الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5969 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : لما نزلت : إذا جاء نصر الله والفتح دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاطمة قال : ( نعيت إلي نفسي ) فبكت قال : ( لا تبكي فإنك أول أهلي لاحق بي ) فضحكت ، فرآها بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلن : يا فاطمة رأيناك بكيت ثم ضحكت . قالت : إنه أخبرني أنه قد نعيت إليه نفسه فبكيت ، فقال لي : لا تبكي فإنك أول أهلي لاحق بي فضحكت . وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إذا جاء نصر الله والفتح ، وجاء أهل اليمن ، هم أرق أفئدة ، والإيمان يمان ، والحكمة يمانية ) . رواه الدارمي .

التالي السابق


5969 - ( وعن ابن عباس قال : لما نزلت : إذا جاء نصر الله والفتح ، أي : إلى آخر السورة المشيرة إلى حصول الكمال المستعقب للزوال فكأنه قال إذا صحت نصرتك فاشتغل بخدمتك من تنزيه ربك وشكر نعمتك ، فقد تم المقصود من بعثتك ( دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاطمة ) ، أي : طلبها ( قال ) : استئناف بيان أو حال ( نعيت إلي نفسي ) ، بصيغة المجهول المؤنث أي : أخبرت بأني أموت . قال الطيبي : ضمن نعي معنى الإنهاء وعدي بإلى ، أي : أنهي إلي نعي نفسي كما تقول : أحمد إليك فلانا يقال : نعى الميت ينعاه إذا أذاع موته وأخبر به ، ولعل السر في ذلك أنه تعالى رتب قوله فسبح بحمد ربك على مجموع قوله : إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فهو أمر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخاصة نفسه من الثناء على الله بصفات الجلال حامدا له على ما أولى من النعم بصفات الإكرام ، وهي بذل المجهود فيما كلف به من تبليغ الرسالة ، ومجاهدة أعداء الدين وبالإقبال على العبادة والتقوى والتأهب للمسير إلى المقامات العليا ، واللحوق بالرفيق الأعلى ، ( فبكت ) . أي فاطمة - رضي الله عنها - حزنا على قرب فراقه ( قال : ( لا تبكي ، فإنك أول أهلي لاحق بي ) فضحكت ) . أي : فرحا بسرعة وصاله .

[ ص: 3855 ] ( فرآها بعض أزواج النبي ، صلى الله عليه وسلم ) : يراد بها عائشة - رضي الله عنها - وجمعها في قوله : ( فقلن ) : تعظيما لشأنها . ذكره الطيبي ، ولا يبعد مشاركة غيرها معها فيما رأته ، وهو الظاهر من قوله : بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - مع قوله : فقلن ( يا فاطمة ! رأيناك بكيت ثم ضحكت ) . ولعلهن كن في مكان متأخر عنها . أو تسار النبي - صلى الله عليه وسلم - معها كما هو مصرح في رواية أخرى ، حيث امتنعت عن الجواب حينئذ ، ثم أخرت بعد موته - عليه السلام - ( فقالت ) : والنسخة الصحيحة . قالت : ( إنه أخبرني أنه قد نعيت إليه نفسه فبكيت ، فقال : لا تبكي فإنك أول أهلي لاحق بي فضحكت ) . قال الأكمل : والصحيح أنها عاشت بعده ستة أشهر ، وقيل ثمانية أشهر ، وقيل : ثلاثة أشهر ، وقيل ، شهرين ، وقيل : سبعين يوما .

( وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إذا جاء نصر الله والفتح ، وجاء أهل اليمن ) : عطف على جاء نصر الله وتفسير لقوله تعالى : ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا وإيذان بأن المراد بالناس هم أهل اليمن ( هم أرق أفئدة ) ، أي : أرحم قلوبا وألين صدورا ( والإيمان يمان ) ، أي يمني ، والألف عوض عن ياء النسبة ، قيل : إنما قال ذلك لأن الإيمان بدئ من مكة ، وهي تهامة وتهامة من أرض اليمن ، ولذا يقال : الكعبة اليمانية ، وقيل : إنه قال هذا القول وهو بتبوك ، ومكة والمدينة يومئذ بينه وبين اليمن ، فأشار إلى ناحية اليمن وهو يريد مكة . وقال أبو عبيد : المراد بهم الأنصار لأنهم يمانيون في الأصل ، فنسب الإيمان إليهم لكونهم أنصاره . وقال الشيخ أبو عمر : بل المراد به أهل اليمن ، كما هو الظاهر نسب الإيمان إليهم إشعارا بكماله فيهم ; لأن من اتصف بشيء وقوي قيامه به نسب ذلك الشيء إليه لا أن في ذلك نفيا له عن غيره ، فلا منافاة بينه وبين قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( الإيمان في أهل الحجاز ) ، ثم المراد بهم الموحدون في ذلك الزمان ، لا كل أهل اليمن في جميع الأحيان . ( والحكمة ) : وهي عبارة عن إتقان العلم والعمل ، وقيل : الإصابة في القول والفعل ، وهما متقاربان . قال تعالى : يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وقال الطيبي : الحكمة كل كلمة صالحة تمنع صاحبها عن الوقوع في المهالك ( يمانية ) . بتخفيف الياء وكذلك الألف فيه عوض ، وحكى المبرد وغيره أن التشديد لغة . ( رواه الدارمي ) . وفي الجامع الصغير : ( الإيمان يمان ) . رواه الشيخان عن ابن مسعود . وروى ابن عدي في الكامل ، وأبو نعيم في الحلية عن أنس : الحكمة تزيد الشريف شرفا ، وترفع العبد المملوك حتى تجلسه مجالس الملوك ، وفي رواية لابن عدي وابن لال عن أبي هريرة : الحكمة عشرة أجزاء تسعة منها في العزلة وواحد في الصمت .




الخدمات العلمية