الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                            صفحة جزء
                                                                                            6539 - كما حدثناه أبو العباس محمد بن يعقوب ، ثنا أحمد بن عبد الجبار ، ثنا يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق : ( ح ) وأخبرنا الشيخ أبو بكر بن إسحاق الفقيه ، وعلي بن الفضل بن محمد بن عقيل الجراحي ، واللفظ لهما قالا : أنبأ أبو شعيب الحراني ، ثنا أبو جعفر النفيلي ، ثنا محمد بن سلمة ، عن محمد بن إسحاق قال : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة منصرفا من الطائف ، وكتب بجير بن زهير بن أبي سلمى إلى أخيه كعب بن زهير بن أبي سلمى يخبره أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قتل رجالا بمكة ممن كان يهجوه ويؤذيه ، وأنه من بقي من شعراء قريش ابن الزبعرى وهبيرة بن أبي وهب قد هربوا في كل وجه ، فإن كانت لك في نفسك حاجة فطر إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فإنه لا يقتل أحدا جاءه تائبا ، وإن أنت لم تفعل فانج بنفسك إلى نجائك ، وقد كان كعب قال أبياتا نال فيها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى رويت عنه وعرفت ، وكان الذي قال :

                                                                                            ألا أبلغا عني بجيرا رسالة وهل لك فيما قلت ويلك هلكا     فخبرتني إن كنت لست بفاعل
                                                                                            على أي شيء ويح غيرك دلكا     على خلق لم تلف أما ولا أبا
                                                                                            عليه ولم تلف عليه أبا لكا     فإن أنت لم تفعل فلست بآسف
                                                                                            ولا قائل لما عثرت لعالكا     سقاك بها المأمون كأسا روية
                                                                                            فأنهلك المأمون منها وعلكا

                                                                                            قال : وإنما قال كعب : المأمون لقول قريش لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكانت تقوله فلما بلغ كعبا ذلك ضاقت به الأرض ، وأشفق على نفسه وأرجف به من كان في حاضره من عدوه ، فقالوا : هو مقتول ، فلما لم يجد من شيء بدا قال قصيدته التي يمدح فيها رسول [ ص: 763 ] الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وذكر خوفه وإرجاف الوشاة به من عنده ، ثم خرج حتى قدم المدينة فنزل على رجل كانت بينه وبينه معرفة من جهينة كما ذكر لي ، فغدا به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين صلى الصبح ، فصلى مع الناس ، ثم أشار له إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال : هذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقم إليه فاستأمنه ، فذكر لي أنه قام إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى وضع يده في يده ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يعرفه ، فقال : يا رسول الله إن كعب بن زهير جاء ليستأمن منك تائبا مسلما هل تقبل منه إن أنا جئتك به ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " نعم " فقال : يا رسول الله ، أنا كعب بن زهير . قال ابن إسحاق : فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة قال : وثب عليه رجل من الأنصار وقال : يا رسول الله دعني وعدو الله أضرب عنقه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " دعه عنك فإنه قد جاء تائبا نازعا " ، فغضب كعب على هذا الحي من الأنصار لما صنع به صاحبهم ، وذلك أنه لم يكن يتكلم رجل من المهاجرين فيه إلا بخير ، فقال قصيدته التي حين قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بانت سعاد فذكر القصيدة إلى آخرها ، وزاد فيها :

                                                                                            ترمي الفجاج بعيني مفرد لهق     إذا توقدت الحزان فالميل
                                                                                            ضخم مقلدها فعم مقيدها     في خلقها عن بنات الفحل تفضيل
                                                                                            تهوي على يسرات وهي لاهية     ذوابل وقعهن الأرض تحليل
                                                                                            وقال للقوم حاديهم وقد جعلت     ورق الجنادب يركضن الحصى قيل
                                                                                            لما رأيت حداب الأرض يرفعها     مع اللوامع تخليط وترجيل
                                                                                            وقال كل صديق كنت آمله     لا ألفينك إني عنك مشغول
                                                                                            إذا يساور قرنا لا يحل له     أن يترك القرن إلا وهو مفلول



                                                                                            قال عاصم بن عمر بن قتادة : فلما قال : إذا أعرد السود التنابيل ، وإنما يريد معاشر الأنصار لما كان صنع صاحبهم وخص المهاجرين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قريش بمديحه غضبت عليه الأنصار ، فقال بعد أن أسلم ، وهو يمدح الأنصار ويذكر بلاءهم مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وموضعهم من اليمن
                                                                                            ، فقال :

                                                                                            التالي السابق


                                                                                            الخدمات العلمية