الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والذي نزل من السماء ماء بقدر فأنشرنا به بلدة ميتا كذلك تخرجون

انتقل من الاستدلال والامتنان بخلق الأرض إلى الاستدلال والامتنان بخلق وسائل العيش فيها ، وهو ماء المطر الذي به تنبت الأرض ما يصلح لاقتيات الناس .

وأعيد اسم الموصول للاهتمام بهذه الصلة اهتماما يجعلها مستقلة فلا يخطر حضورها بالبال عند حظور الصلتين اللتين قبلها فلا جامع بينها وبينهما في الجامع [ ص: 171 ] الخيالي . وتقدم الكلام على نظيره في سورة الرعد وغيرها فأعيد اسم الموصول لأن مصداقه هو فاعل جميعها .

والإنشاء : الإحياء كما في قوله : ثم إذا شاء أنشره .

وعن ابن عباس أنه أنكر على من قرأ كيف ننشرها بفتح النون وضم الشين وتلا ثم إذا شاء أنشره فأصل الهمزة فيه للتعدية ، وفعله المجرد ( نشر ) بمعنى حيي ، يقال : نشر الميت ، برفع الميت قال الأعشى :


حتى يقول الناس مما رأوا يا عجبا للميت الناشر



وأصل النشر بسط ما كان مطويا وتفرعت من ذلك معاني الإعادة والانتشار .

والنشر هنا مجاز ؛ لأن الإحياء للأرض مجاز ، وزاده حسنا هنا أن يكون مقدمة لقوله : كذلك تخرجون .

وضمير فأنشرنا التفات من الغيبة إلى التكلم . والميت ضد الحي .

ووصف البلدة به مجاز شائع ؛ قال تعالى : وآية لهم الأرض الميتة أحييناها .

وإنما وصفت البلدة وهي مؤنث بالميت وهو مذكر لكونه على زنة الوصف الذي أصله مصدر نحو : عدل وزور فحسن تجريده من علامة التأنيث على أن الموصوف مجازي التأنيث .

وجملة ( كذلك تخرجون ) معترضة بين المتعاطفين وهو استطراد بالاستدلال على ما جاء به النبيء صلى الله عليه وسلم من إثبات البعث ، بمناسبة الاستدلال على تفرد الله بالإلهية بدلائل في بعضها دلالة على إمكان البعث وإبطال إحالتهم إياه .

والإشارة بذلك إلى الانتشار المأخوذ من فأنشرنا ، أي مثل ذلك الانتشار تخرجون من الأرض بعد فنائكم ، ووجه الشبه هو إحداث الحي بعد موته .

والمقصود من التشبيه إظهار إمكان المشبه كقول أبي الطيب :

[ ص: 172 ]

فإن تفق الأنام وأنت منهم     فإن المسك بعض دم الغزال



وقرأ الجمهور ( تخرجون ) بالبناء للنائب . وقرأه حمزة والكسائي وابن ذكوان عن ابن عامر ( تخرجون ) بالبناء للفاعل ، والمعنى واحد .

التالي السابق


الخدمات العلمية