فَقْرٌ وَفَقَرٌ وَفُقْرٌ وَفُقُرٌ بِفَتْحٍ فَسُكُونٍ ، وَبِفَتْحَتَيْنِ ، وَبِضَمٍّ فَسُكُونٍ ، وَبِضَمَّتَيْنِ ، وَيُقَالُ رَجُلٌ فَقِيرٌ ، وَيُقَالُ : رَجُلٌ فَقْرٌ ، وَصْفَا بِالْمَصْدَرِ .
[ ص: 60 ] وَالْفَحْشَاءُ اسْمٌ لِفِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ شَدِيدِ السُّوءِ ، وَاسْتِحْقَاقِ الذَّمِّ عُرْفًا أَوْ شَرْعًا ، مُشْتَقٌّ مِنَ الْفُحْشِ - بِضَمِّ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْحَاءِ - تَجَاوُزِ الْحَدِّ ، وَخَصَّهُ الِاسْتِعْمَالُ بِالتَّجَاوُزِ فِي الْقَبِيحِ ، أَيْ يَأْمُرُكُمْ بِفِعْلٍ قَبِيحٍ ، وَهَذَا ارْتِقَاءٌ فِي التَّحْذِيرِ مِنَ الْخَوَاطِرِ الشَّيْطَانِيَّةِ الَّتِي تَدْعُو إِلَى الْأَفْعَالِ الذَّمِيمَةِ . وَلَيْسَ
nindex.php?page=treesubj&link=28905الْمُرَادُ بِالْفَحْشَاءِ الْبُخْلَ لِأَنَّ لَفْظَ الْفَحْشَاءِ لَا يُطْلَقُ عَلَى الْبُخْلِ ، وَإِنْ كَانَ الْبَخِيلُ يُسَمَّى فَاحِشًا ، وَإِطْلَاقُ الْأَمْرِ عَلَى وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ وَتَأْثِيرِ قُوَّتِهِ فِي النُّفُوسِ مَجَازٌ لِأَنَّ الْأَمْرَ فِي الْحَقِيقَةِ مِنْ أَقْسَامِ الْكَلَامِ ، وَالتَّعْرِيفُ فِي ( الْفَحْشَاءِ ) تَعْرِيفُ الْجِنْسِ .