الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الفصل الثالث

6080 - عن عثمان بن عبد الله بن موهب ، قال : جاء رجل من أهل مصر يريد حج البيت فرأى قوما جلوسا ، فقال : من هؤلاء القوم ؟ قالوا : هؤلاء قريش . قال : فمن الشيخ فيهم ؟ قالوا : عبد الله بن عمر . قال : يا ابن عمر ، إني سائلك عن شيء فحدثني : هل تعلم أن عثمان فر يوم أحد ؟ قال : نعم . قال : هل تعلم أنه تغيب عن بدر ولم يشهدها ؟ قال : نعم . قال : هل تعلم أنه تغيب عن بيعة الرضوان فلم يشهدها ؟ قال : نعم . قال : الله أكبر . قال ابن عمر : تعال أبين لك أما فراره يوم أحد فأشهد أن الله عفا عنه ، وأما تغيبه عن بدر فإنه كانت تحته رقية بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانت مريضة ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إن لك أجر رجل ممن شهد بدرا وسهمه ) . وأما تغيبه عن بيعة الرضوان فلو كان أحد أعز ببطن مكة من عثمان لبعثه ، فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عثمان وكانت بيعة الرضوان بعدما ذهب عثمان إلى مكة ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده اليمنى : ( هذه يد عثمان ) فضرب بها على يده ، وقال : ( هذه لعثمان ) . ثم قال ابن عمر : اذهب بها الآن معك . رواه البخاري .

التالي السابق


الفصل الثالث

6080 - ( عن عثمان بن عبد الله بن موهب ) ، بفتح الميم وسكون الواو وفتح الهاء والباء الموحدة على ما في " الجامع " ، والمغني ، وفي " القاموس " : موهب كمقعد اسم فما وقع في شرح ابن حجر من ضبطه بكسر الهاء وهم قال المؤلف : هو تيمي ، روى عن أبي هريرة وابن عمر وغيرهما ، وعنه شعبة وأبو عوانة . ( قال : جاء رجل من أهل مصر ) أي : إلى مكة ( يريد حج البيت فرأى قوما جلوسا ) ، أي جالسين ( فقال : من هؤلاء القوم ؟ قالوا ) أي : قال بعض من سئل ( هؤلاء قريش ) . أي أكابرهم ( قال : فمن الشيخ ) أي : العالم المعتبر ( فيهم ) ؟ فإن الشيخ في قومه كالنبي في أمته ( قالوا : عبد الله بن عمر . قال : يا ابن عمر ، إني سائلك عن شيء فحدثني ) أي : أخبرني عن جوابه ( هل تعلم أن عثمان فر يوم أحد ) ؟ يعني والفرار منقصة عظيمة ( قال : نعم . قال : تعلم أنه تغيب عن بدر فلم يشهد ) أي : لم يحضرها ذكره تأكيدا وأراد أنه فاته فضل أهل بدر . ( قال : نعم . قال : هل تعلم أنه تغيب عن بيعة الرضوان فلم يشهدها ؟ قال : نعم . قال : الله أكبر ) .

[ ص: 3926 ] قال الطيبي ، قوله : الله أكبر بعدما عد من الأمور بمنزلة : الله أكبر من الحديث السابق ، فإنه أراد أن يلزم ابن عمر ، ويحط من منزلة عثمان على الطريق المذكور ، فلما قال ابن عمر : نعم ، قال : الله أكبر تعجبا وتعجيبا وإظهارا لإفحامه إياه . ( قال ابن عمر : تعال ) أي : ارتفع عن حضيض مقامك من الجهل إلى علو فهم القضايا المبهمة المبينة عند أرباب العلم والمعرفة . ( أبين لك ) : بالجزم على جواب الأمر وفي نسخة بالرفع أي أنا أبين لك ( أما فراره يوم أحد فأشهد أن الله عفا عنه ) ، وفي رواية : وغفر له يعني لقوله تعالى : إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم ومن المعلوم أن المعفو خارج عن معتبة المعيبة بالمغيبة . ( وأما تغيبه عن بدر فإنه كانت تحته ) أي : تحت عقده ( رقية ) : بالتصغير ( بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ) أي : وهذا علامة كمال رضا النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث زوجه بنته ثم الأخرى وهي أم كلثوم ، وبه سمي ذا النورين ، ثم قال : ( لو كانت لي بنت أخرى لزوجتها إياه ) .

وفي " الرياض " عن ابن عباس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إن الله أوحى إلي أن أزوج كريمتي عثمان بن عفان ) . أخرجه الطبراني ، وأخرجه خيثمة بن سليمان ، عن عروة بن الزبير ، عن عائشة وزاد بعد قوله : كريمتي يعني رقية وأم كلثوم . وعن أبي هريرة قال : لقي النبي - صلى الله عليه وسلم - عثمان عند باب المسجد فقال : ( يا عثمان هذا جبريل أخبرني أن الله قد أمرني أن أزوجك أم كلثوم بمثل صداق رقية وعلى مثل صحبتها ) . أخرجه ابن ماجه القزويني والحافظ أبو بكر الإسماعيلي وغيرهما وعنه قال : قال عثمان لما ماتت امرأته بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : بكيت بكاء شديدا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( ما يبكيك ) فقلت : أبكي على انقطاع صهري منك ، فقال : ( هذا جبريل بأمر الله - عز وجل - أن أزوجك أختها ) . وعن ابن عباس معناه ، وزاد فيه : ( والذي نفسي بيده لو أن عندي مائة بنت تموت واحدة بعد واحدة زوجتك أخرى حتى لا يبقى من المائة شيء . هذا جبريل أخبرني أن الله - عز وجل - يأمرني أن أزوجك أختها ، وأن أجعل صداقها مثل صداق أختها ) . أخرجه الفضائلي .

وفي " الذخائر " ، عن سعيد بن المسيب قال : آم عثمان من رقية ، وآمت حفصة بنت عمر من زوجها ، فمر عمر بعثمان فقال : هل لك في حفصة ، وكان عثمان قد سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكرها ، فلم يجبه ، فذكر ذلك عمر للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : ( هل لك في خير من ذلك أتزوج أنا حفصة وأزوج عثمان خيرا منها أم كلثوم ) .

أخرجه أبو عمر وقال : حديث صحيح . وعن عائشة قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( أتاني جبريل فأمرني أن أزوج عثمان ابنتي ) وقالت عائشة : كن لما لا ترجوه أرجى منك لما ترجوه ، فإن موسى - عليه السلام - خرج يلتمس نارا فرجع بالنبوة . أخرجه الحافظ أبو نعيم البصري .

( وكانت ) أي : رقية ( مريضة ) ، أي في المدينة . وفي " الذخائر " عن ابن شهاب أنها كانت أصابتها الحصبة ، فمرضت وتخلف عليها عثمان وماتت بالمدينة ، وجاء زيد بن حارثة بشيرا بفتح بدر وعثمان قائم على قبر رقية . أخرجه أبو عمر . وعن ابن عباس قال : لما عزي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بابنته رقية قال : الحمد لله ، دفن البنات من المكرمات . أخرجه الدولابي . ( فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إن لك أجر رجل ممن يشهد بدرا وسهمه ) . أي جمع له بين أجر العقبى وغنيمة الدنيا ، فلا نقصان في حقه أصلا فيكون نظير تغيب علي عن تبوك حيث جعله خليفة على أهله وأمره بالإقامة فيهم ، لكن لم يعرف أنه جعل لعلي سهما من الغنيمة أيضا أم لا ، والله أعلم .

ثم رأيته في " الرياض " أنه كذلك ( وأما تغيبه عن بيعة الرضوان فلو كان أحد أعز ) أي : أكثر عزة من جهة العشرة من بقية الصحابة ( ببطن مكة من عثمان لبعثه ) ، أي مكانه كما في رواية ، لكن لما فقد الأعز منه حتى امتنع عمر - رضي الله عنه - خوفا على نفسه معللا : يا رسول الله ، ما لي قوم بمكة يعينونني ويحفظونني وراء ظهري . ( فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عثمان ) ، أي إلى .

[ ص: 3927 ] مكة فاستقبله أهله ورهطه وركبوه قدامهم ، وأجاروه من تعرض أحد له وقالوا : طف بالبيت لعمرتك . فقال : حاشا أني أطوف في غيبته - صلى الله عليه وسلم . ( وكانت بيعة الرضوان بعدما ذهب عثمان إلى مكة ) ، أي وشاع عندهم أن المشركين تعرضوا لحرب المسلمين ، فاستعد المسلمون للقتال ، وبايعهم النبي - صلى الله عليه وسلم - تحت الشجرة على أن لا يغروا ، وقيل بل جاء الخبر بأن عثمان قتل . ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) أي : أشار ( بيده اليمنى : ( هذه ) أي : قائلا هذه ( يد عثمان ) فضرب بها على يده ) ، أي اليسرى ( وقال : ( هذه ) أي : هذه البيعة أو هذه اليد ( لعثمان ) . أي لأجله أو عنه على فرض وجود حياته ، أو إشارة إلى تكذيب خبر مماته ( ثم قال ابن عمر : اذهب بها ) أي : بالكلمات التي أجبت لك عن أسئلتك ( الآن معك ) : فإنه لا يضرنا بل يضرك . قال الطيبي : فلما نقض ابن عمر كل واحد مما بناه وأقلعه من أصله قال تهكما : اذهب بها أي بما جئت وتمسكت به بعدما بينت لك الحق المحض الذي لا يرتاب فيه انتهى . والمعنى لا ينفعك اعتقادك الفاسد في عثمان بعدما بينت لك الحق الصريح بالجواب الصحيح . ( رواه البخاري ) : وكذا الترمذي واللفظ مختلف والمعنى واحد .




الخدمات العلمية