nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=79nindex.php?page=treesubj&link=28974_28749_30177ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=80ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون [ ص: 285 ] أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق والبيهقي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : قال
أبو رافع القرظي حين اجتمعت الأحبار من اليهود والنصارى من أهل نجران عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودعاهم إلى الإسلام : أتريد يا محمد أن نعبدك كما تعبد النصارى عيسى ؟ قال : معاذ الله فأنزل الله في ذلك nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=79ما كان لبشر إلى قوله : nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=80مسلمون . وأخرج
عبد الرزاق في تفسيره عن
الحسن قال : بلغني أن رجلا قال يا رسول الله :
نسلم عليك كما يسلم بعضنا على بعض ، أفلا نسجد لك ؟ قال : لا ولكن أكرموا نبيكم واعرفوا الحق لأهله ، فإنه لا ينبغي لأحد من دون الله فأنزل الله nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=79ما كان لبشر الآيتين . ذكر ذلك
السيوطي في ( لباب النقول ) . وقال الأستاذ الإمام : إن ما روي من أن بعض الصحابة طلب أن يسجدوا للرسول هو من الروايات التي لم يق الله المسلمين شرها ولا حاجة إليها في القرآن . فإن الآية متصلة بما قبلها فهي في سياق الرد على أهل الكتاب إبطال لما ادعاه بعضهم من أن لله - تعالى - ابنا أو أبناء حقيقة ، وأن بعض الأنبياء أثبت ذلك لنفسه . وصرح بأن هذه الدعوى مما يدخل في لي اللسان بالكتاب وتحريفه بالتأويل . ويصح أن تكون ردا على أصحاب هذه الدعوى ابتداء مستأنفا استئنافا بيانيا كأن النفس تتشوف بعد بيان حال فرق
اليهود إلى
nindex.php?page=treesubj&link=31994بيان حال النصارى وما يدعون في المسيح فجاءت الآيتان في ذلك . فقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=79ما كان لبشر نفي للشأن وهو أبلغ من نفي الوقوع خاصة ; لأنه نفي للوقوع مع بيان السبب والدليل ، وهو أن هذا غير ممكن
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=79أن يؤتيه الله الكتاب والحكم به والعمل بإرشاده . قال في الكشاف : الحكم : الحكمة التي هي السنة ، ووافقه الأستاذ الإمام قائلا : إن عبارات الكتاب ربما تذهب النفس فيها مذاهب التأويل ، فالعمل هو الذي يقرر الحق فيها . وقد تقدم عنه تفسير الحكمة بفقه الكتاب ومعرفة أسراره وأن ذلك يستلزم العمل به ، وإنما قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=79والنبوة بعد قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=79يؤتيه الله الكتاب لأن المرسل إليهم يقال إنهم أوتوا الكتاب
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=79ثم يقول للناس كونوا عبادا لي العباد جمع عبد بمعنى عابد ، والعبيد جمع له بمعنى مملوك أي بأن تتخذوني إلها أو ربا لكم
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=79من دون الله أي كائنين لي من دون الله أو كونوا عابدين لي من دونه ، وقيل معناه حال كونكم متجاوزين الله - تعالى - أي متجاوزين ما يجب من إفراده بالعبادة وتخصيصه بالعبودية . وقطع
أبو السعود بأن ذلك يصدق بعبادة غيره استقلالا أو اشتراكا . وله عندي وجهان :
أحدهما : أن
nindex.php?page=treesubj&link=19696العبادة الصحيحة لله - تعالى - لا تتحقق إلا إذا خلصت له وحده فلم تشبها شائبة ما من التوجه إلى غيره كما قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=14قل الله أعبد مخلصا له ديني [ 39 : 14 ] وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=5وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء [ 98 : 5 ] والآيات في هذا المعنى كثيرة .
فمن دعا إلى عبادة نفسه فقد دعا الناس إلى أن يكونوا عابدين له من دون الله وإن لم ينههم عن عبادة الله ، بل وإن أمرهم بعبادة الله ، ومن
nindex.php?page=treesubj&link=28705جعل بينه وبين الله واسطة في العبادة [ ص: 286 ] كالدعاء فقد عبد هذه الواسطة من دون الله ; لأن هذه الوساطة تنافي الإخلاص له وحده .
ومتى انتفى الإخلاص انتفت العبادة ; ولذلك قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=2فاعبد الله مخلصا له الدين ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم [ 39 : 2 - 3 ] الآية فلم يمنع توسلهم بالأولياء إليه - تعالى - أن يقول إنهم اتخذوهم من دونه ويدل عليه أيضا قوله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=918898قال الله - تعالى - : أنا أغنى الشركاء عن الشرك ، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه - وفي رواية - فأنا منه بريء ، هو للذي عمل له " رواه
مسلم وغيره ، وقوله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=918899إذا جمع الله الناس يوم القيامة ليوم لا ريب فيه نادى مناد من أشرك في عمل عمله لله أحدا فليطلب ثوابه من عند غير الله فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك رواه
أحمد . والوجه الثاني : أن من يتوجه بعبادته إلى غير الله - تعالى - على أنه وسيلة إليه ومقرب منه وشفيع عنده ، أو على أنه متصرف بالنفع ودفع الضر لقربه منه ، فتوجهه هذا إليه عبادة له مقدرة بقدرها فهو عبد له في هذا القدر من التوجه إليه من دون الله ، وهذا الوجه معقول في نفسه والأول أقوى لأن النصوص مؤيدة له ، وقد غفل عنه من أجازوا للعامة
nindex.php?page=treesubj&link=28704_28808اتخاذ أولياء يتوجهون إليهم بالدعاء وطلب الحاجات ويسمون ذلك توسلا بهم إلى الله إنما هو عبادة لهم من دون الله . ففي الحديث الصحيح :
nindex.php?page=hadith&LINKID=918692الدعاء هو العبادة وتلا - صلى الله عليه وسلم - قوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60وقال ربكم ادعوني [ 40 : 60 ] الآية رواه
أحمد وأصحاب السنن الأربعة وغيرهم
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=79ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون أي ولكن يأمرهم النبي الذي أوتي الكتاب والحكم بأن يكونوا منسوبين إلى الرب مباشرة من غير توسطه هو ولا التوسل بشخصه وإنما يهديهم إلى الوسيلة الحقيقية الموصلة إلى ذلك وهي تعليم الكتاب ودراسته ، فبعلم الكتاب وتعليمه والعمل به يكون الإنسان ربانيا مرضيا عند الله - تعالى - ; فالكتاب هو واسطة القرب من الله - تعالى - ، والرسول هو الواسطة المبلغة للكتاب كما قال - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=48إن عليك إلا البلاغ [ 42 : 48 ] فلا يمكن لأحد أن يتقرب إلى الله بشخص الرسول بل بما جاء به الرسول ( راجع تفسير آية 31 )
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=31قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله والآيات المقررة لهذه الحقيقة كثيرة جدا .
قال الأستاذ الإمام ما مثاله مفصلا : أفادت الآية أن الإنسان يكون ربانيا بعلم الكتاب ودرسه وبتعليمه للناس ونشره ، ومن المقرر أن
nindex.php?page=treesubj&link=18470التقرب إلى الله - تعالى - لا يكون إلا بالعمل بالعلم ، والعلم الذي لا يبعث إلى العمل لا يعد علما صحيحا ; لأن العلم الصحيح ما كان صفة للعالم وملكة راسخة في نفسه وإنما الأعمال آثار الصفات والملكات ، والمعلم يعبر عما رسخ في نفسه ، ومن لم يحصل من علم الكتاب إلا صورا وتخيلات تلوح في الذهن ولا تستقر في النفس لا يمكنه أن يكون معلما له يفيض العلم على غيره ، كما أنه لا يكون عاملا به على وجهه كما ثبت بالمشاهدة والاختبار ، أي في نحو العلوم الفنية فإن من لا يعرف من الهندسة إلا بعض
[ ص: 287 ] الاصطلاحات والمسائل الناقصة لا يمكنه أن يكون مهندسا بالفعل ولا أن يكون معلما للهندسة ، ومراد الأستاذ أن العلم لما كان يستلزم العمل استغني بذكره عن التصريح بالعمل كما يستغنى عن ذكر العلم عندما يعلق الجزاء على العمل لأن العمل الصحيح لا يكون إلا عن العلم الصحيح فتارة يذكر الملزوم وتارة يذكر اللازم ولكل مقام مقال .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=79nindex.php?page=treesubj&link=28974_28749_30177مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=80وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [ ص: 285 ] أَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابْنُ إِسْحَاقَ وَالْبَيْهَقِيُّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ
أَبُو رَافِعٍ الْقُرَظِيُّ حِينَ اجْتَمَعَتِ الْأَحْبَارُ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ : أَتُرِيدُ يَا مُحَمَّدُ أَنْ نَعْبُدَكَ كَمَا تَعْبُدُ النَّصَارَى عِيسَى ؟ قَالَ : مَعَاذَ اللَّهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=79مَا كَانَ لِبَشَرٍ إِلَى قَوْلِهِ : nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=80مُسْلِمُونَ . وَأَخْرَجَ
عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي تَفْسِيرِهِ عَنِ
الْحَسَنِ قَالَ : بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ :
نُسَلِّمُ عَلَيْكَ كَمَا يُسَلِّمُ بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ ، أَفَلَا نَسْجُدُ لَكَ ؟ قَالَ : لَا وَلَكِنْ أَكْرِمُوا نَبِيَّكُمْ وَاعْرِفُوا الْحَقَّ لِأَهْلِهِ ، فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=79مَا كَانَ لِبَشَرٍ الْآيَتَيْنِ . ذَكَرَ ذَلِكَ
السُّيُوطِيُّ فِي ( لُبَابِ النُّقُولِ ) . وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ : إِنَّ مَا رُوِيَ مِنْ أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ طَلَبَ أَنْ يَسْجُدُوا لِلرَّسُولِ هُوَ مِنَ الرِّوَايَاتِ الَّتِي لَمْ يَقِ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ شَرَّهًا وَلَا حَاجَةَ إِلَيْهَا فِي الْقُرْآنِ . فَإِنَّ الْآيَةَ مُتَّصِلَةٌ بِمَا قَبْلَهَا فَهِيَ فِي سِيَاقِ الرَّدِّ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ إِبْطَالٌ لِمَا ادَّعَاهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّ لِلَّهِ - تَعَالَى - ابْنًا أَوْ أَبْنَاءً حَقِيقَةً ، وَأَنَّ بَعْضَ الْأَنْبِيَاءِ أَثْبَتَ ذَلِكَ لِنَفْسِهِ . وَصَرَّحَ بِأَنَّ هَذِهِ الدَّعْوَى مِمَّا يَدْخُلُ فِي لَيِّ اللِّسَانِ بِالْكِتَابِ وَتَحْرِيفِهِ بِالتَّأْوِيلِ . وَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ رَدًّا عَلَى أَصْحَابِ هَذِهِ الدَّعْوَى ابْتِدَاءً مُسْتَأْنَفًا اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا كَأَنَّ النَّفْسَ تَتَشَوَّفُ بَعْدَ بَيَانِ حَالِ فِرَقِ
الْيَهُودِ إِلَى
nindex.php?page=treesubj&link=31994بَيَانِ حَالِ النَّصَارَى وَمَا يَدَّعُونَ فِي الْمَسِيحِ فَجَاءَتِ الْآيَتَانِ فِي ذَلِكَ . فَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=79مَا كَانَ لِبَشَرٍ نَفْيٌ لِلشَّأْنِ وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ نَفْيِ الْوُقُوعِ خَاصَّةً ; لِأَنَّهُ نَفْيٌ لِلْوُقُوعِ مَعَ بَيَانِ السَّبَبِ وَالدَّلِيلِ ، وَهُوَ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُمْكِنٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=79أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ بِهِ وَالْعَمَلَ بِإِرْشَادِهِ . قَالَ فِي الْكَشَّافِ : الْحُكْمُ : الْحِكْمَةُ الَّتِي هِيَ السُّنَّةُ ، وَوَافَقَهُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ قَائِلًا : إِنَّ عِبَارَاتِ الْكِتَابِ رُبَّمَا تَذْهَبُ النَّفْسُ فِيهَا مَذَاهِبَ التَّأْوِيلِ ، فَالْعَمَلُ هُوَ الَّذِي يُقَرِّرُ الْحَقَّ فِيهَا . وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنْهُ تَفْسِيرُ الْحِكْمَةِ بِفِقْهِ الْكِتَابِ وَمَعْرِفَةِ أَسْرَارِهِ وَأَنَّ ذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ الْعَمَلَ بِهِ ، وَإِنَّمَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=79وَالنُّبُوَّةَ بَعْدَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=79يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ لِأَنَّ الْمُرْسَلَ إِلَيْهِمْ يُقَالُ إِنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=79ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي الْعِبَادُ جَمْعُ عَبْدٍ بِمَعْنَى عَابِدٍ ، وَالْعَبِيدُ جَمْعٌ لَهُ بِمَعْنَى مَمْلُوكٍ أَيْ بِأَنْ تَتَّخِذُونِي إِلَهًا أَوْ رَبًّا لَكُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=79مِنْ دُونِ اللَّهِ أَيْ كَائِنِينَ لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْ كُونُوا عَابِدِينَ لِي مِنْ دُونِهِ ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ حَالَ كَوْنِكُمْ مُتَجَاوِزِينَ اللَّهَ - تَعَالَى - أَيْ مُتَجَاوِزِينَ مَا يَجِبُ مِنْ إِفْرَادِهِ بِالْعِبَادَةِ وَتَخْصِيصِهِ بِالْعُبُودِيَّةِ . وَقَطَعَ
أَبُو السُّعُودِ بِأَنَّ ذَلِكَ يَصْدُقُ بِعِبَادَةِ غَيْرِهِ اسْتِقْلَالًا أَوِ اشْتِرَاكًا . وَلَهُ عِنْدِي وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19696الْعِبَادَةَ الصَّحِيحَةَ لِلَّهِ - تَعَالَى - لَا تَتَحَقَّقُ إِلَّا إِذَا خَلُصَتْ لَهُ وَحْدَهُ فَلَمْ تَشُبْهَا شَائِبَةٌ مَا مِنَ التَّوَجُّهِ إِلَى غَيْرِهِ كَمَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=14قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي [ 39 : 14 ] وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=5وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ [ 98 : 5 ] وَالْآيَاتُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ .
فَمَنْ دَعَا إِلَى عِبَادَةِ نَفْسِهِ فَقَدْ دَعَا النَّاسَ إِلَى أَنْ يَكُونُوا عَابِدِينَ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَإِنْ لَمْ يَنْهَهُمْ عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ ، بَلْ وَإِنْ أَمَرَهُمْ بِعِبَادَةِ اللَّهِ ، وَمَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=28705جَعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ وَاسِطَةً فِي الْعِبَادَةِ [ ص: 286 ] كَالدُّعَاءِ فَقَدْ عَبَدَ هَذِهِ الْوَاسِطَةَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ; لِأَنَّ هَذِهِ الْوَسَاطَةَ تُنَافِي الْإِخْلَاصَ لَهُ وَحْدَهُ .
وَمَتَى انْتَفَى الْإِخْلَاصُ انْتَفَتِ الْعِبَادَةُ ; وَلِذَلِكَ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=2فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ [ 39 : 2 - 3 ] الْآيَةَ فَلَمْ يَمْنَعْ تَوَسُّلُهُمْ بِالْأَوْلِيَاءِ إِلَيْهِ - تَعَالَى - أَنْ يَقُولَ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوهُمْ مِنْ دُونِهِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=918898قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - : أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ - وَفِي رِوَايَةٍ - فَأَنَا مِنْهُ بَرِيءٌ ، هُوَ لِلَّذِي عَمِلَ لَهُ " رَوَاهُ
مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ ، وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=918899إِذَا جَمَعَ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ نَادَى مُنَادٍ مَنْ أَشْرَكَ فِي عَمَلٍ عَمِلَهُ لِلَّهِ أَحَدًا فَلْيَطْلُبْ ثَوَابَهُ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ رَوَاهُ
أَحْمَدُ . وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ مَنْ يَتَوَجَّهُ بِعِبَادَتِهِ إِلَى غَيْرِ اللَّهِ - تَعَالَى - عَلَى أَنَّهُ وَسِيلَةٌ إِلَيْهِ وَمُقَرِّبٌ مِنْهُ وَشَفِيعٌ عِنْدَهُ ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ مُتَصَرِّفٌ بِالنَّفْعِ وَدَفْعِ الضُّرِّ لِقُرْبِهِ مِنْهُ ، فَتَوَجُّهُهُ هَذَا إِلَيْهِ عِبَادَةٌ لَهُ مُقَدَّرَةٌ بِقَدْرِهَا فَهُوَ عَبْدٌ لَهُ فِي هَذَا الْقَدْرِ مِنَ التَّوَجُّهِ إِلَيْهِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ، وَهَذَا الْوَجْهُ مَعْقُولٌ فِي نَفْسِهِ وَالْأَوَّلُ أَقْوَى لِأَنَّ النُّصُوصَ مُؤَيِّدَةٌ لَهُ ، وَقَدْ غَفَلَ عَنْهُ مَنْ أَجَازُوا لِلْعَامَّةِ
nindex.php?page=treesubj&link=28704_28808اتِّخَاذَ أَوْلِيَاءَ يَتَوَجَّهُونَ إِلَيْهِمْ بِالدُّعَاءِ وَطَلَبِ الْحَاجَاتِ وَيُسَمُّونَ ذَلِكَ تَوَسُّلًا بِهِمْ إِلَى اللَّهِ إِنَّمَا هُوَ عِبَادَةٌ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ . فَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=918692الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ وَتَلَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلَهُ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي [ 40 : 60 ] الْآيَةَ رَوَاهُ
أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرُهُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=79وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ أَيْ وَلَكِنْ يَأْمُرُهُمُ النَّبِيُّ الَّذِي أُوتِيَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ بِأَنْ يَكُونُوا مَنْسُوبِينَ إِلَى الرَّبِّ مُبَاشَرَةً مِنْ غَيْرِ تَوَسُّطِهِ هُوَ وَلَا التَّوَسُّلِ بِشَخْصِهِ وَإِنَّمَا يَهْدِيهِمْ إِلَى الْوَسِيلَةِ الْحَقِيقِيَّةِ الْمُوَصِّلَةِ إِلَى ذَلِكَ وَهِيَ تَعْلِيمُ الْكِتَابِ وَدِرَاسَتُهُ ، فَبِعِلْمِ الْكِتَابِ وَتَعْلِيمِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ يَكُونُ الْإِنْسَانُ رَبَّانِيًّا مَرْضِيًّا عِنْدَ اللَّهِ - تَعَالَى - ; فَالْكِتَابُ هُوَ وَاسِطَةُ الْقُرْبِ مِنَ اللَّهِ - تَعَالَى - ، وَالرَّسُولُ هُوَ الْوَاسِطَةُ الْمُبَلِّغَةُ لِلْكِتَابِ كَمَا قَالَ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=48إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ [ 42 : 48 ] فَلَا يُمْكِنُ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَقَرَّبَ إِلَى اللَّهِ بِشَخْصِ الرَّسُولِ بَلْ بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ ( رَاجِعْ تَفْسِيرَ آيَةِ 31 )
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=31قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَالْآيَاتُ الْمُقَرِّرَةُ لِهَذِهِ الْحَقِيقَةِ كَثِيرَةٌ جِدًّا .
قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ مَا مِثَالُهُ مُفَصَّلًا : أَفَادَتِ الْآيَةُ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَكُونُ رَبَّانِيًّا بِعِلْمِ الْكِتَابِ وَدَرْسِهِ وَبِتَعْلِيمِهِ لِلنَّاسِ وَنَشْرِهِ ، وَمِنَ الْمُقَرَّرِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=18470التَّقَرُّبَ إِلَى اللَّهِ - تَعَالَى - لَا يَكُونُ إِلَّا بِالْعَمَلِ بِالْعِلْمِ ، وَالْعِلْمُ الَّذِي لَا يَبْعَثُ إِلَى الْعَمَلِ لَا يُعَدُّ عِلْمًا صَحِيحًا ; لِأَنَّ الْعِلْمَ الصَّحِيحَ مَا كَانَ صِفَةً لِلْعَالِمِ وَمَلَكَةً رَاسِخَةً فِي نَفْسِهِ وَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ آثَارُ الصِّفَاتِ وَالْمَلَكَاتِ ، وَالْمُعَلِّمِ يُعَبِّرُ عَمَّا رَسَخَ فِي نَفْسِهِ ، وَمَنْ لَمْ يُحَصِّلْ مِنْ عِلْمِ الْكِتَابِ إِلَّا صُوَرًا وَتَخَيُّلَاتٍ تَلُوحُ فِي الذِّهْنِ وَلَا تَسْتَقِرُّ فِي النَّفْسِ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَكُونَ مُعَلِّمًا لَهُ يُفِيضُ الْعِلْمَ عَلَى غَيْرِهِ ، كَمَا أَنَّهُ لَا يَكُونُ عَامِلًا بِهِ عَلَى وَجْهِهِ كَمَا ثَبَتَ بِالْمُشَاهَدَةِ وَالِاخْتِبَارِ ، أَيْ فِي نَحْوِ الْعُلُومِ الْفَنِّيَّةِ فَإِنَّ مَنْ لَا يَعْرِفُ مِنَ الْهَنْدَسَةِ إِلَّا بَعْضَ
[ ص: 287 ] الِاصْطِلَاحَاتِ وَالْمَسَائِلِ النَّاقِصَةِ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَكُونَ مُهَنْدِسًا بِالْفِعْلِ وَلَا أَنْ يَكُونَ مُعَلِّمًا لِلْهَنْدَسَةِ ، وَمُرَادُ الْأُسْتَاذِ أَنَّ الْعِلْمَ لَمَّا كَانَ يَسْتَلْزِمُ الْعَمَلَ اسْتُغْنِيَ بِذِكْرِهِ عَنِ التَّصْرِيحِ بِالْعَمَلِ كَمَا يُسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِ الْعِلْمِ عِنْدَمَا يُعَلَّقُ الْجَزَاءُ عَلَى الْعَمَلِ لِأَنَّ الْعَمَلَ الصَّحِيحَ لَا يَكُونُ إِلَّا عَنِ الْعِلْمِ الصَّحِيحِ فَتَارَةً يُذْكَرُ الْمَلْزُومُ وَتَارَةً يُذْكَرُ اللَّازِمُ وَلِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالٌ .