الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                          صفحة جزء
                          ( تشديد السنة في شرب الخمر ) .

                          روى البخاري ومسلم وأصحاب السنن إلا الترمذي من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منه حرمها في الآخرة " زاد مسلم في رواية " فلم يسقها " .

                          قيل : معناه أنه لا يدخل الجنة فيشربه فيها ، وقيل : لا يشربها فيها وإن مات مؤمنا ودخلها ، لأنه استعجل شيئا فجوزي بحرمانه ، وقيل : إلا أن يعفو الله عنه ، والقول الأول لا يصح إلا بالحمل على المستحل لشربها ، لأنه راد للشريعة غير مذعن لها ، ورواية مسلم " فلم يسقها " ظاهرة في رده .

                          وروي هذا الحديث بلفظ " كل مسكر خمر ، وكل مسكر حرام ، ومن شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها لم يتب لم يشربها في الآخرة " وقد عزاه الحافظ المنذري إلى الشيخين وأبي داود والترمذي والنسائي والبيهقي قال ولفظه في إحدى رواياته قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة وإن دخل الجنة " وهذا يرد ذلك التأويل أيضا ولكنه لم يمنع المنذري من حكايته كغيره .

                          وروى أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن " وفي رواية البخاري تقدم الخمر على السرقة ، قيل : هذا في المستحل ، وقيل : النفي لكمال الإيمان : وقيل : وهو خبر بمعنى النهي ، وقيل : إن الإيمان يفارق مرتكب أمثال هذه الكبائر مدة ملابسته لها وقد يعود إليه بعدها ، وحقق الغزالي في كتاب التوبة من الإحياء أن مرتكب ذلك لا يكون [ ص: 72 ] حال ارتكابه متصفا بالإيمان الإذعاني بحرمة ذلك ، وكونه من أسباب سخط الله وعقوبته ، لأن هذا الإيمان يستلزم اجتناب العصيان .

                          وروى أحمد بإسناد صحيح وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح الإسناد عن ابن عباس قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " أتاني جبريل فقال : يا محمد ، إن الله لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وبائعها ومبتاعها وساقيها ومسقيها " وروى أبو داود وابن ماجه عن ابن عمر حديثا بمعناه وليس فيه ذكر جبريل ، والترمذي وابن ماجه من حديث أنس " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر عشرا : عاصرها ، ومعتصرها ، وشاربها ، وحاملها ، والمحمولة إليه ، وساقيها ، وبائعها ، وآكل ثمنها ، والمشتري لها ، والمشترى له " قال الترمذي : حديث غريب .

                          التالي السابق


                          الخدمات العلمية