nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=29052_30340_28762إذا الشمس كورت nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=2وإذا النجوم انكدرت nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=3وإذا الجبال سيرت nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=4وإذا العشار عطلت nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=5وإذا الوحوش حشرت nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=6وإذا البحار سجرت nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=7وإذا النفوس زوجت nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=8وإذا الموءودة سئلت nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=9بأي ذنب قتلت nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=10وإذا الصحف نشرت nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=11وإذا السماء كشطت nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=12وإذا الجحيم سعرت nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=13وإذا الجنة أزلفت nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=14علمت نفس ما أحضرت .
الافتتاح بـ إذا افتتاح مشوق ; لأن إذا ظرف يستدعي متعلقا ، ولأنه أيضا شرط يؤذن بذكر جواب بعده ، فإذا سمعه السامع ترقب ما سيأتي بعده ، فعندما يسمعه يتمكن من نفسه كمال تمكن ، وخاصة بالإطناب بتكرير كلمة إذا .
وتعدد الجمل التي أضيف إليها اثنتي عشرة مرة ، فإعادة كلمة إذا بعد واو العطف في هذه الجمل المتعاطفة إطناب ، وهذا الإطناب اقتضاه قصد التهويل ، والتهويل من مقتضيات الإطناب والتكرير ، كما في قصيدة
الحارث بن عباد البكري :
قربا مربط النعامة مني
إلخ
وفي إعادة إذا إشارة إلى أن مضمون كل جملة من هذه الجمل الثنتي عشرة مستقل بحصول مضمون جملة الجواب عند حصوله بقطع النظر عن تفاوت زمان حصول الشروط ، فإن زمن سؤال الموءودة ونشر الصحف أقرب لعلم النفوس بما أحضرت أقرب من زمان تكوير الشمس وما عطف عليه مما يحصل قبل البعث .
[ ص: 141 ] وقد ذكر في هذه الآيات اثنا عشر حدثا فستة منها تحصل في آخر الحياة الدنيوية ، وستة منها تحصل في الآخرة .
وكانت الجمل التي جعلت شروطا ل إذا في هذه الآية مفتتحة بالمسند إليه المخبر عنه بمسند فعلي دون كونها جملا فعلية ، ودون تقدير أفعال محذوفة تفسرها الأفعال المذكورة وذلك يؤيد قول نحاة
الكوفة بجواز وقوع شرط ( إذا ) جملة غير فعلية وهو الراجح ; لأن ( إذا ) غير عريقة في الشرط . وهذا الأسلوب لقصد الاهتمام بذكر ما أسندت إليه الأفعال التي يغلب أن تكون شروطا ل ( إذا ) ; لأن الابتداء بها أدخل في التهويل والتشويق وليفيد ذلك التقديم على المسند الفعلي تقوي الحكم وتأكيده في جميع تلك الجمل ردا على إنكار منكريه ; فلذلك قيل : إذا الشمس كورت ولم يقل : إذا كورت الشمس ، وهكذا نظائره .
وجواب الشروط الاثني عشر هو قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=14علمت نفس ما أحضرت وتتعلق به الظروف المشربة معنى الشرط .
وصيغة الماضي في الجمل الثنتي عشرة الواردة شروطا ل إذا مستعملة في معنى الاستقبال تنبيها على تحقق وقوع الشرط .
وتكوير الشمس : فساد جرمها لتداخل ظاهرها في باطنها بحيث يختل تركيبها فيختل لاختلاله نظام سيرها ، ومن قولهم : كور العمامة ، إذا أدخل بعضها في بعض ولفها ، وقريب من هذا الإطلاق إطلاق الطي في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=104يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب .
وفسر كورت بمعنى غورت . رواه
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري عن
ابن جبير وقال : هي كلمة معربة عن الفارسية ، وأن أصلها بالفارسية كور بكر ( بضم الكاف الأولى وسكون الراء الأخيرة ) وعلى ذلك عدت هذه الكلمة مما وقع في القرآن من المعرب . وقد عدها
ابن السبكي في نظمه الكلمات المعربة في القرآن .
وإذا زال ضوء الشمس انكدرت النجوم ; لأن معظمها يستنير من انعكاس نور الشمس عليها .
والانكدار : مطاوع كدره المضاعف على غير قياس ، أي : حصل للنجوم
[ ص: 142 ] انكدار من تكدير الشمس لها حين زال عنها انعكاس نورها ، فلذلك ذكر مطاوع كدر دون ذكر فاعل التكدير .
والكدرة : ضد الصفاء ، كتغير لون الماء ونحوه .
وفسر الانكدار بالتساقط والانقضاض ، وأنشدوا قول
العجاج يصف بازيا :
أبصر خربان فضاء فانكدر
ومعنى تساقطها تساقط بعضها على بعض واصطدامها بسبب اختلال نظام الجاذبية الذي جعله الله لإمساكها إلى أمد معلوم .
وتسيير الجبال انتقالها من أماكنها بارتجاج الأرض وزلزالها . وتقدم في سورة النبأ .
والعشار جمع عشراء وهي الناقة الحامل إذا بلغت عشرة أشهر لحملها فقاربت أن تضع حملها ; لأن النوق تحمل عاما كاملا ، والعشار أنفس مكاسب العرب ومعنى عطلت تركت لا ينتفع بها .
والكلام كناية عن ترك الناس أعمالهم لشدة الهول .
وعلى هذا الوجه يكون ذلك من أشراط الساعة في الأرض فيناسب
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=5وإذا الوحوش حشرت .
ويجوز أن تكون العشار مستعارة للأسحبة المحملة بالمطر ، شبهت بالناقة العشراء . وهذا غير بعيد من الاستعمال ، فهم يطلقون مثل هذه الاستعارة للسحاب ، كما أطلقوا على السحابة اسم بكر في قول
عنترة :
جادت عليه كل بكر حرة فتركن كل قرارة كالدرهم
فأطلق على السحابة الكثيرة الماء اسم البكر الحرة ، أي : الأصيلة من النوق وهي في حملها الأول .
ومعنى تعطيل الأسحبة أن يعرض لها ما يحبس مطرها عن النزول ، أو معناه أن الأسحبة الثقال لا تتجمع ولا تحمل ماء ، فمعنى تعطيلها تكونها ، فيتوالى القحط
[ ص: 143 ] على الأرض فيهلك الناس والأنعام . وعلى هذا الوجه فذلك من أشراط الساعة العلوية فيناسب تكوير الشمس وانكدار النجوم .
والوحوش : جمع وحش وهو الحيوان البري غير المتأنس بالناس .
وحشرها : جمعها في مكان واحد ، أي : مكان من الأرض عند اقتراب فناء العالم فقد يكون سبب حشرها طوفانا يغمر الأرض من فيضان البحار فكلما غمر جزءا من الأرض فرت وحوشه حتى تجتمع في مكان واحد طالبة النجاة من الهلاك ، ويشعر بهذا عطف
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=6وإذا البحار سجرت عليه .
وذكر هذا بالنسبة إلى الوحوش إيماء إلى شدة الهول فالوحوش التي من طبعها نفرة بعضها عن بعض تتجمع في مكان واحد لا يعدو شيء منها على الآخر من شدة الرعب ، فهي ذاهلة عما في طبعها من الاعتداء والافتراس ، وليس هذا الحشر الذي يحشر الناس به للحساب ، بل هذا حشر في الدنيا وهو المناسب لما عد معه من الأشراط ، وروي معناه عن
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب .
وتسجير البحار : فيضانها ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=6والبحر المسجور في سورة الطور . والمراد تجاوز مياهها معدل سطوحها واختلاط بعضها ببعض وذلك من آثار اختلال قوة كرة الهواء التي كانت ضاغطة عليها ، وقد وقع في آية سورة الانفطار
nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=3وإذا البحار فجرت وإذا حدث ذلك اختلط ماؤها برملها فتغير لونه .
يقال : سجر مضاعفا وسجر مخففا . وقرئ بهما فقرأه الجمهور مشددا . وقرأه
ابن كثير ،
وأبو عمرو ،
ويعقوب مخففا .
وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=7وإذا النفوس زوجت شروع في ذكر
nindex.php?page=treesubj&link=28766_30339الأحوال الحاصلة في الآخرة يوم القيامة ، وقد انتقل إلى ذكرها لأنها تحصل عقب الستة التي قبلها وابتدئ بأولها وهو تزويج النفوس ، والتزويج : جعل الشيء زوجا لغيره بعد أن كان كلاهما فردا ، والتزويج أيضا : جعل الأشياء أنواعا متماثلة قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=3ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين ; لأن الزوج يطلق على النوع والصنف من الأشياء ، والنفوس : جمع نفس ، والنفس يطلق على الروح ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=27يا أيتها النفس المطمئنة nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=28ارجعي إلى ربك وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=93أخرجوا أنفسكم .
[ ص: 144 ] وتطلق النفس على ذات الإنسان قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=151ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=2هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=61فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم أي : فليسلم الداخل على أمثاله من الناس .
فيجوز أن يكون معنى النفوس هنا الأرواح ، أي : تزوج الأرواح بالأجساد المخصصة لها فيصير الروح زوجا مع الجسد بعد أن كان فردا لا جسم له في برزخ الأرواح ، وكانت الأجساد بدون أرواح حين يعاد خلقها ، أي : وإذا أعطيت الأرواح للأجساد . وهذا هو البعث وهو المعنى المتبادر أولا ، وروي عن
عكرمة .
ويجوز أن يكون المعنى وإذا الأشخاص نوعت وصنفت فجعلت أصنافا : المؤمنون ، والصالحون ، والكفار ، والفجار ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=7وكنتم أزواجا ثلاثة فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة والسابقون الآية .
ولعل قصد إفادة هذا التركيب لهذين المعنيين هو مقتضى العدول عن ذكر ما زوجت النفوس به .
nindex.php?page=treesubj&link=30337وأول منازل البعث اقتران الأرواح بأجسادها ، ثم تقسيم الناس إلى مراتبهم للحشر ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=68ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=71وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=73وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا الآية .
وقد ذكروا معاني أخرى لتزويج النفوس في هذه الآية غير مناسبة للسياق .
وبمناسبة ذكر تزويج النفوس بالأجساد خص سؤال الموءودة بالذكر دون غيره مما يسأل عنه المجرمون يوم الحساب ، ذلك لأن إعادة الأرواح إلى الأجساد كان بعد مفارقتها بالموت ، والموت إما بعارض جسدي من انحلال أو مرض ، وإما باعتداء عدواني من قتل أو قتال ، وكان من أفظع الإعتداء على إزهاق الأرواح من أجسادها اعتداء الآباء على نفوس أطفالهم بالوأد ، فإن الله جعل في الفطرة حرص الآباء على استحياء أبنائهم وجعل الأبوين سبب إيجاد الأبناء ، فالوأد أفظع أعمال أهل الشرك . وسؤال الموءودة سؤال تعريضي مراد منه تهديد وائدها ورعبه بالعذاب .
وظاهر الآية أن سؤال الموءودة وعقوبة من وأدها
nindex.php?page=treesubj&link=34020_28765أول ما يقضى فيه يوم القيامة [ ص: 145 ] كما يقتضي ذلك جعل هذا السؤال وقتا تعلم عنده كل نفس ما أحضرت ، فهو من أول ما يعلم به حين الجزاء .
والوأد : دفن الطفلة وهي حية : قيل هو مقلوب آداه ، إذا أثقله ; لأنه إثقال الدفينة بالتراب . قال في الكشاف : كان الرجل إذا ولدت له بنت فأراد أن يستحييها البسها جبة من صوف أو شعر ترعى له الإبل والغنم في البادية ، وإن أراد قتلها تركها حتى إذا كانت سداسية يقول لأمها طيبيها وزينيها حتى أذهب بها إلى أحمائها وقد حفر لها بئرا في الصحراء فيبلغ بها البئر فيقول لها : انظري فيها ، ثم يدفعها من خلفها ويهيل عليها التراب حتى تستوي البئر بالأرض .
وقيل : كانت الحامل إذا أقربت حفرت حفرة فتمخضت على رأس الحفرة ، فإذا ولدت بنتا رمت بها في الحفرة ، وإن ولدت ابنا حبسته اهـ .
وكانوا يفعلون ذلك خشية من إغارة العدو عليهم فيسبي نساءهم ، ولخشية الإملاق في سني الجدب ; لأن الذكر يحتال للكسب بالغارة وغيرها والأنثى عالة على أهلها ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=31ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=58وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون .
وإذ قد فشا فيهم كراهية ولادة الأنثى فقد نما في نفوسهم بغضها فتحركت فيها الخواطر الإجرامية ،
nindex.php?page=treesubj&link=30578فالرجل يكره أن تولد له أنثى لذلك ، وامرأته تكره أن تولد لها أنثى خشية من فراق زوجها إياها ، وقد يهجر الرجل امرأته إذا ولدت أنثى .
وقد توارثت هذا الجهل أكثر الأمم على تفاوت بينهم فيه ، ومن كلام بعضهم وقد ماتت ابنته : ( ( نعم الصهر القبر ) ) .
ومن آثار هذا الشعور
nindex.php?page=treesubj&link=18001حرمان البنات من أموال آبائهن بأنواع من الحيل مثل وقف أموالهم على الذكور دون الإناث ، وقد قال
مالك : إن ذلك من سنة الجاهلية ، ورأى ذلك الحبس باطلا ، وكان كثير من أقرباء الميت يلجئون بناته إلى إسقاط حقهن في ميراث أبيهن لإخوتهن في فور الأسف على موت أبيهن ، فلا
[ ص: 146 ] يمتنعن من ذلك ، ويرين الامتناع من ذلك عارا عليهن ، فإن لم يفعلن قطعهن أقرباؤهن .
وتعرف هذه المسألة في الفقه بهبة بنات القبائل ، وبعضهم يعدها من الإكراه .
ولم يكن الوأد معمولا به عند جميع القبائل ، قيل :
nindex.php?page=treesubj&link=34020_30578أول من وأد البنات من القبائل ربيعة ، وكانت
كندة تئد البنات ، وكان
بنو تميم يفعلون ذلك ، ووأد
قيس بن عاصم المنقري من
بني تميم ثماني بنات له قبل إسلامه .
ولم يكن الوأد في
قريش البتة . وكان
صعصعة بن ناجية جد
nindex.php?page=showalam&ids=14899الفرزدق من
بني تميم يفتدي من يعلم أنه يريد وأد بنته من قومه بناقتين عشراوين وجمل ، فقيل : إنه افتدى ثلاثمائة وستين موءودة ، وقيل : وسبعين ، وفي الأغاني : وقيل : أربعمائة .
وفي تفسير
القرطبي : فجاء الإسلام وقد أحيا سبعين موءودة . ومثل هذا في كتاب الشعراء
nindex.php?page=showalam&ids=13436لابن قتيبة ، وبين العددين بون بعيد ، فلعل في أحدهما تحريفا .
وفي توجيه السؤال إلى الموءودة
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=9بأي ذنب قتلت في ذلك الحشر إدخال الروع على من وأدها ، وجعل سؤالها عن تعيين ذنب أوجب قتلها للتعريض بالتوبيخ والتخطئة للذي وأدها ، وليكون جوابها شهادة على من وأدها فيكون استحقاقه العقاب أشد وأظهر .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=9بأي ذنب قتلت بيان لجملة سئلت .
و ( أي ) : اسم استفهام يطلب به تميز شيء من بين أشياء تشترك معه في حال .
والاستفهام في
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=9بأي ذنب تقريري ، وإنما سئلت عن تعيين الذنب الموجب قتلها دون أن تسأل عن قاتلها لزيادة التهديد ; لأن السؤال عن تعيين الذنب مع تحقق الوائد الذي يسمع ذلك السؤال أن لا ذنب لها إشعار للوائد بأنه غير معذور فيما صنع بها .
وينتزع من قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=8سئلت بأي ذنب قتلت الوارد في سياق نفي ذنب عن الموءودة يوجب قتلها استدلال على أن من ماتوا من أطفال المشركين لا يعتبرون مشركين مثل آبائهم ، وأول من رأيته تعرض لهذا الاستدلال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في
[ ص: 147 ] الكشاف ، وذكر أن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس استدل على هذا المعنى قال في الكشاف : " وفيه دليل على أن أطفال المشركين لا يعذبون ، وإذ أبكت الله الكافر ببراءة الموءودة من الذنب فما أقبح به وهو الذي لا يظلم مثقال ذرة أن يكر على هذا التبكيت فيفعل بها ما تنسى عنده فعل المبكت من العذاب السرمدي " . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه سئل عن ذلك فاحتج بهذه الآية اهـ . فأشار إلى ثلاثة أدلة : أحدها : دلالة الإشارة ، أي : لأن قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=9بأي ذنب قتلت يشير إلى أنها لا ذنب لها ، وهذا استدلال ضعيف ; لأن الذنب المنفي وجوده بطريقة الاستفهام المشوب بإنكار إنما هو الذنب الذي يخول لأبيها وأدها لا إثبات حرمتها وعصمة دمها فتلك قضية أخرى على تفصيل فيها .
الثاني : قاعدة إحالة فعل القبيح على الله تعالى على قاعدة
nindex.php?page=treesubj&link=28834_20691التحسين والتقبيح عند
المعتزلة ، وإحالتهم الظلم على الله إذا عذب أحدا بدون فعله ، وهو أصل مختلف فيه بين
الأشاعرة والمعتزلة . فعندنا أن تصرف الله في عبيده لا يوصف بالظلم خلافا لهم على أن هذا الدليل مبني على أساس الدليل الأول وقد علمت أنه غير سالم من النقض .
الثالث : ما نسبه إلى
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وهو يشير إلى ما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم بسنده إلى
عكرمة أنه قال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : أطفال المشركين في الجنة ، فمن زعم أنهم في النار فقد كذب بقول الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=8وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت وقد أجيب عن القول المروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس بأنه لم يبلغ مبلغ الصحة ، وهذه مسألة من أصول الدين لا يكتفى فيها إلا بالدليل القاطع .
واعلم أن الأحاديث الصحيحة في
nindex.php?page=treesubj&link=28638حكم أطفال المشركين متعارضة ، فروى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ،
ومسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=hadith&LINKID=2002803أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سئل عن أولاد أو ذراري المشركين فقال : الله أعلم بما كانوا عاملين . وهذا الجواب يحتمل الوقف عن الجواب ، أي : الله أعلم بحالهم ، كقول
موسى - عليه السلام -
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=52علمها عند ربي في كتاب جوابا لقول
فرعون nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=51فما بال القرون الأولى . ويحتمل أن المعنى : الله أعلم بحال كل واحد منهم لو كبر ماذا يكون عاملا من كفر أو إيمان ، أي : فيعامله بما علم من حاله .
[ ص: 148 ] وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ،
ومسلم - ببعض اختلاف في اللفظ - عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002804كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه الحديث . زاد في رواية
مسلم ثم يقول - أي
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة - : اقرؤوا
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=30فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم . فيقتضي أنهم يولدون على فطرة الإسلام حتى يدخل عليه من أبويه أو قريبه أو قرينه ما يغيره عن ذلك ، وهذا أظهر ما يستدل به في هذه المسألة .
قال
المازري في المعلم : فاضطرب العلماء فيهم . والأحاديث وردت ظواهرها مختلفة واختلاف هذه الظواهر سبب اضطراب العلماء في ذلك والقطع ها هنا يبعد اهـ .
وقول
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة : واقرؤوا
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=30فطرة الله التي فطر الناس عليها إلخ مصباح ينير وجه الجمع بين هذه الأخبار : وقد ورد في حديث الرؤيا عن
nindex.php?page=showalam&ids=24سمرة بن جندب ما هو صريح في ذلك ، إذ
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002805قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : وأما الرجل الذي في الروضة فإنه إبراهيم - عليه السلام - ، وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة . قال سمرة : فقال بعض المسلمين : يا رسول الله ، وأولاد المشركين ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : وأولاد المشركين .
واختلفت أقوال العلماء في أولاد المشركين ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=16418ابن المبارك ،
nindex.php?page=showalam&ids=15744وحماد بن سلمة ،
nindex.php?page=showalam&ids=15743وحماد بن زيد ،
nindex.php?page=showalam&ids=12418وإسحاق بن راهويه ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي : هم في مشيئة الله . والصحيح الذي عليه المحققون والجمهور أنهم في الجنة ، وهو ظاهر قول
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة . وذهب
الأزارقة إلى أن أولاد المشركين تبع لآبائهم ، وقال
أبو عبيد : سألت
محمد بن الحسن عن حديث
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002806كل مولود يولد على الفطرة فقال : كان ذلك أول الإسلام قبل أن تنزل الفرائض وقبل أن يفرض الجهاد . قال
أبو عبيد : كأنه يعني أنه لو ولد على الفطرة لم يرثاه لأنه مسلم وهما كافران ، فلما فرضت الفرائض على خلاف ذلك جاز أن يسمى كافرا وعلم أنه يولد على دينهما .
وهنالك أقوال أخرى كثيرة غير معزوة إلى معين ولا مستندة لأثر صحيح .
وذكر
المازري أن أطفال الأنبياء في الجنة بإجماع ، وأن جمهور العلماء على أن أطفال بقية المؤمنين في الجنة ، وبعض العلماء وقف فيهم ، وقال
النووي : أجمع من يعتد به من علماء المسلمين على أن
nindex.php?page=treesubj&link=28637من مات من أطفال المسلمين فهو من أهل الجنة .
[ ص: 149 ] وقرأ الجمهور قتلت بتخفيف المثناة الأولى ، وقرأه
أبو جعفر بتشديدها ، وهي تفيد معنى أنه قتل شديد فظيع .
ونشر الصحف حقيقته : فتح طيات الصحيفة ، أو إطلاق التفافها لتقرأ كتابتها وتقدم في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=52أن يؤتى صحفا منشرة في سورة المدثر ، وعند قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=13كتابا يلقاه منشورا في سورة الإسراء .
والمراد : صحف الأعمال ، وهي إما صحف حقيقية مخالفة للصحف المألوفة ، وإما مجازية أطلقت على أشياء فيها
nindex.php?page=treesubj&link=30356إحصاء أعمال الناس ، وقد تقدم غير مرة .
وقرأ
نافع ،
وعاصم ،
وابن عامر ،
وأبو جعفر ،
ويعقوب nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=10نشرت بتخفيف الشين . وقرأه الجمهور بتشديد الشين للتكثير لكثرة الصحف المنشورة .
والكشط : إزالة الإهاب عن الحيوان الميت وهو أعم من السلخ ; لأن السلخ لا يقال إلا في إزالة إهاب البقر والغنم دون إزالة إهاب الإبل ، فإنه كشط ولا يقال سلخ ، والظاهر أن المراد إزالة تقع في يوم القيامة لأنها ذكرت في أثناء أحداث يوم القيامة بعد قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=7وإذا النفوس زوجت nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=8وإذا الموءودة سئلت وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=10وإذا الصحف نشرت .
فالظاهر أن السماء تبقى منشقة منفطرة تعرج الملائكة بينها وبين أرض المحشر حتى يتم الحساب ، فإذا قضي الحساب أزيلت السماء من مكانها ، فالسماء مكشوطة والمكشوط عنه هو عالم الخلود ، ويكون
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=11كشطت استعارة للإزالة .
ويجوز أن يكون هذا من الأحداث التي جعلت أشراطا للساعة وأخر ذكره لمناسبة ذكر نشر الصحف ; لأن الصحف تنشرها الملائكة وهم من أهل السماء فيكون هذا الكشط من قبيل الانشقاق في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=84&ayano=1إذا السماء انشقت والانفطار في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=1إذا السماء انفطرت إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=5علمت نفس ما قدمت وأخرت فيكون الكشط لبعض أجزاء السماء والمكشوط عنه بعض آخر ، فيكون من قبيل قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=40لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط ومن قبيل الطي في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=104يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده لأن ظاهره اتصال طي
[ ص: 150 ] السماء بإعادة الخلق ، وتصير الأشراط التي تحصل قبل البعث سبعة والأحداث التي تقع بعد البعث خمسة .
والجحيم أصله : النار ذات الطبقات من الوقود من حطب ونحوه بعضها فوق بعض ، وصار علما بالغلبة على جهنم دار العذاب في الآخرة في اصطلاح القرآن . وتسعيرها أو إسعارها : إيقادها ، أي : هيئت لعذاب من حق عليهم العذاب .
وقرأ
نافع ،
وابن ذكوان عن
ابن عامر ،
وحفص عن
عاصم ،
وأبو جعفر ،
ورويس عن
يعقوب ( سعرت ) بتشديد العين مبالغة في الإسعار . وقرأه الباقون بالتخفيف .
وقوبلت بالجنة دار النعيم ، واسم الجنة علم بالغلبة على دار النعيم ، و أزلفت قربت ، والزلفى : القرب ، أي : قربت الجنة من أهلها ، أي : جعلت بالقرب من محشرهم بحيث لا تعب عليهم في الوصول إليها وذلك كرامة لهم .
واعلم أن تقديم المسند إليه في الجمل الثنتي عشرة المفتتحات بكلمة ( إذا ) من قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=1إذا الشمس كورت إلى هنا ، والإخبار عنه بالمسند الفعلي مع إمكان أن يقال : إذا كورت الشمس وإذا انكدرت النجوم ، وهكذا كما قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=37فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان أن ذلك التقديم لإفادة الاهتمام بتلك الأخبار المجعولة علامات ليوم البعث توسلا بالاهتمام بأشراطه إلى الاهتمام به وتحقيق وقوعه .
وإن إطالة ذكر تلك الجمل تشويق للجواب الواقع بعدها بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=14علمت نفس ما أحضرت .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=14علمت نفس ما أحضرت يتنازع التعلق به كلمات إذا المتكررة .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب أنه قرأ أول هذه السورة فلما بلغ
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=14علمت نفس ما أحضرت قال : لهذا أجريت القصة أي : هو جواب القسم ومعنى علمت أنها تعلم بما أحضرت فتعلمه .
وقوله : نفس نكرة في سياق الشرط مراد بها العموم ، أي : علمت كل نفس ما أحضرت ، واستفادة العموم من النكرة في سياق الإثبات تحصل من القرينة الدالة على عدم القصد إلى واحد من الجنس ، والقرينة هنا وقوع لفظ ( نفس ) في جواب هذه الشروط التي لا يخطر بالبال أن تكون شروطا لشخص واحد ، وقد
[ ص: 151 ] قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=30يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء .
والإحضار : جعل الشيء حاضرا .
ومعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=14علمت نفس ما أحضرت حصول اليقين بما لم يكن لها به علم من حقائق الأعمال التي كان علمها بها أشتاتا : بعضه معلوم على غير وجهه ، وبعضه معلوم صورته مجهولة عواقبه ، وبعضه مغفول عنه . فنزل العلم الذي كان حاصلا للناس في الحياة الدنيا منزلة عدم العلم ، وأثبت العلم لهم في ذلك اليوم علم أعمالهم من خير أو شر فيعلم ما لم يكن له به علم مما يحقره من أعماله ويتذكر ما كان قد علمه من قبل ، وتذكر المنسي والمغفول عنه نوع من العلم .
وما أحضرته هو ما أسلفته من الأعمال ، ولما كانت الأعمال تظهر آثارها من ثواب وعقاب يومئذ عبر عن ظهور آثارها بالإحضار لشبهه به كما يحضر الزاد للمسافر ففي فعل أحضرت استعارة . ويطلق على ذلك الإعداد كقول النبيء - صلى الله عليه وسلم - للذي سأله متى الساعة ؟ ماذا أعددت لها .
وأسند الإحضار إلى النفوس لأنها الفاعلة للأعمال التي يظهر جزاؤها يومئذ فهذا الإسناد من إسناد فعل الشيء إلى سبب فعله ، فحصل هنا مجازان : مجاز لغوي ، ومجاز عقلي ، وحقيقتهما في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=30يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء .
وجعلت معرفة النفوس لجزاء أعمالها حاصلة عند حصول مجموع الشروط التي ذكرت في الجمل الثنتي عشرة ; لأن بعض الأحوال التي تضمنتها الشروط مقارن لحصول علم النفوس بأعمالها وهي الأحوال الستة المذكورة أخيرا ، وبعض الأحوال حاصل من قبل بقليل وهي الأحوال الستة المذكورة أولا ، فنزل القريب منزلة المقارن ، فلذلك جعل الجميع شروطا ل إذا .
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=29052_30340_28762إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=2وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=3وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=4وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=5وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=6وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=7وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=8وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=9بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=10وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=11وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=12وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=13وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=14عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ .
الِافْتِتَاحُ بِـ إِذَا افْتِتَاحٌ مُشَوِّقٌ ; لِأَنَّ إِذَا ظَرْفٌ يَسْتَدْعِي مُتَعَلَّقًا ، وَلِأَنَّهُ أَيْضًا شَرْطٌ يُؤْذِنُ بِذِكْرِ جَوَابٍ بَعْدَهُ ، فَإِذَا سَمِعَهُ السَّامِعُ تَرَقَّبَ مَا سَيَأْتِي بَعْدَهُ ، فَعِنْدَمَا يَسْمَعُهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ نَفْسِهِ كَمَالَ تَمَكُّنٍ ، وَخَاصَّةً بِالْإِطْنَابِ بِتَكْرِيرِ كَلِمَةِ إِذَا .
وَتَعَدُّدِ الْجُمَلِ الَّتِي أُضِيفَ إِلَيْهَا اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَرَّةً ، فَإِعَادَةُ كَلِمَةِ إِذَا بَعْدَ وَاوِ الْعَطْفِ فِي هَذِهِ الْجُمَلِ الْمُتَعَاطِفَةِ إِطْنَابٌ ، وَهَذَا الْإِطْنَابُ اقْتَضَاهُ قَصْدُ التَّهْوِيلِ ، وَالتَّهْوِيلُ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْإِطْنَابِ وَالتَّكْرِيرِ ، كَمَا فِي قَصِيدَةِ
الْحَارِثِ بْنِ عَبَّادٍ الْبَكْرِيِّ :
قَرِّبَا مَرْبَطَ النَّعَامَةِ مِنِّي
إِلَخْ
وَفِي إِعَادَةِ إِذَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ مَضْمُونَ كُلِّ جُمْلَةٍ مِنْ هَذِهِ الْجُمَلِ الثِّنْتَيْ عَشْرَةَ مُسْتَقِلٌّ بِحُصُولِ مَضْمُونِ جُمْلَةِ الْجَوَابِ عِنْدَ حُصُولِهِ بِقَطْعِ النَّظَرِ عَنْ تَفَاوُتِ زَمَانِ حُصُولِ الشُّرُوطِ ، فَإِنَّ زَمَنَ سُؤَالِ الْمَوْءُودَةِ وَنَشْرِ الصُّحُفِ أَقْرَبُ لِعِلْمِ النُّفُوسِ بِمَا أَحْضَرَتْ أَقْرَبُ مِنْ زَمَانِ تَكْوِيرِ الشَّمْسِ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ مِمَّا يَحْصُلُ قَبْلَ الْبَعْثِ .
[ ص: 141 ] وَقَدْ ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ اثْنَا عَشَرَ حَدَثًا فَسِتَّةٌ مِنْهَا تَحْصُلُ فِي آخِرِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَوِيَّةِ ، وَسِتَّةٌ مِنْهَا تَحْصُلُ فِي الْآخِرَةِ .
وَكَانَتِ الْجُمَلُ الَّتِي جُعِلَتْ شُرُوطًا لِ إِذَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ مُفْتَتَحَةً بِالْمُسْنَدِ إِلَيْهِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ بِمُسْنَدٍ فِعْلِيٍّ دُونَ كَوْنِهَا جُمَلًا فِعْلِيَّةً ، وَدُونَ تَقْدِيرِ أَفْعَالٍ مَحْذُوفَةٍ تُفَسِّرُهَا الْأَفْعَالُ الْمَذْكُورَةُ وَذَلِكَ يُؤَيِّدُ قَوْلَ نُحَاةِ
الْكُوفَةِ بِجَوَازِ وُقُوعِ شَرْطِ ( إِذَا ) جُمْلَةً غَيْرَ فِعْلِيَّةٍ وَهُوَ الرَّاجِحُ ; لِأَنَّ ( إِذَا ) غَيْرُ عَرِيقَةٍ فِي الشَّرْطِ . وَهَذَا الْأُسْلُوبُ لِقَصْدِ الِاهْتِمَامِ بِذِكْرِ مَا أُسْنِدَتْ إِلَيْهِ الْأَفْعَالُ الَّتِي يَغْلِبُ أَنْ تَكُونَ شُرُوطًا لِ ( إِذَا ) ; لِأَنَّ الِابْتِدَاءَ بِهَا أَدْخَلُ فِي التَّهْوِيلِ وَالتَّشْوِيقِ وَلِيُفِيدَ ذَلِكَ التَّقْدِيمُ عَلَى الْمُسْنَدِ الْفِعْلِيِّ تَقَوِّيَ الْحُكْمِ وَتَأْكِيدَهُ فِي جَمِيعِ تِلْكَ الْجُمَلِ رَدًّا عَلَى إِنْكَارِ مُنْكِرِيهِ ; فَلِذَلِكَ قِيلَ : إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَلَمْ يُقَلْ : إِذَا كُوِّرَتِ الشَّمْسُ ، وَهَكَذَا نَظَائِرُهُ .
وَجَوَابُ الشُّرُوطِ الِاثْنَيْ عَشَرَ هُوَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=14عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ وَتَتَعَلَّقُ بِهِ الظُّرُوفُ الْمُشْرَبَةُ مَعْنَى الشَّرْطِ .
وَصِيغَةُ الْمَاضِي فِي الْجُمَلِ الثِّنْتَيْ عَشْرَةَ الْوَارِدَةِ شُرُوطًا لِ إِذَا مُسْتَعْمَلَةٌ فِي مَعْنَى الِاسْتِقْبَالِ تَنْبِيهًا عَلَى تَحَقُّقِ وُقُوعِ الشَّرْطِ .
وَتَكْوِيرُ الشَّمْسِ : فَسَادُ جِرْمِهَا لِتَدَاخُلِ ظَاهِرِهَا فِي بَاطِنِهَا بِحَيْثُ يَخْتَلُّ تَرْكِيبُهَا فَيَخْتَلُّ لِاخْتِلَالِهِ نِظَامُ سَيْرِهَا ، وَمِنْ قَوْلِهِمْ : كَوَّرَ الْعِمَامَةَ ، إِذَا أَدْخَلَ بَعْضَهَا فِي بَعْضٍ وَلَفَّهَا ، وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْإِطْلَاقِ إِطْلَاقُ الطَّيِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=104يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ .
وَفُسِّرَ كُوِّرَتْ بِمَعْنَى غُوِّرَتْ . رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطَّبَرَيُّ عَنِ
ابْنِ جُبَيْرٍ وَقَالَ : هِيَ كَلِمَةٌ مُعَرَّبَةٌ عَنِ الْفَارِسِيَّةِ ، وَأَنَّ أَصْلَهَا بِالْفَارِسِيَّةِ كُورُ بِكْرْ ( بِضَمِّ الْكَافِ الْأُولَى وَسُكُونِ الرَّاءِ الْأَخِيرَةِ ) وَعَلَى ذَلِكَ عُدَّتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ مِمَّا وَقَعَ فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْمُعَرَّبِ . وَقَدْ عَدَّهَا
ابْنُ السُّبْكِيِّ فِي نَظْمِهِ الْكَلِمَاتِ الْمُعَرَّبَةِ فِي الْقُرْآنِ .
وَإِذَا زَالَ ضَوْءُ الشَّمْسِ انْكَدَرَتِ النُّجُومُ ; لِأَنَّ مُعْظَمَهَا يَسْتَنِيرُ مِنَ انْعِكَاسِ نُورِ الشَّمْسِ عَلَيْهَا .
وَالِانْكِدَارُ : مُطَاوِعُ كَدَّرَهُ الْمُضَاعَفِ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ ، أَيْ : حَصَلَ لِلنُّجُومِ
[ ص: 142 ] انْكِدَارٌ مِنْ تَكْدِيرِ الشَّمْسِ لَهَا حِينَ زَالَ عَنْهَا انْعِكَاسُ نُورِهَا ، فَلِذَلِكَ ذُكِرَ مُطَاوِعُ كَدَّرَ دُونَ ذِكْرِ فَاعِلِ التَّكْدِيرِ .
وَالْكُدْرَةُ : ضِدُّ الصَّفَاءِ ، كَتَغَيُّرِ لَوْنِ الْمَاءِ وَنَحْوِهِ .
وَفُسِّرَ الِانْكِدَارُ بِالتَّسَاقُطِ وَالِانْقِضَاضِ ، وَأَنْشَدُوا قَوْلَ
الْعَجَّاجِ يَصِفُ بَازِيًا :
أَبْصَرَ خِرْبَانَ فَضَاءً فَانْكَدَرْ
وَمَعْنَى تَسَاقُطِهَا تَسَاقُطُ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ وَاصْطِدَامُهَا بِسَبَبِ اخْتِلَالِ نِظَامِ الْجَاذِبِيَّةِ الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ لِإِمْسَاكِهَا إِلَى أَمَدٍ مَعْلُومٍ .
وَتَسْيِيرُ الْجِبَالِ انْتِقَالُهَا مِنْ أَمَاكِنِهَا بِارْتِجَاجِ الْأَرْضِ وَزِلْزَالِهَا . وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ النَّبَأِ .
وَالْعِشَارُ جَمْعُ عُشَرَاءَ وَهِيَ النَّاقَةُ الْحَامِلُ إِذَا بَلَغَتْ عَشَرَةَ أَشْهُرٍ لِحَمْلِهَا فَقَارَبَتْ أَنْ تَضَعَ حَمْلَهَا ; لِأَنَّ النُّوقَ تَحْمِلُ عَامًا كَامِلًا ، وَالْعِشَارُ أَنْفَسُ مَكَاسِبِ الْعَرَبِ وَمَعْنَى عُطِّلَتْ تُرِكَتْ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا .
وَالْكَلَامُ كِنَايَةٌ عَنْ تَرْكِ النَّاسِ أَعْمَالَهُمْ لِشِدَّةِ الْهَوْلِ .
وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فِي الْأَرْضِ فَيُنَاسِبُ
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=5وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ .
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْعِشَارُ مُسْتَعَارَةً لِلْأَسْحِبَةِ الْمُحَمَّلَةِ بِالْمَطَرِ ، شُبِّهَتْ بِالنَّاقَةِ الْعُشَرَاءِ . وَهَذَا غَيْرُ بَعِيدٍ مِنَ الِاسْتِعْمَالِ ، فَهُمْ يُطْلِقُونَ مِثْلَ هَذِهِ الِاسْتِعَارَةِ لِلسَّحَابِ ، كَمَا أَطْلَقُوا عَلَى السَّحَابَةِ اسْمَ بِكْرٍ فِي قَوْلِ
عَنْتَرَةَ :
جَادَتْ عَلَيْهِ كُلُّ بِكْرٍ حُرَّةٍ فَتَرَكْنَ كُلَّ قَرَارَةٍ كَالدِّرْهَمِ
فَأَطْلَقَ عَلَى السَّحَابَةِ الْكَثِيرَةِ الْمَاءِ اسْمَ الْبِكْرِ الْحُرَّةِ ، أَيِ : الْأَصِيلَةِ مِنَ النُّوقِ وَهِيَ فِي حَمْلِهَا الْأَوَّلِ .
وَمَعْنَى تَعْطِيلِ الْأَسْحِبَةِ أَنْ يَعْرِضَ لَهَا مَا يَحْبِسُ مَطَرَهَا عَنِ النُّزُولِ ، أَوْ مَعْنَاهُ أَنَّ الْأَسْحِبَةَ الثِّقَالَ لَا تَتَجَمَّعُ وَلَا تَحْمِلُ مَاءً ، فَمَعْنَى تَعْطِيلِهَا تَكَوُّنُهَا ، فَيَتَوَالَى الْقَحْطُ
[ ص: 143 ] عَلَى الْأَرْضِ فَيَهْلِكُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ . وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَذَلِكَ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ الْعُلْوِيَّةِ فَيُنَاسِبُ تَكْوِيرَ الشَّمْسِ وَانْكِدَارَ النُّجُومِ .
وَالْوُحُوشُ : جَمْعُ وَحْشٍ وَهُوَ الْحَيَوَانُ الْبَرِّيُّ غَيْرُ الْمُتَأَنِّسِ بِالنَّاسِ .
وَحَشْرُهَا : جَمْعُهَا فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ ، أَيْ : مَكَانٍ مِنَ الْأَرْضِ عِنْدَ اقْتِرَابِ فَنَاءِ الْعَالَمِ فَقَدْ يَكُونُ سَبَبُ حَشْرِهَا طُوفَانًا يَغْمُرُ الْأَرْضَ مِنْ فَيَضَانِ الْبِحَارِ فَكُلَّمَا غَمَرَ جُزْءًا مِنَ الْأَرْضِ فَرَّتْ وُحُوشُهُ حَتَّى تَجْتَمِعَ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ طَالِبَةً النَّجَاةَ مِنَ الْهَلَاكِ ، وَيُشْعِرُ بِهَذَا عَطْفُ
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=6وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ عَلَيْهِ .
وَذُكِرَ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْوُحُوشِ إِيمَاءً إِلَى شِدَّةِ الْهَوْلِ فَالْوُحُوشُ الَّتِي مِنْ طَبْعِهَا نَفْرَةُ بَعْضِهَا عَنْ بَعْضٍ تَتَجَمَّعُ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ لَا يَعْدُو شَيْءٌ مِنْهَا عَلَى الْآخَرِ مِنْ شِدَّةِ الرُّعْبِ ، فَهِيَ ذَاهِلَةٌ عَمَّا فِي طَبْعِهَا مِنَ الِاعْتِدَاءِ وَالِافْتِرَاسِ ، وَلَيْسَ هَذَا الْحَشْرَ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ بِهِ لِلْحِسَابِ ، بَلْ هَذَا حَشْرٌ فِي الدُّنْيَا وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِمَا عُدَّ مَعَهُ مِنَ الْأَشْرَاطِ ، وَرُوِيَ مَعْنَاهُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=34أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ .
وَتَسْجِيرُ الْبِحَارِ : فَيَضَانُهَا ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=6وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ فِي سُورَةِ الطُّورِ . وَالْمُرَادُ تَجَاوُزُ مِيَاهِهَا مُعَدَّلَ سُطُوحِهَا وَاخْتِلَاطُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ وَذَلِكَ مِنْ آثَارِ اخْتِلَالِ قُوَّةِ كُرَةِ الْهَوَاءِ الَّتِي كَانَتْ ضَاغِطَةً عَلَيْهَا ، وَقَدْ وَقَعَ فِي آيَةِ سُورَةِ الِانْفِطَارِ
nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=3وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ وَإِذَا حَدَثَ ذَلِكَ اخْتَلَطَ مَاؤُهَا بِرَمْلِهَا فَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ .
يُقَالُ : سَجَّرَ مُضَاعَفًا وَسَجَرَ مُخَفَّفًا . وَقُرِئَ بِهِمَا فَقَرَأَهُ الْجُمْهُورُ مُشَدَّدًا . وَقَرَأَهُ
ابْنُ كَثِيرٍ ،
وَأَبُو عَمْرٍو ،
وَيَعْقُوبُ مُخَفَّفًا .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=7وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ شُرُوعٌ فِي ذِكْرِ
nindex.php?page=treesubj&link=28766_30339الْأَحْوَالِ الْحَاصِلَةِ فِي الْآخِرَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَقَدِ انْتُقِلَ إِلَى ذِكْرِهَا لِأَنَّهَا تَحْصُلُ عَقِبَ السِّتَّةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَابْتُدِئَ بِأَوَّلِهَا وَهُوَ تَزْوِيجُ النُّفُوسِ ، وَالتَّزْوِيجُ : جَعْلُ الشَّيْءِ زَوْجًا لِغَيْرِهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ كِلَاهُمَا فَرْدًا ، وَالتَّزْوِيجُ أَيْضًا : جَعْلُ الْأَشْيَاءِ أَنْوَاعًا مُتَمَاثِلَةً قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=3وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ; لِأَنَّ الزَّوْجَ يُطْلَقُ عَلَى النَّوْعِ وَالصِّنْفِ مِنَ الْأَشْيَاءِ ، وَالنُّفُوسُ : جَمْعُ نَفْسٍ ، وَالنَّفْسُ يُطْلَقُ عَلَى الرُّوحِ ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=27يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ nindex.php?page=tafseer&surano=89&ayano=28ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=93أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ .
[ ص: 144 ] وَتُطْلَقُ النَّفْسُ عَلَى ذَاتِ الْإِنْسَانِ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=151وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=2هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=61فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَيْ : فَلْيُسَلِّمِ الدَّاخِلُ عَلَى أَمْثَالِهِ مِنَ النَّاسِ .
فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى النُّفُوسِ هُنَا الْأَرْوَاحَ ، أَيْ : تُزَوَّجُ الْأَرْوَاحُ بِالْأَجْسَادِ الْمُخَصَّصَةِ لَهَا فَيَصِيرُ الرُّوحُ زَوْجًا مَعَ الْجَسَدِ بَعْدَ أَنْ كَانَ فَرْدًا لَا جِسْمَ لَهُ فِي بَرْزَخِ الْأَرْوَاحِ ، وَكَانَتِ الْأَجْسَادُ بِدُونِ أَرْوَاحٍ حِينَ يُعَادُ خَلْقُهَا ، أَيْ : وَإِذَا أُعْطِيَتِ الْأَرْوَاحُ لِلْأَجْسَادِ . وَهَذَا هُوَ الْبَعْثُ وَهُوَ الْمَعْنَى الْمُتَبَادَرُ أَوَّلًا ، وَرُوِيَ عَنْ
عِكْرِمَةَ .
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى وَإِذَا الْأَشْخَاصُ نُوِّعَتْ وَصُنِّفَتْ فَجُعِلَتْ أَصْنَافًا : الْمُؤْمِنُونَ ، وَالصَّالِحُونَ ، وَالْكُفَّارُ ، وَالْفُجَّارُ ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=7وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ وَالسَّابِقُونَ الْآيَةَ .
وَلَعَلَّ قَصْدَ إِفَادَةِ هَذَا التَّرْكِيبِ لِهَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ هُوَ مُقْتَضَى الْعُدُولِ عَنْ ذِكْرِ مَا زُوِّجَتِ النُّفُوسُ بِهِ .
nindex.php?page=treesubj&link=30337وَأَوَّلُ مَنَازِلِ الْبَعْثِ اقْتِرَانُ الْأَرْوَاحِ بِأَجْسَادِهَا ، ثُمَّ تَقْسِيمُ النَّاسِ إِلَى مَرَاتِبِهِمْ لِلْحَشْرِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=68ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=71وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=73وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا الْآيَةَ .
وَقَدْ ذَكَرُوا مَعَانِيَ أُخْرَى لِتَزْوِيجِ النُّفُوسِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ غَيْرَ مُنَاسِبَةٍ لِلسِّيَاقِ .
وَبِمُنَاسَبَةِ ذِكْرِ تَزْوِيجِ النُّفُوسِ بِالْأَجْسَادِ خُصَّ سُؤَالُ الْمَوْءُودَةِ بِالذِّكْرِ دُونَ غَيْرِهِ مِمَّا يُسْأَلُ عَنْهُ الْمُجْرِمُونَ يَوْمَ الْحِسَابِ ، ذَلِكَ لِأَنَّ إِعَادَةَ الْأَرْوَاحِ إِلَى الْأَجْسَادِ كَانَ بَعْدَ مُفَارَقَتِهَا بِالْمَوْتِ ، وَالْمَوْتُ إِمَّا بِعَارِضٍ جَسَدِيٍّ مِنَ انْحِلَالٍ أَوْ مَرَضٍ ، وَإِمَّا بِاعْتِدَاءٍ عُدْوَانِيٍّ مِنْ قَتْلٍ أَوْ قِتَالٍ ، وَكَانَ مِنْ أَفْظَعِ الْإِعْتِدَاءِ عَلَى إِزْهَاقِ الْأَرْوَاحِ مِنْ أَجْسَادِهَا اعْتِدَاءُ الْآبَاءِ عَلَى نُفُوسِ أَطْفَالِهِمْ بِالْوَأْدِ ، فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ فِي الْفِطْرَةِ حِرْصَ الْآبَاءِ عَلَى اسْتِحْيَاءِ أَبْنَائِهِمْ وَجَعَلَ الْأَبَوَيْنِ سَبَبَ إِيجَادِ الْأَبْنَاءِ ، فَالْوَأْدُ أَفْظَعُ أَعْمَالِ أَهْلِ الشِّرْكِ . وَسُؤَالُ الْمَوْءُودَةِ سُؤَالٌ تَعْرِيضِيٌّ مُرَادٌ مِنْهُ تَهْدِيدُ وَائِدِهَا وَرُعْبُهُ بِالْعَذَابِ .
وَظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّ سُؤَالَ الْمَوْءُودَةِ وَعُقُوبَةَ مَنْ وَأَدَهَا
nindex.php?page=treesubj&link=34020_28765أَوَّلُ مَا يُقْضَى فِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [ ص: 145 ] كَمَا يَقْتَضِي ذَلِكَ جَعْلَ هَذَا السُّؤَالِ وَقْتًا تَعْلَمُ عِنْدَهُ كُلُّ نَفْسٍ مَا أَحْضَرَتْ ، فَهُوَ مِنْ أَوَّلِ مَا يُعْلَمُ بِهِ حِينَ الْجَزَاءِ .
وَالْوَأْدُ : دَفْنُ الطِّفْلَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ : قِيلَ هُوَ مَقْلُوبُ آدَاهُ ، إِذَا أَثْقَلَهُ ; لِأَنَّهُ إِثْقَالُ الدَّفِينَةِ بِالتُّرَابِ . قَالَ فِي الْكَشَّافِ : كَانَ الرَّجُلُ إِذَا وُلِدَتْ لَهُ بِنْتٌ فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَحْيِيَهَا الْبَسْهَا جُبَّةً مِنْ صُوفٍ أَوْ شَعْرٍ تَرْعَى لَهُ الْإِبِلَ وَالْغَنَمَ فِي الْبَادِيَةِ ، وَإِنْ أَرَادَ قَتْلَهَا تَرَكَهَا حَتَّى إِذَا كَانَتْ سُدَاسِيَّةً يَقُولُ لِأُمِّهَا طَيِّبِيهَا وَزَيِّنِيهَا حَتَّى أَذْهَبَ بِهَا إِلَى أَحْمَائِهَا وَقَدْ حَفَرَ لَهَا بِئْرًا فِي الصَّحْرَاءِ فَيَبْلُغُ بِهَا الْبِئْرَ فَيَقُولُ لَهَا : انْظُرِي فِيهَا ، ثُمَّ يَدْفَعُهَا مِنْ خَلْفِهَا وَيُهِيلُ عَلَيْهَا التُّرَابَ حَتَّى تَسْتَوِيَ الْبِئْرُ بِالْأَرْضِ .
وَقِيلَ : كَانَتِ الْحَامِلُ إِذَا أَقْرَبَتْ حَفَرَتْ حُفْرَةً فَتَمَخَّضَتْ عَلَى رَأْسِ الْحُفْرَةِ ، فَإِذَا وَلَدَتْ بِنْتًا رَمَتْ بِهَا فِي الْحُفْرَةِ ، وَإِنْ وَلَدَتِ ابْنًا حَبَسَتْهُ اهـ .
وَكَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ خَشْيَةً مِنْ إِغَارَةِ الْعَدُوِّ عَلَيْهِمْ فَيَسْبِي نِسَاءَهُمْ ، وَلِخَشْيَةِ الْإِمْلَاقِ فِي سِنِيِّ الْجَدْبِ ; لِأَنَّ الذَّكَرَ يَحْتَالُ لِلْكَسْبِ بِالْغَارَةِ وَغَيْرِهَا وَالْأُنْثَى عَالَةٌ عَلَى أَهْلِهَا ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=31وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=58وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ .
وَإِذْ قَدْ فَشَا فِيهِمْ كَرَاهِيَةُ وِلَادَةِ الْأُنْثَى فَقَدْ نَمَا فِي نُفُوسِهِمْ بُغْضُهَا فَتَحَرَّكَتْ فِيهَا الْخَوَاطِرُ الْإِجْرَامِيَّةُ ،
nindex.php?page=treesubj&link=30578فَالرَّجُلُ يَكْرَهُ أَنْ تُولَدَ لَهُ أُنْثَى لِذَلِكَ ، وَامْرَأَتُهُ تَكْرَهُ أَنْ تُولَدَ لَهَا أُنْثَى خَشْيَةً مِنْ فِرَاقِ زَوْجِهَا إِيَّاهَا ، وَقَدْ يَهْجُرُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِذَا وَلَدَتْ أُنْثَى .
وَقَدْ تَوَارَثَتْ هَذَا الْجَهْلَ أَكْثَرُ الْأُمَمِ عَلَى تَفَاوُتٍ بَيْنَهُمْ فِيهِ ، وَمِنْ كَلَامِ بَعْضِهِمْ وَقَدْ مَاتَتِ ابْنَتُهُ : ( ( نِعْمَ الصِّهْرُ الْقَبْرُ ) ) .
وَمِنْ آثَارِ هَذَا الشُّعُورِ
nindex.php?page=treesubj&link=18001حِرْمَانُ الْبَنَاتِ مِنْ أَمْوَالِ آبَائِهِنَّ بِأَنْوَاعٍ مِنَ الْحِيَلِ مِثْلَ وَقْفِ أَمْوَالِهِمْ عَلَى الذُّكُورِ دُونَ الْإِنَاثِ ، وَقَدْ قَالَ
مَالِكٌ : إِنَّ ذَلِكَ مِنْ سُنَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ ، وَرَأَى ذَلِكَ الْحُبْسَ بَاطِلًا ، وَكَانَ كَثِيرٌ مِنْ أَقْرِبَاءِ الْمَيِّتِ يُلْجِئُونَ بَنَاتَهُ إِلَى إِسْقَاطِ حَقِّهِنَّ فِي مِيرَاثِ أَبِيهِنَّ لِإِخْوَتِهِنَّ فِي فَوْرِ الْأَسَفِ عَلَى مَوْتِ أَبِيهِنَّ ، فَلَا
[ ص: 146 ] يَمْتَنِعْنَ مِنْ ذَلِكَ ، وَيَرَيْنَ الِامْتِنَاعَ مِنْ ذَلِكَ عَارًا عَلَيْهِنَّ ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْنَ قَطَعَهُنَّ أَقْرِبَاؤُهُنَّ .
وَتُعْرَفُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي الْفِقْهِ بِهِبَةِ بَنَاتِ الْقَبَائِلِ ، وَبَعْضُهُمْ يَعُدُّهَا مِنَ الْإِكْرَاهِ .
وَلَمْ يَكُنِ الْوَأْدُ مَعْمُولًا بِهِ عِنْدَ جَمِيعِ الْقَبَائِلِ ، قِيلَ :
nindex.php?page=treesubj&link=34020_30578أَوَّلُ مَنْ وَأَدَ الْبَنَاتِ مِنَ الْقَبَائِلِ رَبِيعَةُ ، وَكَانَتْ
كِنْدَةُ تَئِدُ الْبَنَاتِ ، وَكَانَ
بَنُو تَمِيمٍ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ ، وَوَأَدَ
قَيْسُ بْنُ عَاصِمٍ الْمِنْقَرِيُّ مِنْ
بَنِي تَمِيمٍ ثَمَانِيَ بَنَاتٍ لَهُ قَبْلَ إِسْلَامِهِ .
وَلَمْ يَكُنِ الْوَأْدُ فِي
قُرَيْشٍ الْبَتَّةَ . وَكَانَ
صَعْصَعَةُ بْنُ نَاجِيَةَ جَدُّ
nindex.php?page=showalam&ids=14899الْفَرَزْدَقِ مِنْ
بَنِي تَمِيمٍ يَفْتَدِي مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ يُرِيدُ وَأْدَ بِنْتِهِ مِنْ قَوْمِهِ بِنَاقَتَيْنِ عُشَرَاوَيْنِ وَجَمَلٍ ، فَقِيلَ : إِنَّهُ افْتَدَى ثَلَاثَمِائَةٍ وَسِتِّينَ مَوْءُودَةً ، وَقِيلَ : وَسَبْعِينَ ، وَفِي الْأَغَانِي : وَقِيلَ : أَرْبَعَمِائَةٍ .
وَفِي تَفْسِيرِ
الْقُرْطُبِيِّ : فَجَاءَ الْإِسْلَامُ وَقَدْ أَحْيَا سَبْعِينَ مَوْءُودَةً . وَمِثْلُ هَذَا فِي كِتَابِ الشُّعَرَاءِ
nindex.php?page=showalam&ids=13436لِابْنِ قُتَيْبَةَ ، وَبَيْنَ الْعَدَدَيْنِ بَوْنٌ بَعِيدٌ ، فَلَعَلَّ فِي أَحَدِهِمَا تَحْرِيفًا .
وَفِي تَوْجِيهِ السُّؤَالِ إِلَى الْمَوْءُودَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=9بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ فِي ذَلِكَ الْحَشْرِ إِدْخَالُ الرَّوْعِ عَلَى مَنْ وَأَدَهَا ، وَجَعْلُ سُؤَالِهَا عَنْ تَعْيِينِ ذَنْبٍ أَوْجَبَ قَتْلَهَا لِلتَّعْرِيضِ بِالتَّوْبِيخِ وَالتَّخْطِئَةِ لِلَّذِي وَأَدَهَا ، وَلِيَكُونَ جَوَابُهَا شَهَادَةً عَلَى مَنْ وَأَدَهَا فَيَكُونَ اسْتِحْقَاقُهُ الْعِقَابَ أَشَدَّ وَأَظْهَرَ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=9بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ بَيَانٌ لِجُمْلَةِ سُئِلَتْ .
وَ ( أَيُّ ) : اسْمُ اسْتِفْهَامٍ يُطْلَبُ بِهِ تَمَيُّزُ شَيْءٍ مِنْ بَيْنِ أَشْيَاءَ تَشْتَرِكُ مَعَهُ فِي حَالٍ .
وَالِاسْتِفْهَامُ فِي
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=9بِأَيِّ ذَنْبٍ تَقْرِيرِيٌّ ، وَإِنَّمَا سُئِلَتْ عَنْ تَعْيِينِ الذَّنْبِ الْمُوجِبِ قَتْلَهَا دُونَ أَنْ تُسْأَلَ عَنْ قَاتِلِهَا لِزِيَادَةِ التَّهْدِيدِ ; لِأَنَّ السُّؤَالَ عَنْ تَعْيِينِ الذَّنْبِ مَعَ تَحَقُّقِ الْوَائِدِ الَّذِي يَسْمَعُ ذَلِكَ السُّؤَالَ أَنْ لَا ذَنْبَ لَهَا إِشْعَارٌ لِلْوَائِدِ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْذُورٍ فِيمَا صَنَعَ بِهَا .
وَيُنْتَزَعُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=8سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ الْوَارِدِ فِي سِيَاقِ نَفْيِ ذَنْبٍ عَنِ الْمَوْءُودَةِ يُوجِبُ قَتْلَهَا اسْتِدْلَالٌ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتُوا مِنْ أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ لَا يُعْتَبَرُونَ مُشْرِكِينَ مِثْلَ آبَائِهِمْ ، وَأَوَّلُ مَنْ رَأَيْتُهُ تَعَرَّضَ لِهَذَا الِاسْتِدْلَالِ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ فِي
[ ص: 147 ] الْكَشَّافِ ، وَذَكَرَ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنَ عَبَّاسٍ اسْتَدَلَّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى قَالَ فِي الْكَشَّافِ : " وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَطْفَالَ الْمُشْرِكِينَ لَا يُعَذَّبُونَ ، وَإِذْ أَبْكَتَ اللَّهُ الْكَافِرَ بِبَرَاءَةِ الْمَوْءُودَةِ مِنَ الذَّنْبِ فَمَا أَقْبَحَ بِهِ وَهُوَ الَّذِي لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ أَنْ يَكِرَّ عَلَى هَذَا التَّبْكِيتِ فَيَفْعَلَ بِهَا مَا تَنْسَى عِنْدَهُ فِعْلَ الْمُبَكَّتِ مِنَ الْعَذَابِ السَّرْمَدِيِّ " . وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَاحْتَجَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ اهـ . فَأَشَارَ إِلَى ثَلَاثَةِ أَدِلَّةٍ : أَحَدُهَا : دِلَالَةُ الْإِشَارَةِ ، أَيْ : لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=9بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ يُشِيرُ إِلَى أَنَّهَا لَا ذَنْبَ لَهَا ، وَهَذَا اسْتِدْلَالٌ ضَعِيفٌ ; لِأَنَّ الذَّنْبَ الْمَنْفِيَّ وَجُودُهُ بِطَرِيقَةِ الِاسْتِفْهَامِ الْمَشُوبِ بِإِنْكَارٍ إِنَّمَا هُوَ الذَّنْبُ الَّذِي يُخَوِّلُ لِأَبِيهَا وَأْدَهَا لَا إِثْبَاتَ حُرْمَتِهَا وَعِصَمِةَ دَمِهَا فَتِلْكَ قَضِيَّةٌ أُخْرَى عَلَى تَفْصِيلٍ فِيهَا .
الثَّانِي : قَاعِدَةُ إِحَالَةِ فِعْلِ الْقَبِيحِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى عَلَى قَاعِدَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=28834_20691التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ عِنْدَ
الْمُعْتَزِلَةِ ، وَإِحَالَتِهِمُ الظُّلْمَ عَلَى اللَّهِ إِذَا عَذَّبَ أَحَدًا بِدُونِ فِعْلِهِ ، وَهُوَ أَصْلٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ بَيْنَ
الْأَشَاعِرَةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ . فَعِنْدَنَا أَنَّ تَصَرُّفَ اللَّهِ فِي عَبِيدِهِ لَا يُوصَفُ بِالظُّلْمِ خِلَافًا لَهُمْ عَلَى أَنَّ هَذَا الدَّلِيلَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَسَاسِ الدَّلِيلِ الْأَوَّلِ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّهُ غَيْرُ سَالِمٍ مِنَ النَّقْضِ .
الثَّالِثُ : مَا نَسَبَهُ إِلَى
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ يُشِيرُ إِلَى مَا أَخْرَجَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ بِسَنَدِهِ إِلَى
عِكْرِمَةَ أَنَّهُ قَالَ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : أَطْفَالُ الْمُشْرِكِينَ فِي الْجَنَّةِ ، فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُمْ فِي النَّارِ فَقَدْ كَذَّبَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=8وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ وَقَدْ أُجِيبَ عَنِ الْقَوْلِ الْمَرْوِيِّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ بِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ مَبْلَغَ الصِّحَّةِ ، وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ لَا يُكْتَفَى فِيهَا إِلَّا بِالدَّلِيلِ الْقَاطِعِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28638حُكْمِ أَطْفَالِ الْمُشْرِكِينَ مُتَعَارِضَةٌ ، فَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ ،
وَمُسْلِمٌ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنِ عَبَّاسٍ nindex.php?page=hadith&LINKID=2002803أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ أَوْلَادِ أَوْ ذَرَارِيِّ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ : اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ . وَهَذَا الْجَوَابُ يَحْتَمِلُ الْوَقْفَ عَنِ الْجَوَابِ ، أَيِ : اللَّهُ أَعْلَمُ بِحَالِهِمْ ، كَقَوْلِ
مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=52عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ جَوَابًا لِقَوْلِ
فِرْعَوْنَ nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=51فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى . وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمَعْنَى : اللَّهُ أَعْلَمُ بِحَالِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَوْ كَبَرَ مَاذَا يَكُونُ عَامِلًا مِنْ كُفْرٍ أَوْ إِيمَانٍ ، أَيْ : فَيُعَامِلُهُ بِمَا عَلِمَ مِنْ حَالِهِ .
[ ص: 148 ] وَأَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ ،
وَمُسْلِمٌ - بِبَعْضِ اخْتِلَافٍ فِي اللَّفْظِ - عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002804كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ الْحَدِيثَ . زَادَ فِي رِوَايَةِ
مُسْلِمٍ ثُمَّ يَقُولُ - أَيْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبُو هُرَيْرَةَ - : اقْرَؤُوا
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=30فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ . فَيَقْتَضِي أَنَّهُمْ يُولَدُونَ عَلَى فِطْرَةِ الْإِسْلَامِ حَتَّى يَدْخُلَ عَلَيْهِ مِنْ أَبَوَيْهِ أَوْ قَرِيبِهِ أَوْ قَرِينِهِ مَا يُغَيِّرُهُ عَنْ ذَلِكَ ، وَهَذَا أَظْهَرُ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ .
قَالَ
الْمَازِرِيُّ فِي الْمُعَلِّمِ : فَاضْطَرَبَ الْعُلَمَاءُ فِيهِمْ . وَالْأَحَادِيثُ وَرَدَتْ ظَوَاهِرُهَا مُخْتَلِفَةً وَاخْتِلَافُ هَذِهِ الظَّوَاهِرِ سَبَبُ اضْطِرَابِ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ وَالْقَطْعُ هَا هُنَا يَبْعُدُ اهـ .
وَقَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ : وَاقْرَؤُوا
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=30فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا إِلَخْ مِصْبَاحٌ يُنِيرُ وَجْهَ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الْأَخْبَارِ : وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثِ الرُّؤْيَا عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=24سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي ذَلِكَ ، إِذْ
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002805قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي فِي الرَّوْضَةِ فَإِنَّهُ إِبْرَاهِيمُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - ، وَأَمَّا الْوِلْدَانُ الَّذِينَ حَوْلَهُ فَكُلُّ مَوْلُودٍ مَاتَ عَلَى الْفِطْرَةِ . قَالَ سَمُرَةُ : فَقَالَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ .
وَاخْتَلَفَتْ أَقْوَالُ الْعُلَمَاءِ فِي أَوْلَادِ الْمُشْرِكِينَ ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16418ابْنُ الْمُبَارَكِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15744وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15743وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12418وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ : هُمْ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ . وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ وَالْجُمْهُورُ أَنَّهُمْ فِي الْجَنَّةِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ . وَذَهَبَ
الْأَزَارِقَةُ إِلَى أَنَّ أَوْلَادَ الْمُشْرِكِينَ تَبَعٌ لِآبَائِهِمْ ، وَقَالَ
أَبُو عُبَيْدٍ : سَأَلْتُ
مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ عَنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002806كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَقَالَ : كَانَ ذَلِكَ أَوَّلَ الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الْفَرَائِضُ وَقَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ الْجِهَادُ . قَالَ
أَبُو عُبَيْدٍ : كَأَنَّهُ يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ وُلِدَ عَلَى الْفِطْرَةِ لَمْ يَرِثَاهُ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ وَهُمَا كَافِرَانِ ، فَلَمَّا فُرِضَتِ الْفَرَائِضُ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ جَازَ أَنْ يُسَمَّى كَافِرًا وَعُلِمَ أَنَّهُ يُولَدُ عَلَى دِينِهِمَا .
وَهُنَالِكَ أَقْوَالٌ أُخْرَى كَثِيرَةٌ غَيْرُ مَعْزُوَّةٍ إِلَى مُعَيَّنٍ وَلَا مُسْتَنِدَةٍ لِأَثَرٍ صَحِيحٍ .
وَذَكَرَ
الْمَازِرِيُّ أَنَّ أَطْفَالَ الْأَنْبِيَاءِ فِي الْجَنَّةِ بِإِجْمَاعٍ ، وَأَنَّ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ أَطْفَالَ بَقِيَّةِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْجَنَّةِ ، وَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَقَفَ فِيهِمْ ، وَقَالَ
النَّوَوِيُّ : أَجْمَعَ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28637مَنْ مَاتَ مِنْ أَطْفَالِ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ .
[ ص: 149 ] وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ قُتِلَتْ بِتَخْفِيفِ الْمُثَنَّاةِ الْأُولَى ، وَقَرَأَهُ
أَبُو جَعْفَرٍ بِتَشْدِيدِهَا ، وَهِيَ تُفِيدُ مَعْنَى أَنَّهُ قَتْلٌ شَدِيدٌ فَظِيعٌ .
وَنَشْرُ الصُّحُفِ حَقِيقَتُهُ : فَتْحُ طَيَّاتِ الصَّحِيفَةِ ، أَوْ إِطْلَاقُ الْتِفَافِهَا لِتُقْرَأَ كِتَابَتُهَا وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=52أَنْ يُؤْتَى صُحُفًا مُنَشَّرَةً فِي سُورَةِ الْمُدَّثِّرِ ، وَعِنْدَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=13كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ .
وَالْمُرَادُ : صُحُفُ الْأَعْمَالِ ، وَهِيَ إِمَّا صُحُفٌ حَقِيقِيَّةٌ مُخَالِفَةٌ لِلصُّحُفِ الْمَأْلُوفَةِ ، وَإِمَّا مَجَازِيَّةٌ أُطْلِقَتْ عَلَى أَشْيَاءَ فِيهَا
nindex.php?page=treesubj&link=30356إِحْصَاءُ أَعْمَالِ النَّاسِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ .
وَقَرَأَ
نَافِعٌ ،
وَعَاصِمٌ ،
وَابْنُ عَامِرٍ ،
وَأَبُو جَعْفَرٍ ،
وَيَعْقُوبُ nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=10نُشِرَتْ بِتَخْفِيفِ الشِّينِ . وَقَرَأَهُ الْجُمْهُورُ بِتَشْدِيدِ الشِّينِ لِلتَّكْثِيرِ لِكَثْرَةِ الصُّحُفِ الْمَنْشُورَةِ .
وَالْكَشْطُ : إِزَالَةُ الْإِهَابِ عَنِ الْحَيَوَانِ الْمَيِّتِ وَهُوَ أَعَمُّ مِنَ السَّلْخِ ; لِأَنَّ السَّلْخَ لَا يُقَالُ إِلَّا فِي إِزَالَةِ إِهَابِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ دُونَ إِزَالَةِ إِهَابِ الْإِبِلِ ، فَإِنَّهُ كَشْطٌ وَلَا يُقَالُ سَلْخٌ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ إِزَالَةٌ تَقَعُ فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ لِأَنَّهَا ذُكِرَتْ فِي أَثْنَاءِ أَحْدَاثِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ بَعْدَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=7وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=8وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=10وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ .
فَالظَّاهِرُ أَنَّ السَّمَاءَ تَبْقَى مُنْشَقَّةً مُنْفَطِرَةً تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ أَرْضِ الْمَحْشَرِ حَتَّى يَتِمَّ الْحِسَابُ ، فَإِذَا قُضِيَ الْحِسَابُ أُزِيلَتِ السَّمَاءُ مِنْ مَكَانِهَا ، فَالسَّمَاءُ مَكْشُوطَةٌ وَالْمَكْشُوطُ عَنْهُ هُوَ عَالَمُ الْخُلُودِ ، وَيَكُونُ
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=11كُشِطَتْ اسْتِعَارَةً لِلْإِزَالَةِ .
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنَ الْأَحْدَاثِ الَّتِي جُعِلَتْ أَشْرَاطًا لِلسَّاعَةِ وَأُخِّرَ ذِكْرُهُ لِمُنَاسَبَةِ ذِكْرِ نَشْرِ الصُّحُفِ ; لِأَنَّ الصُّحُفَ تَنْشُرُهَا الْمَلَائِكَةُ وَهُمْ مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ فَيَكُونُ هَذَا الْكَشْطُ مِنْ قَبِيلِ الِانْشِقَاقِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=84&ayano=1إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ وَالِانْفِطَارِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=1إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=5عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ فَيَكُونُ الْكَشْطُ لِبَعْضِ أَجْزَاءِ السَّمَاءِ وَالْمَكْشُوطُ عَنْهُ بَعْضٍ آخَرَ ، فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=40لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَمِنْ قَبِيلِ الطَّيِّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=104يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ اتِّصَالُ طَيِّ
[ ص: 150 ] السَّمَاءِ بِإِعَادَةِ الْخَلْقِ ، وَتَصِيرُ الْأَشْرَاطُ الَّتِي تَحْصُلُ قَبْلَ الْبَعْثِ سَبْعَةً وَالْأَحْدَاثُ الَّتِي تَقَعُ بَعْدَ الْبَعْثِ خَمْسَةً .
وَالْجَحِيمُ أَصْلُهُ : النَّارُ ذَاتُ الطَّبَقَاتِ مِنَ الْوَقُودِ مِنْ حَطَبٍ وَنَحْوِهِ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ ، وَصَارَ عَلَمًا بِالْغَلَبَةِ عَلَى جَهَنَّمَ دَارِ الْعَذَابِ فِي الْآخِرَةِ فِي اصْطِلَاحِ الْقُرْآنِ . وَتَسْعِيرُهَا أَوْ إِسْعَارُهَا : إِيقَادُهَا ، أَيْ : هُيِّئَتْ لِعَذَابِ مَنْ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْعَذَابُ .
وَقَرَأَ
نَافِعٌ ،
وَابْنُ ذَكْوَانَ عَنِ
ابْنِ عَامِرٍ ،
وَحَفْصٌ عَنْ
عَاصِمٍ ،
وَأَبُو جَعْفَرٍ ،
وَرُوَيْسٌ عَنْ
يَعْقُوبَ ( سُعِّرَتْ ) بِتَشْدِيدِ الْعَيْنِ مُبَالَغَةً فِي الْإِسْعَارِ . وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ بِالتَّخْفِيفِ .
وَقُوبِلَتْ بِالْجَنَّةِ دَارِ النَّعِيمِ ، وَاسْمُ الْجَنَّةِ عَلَمٌ بِالْغَلَبَةِ عَلَى دَارِ النَّعِيمِ ، وَ أُزْلِفَتْ قُرِّبَتْ ، وَالزُّلْفَى : الْقُرْبُ ، أَيْ : قُرِّبَتِ الْجَنَّةُ مِنْ أَهْلِهَا ، أَيْ : جُعِلَتْ بِالْقُرْبِ مِنْ مَحْشَرِهِمْ بِحَيْثُ لَا تَعَبَ عَلَيْهِمْ فِي الْوُصُولِ إِلَيْهَا وَذَلِكَ كَرَامَةً لَهُمْ .
وَاعْلَمْ أَنَّ تَقْدِيمَ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ فِي الْجُمَلِ الثِّنْتَيْ عَشْرَةَ الْمُفْتَتَحَاتِ بِكَلِمَةِ ( إِذَا ) مِنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=1إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ إِلَى هُنَا ، وَالْإِخْبَارَ عَنْهُ بِالْمُسْنَدِ الْفِعْلِيِّ مَعَ إِمْكَانِ أَنْ يُقَالَ : إِذَا كُوِّرَتِ الشَّمْسُ وَإِذَا انْكَدَرَتِ النُّجُومُ ، وَهَكَذَا كَمَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=37فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ أَنَّ ذَلِكَ التَّقْدِيمَ لِإِفَادَةِ الِاهْتِمَامِ بِتِلْكَ الْأَخْبَارِ الْمَجْعُولَةِ عَلَامَاتٍ لِيَوْمِ الْبَعْثِ تَوَسُّلًا بِالِاهْتِمَامِ بِأَشْرَاطِهِ إِلَى الِاهْتِمَامِ بِهِ وَتَحْقِيقِ وُقُوعِهِ .
وَإِنَّ إِطَالَةَ ذِكْرِ تِلْكَ الْجُمَلِ تَشْوِيقٌ لِلْجَوَابِ الْوَاقِعِ بَعْدَهَا بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=14عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=14عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ يَتَنَازَعُ التَّعَلُّقَ بِهِ كَلِمَاتُ إِذَا الْمُتَكَرِّرَةُ .
وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَرَأَ أَوَّلَ هَذِهِ السُّورَةِ فَلَمَّا بَلَغَ
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=14عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ قَالَ : لِهَذَا أُجْرِيَتِ الْقِصَّةُ أَيْ : هُوَ جَوَابُ الْقَسَمِ وَمَعْنَى عَلِمَتْ أَنَّهَا تُعْلَمُ بِمَا أَحْضَرَتْ فَتَعْلَمُهُ .
وَقَوْلُهُ : نَفْسٌ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ مُرَادٌ بِهَا الْعُمُومُ ، أَيْ : عَلِمَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا أَحْضَرَتْ ، وَاسْتِفَادَةُ الْعُمُومِ مِنَ النَّكِرَةِ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ تَحْصُلُ مِنَ الْقَرِينَةِ الدَّالَّةِ عَلَى عَدَمِ الْقَصْدِ إِلَى وَاحِدٍ مِنَ الْجِنْسِ ، وَالْقَرِينَةُ هُنَا وُقُوعُ لَفْظِ ( نَفْسٌ ) فِي جَوَابِ هَذِهِ الشُّرُوطِ الَّتِي لَا يَخْطُرُ بِالْبَالِ أَنْ تَكُونَ شُرُوطًا لِشَخْصٍ وَاحِدٍ ، وَقَدْ
[ ص: 151 ] قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=30يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ .
وَالْإِحْضَارُ : جَعْلُ الشَّيْءِ حَاضِرًا .
وَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=14عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ حُصُولُ الْيَقِينِ بِمَا لَمْ يَكُنْ لَهَا بِهِ عِلْمٌ مِنْ حَقَائِقِ الْأَعْمَالِ الَّتِي كَانَ عِلْمُهَا بِهَا أَشْتَاتًا : بَعْضُهُ مَعْلُومٌ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهِ ، وَبَعْضُهُ مَعْلُومٌ صُورَتُهُ مَجْهُولَةٌ عَوَاقِبُهُ ، وَبَعْضُهُ مَغْفُولٌ عَنْهُ . فَنُزِّلَ الْعِلْمُ الَّذِي كَانَ حَاصِلًا لِلنَّاسِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَنْزِلَةَ عَدَمِ الْعِلْمِ ، وَأَثْبَتَ الْعِلْمُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ عِلْمَ أَعْمَالِهِمْ مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ فَيَعْلَمُ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بِهِ عِلْمٌ مِمَّا يُحَقِّرُهُ مِنْ أَعْمَالِهِ وَيَتَذَكَّرُ مَا كَانَ قَدْ عَلِمَهُ مِنْ قَبْلُ ، وَتَذَكُّرُ الْمَنْسِيِّ وَالْمَغْفُولِ عَنْهُ نَوْعٌ مِنَ الْعِلْمِ .
وَمَا أَحْضَرَتْهُ هُوَ مَا أَسْلَفَتْهُ مِنَ الْأَعْمَالِ ، وَلَمَّا كَانَتِ الْأَعْمَالُ تَظْهَرُ آثَارُهَا مِنْ ثَوَابٍ وَعِقَابٍ يَوْمَئِذٍ عُبِّرَ عَنْ ظُهُورِ آثَارِهَا بِالْإِحْضَارِ لِشَبَهِهِ بِهِ كَمَا يُحْضَرُ الزَّادُ لِلْمُسَافِرِ فَفِي فِعْلِ أَحْضَرَتِ اسْتِعَارَةٌ . وَيُطْلَقُ عَلَى ذَلِكَ الْإِعْدَادِ كَقَوْلِ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلَّذِي سَأَلَهُ مَتَى السَّاعَةُ ؟ مَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا .
وَأُسْنِدَ الْإِحْضَارُ إِلَى النُّفُوسِ لِأَنَّهَا الْفَاعِلَةُ لِلْأَعْمَالِ الَّتِي يَظْهَرُ جَزَاؤُهَا يَوْمَئِذٍ فَهَذَا الْإِسْنَادُ مِنْ إِسْنَادِ فِعْلِ الشَّيْءِ إِلَى سَبَبِ فِعْلِهِ ، فَحَصَلَ هُنَا مَجَازَانِ : مَجَازٌ لُغَوِيٌّ ، وَمَجَازٌ عَقْلِيٌّ ، وَحَقِيقَتُهُمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=30يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ .
وَجُعِلَتْ مَعْرِفَةُ النُّفُوسِ لِجَزَاءِ أَعْمَالِهَا حَاصِلَةً عِنْدَ حُصُولِ مَجْمُوعِ الشُّرُوطِ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي الْجُمَلِ الثِّنْتَيْ عَشْرَةَ ; لِأَنَّ بَعْضَ الْأَحْوَالِ الَّتِي تَضَمَّنَتْهَا الشُّرُوطُ مُقَارَنٌ لِحُصُولِ عِلْمِ النُّفُوسِ بِأَعْمَالِهَا وَهِيَ الْأَحْوَالُ السِّتَّةُ الْمَذْكُورَةُ أَخِيرًا ، وَبَعْضَ الْأَحْوَالِ حَاصِلٌ مِنْ قَبْلُ بِقَلِيلٍ وَهِيَ الْأَحْوَالُ السِّتَّةُ الْمَذْكُورَةُ أَوَّلًا ، فَنَزَلَ الْقَرِيبُ مَنْزِلَةَ الْمُقَارَنِ ، فَلِذَلِكَ جُعِلَ الْجَمِيعُ شُرُوطًا لِ إِذَا .