الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5702 - وعن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لما صور الله آدم في الجنة تركه ما شاء أن يتركه ، فجعل إبليس يطيف به ينظر ما هو ، فلما رآه أجوف عرف أنه خلق خلقا لا يتمالك " . رواه مسلم .

التالي السابق


5702 - ( وعن أنس أن رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - قال : " لما صور الله آدم في الجنة تركه ما شاء الله أن يتركه ) أي في الجنة . قال التوربشتي - رحمه الله - : أرى هذا الحديث مشكلا جدا ، فقد ثبت بالكتاب والسنة أن آدم خلق من أجزاء الأرض ، وقد دل على أنه أدخل الجنة وهو بشر حي ، ويؤيده المفهوم من نص الكتاب : وقلنا ياآدم اسكن أنت وزوجك الجنة قال شارح ، قيل : يحتمل أن تكون الكلمتان أعني في الجنة سهوا من بعض الرواة أخطأ سمعه فيهما .

قال القاضي - رحمه الله - : الأخبار متظاهرة على أنه تعالى خلق آدم من تراب قبض من وجه الأرض ، وخمر حتى صار طينا ، ثم تركه حتى صار صلصالا ، وكان ملقى بين مكة والطائف ببطن نعمان ، وهو من أودية عرفات ، ولكن ذلك لا ينافي تصويره في الجنة لجواز أن تكون طينته لما خمرت في الأرض وتركت فيها حتى مضت عليها الأطوار ، واستعدت لقبول الصورة الإنسانية حملت إلى الجنة وصورت ، ونفخ فيها الروح . وقوله تعالى : ياآدم اسكن أنت وزوجك الجنة لا دلالة له أصلا على أنه أدخل الجنة بعد ما نفخ فيه الروح ، إن المراد بالسكون الاستقرار والتمكن ، والأمر به لا يجب أن يكون قبل الحصول في الجنة ، كيف وقد تظاهرت الروايات على أن حواء خلقت من آدم في الجنة ، وهي أحد المأمورين ، ولعل آدم عليه الصلاة والسلام لما كانت مادته التي هي البدن من العالم السفلي ، وصورته التي بها يتميز عن سائر الحيوانات ويضاهي بها الملائكة من العالم العلوي أضاف الرسول - صلى الله تعالى عليه وسلم - تكون مادته إلى الأرض ، لأنها نشأت منها ، وأضاف حصول صورته إلى الجنة لأنها وقعت فيها . ( فجعل إبليس ) أي فشرع من كمال تلبيسه ( يطيف به ) يضم حرف المضارعة .

قال النووي - رحمه الله - تعالى : طاف بالشيء يطوف طوفا وطوافا ، وأطاف به يطيف إذا استدار حوله ( ينظر ما هو ) استئناف بيان أو حال ، أي يتفكر في عاقبة أمره ، ويتأمل ماذا يظهر منه ، ( فلما رآه أجوف ) وهو من له جوف ( عرف أنه خلق خلقا لا يتمالك ) أي لا يتقوى بعضه ببعض ، ولا قوة ولا ثبات ، بل يكون متزلزل الأمر ، متغير الحال ، متعرضا للآفات . والتمالك : التماسك . وقيل : المعنى لا يقدر على ضبط نفسه من المنع عن الشهوات ، وقيل : لا يملك دفع الوسواس عنه . وقيل : لا يملك نفسه عند الغضب .

وقال النووي - رحمه الله - : الأجوف في صفة الإنسان مقابل للصمد في صفة الباري ، قيل : السيد سمي بالصمد ؛ لأنه يصمد إليه في الحوائج ويقصد إليه في الركائب ، من صمدت الأمر إذا قصدته . وقيل : إنه المنزه عن أن يكون بصدد الحاجة أو في معرض الآفة ، مأخوذ من الصمد بمعنى المصمد ، وهو الذي لا جوف له ، فالإنسان مفتقر إلى الغير بقضاء حوائجه ، وإلى الطعام والشراب ليملأ جوفه ، فإذن لا تماسك له في شيء ظاهرا وباطنا . أقول : ولعل جنس الجن ليسوا على صفة الأجوفية ليتم الاستدلال بالهيئة المخصوصة الإنسانية . ( رواه مسلم ) .




الخدمات العلمية