الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
655 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان له ضراط حتى لا يسمع التأذين

فإذا قضى النداء أقبل ، حتى إذا ثوب بالصلاة أدبر ، حتى إذا قضى التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه ; يقول : اذكر كذا ، اذكر كذا ، لما لم يكن يذكر ، حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى ؟
) . متفق عليه .

التالي السابق


655 - ( وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا نودي للصلاة ) أي : بالأذان ( أدبر الشيطان ) أي : عن موضع الأذان ( له ضراط ) - بضم المعجمة - كغراب وهو ريح من أسفل الإنسان وغيره ، وهذا لثقل الأذان عليه ، كما للحمار من ثقل الحمل ( حتى لا يسمع التأذين ) : تعليل لإدباره . قال الطيبي : شبه شغل الشيطان نفسه ، وإغفاله عن سماع الأذان بالصوت الذي يملأ السمع ، ويمنعه عن سماع غيره ، ثم سماه ضراطا تقبيحا له اهـ .

[ ص: 557 ] وقيل : هذا محمول على الحقيقة ; لأن الشياطين يأكلون ويشربون ، كما ورد في الأخبار ، فلا يمتنع وجود ذلك منهم خوفا من ذكر الله ، أو المراد استخفاف اللعين بذكر الله تعالى من قولهم : ضرط به فلان إذا استخفه ، ذكره ابن الملك . ( فإذا قضى ) مجهول ، وقيل : معروف ، ذكره الأبهري ، وقول ابن حجر : ( حتى إذا قضى ) ( حتى ) هي واللتان بعدها داخلة على الجملة الشرطية ، وليست للتعليل - خطآن ; إذ صوابه : فإذا قضي على ما فيه النسخ المصححة ( النداء ) أي : فرغ المؤذن منه ( أقبل ) أي : الشيطان ( حتى إذا ثوب بالصلاة ) : من التثويب ; وهو الإعلام مرة بعد أخرى ، والمراد به الإقامة ( أدبر ) حتى لا يسمع الإقامة ( حتى إذا قضى التثويب ، أقبل ) أي : الشيطان ( حتى يخطر ) : بفتح الياء وكسر الطاء وتضم ، وحتى تعليلية ( بين المرء ونفسه ) أي : قلبه ، والمعنى : حتى يحول ويحجز بينهما بوسوسة القلب ، وحديث النفس ، فلا يتمكن من الحضور في الصلاة . قال في الأساس : خطر الرجل برمحه إذا مشى به بين الصفين ، وهو يخطر في مشيته يهتز . قال الأبهري : يخطر بضم الطاء وكسرها . قال النووي : معنى الكسر يوسوس من خطر البعير بذنبه إذا حركه فضرب به فخذه ، وبالضم يدنو منه . وقال عياض : وبالكسر هو الوجه ولا ينافي إسناد الحيلولة إليه إسنادها إليه تعالى في قوله عز وجل : واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه لأن هذا الإسناد حقيقة عند أهل السنة ، والأول باعتبار أن الله تعالى مكنه منها حتى يتم ابتلاء العبد به ، وأيضا الأول أضيف إلى الشيطان ، فإنه مقام شر ، ولذا عبر عن قلبه بنفسه ، والثاني مقام الإطلاق كما يقال : الله خالق كل شيء ، ولا يقال : خالق الكلب والخنزير أدبا مع الله تعالى ، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم : ( الخير بيديك والشر ليس إليك ) مع اعتقاده أن الأمر كله لله ، وكل من عند الله . ( يقول ) : بالرفع استئناف مبين وقيل بالنصب على أنه بدل من يخطر ( اذكر كذا ، اذكر كذا ) كناية عن أشياء غير متعلقة بالصلاة ( لما لم يكن يذكر ) أي : لشيء لم يكن المصلي يذكره قبل شروعه في الصلاة من ذكر مال وحسابه وبيع وشراء ( حتى ) قال الطيبي : كرر ( حتى ) في الحديث خمس مرات الأولى والأخيرتان بمعنى ( كي ) والثانية والثالثة دخلتا على الجملتين الشرطيتين ، وليستا للتعليل ، وهذا يدل أيضا على سهو ابن حجر كما ذكرناه ( يظل الرجل ) بفتح الظاء من الطول أي : كي يصير من الوسوسة بحيث ( لا يدري كم صلى ) أي : يقع في الشك ( متفق عليه ) .

[ ص: 558 ]



الخدمات العلمية