الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
805 - وعن الفضل بن عباس - رضي الله عنهما - ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الصلاة مثنى مثنى ، تشهد في ركعتين ، وتخشع وتضرع وتمسكن ، ثم تقنع يديك - يقول : ترفعهما - إلى ربك مستقبلا ببطونهما وجهك ، وتقول يا رب ! يا رب ! ومن لم يفعل ذلك فهو كذا وكذا ) ، وفي رواية : " فهو خداج " رواه الترمذي .

التالي السابق


805 - ( وعن الفضل بن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الصلاة مثنى مثنى ) : قيل : الصلاة مبتدأ ، ومثنى مثنى خبره ، والأول تكرير ، والثاني توكيد وقوله : ( تشهد في كل ركعتين ) : خبر بعد خبر كالبيان لمثنى مثنى أي : ذات تشهد ، وكذا المعطوفات ، ولو جعلت أوامر اختل النظم ، وذهب الطراوة والطلاوة ، قاله الطيبي ، وقال التوربشتي : وجدنا الرواية فيهن بالتنوين لا غير ، وكثير ممن لا علم له بالرواية يسردونها على الأمر ، ونراها تصحيفا ، قال ابن الملك : يعني الصلاة ركعتين ركعتين ، وهذا في النوافل عند الشافعي ، إذ الأفضل عنده أن يسلم من كل ركعتين ليلا كان أو نهارا ، وعند أبي حنيفة : الأفضل أن يصلي أربع ركعات بتسليمة ليلا كان أو نهارا اهـ ، وصاحباه معه في النهار ، ومع الشافعي في الليل .

أقول : الظاهر أن معنى الحديث أن أقل الصلاة ركعتان ، فيفيد نهي البتيراء كما هو مذهبنا وتشهد بعدهما واجب ، ولا منع للزيادة ولا دلالة على سلام بعدهما ليصلح موضعا للخلاف المذكور ، وإبقاء الجنس على أصله أولى من تقييده بالنافلة الموهم أن تكون الأوصاف الآتية من مختصاتها ، ( وتخشع ) : التخشع : السكون والتذلل ، وقيل الخشوع قريب المعنى من الخضوع إلا أن الخضوع في البدن ، والخشوع في البصر والبدن والصوت ، وقيل : الخضوع في الظاهر ، والخشوع في الباطن ، والأظهر أنهما بمعنى لقوله - عليه السلام - : " لو خشع قلبه لخشعت جوارحه " ، قال ابن الملك : وهو أي : الخشوع في الظاهر والباطن طمأنينة الرجل ، بحيث لا يتحرك ولا يلتفت يمينا ولا شمالا اهـ .

[ ص: 667 ] والخشوع من كمال الصلاة ، قال تعالى : قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون وفي قوله : " تخشع " إشارة إلى أنه إن لم يكن له خشوع ، فيتكلف ويطلب من نفسه الخشوع ويتشبه بالخاشعين ، ( وتضرع ) : أي إلى الله ، في مختصر النهاية : التضرع التذلل والمبالغة في السؤال ( وتمسكن ) : وهو إظهار الرجل المسكنة من نفسه ، قاله ابن الملك ، أو معناه طلب السكون إلى الله وأمره وحكمه وقضائه وقدره ، أو اطمئنانه بذكره ، قال المظهر : قوله : " تمسكن " من المسكين مفعيل من السكون ؛ لأنه يسكن إلى الناس ، وزيادة الميم ، في الفعل شاذ ، ولم يروها سيبويه إلا في هذا ، وفي تمدرع ، نقله الطيبي ، وقيل تمسكن من السكينة ، وقيل : معناه السكون والوقار ، والميم زائدة فيهما ، وأما قوله ( ثم تقنع يديك ) : من إقناع اليدين رفعهما في الدعاء ، ومنه قوله تعالى : مقنعي رءوسهم ، أي : ترفع بعد الصلاة يديك للدعاء فعطف على محذوف ، أي : إذا فرغت منها فسلم ، ثم ارفع يديك سائلا حاجتك ، فوضع الخبر موضع الطلب .

قال المظهر : فإن قلت : لو جعلتها أوامر وعطفت أمرا على أمر ، وقطعت تشهد عن الجملة الأولى لاختلاف الخبر والطلب ، لكان لك مندوحة عن هذا التقدير ، قلت : حينئذ خرج الكلام الفصيح إلى التعاظل في التركيب ، وهو مذموم ، وذكر ابن الأثير أن توارد الأفعال تعاظل ، ونقلنا عنه في التبيان شواهد نقله الطيبي . وقوله : تعاظل بالظاء المشالة ، ففي القاموس : تعظلوا عليه اجتمعوا ، ويوم العظالى كحبارى معروف ؛ لأن الناس ركب بعضهم بعضا ، أو ؛ لأنه ركب الاثنان والثلاثة دابة ، ( يقول ) : أي الراوي معناه ( ترفعهما ) ، أي : لطلب الحاجة . وقوله ( إلى ربك ) : متعلق بقوله : تقنع ، وقيل : ( يقول ) فاعله النبي صلى الله عليه وسلم ، وترفعهما يكون تفسيرا لقوله : ثم تقنع يديك ( مستقبلا ببطونهما وجهك ) ، أي : ولو كان الدعاء استعاذة ( وتقول : يا رب ! يا رب ! ) : الظاهر أن المراد بالتكرير التكثير ( ومن لم يفعل ذلك ) ، أي : ما ذكر من الأشياء في الصلاة ( فهو ) ، أي : فعل صلاته ( كذا وكذا ) : قال الطيبي : كناية عن أن صلاته ناقصة غير تامة ، بين ذلك الرواية الأخرى أعني قوله : فهو خداج ، ( وفي رواية ) : قال ميرك : وفي سنده عبد الله بن نافع بن أبي العمياء ، قال البخاري : لم يصح حديثه ، كذا في التخريج ( فهو خداج ) : بكسر المعجمة ، أي : ناقص في الأجر والفضيلة ، قيل : تقديره فهو ذات خداج ، أي : صلاته ذات خداج ، أو وصفها بالمصدر نفسه للمبالغة ، والمعنى أنها ناقصة ، وفي الفائق : الخداج مصدر خدجت الحامل إذا ألقت ولدها قبل وقت النتاج فاستعير ، والمعنى ذات نقصان ، فحذف المضاف ، وفي النهاية : وصفها بالمصدر مبالغة كقوله : فإنما هي إقبال وإدبار ( رواه الترمذي ) : قال ابن حجر : وسنده حسن .

[ ص: 668 ]



الخدمات العلمية