الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          [ ص: 343 ] ما ورد من الأخبار والآثار في الأولياء :

                          ذكر بعض المفسرين في تفسير الآية بعض الأخبار النبوية ، ولا يصح منها حديث مرفوع متصل الإسناد ، وأقرب ما رووه في تفسيرها إلى اصطلاحهم في الأولياء حديث أبي هريرة المرفوع : ( ( إن من عباد الله عبادا يغبطهم الأنبياء والشهداء ) ) قيل : من هم يا رسول الله ؟ قال ( ( هم قوم تحابوا في الله من غير أموال ولا أنساب ، وجوههم نور ، على منابر من نور ، لا يخافون إذا خاف الناس ، ولا يحزنون إذا حزن الناس ) ) ثم قرأ : ( ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) ( 62 ) أخرجه ابن جرير من طريق شيخه أبي هشام الرفاعي وهو محمد بن يزيد بن كثير العجلي الكوفي ، قال البخاري : رأيتهم مجمعين على ضعفه ، ورواه أبو داود من حديث عمر بن الخطاب بمثل سند ابن جرير عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عنه إلا أنه منقطع بين أبي زرعة وعمرو ، وقال بعضهم : وأخرجه الحاكم وصححه ولم أره في تفسير السورة من المستدرك وما كل ما صححه الحاكم بصحيح ، ومتن هذا الحديث مشكل لأنه يدل على تفضيل الأولياء على الأنبياء وهو مخالف لإجماع علماء المسلمين ، موافق لقول بعض أولياء الشياطين : إن الولي أفضل من النبي ، من حيث إن ولاية النبي أفضل من نبوته ، وهو تأويل شيطاني .

                          ومثله حديث أبي مالك الأشعري مرفوعا ( ( يأتي من أفناء الناس ونوازع القبائل قوم لم تتصل بينهم أرحام متقاربة ، تحابوا في الله ، وتصافوا في الله ، يضع الله لهم يوم القيامة منابر من نور فيجلسهم عليها ، يفزع الناس ولا يفزعون ، وهم أولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) ) والحديث مطول أخرجه الإمام أحمد من طريق شهر بن حوشب ، وفيه مقال لهم أهونه ما اكتفى به الحافظ في التقريب وهو أنه صدوق كثير الإرسال والأوهام ، وذكر في تهذيب التهذيب : أنه مما قيل فيه إنه يروي المنكرات عن الثقات ، وقال ابن حزم هو ساقط ، وقال ابن عدي : ضعيف جدا .

                          وورد عدة روايات مرفوعة وآثار في تفسير البشرى في الدنيا بالرؤيا الصالحة ، يراها المسلم أو المؤمن أو ترى له . وعليه ابن مسعود وأبو هريرة وابن عباس من الصحابة ، ومجاهد وعروة بن الزبير ويحيى بن أبي كثير وإبراهيم النخعي وعطاء ابن أبي رباح من التابعين وغيرهم وفسرها بعضهم بآية ( ( حم ) ) السجدة التي أوردناها آنفا مع تفسيرها . وروي عن ابن عباس وغيره أن الأولياء هم الذين إذا رؤوا ذكر الله لرؤيتهم ورواه بعضهم مرفوعا وهو ضعيف ، وروي عن أبي حنيفة والشافعي أنهما قالا : إذا لم يكن العلماء أولياء الله فليس لله تعالى ولي ، قال النووي والمراد بهم العلماء العاملون . فهذه خلاصة الروايات في الآية .

                          وإننا لم نر في الأحاديث الصحيحة في الأولياء ما هو أقرب إلى كلام الصوفية منه إلى [ ص: 344 ] كلام الله عز وجل إلا حديث : ( ( من عادى لي وليا فقد آذنته بحرب ) ) إلخ . وقد انفرد به البخاري وفي سنده غرابة كمتنه . قال الحافظ ابن رجب : هذا الحديث تفرد بإخراجه البخاري دون بقية أصحاب الكتب ، خرجه عن محمد بن عثمان بن كرامة عن خالد بن مخلد - إلى أن قال - وهو من غرائب الصحيح ، تفرد به ابن كرامة عن خالد وليس في مسند أحمد مع أن خالد بن مخلد القطواني تكلم فيه الإمام أحمد وغيره وقالوا له مناكير ( ثم قال ) وقد روي من وجوه أخر لا تخلو كلها من مقال . وذكر الحافظ في تهذيب التهذيب اختلافا في أئمة الجرح والتعديل في خالد ، ومنه تصريح جماعة بروايته للمناكير ومنه : في ( الميزان ) للذهبي قال : أبو حاتم يكتب حديثه ولا يحتج به ، وقال الأزدي : في حديثه بعض المناكير وهو عندنا في عداد أهل الصدق ، ومنه قول ابن سعد : كان منكر الحديث متشيعا مفرطا في التشيع وكتبوا عنه للضرورة ، وذكر بعض هذا الجرح وغيره في مقدمة ( فتح الباري ) وأجاب عنه بما حاصله أن التشيع لا يضر مثله ، وأما المناكير فقد تتبعها أبو أحمد بن عدي من حديثه وأوردها في كامله وليس فيها شيء مما أخرجه له البخاري ( قال ) بل لم أر له عنده من أفراده سوى حديث واحد وهو حديث أبي هريرة : ( ( من عادى لي وليا ) ) الحديث ا ه .

                          ( أقول ) وأما الغرابة في متن هذا الحديث فهو قوله تعالى : ( ( ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ) ) إلى آخر الذي استدلوا به على الحلول والاتحاد ، وقد أوله العلماء وبينت أمثلة تأويل له عندي في الكلام على حب الله تعالى من تفسير ( 9 : 24 ص 214 ج 10 ط الهيئة ) فراجعه يغنك عن ذكره كله هنا .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية