nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=20nindex.php?page=treesubj&link=29038_18879أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن إن الكافرون إلا في غرور ( أم ) منقطعة وهي للاضطراب الانتقالي من غرض إلى غرض فبعد استيفاء غرض إثبات الإلهية الحق لله تعالى بالوحدانية وتذكيرهم بأنهم مفتقرون إليه ، انتقل إلى إبطال أن يكون أحد يدفع عنهم العذاب الذي توعدهم الله به فوجه إليهم استفهام
[ ص: 41 ] أن يدلوا على أحد من أصنامهم أو غيرها يقال فيه هذا هو الذي ينصر من دون الله ، فإنهم غير مستطيعين تعيين أحد لذلك إلا إذا سلكوا طريق البهتان وما هم بسالكيه في مثل هذا لافتضاح أمره .
وهذا الكلام ناشئ عن قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=16أأمنتم من في السماء الآية ، فهو مثله معترض بين حجج الاستدلال .
و ( أم ) المنقطعة لا يفارقها معنى الاستفهام ، والأكثر أن يكون مقدارا فإذا صرح به كما هنا فأوضح ولا يتوهم أن الاستفهام يقدر بعدها ولو كان يليها استفهام مصرح به فيشكل اجتماع استفهامين .
والاستفهام مستعمل في التعجيز عن التعيين فيؤول إلى الانتفاء ، والإشارة مشار بها إلى مفهوم جند مفروض في الأذهان استحضر للمخاطبين ، فجعل كأنه حاضر في الخارج يشاهده المخاطبون ، فيطلب المتكلم منهم تعيين قبيلة بأن يقولوا : بنو فلان . ولما كان الاستفهام مستعملا في التعجيز استلزم ذلك أن هذا الجند المفروض غير كائن .
وقريب من ذلك قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=255من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ونحوه .
و ( من ) في موضع مبتدإ واسم الإشارة خبر عن المبتدإ .
وكتب في المصحف ( أمن ) بميم واحدة بعد الهمزة وهما ميم ( أم ) وميم ( من ) المدغمتين بجعلهما كالكلمة الواحدة كما كتب
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=1عم يتساءلون بميم واحدة بعد العين ، ولا تقرأ إلا بميم مشددة ؛ إذ المعتبر في قراءة القرآن الرواية دون الكتابة وإنما يكتب القرآن للإعانة على مراجعته .
و
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=20الذي هو جند صفة لاسم الإشارة ، و ( لكم ) صفة ل ( جند ) و ( ينصركم ) جملة في موضع الحال من جند أو صفة ثانية ل ( جند ) .
ويجوز أن يكون اسم الإشارة مشارا به إلى جماعة الأصنام المعروفة عندهم الموضوعة في الكعبة وحولها الذي اتخذتموه جندا فمن هو حتى ينصركم من دون الله .
فتكون ( من ) استفهامية مستعملة في التحقير مثل قوله من فرعون في
[ ص: 42 ] قراءة فتح ميم ( من ) ورفع فرعون ، أي من هذا الجند فإنه أحقر من أن يعرف ، واسم الإشارة صفة لاسم الاستفهام مبينة له ، و
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=20الذي هو جند لكم صفة لاسم الإشارة . وجملة ينصركم خبر عن اسم الاستفهام ، أي هو أقل من أن ينصركم من دون الرحمن . وجيء بالجملة الاسمية الذي هو جند لكم لدلالتها على الدوام والثبوت ؛ لأن الجند يكونوا على استعداد للنصر إذا دعي إليه سواء قاتل أم لم يقاتل ؛ لأن
nindex.php?page=treesubj&link=27469_27936النصر يحتاج إلى استعداد وتهيؤ كما قال النبيء - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002706خير الناس رجل ممسك بعنان فرسه كلما سمع هيعة طار إليها أي هيعة جهاد .
فالمعنى : ينصركم عند احتياجكم إلى نصره ، فهذا وجه الجمع بين جملة هو جند لكم وجملة ينصركم ولم يستغن بالثانية عن الأولى .
ودون أصله ظرف للمكان الأسفل ضد ( فوق ) ، ويطلق على المغاير فيكون بمعنى غير على طريقة المجاز المرسل .
فقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=20من دون الرحمن يجوز أن يكون ظرفا مستقرا في موضع الحال من الضمير المستتر في ينصركم . أي حالة كون الناصر من جانب غير جانب الله ، أي من مستطيع غير الله يدفع عنكم السوء على نحو قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=43أم لهم آلهة تمنعهم من دوننا فتكون ( من ) زائدة مؤكدة للظرف وهي تزاد مع الظروف غير المتصرفة ، ولا تجر تلك الظروف بغير ( من ) ، قال
الحريري في المقامة الرابعة والعشرين : " وما منصوب على الظرف لا يخفضه سوى حرف " وفسره بظرف " عند " ولا خصوصية لـ " عند " بل ذلك في جميع الظروف غير المتصرفة .
وتكرير وصف الرحمن عقب الآية السابقة للوجه الذي ذكرنا في إيثار هذا الوصف في الآية السابقة .
وذيل هذا الاعتراض بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=20إن الكافرون إلا في غرور ، أي ذلك شأن الكافرين كلهم وهم أهل الشرك من المخاطبين وغيرهم ، أي في غرور من الغفلة عن توقع بأس الله تعالى ، أو في غرور من اعتمادهم على الأصنام كما غر الأمم السالفة دينهم بأن الأوثان تنفعهم وتدفع عنهم العذاب فلم يجدوا ذلك منهم وقت الحاجة فكذلك سيقع لأمثالهم قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=10وللكافرين أمثالها وقال
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=43أكفاركم خير من أولئكم فتعريف ( الكافرون ) للاستغراق . وليس المراد به كافرون معهودون حتى يكون من وضع المظهر موضع الضمير .
[ ص: 43 ] nindex.php?page=treesubj&link=18878والغرور : ظن النفس وقوع أمر نافع لها بمخائل تتوهمها ، وهو بخلاف ذلك أو هو غير واقع .
وتقدم في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=196لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد في آخر آل عمران وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=112يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا في الأنعام وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=5فلا تغرنكم الحياة الدنيا في سورة فاطر .
والظرفية مجازية مستعملة في شدة التلبس بالغرور حتى كأن الغرور محيط بهم إحاطة الظرف .
والمعنى : ما الكافرون في حال من الأحوال إلا في حال الغرور ، وهذا قصر إضافي لقلب اعتقادهم أنهم في مأمن من الكوارث بحماية آلهتهم .
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=20nindex.php?page=treesubj&link=29038_18879أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ ( أَمْ ) مُنْقَطِعَةٌ وَهِيَ لِلْاضْطِرَابِ الْانْتِقَالِيِّ مِنْ غَرَضٍ إِلَى غَرَضٍ فَبَعْدَ اسْتِيفَاءِ غَرَضِ إِثْبَاتِ الْإِلِهِيَّةِ الْحَقِّ لِلَّهِ تَعَالَى بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَتَذْكِيرِهِمْ بِأَنَّهُمْ مُفْتَقِرُونَ إِلَيْهِ ، انْتَقَلَ إِلَى إِبْطَالِ أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ يَدْفَعُ عَنْهُمُ الْعَذَابَ الَّذِي تَوَعَّدَهُمُ اللَّهُ بِهِ فَوُجِّهَ إِلَيْهِمُ اسْتِفْهَامٌ
[ ص: 41 ] أَنْ يَدُلُّواْ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَصْنَامِهِمْ أَوْ غَيْرِهَا يُقَالُ فِيهِ هَذَا هُوَ الَّذِي يَنْصُرُ مِنْ دُونِ اللَّهِ ، فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مُسْتَطِيعِينَ تَعْيِينَ أَحَدٍ لِذَلِكَ إِلَّا إِذَا سَلَكُواْ طَرِيقَ الْبُهْتَانِ وَمَا هُمْ بِسَالِكِيهِ فِي مِثْلِ هَذَا لِافْتِضَاحِ أَمْرِهِ .
وَهَذَا الْكَلَامُ نَاشِئٌ عَنْ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=16أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ الْآيَةَ ، فَهُوَ مِثْلُهُ مُعْتَرَضٌ بَيْنَ حُجَجِ الْاسْتِدْلَالِ .
وَ ( أَمْ ) الْمُنْقَطِعَةُ لَا يُفَارِقُهَا مَعْنَى الْاسْتِفْهَامِ ، وَالْأَكْثَرُ أَنْ يَكُونَ مِقْدَارًا فَإِذَا صُرِّحَ بِهِ كَمَا هُنَا فَأَوْضَحُ وَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْاسْتِفْهَامَ يُقَدَّرُ بَعْدَهَا وَلَوْ كَانَ يَلِيهَا اسْتِفْهَامٌ مُصَرَّحٌ بِهِ فَيُشْكِلُ اجْتِمَاعُ اسْتِفْهَامَيْنِ .
وَالْاسْتِفْهَامُ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّعْجِيزِ عَنِ التَّعْيِينِ فَيُؤَوَّلُ إِلَى الْانْتِفَاءِ ، وَالْإِشَارَةُ مُشَارٌ بِهَا إِلَى مَفْهُومِ جُنْدٍ مَفْرُوضٍ فِي الْأَذْهَانِ اسْتُحْضِرَ لِلْمُخَاطِبِينَ ، فَجُعِلَ كَأَنَّهُ حَاضِرٌ فِي الْخَارِجِ يُشَاهِدُهُ الْمُخَاطَبُونَ ، فَيَطْلُبُ الْمُتَكَلِّمُ مِنْهُمْ تَعْيِينَ قَبِيلَةٍ بِأَنْ يَقُولُواْ : بَنُو فُلَانٍ . وَلَمَّا كَانَ الْاسْتِفْهَامُ مُسْتَعْمَلًا فِي التَّعْجِيزِ اسْتَلْزَمَ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْجُنْدَ الْمَفْرُوضَ غَيْرُ كَائِنٍ .
وَقَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=255مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ وَنَحْوُهُ .
وَ ( مَنْ ) فِي مَوْضِعِ مُبْتَدَإٍ وَاسْمُ الْإِشَارَةِ خَبَرٌ عَنِ الْمُبْتَدَإِ .
وَكُتِبَ فِي الْمُصْحَفِ ( أَمَّنْ ) بِمِيمٍ وَاحِدَةٍ بَعْدَ الْهَمْزَةِ وَهُمَا مِيمُ ( أَمْ ) وَمِيمُ ( مَنْ ) الْمُدْغَمَتَيْنِ بِجَعْلِهِمَا كَالْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ كَمَا كُتِبَ
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=1عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ بِمِيمٍ وَاحِدَةٍ بَعْدَ الْعَيْنِ ، وَلَا تُقْرَأُ إِلَّا بِمِيمٍ مُشَدَّدَةٍ ؛ إِذِ الْمُعْتَبَرُ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ الرِّوَايَةُ دُونَ الْكِتَابَةِ وَإِنَّمَا يُكْتَبُ الْقُرْآنُ لِلْإِعَانَةِ عَلَى مُرَاجَعَتِهِ .
وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=20الَّذِي هُوَ جُنْدٌ صِفَةٌ لِاسْمِ الْإِشَارَةِ ، وَ ( لَكُمْ ) صِفَةٌ لِ ( جُنْدٌ ) وَ ( يَنْصُرُكُمْ ) جُمْلَةٌ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ جُنْدٌ أَوْ صِفَةٌ ثَانِيَةٌ لِ ( جُنْدٌ ) .
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اسْمُ الْإِشَارَةِ مُشَارًا بِهِ إِلَى جَمَاعَةِ الْأَصْنَامِ الْمَعْرُوفَةِ عِنْدَهُمُ الْمَوْضُوعَةِ فِي الْكَعْبَةِ وَحَوْلَهَا الَّذِي اتَّخَذْتُمُوهُ جُنْدًا فَمَنْ هُوَ حَتَّى يَنْصُرَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ .
فَتَكُونُ ( مَنْ ) اسْتِفْهَامِيَّةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي التَّحْقِيرِ مِثْلُ قَوْلِهِ مِنْ فِرْعَوْنُ فِي
[ ص: 42 ] قِرَاءَةِ فَتْحِ مِيمِ ( مَنْ ) وَرَفْعِ فِرْعَوْنَ ، أَيْ مَنْ هَذَا الْجُنْدُ فَإِنَّهُ أَحْقَرُ مِنْ أَنْ يُعْرَفَ ، وَاسْمُ الْإِشَارَةِ صِفَةٌ لِاسْمِ الْاسْتِفْهَامِ مُبَيِّنَةٌ لَهُ ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=20الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ صِفَةٌ لِاسْمِ الْإِشَارَةِ . وَجُمْلَةُ يَنْصُرُكُمْ خَبَرٌ عَنِ اسْمِ الْاسْتِفْهَامِ ، أَيْ هُوَ أَقَلُّ مِنْ أَنْ يَنْصُرَكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ . وَجِيءَ بِالْجُمْلَةِ الْاسْمِيَّةِ الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ لِدَلَالَتِهَا عَلَى الدَّوَامِ وَالثُّبُوتِ ؛ لِأَنَّ الْجُنْدَ يَكُونُواْ عَلَى اسْتِعْدَادٍ لِلنَّصْرِ إِذَا دُعِيَ إِلَيْهِ سَوَاءٌ قَاتَلَ أَمْ لَمْ يُقَاتِلْ ؛ لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=27469_27936النَّصْرَ يَحْتَاجُ إِلَى اسْتِعْدَادٍ وَتَهَيُّؤٍ كَمَا قَالَ النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002706خَيْرُ النَّاسِ رَجُلٌ مُمْسِكٌ بِعِنَانِ فَرَسِهِ كُلَّمَا سَمِعَ هَيْعَةً طَارَ إِلَيْهَا أَيْ هَيْعَةُ جِهَادٍ .
فَالْمَعْنَى : يَنْصُرُكُمْ عِنْدَ احْتِيَاجِكُمْ إِلَى نَصْرِهِ ، فَهَذَا وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ جُمْلَةِ هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ وَجُمْلَةِ يَنْصُرُكُمْ وَلَمْ يَسْتَغْنِ بِالثَّانِيَةِ عَنِ الْأُولَى .
وَدُونَ أَصْلِهِ ظَرْفٌ لِلْمَكَانِ الْأَسْفَلِ ضِدُّ ( فَوْقَ ) ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْمُغَايِرِ فَيَكُونُ بِمَعْنَى غَيْرٍ عَلَى طَرِيقَةِ الْمَجَازِ الْمُرْسَلِ .
فَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=20مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا مُسْتَقِرًّا فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فِي يَنْصُرُكُمْ . أَيْ حَالَةُ كَوْنِ النَّاصِرِ مِنْ جَانِبٍ غَيْرَ جَانِبِ اللَّهِ ، أَيْ مَنْ مُسْتَطِيعٌ غَيْرَ اللَّهِ يَدْفَعُ عَنْكُمُ السُّوءَ عَلَى نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=43أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا فَتَكُونُ ( مِنْ ) زَائِدَةٌ مُؤَكِّدَةٌ لِلظَّرْفِ وَهِيَ تُزَادُ مَعَ الظُّرُوفِ غَيْرِ الْمُتَصَرِّفَةِ ، وَلَا تُجَرُّ تِلْكَ الظُّرُوفُ بِغَيْرِ ( مِنْ ) ، قَالَ
الْحَرِيرِيُّ فِي الْمَقَامَةِ الرَّابِعَةِ وَالْعِشْرِينَ : " وَمَا مَنْصُوبٌ عَلَى الظَّرْفِ لَا يُخْفِضُهُ سِوَى حَرْفٌ " وَفَسَّرَهُ بِظَرْفِ " عِنْدَ " وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِـ " عِنْدَ " بَلْ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الظُّرُوفِ غَيْرِ الْمُتَصَرِّفَةِ .
وَتَكْرِيرُ وَصْفِ الرَّحْمَنِ عَقِبَ الْآيَةِ السَّابِقَةِ لِلْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي إِيثَارِ هَذَا الْوَصْفِ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ .
وَذُيِّلَ هَذَا الْاعْتِرَاضُ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=20إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ ، أَيْ ذَلِكَ شَأْنُ الْكَافِرِينَ كُلِّهِمْ وَهُمْ أَهْلُ الشِّرْكِ مِنَ الْمُخَاطَبِينَ وَغَيْرِهِمْ ، أَيْ فِي غُرُورٍ مِنَ الْغَفْلَةِ عَنْ تَوَقُّعِ بَأْسِ اللَّهِ تَعَالَى ، أَوْ فِي غُرُورٍ مِنِ اعْتِمَادِهِمْ عَلَى الْأَصْنَامِ كَمَا غَرَّ الْأُمَمَ السَّالِفَةَ دِينُهُمْ بِأَنَّ الْأَوْثَانَ تَنْفَعُهُمْ وَتَدْفَعُ عَنْهُمُ الْعَذَابَ فَلَمْ يَجِدُوا ذَلِكَ مِنْهُمْ وَقْتَ الْحَاجَةِ فَكَذَلِكَ سَيَقَعُ لِأَمْثَالِهِمْ قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=10وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا وَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=43أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ فَتَعْرِيفُ ( الْكَافِرُونَ ) لِلْاسْتِغْرَاقِ . وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ كَافِرُونَ مَعْهُودُونَ حَتَّى يَكُونَ مِنْ وَضْعِ الْمُظْهَرِ مَوْضِعَ الضَّمِيرِ .
[ ص: 43 ] nindex.php?page=treesubj&link=18878وَالْغُرُورُ : ظَنُّ النَّفْسِ وُقُوعِ أَمْرٍ نَافِعٍ لَهَا بِمَخَائِلِ تَتَوَهُّمِهَا ، وَهُوَ بِخِلَافِ ذَلِكَ أَوْ هُوَ غَيْرُ وَاقِعٍ .
وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=196لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ فِي آخِرِ آلِ عِمْرَانَ وَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=112يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا فِي الْأَنْعَامِ وَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=5فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي سُورَةِ فَاطِرٍ .
وَالظَّرْفِيَّةُ مَجَازِيَّةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي شِدَّةِ التَّلَبُّسِ بِالْغُرُورِ حَتَّى كَأَنَّ الْغُرُورَ مُحِيطٌ بِهِمْ إِحَاطَةَ الظَّرْفِ .
وَالْمَعْنَى : مَا الْكَافِرُونَ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ إِلَّا فِي حَالِ الْغُرُورِ ، وَهَذَا قَصْرٌ إِضَافِيٌّ لِقَلْبِ اعْتِقَادِهِمْ أَنَّهُمْ فِي مَأْمَنٍ مِنَ الْكَوَارِثِ بِحِمَايَةِ آلِهَتِهِمْ .