الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                  صفحة جزء
                                                                  حديث أبي لؤلؤة قاتل عمر رضي الله عنه

                                                                  9775 عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري قال : كان عمر بن الخطاب لا يترك أحدا من العجم يدخل المدينة ، فكتب المغيرة بن شعبة إلى عمر : أن عندي غلاما نجارا نقاشا حدادا ، فيه منافع لأهل المدينة ، فإن رأيت أن تأذن لي أن أرسل به فعلت . فأذن له ، وكان قد جعل عليه كل يوم درهمين ، وكان يدعى أبا لؤلؤة ، وكان مجوسيا في أصله ، فلبث ما شاء الله ، ثم إنه أتى عمر يشكو إليه كثرة خراجه ، فقال له عمر : " ما تحسن من الأعمال ؟ قال : نجار نقاش حداد " فقال عمر : " ما خراجك بكبير في كنه [ ص: 475 ] ما تحسن من الأعمال " قال : فمضى وهو يتذمز ، ثم مر بعمر وهو قاعد فقال : ألم أحدث أنك تقول : لو شئت أن أصنع رحى تطحن بالريح فعلت ؟ فقال أبو لؤلؤة : لأصنعن رحى يتحدث بها الناس قال : ومضى أبو لؤلؤة فقال عمر : " أما العبد فقد أوعدني آنفا " فلما أزمع بالذي أزمع به ، أخذ خنجرا فاشتمل عليه ، ثم قعد لعمر في زاوية من زوايا المسجد ، وكان عمر يخرج بالسحر فيوقظ الناس بالصلاة ، فمر به فثار إليه فطعنه ثلاث طعنات : إحداهن تحت سرته ، وهي التي قتلته ، وطعن اثني عشر رجلا من أهل المسجد ، فمات منهم ستة ، وبقي منهم ستة ، ثم نحر نفسه بخنجره فمات .

                                                                  قال معمر : وسمعت غير الزهري يقول : ألقى رجل من أهل العراق عليه برنسا ، فلما أن اغتم فيه نحر نفسه .

                                                                  قال معمر : قال الزهري : فلما خشي عمر النزف قال : " ليصل بالناس عبد الرحمن بن عوف " .

                                                                  قال الزهري : فأخبرني عبد الله بن عباس قال : فاحتملنا [ ص: 476 ] عمر أنا ونفر من الأنصار حتى أدخلناه منزله ، فلم يزل في عشية واحدة حتى أسفر ، فقال رجل : إنكم لن تفزعوه بشيء إلا بالصلاة قال : فقلنا : الصلاة يا أمير المؤمنين قال : " ففتح عينيه " ثم قال : " أصلى الناس ؟ " قلنا : نعم : قال : " أما إنه لا حظ في الإسلام لأحد ترك الصلاة " قال : - وربما قال معمر : أضاع الصلاة - ثم صلى وجرحه يثعب دما ، قال ابن عباس : ثم قال لي عمر : " اخرج فاسأل الناس من طعنني ؟ " فانطلقت فإذا الناس مجتمعون فقلت : من طعن أمير المؤمنين ؟ فقالوا : طعنه أبو لؤلؤة عدو الله غلام المغيرة بن شعبة ، فرجعت إلى عمر وهو يستأني أن آتيه بالخبر ، فقلت : يا أمير المؤمنين طعنك عدو الله أبو لؤلؤة فقال عمر : " الله أكبر ، الحمد لله الذي لم يجعل قاتلي يخاصمني يوم القيامة في سجدة سجدها لله ، قد كنت أظن أن العرب لن يقتلني " ثم أتاه طبيب فسقاه نبيذا فخرج منه ، فقال الناس : هذه حمرة الدم ، ثم جاءه آخر ، فسقاه لبنا فخرج اللبن يصلد فقال له الذي سقاه اللبن : اعهد عهدك يا أمير المؤمنين ، فقال عمر : " صدقني أخو بني معاوية " .

                                                                  [ ص: 477 ] قال الزهري : عن سالم ، عن ابن عمر : ثم دعا النفر الستة : عليا وعثمان وسعدا وعبد الرحمن والزبير - ولا أدري أذكر طلحة أم لا - فقال : " إني نظرت في الناس فلم أر فيهم شقاقا ، فإن يكن شقاق فهو فيكم ، قوموا فتشاوروا ، ثم أمروا أحدكم " .

                                                                  قال معمر : قال الزهري : فأخبرني حميد بن عبد الرحمن ، عن المسور بن مخرمة قال : أتاني عبد الرحمن بن عوف ليلة الثالثة من أيام الشورى ، بعدما ذهب من الليل ما شاء الله ، فوجدني نائما فقال : أيقظوه ، فأيقظوني فقال : ألا أراك نائما ، والله ما اكتحلت بكثير نوم منذ هذه الثلاث ، اذهب فادع لي فلانا وفلانا - ناسا من أهل السابقة من الأنصار - فدعوتهم فخلا بهم في المسجد طويلا ، ثم قاموا ثم قال : اذهب فادع لي الزبير وطلحة وسعدا فدعوتهم ، فناجاهم طويلا ، ثم قاموا من عنده ، ثم قال : ادع لي عليا ، فدعوته فناجاه طويلا ، ثم قام من عنده ، ثم قال : ادع لي عثمان ، فدعوته فجعل يناجيه ، فما فرق بينهما إلا أذان الصبح ، ثم صلى صهيب بالناس ، فلما فرغ اجتمع الناس إلى عبد الرحمن فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : أما بعد ، فإني نظرت في الناس ، فلم أرهم يعدلون بعثمان ، فلا تجعل يا علي على نفسك سبيلا ، ثم قال : عليك يا عثمان " عهد الله وميثاقه وذمته وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم أن تعمل بكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وبما عمل به الخليفتان من بعده [ ص: 478 ] قال : نعم ، فمسح على يده فبايعه ، ثم بايعه الناس ، ثم بايعه علي ثم خرج ، فلقيه ابن عباس فقال : خدعت ؟ فقال علي : أوخديعة هي ؟ قال : فعمل بعمل صاحبيه ستا لا يخرم شيئا إلى ست سنين ، ثم إن الشيخ رق وضعف فغلب على أمره " .

                                                                  قال الزهري : فأخبرني سعيد بن المسيب أن عبد الرحمن بن أبي بكر - ولم نجرب عليه كذبة قط - قال : حين قتل عمر انتهيت إلى الهرمزان وجفينة وأبي لؤلؤة وهم نجي ، فبغتهم فثاروا وسقط من بينهم خنجر له رأسان ، نصابه في وسطه فقال عبد الرحمن : فانظروا بما قتل عمر ؟ فنظروا فوجدوه خنجرا على النعت الذي نعت عبد الرحمن قال : فخرج عبيد الله بن عمر مشتملا على السيف حتى أتى الهرمزان فقال : اصحبني حتى ننظر إلى فرس لي - وكان الهرمزان بصيرا بالخيل - فخرج يمشي بين يديه ، فعلاه عبيد الله بالسيف فلما وجد حر السيف قال : لا إله إلا الله ، فقتله ، ثم أتى جفينة - وكان نصرانيا - فدعاه فلما أشرف له [ ص: 479 ] علاه بالسيف فصلب [ بين ] عينيه ، ثم أتى ابنة أبي لؤلؤة جارية صغيرة تدعي الإسلام - فقتلها ، فأظلمت المدينة يومئذ على أهلها ، ثم أقبل بالسيف صلتا في يده وهو يقول : والله لا أترك في المدينة سبيا إلا قتلته وغيرهم - وكأنه يعرض بناس من المهاجرين - فجعلوا يقولون له : ألق السيف ، ويأبى ويهابونه أن يقربوا منه ، حتى أتاه عمرو بن العاص فقال : أعطني السيف يا ابن أخي ، فأعطاه إياه ، ثم ثار إليه عثمان فأخذ برأسه فتناصيا حتى حجز الناس بينهما ، فلما ولي عثمان قال : أشيروا علي في هذا الرجل الذي فتق في الإسلام ما فتق - يعني عبيد الله بن عمر - فأشار عليه المهاجرون أن يقتله ، وقال جماعة من الناس : أقتل عمر أمس وتريدون أن تتبعوه ابنه اليوم ؟ أبعد الله الهرمزان وجفينة قال : فقام عمرو بن العاص فقال : يا أمير المؤمنين إن الله قد [ ص: 480 ] أعفاك أن يكون هذا الأمر ولك على الناس من سلطان ، إنما كان هذا الأمر ولا سلطان لك ، فاصفح عنه يا أمير المؤمنين قال : فتفرق الناس على خطبة عمرو ، وودى عثمان الرجلين والجارية " .

                                                                  قال الزهري : وأخبرني حمزة بن عبد الله بن عمر قال : يرحم الله حفصة إن كانت لممن شجع عبيد الله على قتل الهرمزان وجفينة .

                                                                  قال الزهري : وأخبرني عبد الله بن ثعلبة - أو قال : ابن خليفة الخزاعي قال : رأيت الهرمزان رفع يده يصلي خلف عمر ، قال معمر : وقال غير الزهري : فقال عثمان : أنا ولي الهرمزان وجفينة والجارية ، وإني قد جعلتهم دية .

                                                                  التالي السابق


                                                                  الخدمات العلمية