[ ص: 372 ] بسم الله الرحمن الرحيم
سورة سبأ
nindex.php?page=treesubj&link=29005_29468_30365_30356قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=17وهل نجازي إلا الكفور .
هذه الآية الكريمة على كلتا القراءتين ، قراءة ضم الياء مع فتح الزاي مبنيا للمفعول ، مع رفع " الكفور " على أنه نائب الفاعل ، وقراءة " نجازي " بضم النون وكسر الزاي مبنيا للفاعل مع نصب " الكفور " ، على أنه مفعول به تدل على خصوص الجزاء بالمبالغين في الكفر .
وقد جاءت آيات أخر تدل على عموم الجزاء كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=7فمن يعمل مثقال ذرة الآية [ 99 \ 7 ] .
والجواب عن هذا من ثلاثة أوجه :
الأول : أن المعنى ما نجازي هذا الجزاء الشديد المستأصل إلا المبالغ في الكفران .
الثاني : أن ما يفعل بغير الكافر من الجزاء ليس عقابا في الحقيقة ، لأنه تطهير وتمحيص .
الثالث : أنه لا يجازى بجميع الأعمال مع المناقشة التامة إلا الكافر ، ويدل لهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009974من نوقش الحساب فقد هلك وأنه لما سألته
عائشة رضي الله عنها عن قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=84&ayano=8فسوف يحاسب حسابا يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورا [ 84 \ 8 - 9 ] ، قال لها ذلك الغرض ، وبين لها أن من نوقش الحساب ، لا بد أن يهلك .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=47قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله الآية .
هذه الآية الكريمة تدل على
nindex.php?page=treesubj&link=30177_31775أنه صلى الله عليه وسلم لا يسأل أمته أجرا على تبليغ ما جاءهم به من خير الدنيا والآخرة ، ونظيرها قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=86قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين [ 38 \ 86 ] ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=40أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون [ ص: 373 ] [ 52 \ 40 ] في سورة " الطور " و " القلم " [ 68 \ 46 ] . وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=57قل ما أسألكم عليه من أجر إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا [ 25 \ 57 ] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=90قل لا أسألكم عليه أجرا إن هو إلا ذكرى للعالمين [ 6 \ 90 ] .
وعدم طلب الأجرة على التبليغ هو شأن الرسل كلهم عليهم صلوات الله وسلامه كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=20اتبعوا المرسلين اتبعوا من لا يسألكم أجرا [ 36 \ 20 - 21 ] ، وقال تعالى في سورة " الشعراء " :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=109وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين [ 26 \ 109 ] ، في قصة
نوح وهود وصالح ولوط وشعيب عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام .
وقال في سورة " هود " عن
نوح :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=29ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله وما أنا بطارد الذين آمنوا الآية [ 11 \ 29 ] .
وقال فيها أيضا عن
هود :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=51ياقوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني الآية [ 11 \ 51 ] . وقد جاء في آية أخرى ما يوهم خلاف ذلك ، وهي قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=23قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى [ 42 \ 23 ] .
اعلم أولا أن في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=23إلا المودة في القربى أربعة أقوال :
الأول : رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي وغيره عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وبه قال
مجاهد وقتادة وعكرمة وأبو مالك والسدي والضحاك وابن زيد وغيرهم ، كما نقله عنهم
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير وغيره أن معنى الآية :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=23قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى أي إلا أن تودوني في قرابتي التي بيني وبينكم فتكفوا عني أذاكم وتمنعوني من أذى الناس ، كما تمنعون كل من بينكم وبينه مثل قرابتي منكم .
وكان صلى الله عليه وسلم له في كل بطن من
قريش رحم ، فهذا الذي سألهم ليس بأجر على التبليغ ، لأنه مبذول لكل أحد لأن كل أحد يوده أهل قرابته وينتصرون له من أذى الناس ، وقد فعل له ذلك
أبو طالب ، ولم يكن أجرا على التبليغ ، لأنه لم يؤمن وإذا كان لا يسأل أجرا إلا هذا الذي ليس بأجر ، تحقق أنه لا يسأل أجرا كقول
النابغة :
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب
[ ص: 374 ] ومثل هذا يسميه البلاغيون تأكيد المدح ، بما يشبه الذم ، وهذا القول هو الصحيح في الآية ، واختاره
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير وعليه فلا إشكال .
الثاني : أن معنى الآية
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=23إلا المودة في القربى ، أي لا تؤذوا قرابتي وعترتي واحفظوني فيهم . ويروى هذا القول عن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير nindex.php?page=showalam&ids=16709وعمرو بن شعيب وعلي بن الحسين وعليه فلا إشكال أيضا ، لأن
nindex.php?page=treesubj&link=18079الموادة بين المسلمين واجبة فيما بينهم ، وأحرى قرابة النبي صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=71والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض [ 9 \ 71 ] .
وفي الحديث :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009388مثل المؤمنين في تراحمهم وتوادهم كالجسد الواحد ، إذا أصيب منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ، وقال صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007959لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ، والأحاديث في مثل هذا كثيرة جدا . وإذا كان نفس الدين يوجب هذا بين المسلمين تبين أنه غير عوض عن التبليغ .
وقال بعض العلماء : الاستثناء منقطع على كلا القولين ، وعليه فلا إشكال .
فمعناه على القول الأول : لا أسألكم عليه أجرا ، لكن أذكركم قرابتي فيكم .
وعلى الثاني : لكن أذكركم الله في قرابتي فاحفظوني فيهم .
القول الثالث : وبه قال
الحسن :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=23إلا المودة في القربى ، أي إلا تتوادوا إلى الله وتتقربوا إليه بالطاعة والعمل الصالح ، وعليه فلا إشكال ، لأن التقرب إلى الله ليس أجرا على التبليغ .
القول الرابع :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=23إلا المودة في القربى ، أي إلا أن تتوددوا إلى قراباتكم وتصلوا أرحامكم ، ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير هذا القول عن
عبد الله بن قاسم .
وعليه أيضا فلا إشكال ، لأن صلة الإنسان رحمه ليست أجرا على التبليغ ، فقد علمت الصحيح في تفسير الآية ، وظهر لك رفع الإشكال على جميع الأقوال .
وأما القول بأن قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=23إلا المودة في القربى ، منسوخ بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=47قل ما سألتكم من أجر فهو لكم [ 34 \ 47 ] ، فهو ضعيف ، والعلم عند الله تعالى .
[ ص: 372 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سُورَةُ سَبَأٍ
nindex.php?page=treesubj&link=29005_29468_30365_30356قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=17وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ .
هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ عَلَى كِلْتَا الْقِرَاءَتَيْنِ ، قِرَاءَةِ ضَمِّ الْيَاءِ مَعَ فَتْحِ الزَّايِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ ، مَعَ رَفْعِ " الْكَفُورَ " عَلَى أَنَّهُ نَائِبُ الْفَاعِلِ ، وَقِرَاءَةِ " نُجَازِي " بِضَمِّ النُّونِ وَكَسْرِ الزَّايِ مَبْنِيًّا لِلْفَاعِلِ مَعَ نَصْبِ " الْكَفُورَ " ، عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ بِهِ تَدُلُّ عَلَى خُصُوصِ الْجَزَاءِ بِالْمُبَالِغِينَ فِي الْكُفْرِ .
وَقَدْ جَاءَتْ آيَاتٌ أُخَرُ تَدُلُّ عَلَى عُمُومِ الْجَزَاءِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=7فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ الْآيَةَ [ 99 \ 7 ] .
وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ الْمَعْنَى مَا نُجَازِي هَذَا الْجَزَاءَ الشَّدِيدَ الْمُسْتَأْصِلَ إِلَّا الْمُبَالِغَ فِي الْكُفْرَانِ .
الثَّانِي : أَنَّ مَا يُفْعَلُ بِغَيْرِ الْكَافِرِ مِنَ الْجَزَاءِ لَيْسَ عِقَابًا فِي الْحَقِيقَةِ ، لِأَنَّهُ تَطْهِيرٌ وَتَمْحِيصٌ .
الثَّالِثُ : أَنَّهُ لَا يُجَازَى بِجَمِيعِ الْأَعْمَالِ مَعَ الْمُنَاقَشَةِ التَّامَّةِ إِلَّا الْكَافِرُ ، وَيَدُلُّ لِهَذَا قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009974مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ فَقَدْ هَلَكَ وَأَنَّهُ لَمَّا سَأَلَتْهُ
عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=84&ayano=8فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا [ 84 \ 8 - 9 ] ، قَالَ لَهَا ذَلِكَ الْغَرَضَ ، وَبَيَّنَ لَهَا أَنَّ مَنْ نُوقِشَ الْحِسَابَ ، لَا بُدَّ أَنْ يَهْلِكَ .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=47قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ الْآيَةَ .
هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ تَدُلُّ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=30177_31775أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَسْأَلُ أُمَّتَهُ أَجْرًا عَلَى تَبْلِيغِ مَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَنَظِيرُهَا قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=86قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ [ 38 \ 86 ] ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=52&ayano=40أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ [ ص: 373 ] [ 52 \ 40 ] فِي سُورَةِ " الطُّورِ " وَ " الْقَلَمِ " [ 68 \ 46 ] . وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=57قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا [ 25 \ 57 ] ، وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=90قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ [ 6 \ 90 ] .
وَعَدَمُ طَلَبِ الْأُجْرَةِ عَلَى التَّبْلِيغِ هُوَ شَأْنُ الرُّسُلِ كُلِّهِمْ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=20اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا [ 36 \ 20 - 21 ] ، وَقَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ " الشُّعَرَاءِ " :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=109وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ [ 26 \ 109 ] ، فِي قِصَّةِ
نُوحٍ وَهُودٍ وَصَالِحٍ وَلُوطٍ وَشُعَيْبٍ عَلَيْهِمْ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ .
وَقَالَ فِي سُورَةِ " هُودٍ " عَنْ
نُوحٍ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=29وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا الْآيَةَ [ 11 \ 29 ] .
وَقَالَ فِيهَا أَيْضًا عَنْ
هُودٍ :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=51يَاقَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي الْآيَةَ [ 11 \ 51 ] . وَقَدْ جَاءَ فِي آيَةٍ أُخْرَى مَا يُوهِمُ خِلَافَ ذَلِكَ ، وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=23قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى [ 42 \ 23 ] .
اعْلَمْ أَوَّلًا أَنَّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=23إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى أَرْبَعَةَ أَقْوَالٍ :
الْأَوَّلُ : رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشَّعْبِيُّ وَغَيْرُهُ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَبِهِ قَالَ
مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَعِكْرِمَةُ وَأَبُو مَالِكٍ وَالسُّدِّيُّ وَالضَّحَّاكُ وَابْنُ زَيْدٍ وَغَيْرُهُمْ ، كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُمُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=23قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى أَيْ إِلَّا أَنْ تَوَدُّونِي فِي قَرَابَتِي الَّتِي بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ فَتَكُفُّوا عَنِّي أَذَاكُمْ وَتَمْنَعُونِي مِنْ أَذَى النَّاسِ ، كَمَا تَمْنَعُونَ كُلَّ مَنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مِثْلُ قَرَابَتِي مِنْكُمْ .
وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ فِي كُلِّ بَطْنٍ مِنْ
قُرَيْشٍ رَحِمٌ ، فَهَذَا الَّذِي سَأَلَهُمْ لَيْسَ بِأَجْرٍ عَلَى التَّبْلِيغِ ، لِأَنَّهُ مَبْذُولٌ لِكُلِّ أَحَدٍ لِأَنَّ كُلَّ أَحَدٍ يَوَدُّهُ أَهْلُ قَرَابَتِهِ وَيَنْتَصِرُونَ لَهُ مِنْ أَذَى النَّاسِ ، وَقَدْ فَعَلَ لَهُ ذَلِكَ
أَبُو طَالِبٍ ، وَلَمْ يَكُنْ أَجْرًا عَلَى التَّبْلِيغِ ، لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْمِنْ وَإِذَا كَانَ لَا يَسْأَلُ أَجْرًا إِلَّا هَذَا الَّذِي لَيْسَ بِأَجْرٍ ، تَحَقَّقَ أَنَّهُ لَا يَسْأَلُ أَجْرًا كَقَوْلِ
النَّابِغَةِ :
وَلَا عَيْبَ فِيهِمْ غَيْرَ أَنَّ سُيُوفَهُمْ بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الْكَتَائِبِ
[ ص: 374 ] وَمِثْلُ هَذَا يُسَمِّيهِ الْبَلَاغِيُّونَ تَأْكِيدَ الْمَدْحِ ، بِمَا يُشْبِهُ الذَّمَّ ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ فِي الْآيَةِ ، وَاخْتَارَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ وَعَلَيْهِ فَلَا إِشْكَالَ .
الثَّانِي : أَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=23إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ، أَيْ لَا تُؤْذُوا قَرَابَتِي وَعِتْرَتَيْ وَاحْفَظُونِي فِيهِمْ . وَيُرْوَى هَذَا الْقَوْلُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15992سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ nindex.php?page=showalam&ids=16709وَعَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ وَعَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَعَلَيْهِ فَلَا إِشْكَالَ أَيْضًا ، لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=18079الْمُوَادَّةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَاجِبَةٌ فِيمَا بَيْنَهُمْ ، وَأَحْرَى قَرَابَةٍ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=71وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [ 9 \ 71 ] .
وَفِي الْحَدِيثِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009388مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ كَالْجَسَدِ الْوَاحِدِ ، إِذَا أُصِيبَ مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1007959لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ ، وَالْأَحَادِيثُ فِي مِثْلِ هَذَا كَثِيرَةٌ جَدَا . وَإِذَا كَانَ نَفْسُ الدِّينِ يُوجِبُ هَذَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ غَيْرُ عِوَضٍ عَنِ التَّبْلِيغِ .
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ : الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ عَلَى كِلَا الْقَوْلَيْنِ ، وَعَلَيْهِ فَلَا إِشْكَالَ .
فَمَعْنَاهُ عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ : لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ، لَكِنْ أُذَكِّرُكُمْ قَرَابَتِي فِيكُمْ .
وَعَلَى الثَّانِي : لَكِنْ أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي قَرَابَتِي فَاحْفَظُونِي فِيهِمْ .
الْقَوْلُ الثَّالِثُ : وَبِهِ قَالَ
الْحَسَنُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=23إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ، أَيْ إِلَّا تَتَوَادُّوا إِلَى اللَّهِ وَتَتَقَرَّبُوا إِلَيْهِ بِالطَّاعَةِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ ، وَعَلَيْهِ فَلَا إِشْكَالَ ، لِأَنَّ التَّقَرُّبَ إِلَى اللَّهِ لَيْسَ أَجْرًا عَلَى التَّبْلِيغِ .
الْقَوْلُ الرَّابِعُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=23إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ، أَيْ إِلَّا أَنَّ تَتَوَدَّدُوا إِلَى قَرَابَاتِكُمْ وَتَصِلُوا أَرْحَامَكُمْ ، ذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَاسِمٍ .
وَعَلَيْهِ أَيْضًا فَلَا إِشْكَالَ ، لِأَنَّ صِلَةَ الْإِنْسَانِ رَحِمَهُ لَيْسَتْ أَجْرًا عَلَى التَّبْلِيغِ ، فَقَدْ عَلِمْتَ الصَّحِيحَ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ ، وَظَهَرَ لَكَ رَفْعُ الْإِشْكَالِ عَلَى جَمِيعِ الْأَقْوَالِ .
وَأَمَّا الْقَوْلُ بِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=23إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ، مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=47قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ [ 34 \ 47 ] ، فَهُوَ ضَعِيفٌ ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .