الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
893 - وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش ، فالتمسته ، فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد ، وهما منصوبتان ، وهو يقول : اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك ، وبمعافاتك من عقوبتك ، وأعوذ بك منك ، لا أحصي ثناء عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك " رواه مسلم .

التالي السابق


893 - ( وعن عائشة قالت : فقدت ) : ضد صادفت ، أي : طلبت فما وجدت ( رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الفراش ) : متعلق بفقدت ، والمعنى استيقظت فلم أجده بجنبي على فراشه ( فالتمسته ) ، أي : طلبته باليد قيل : فمددت يدي من الحجرة إلى المسجد ( فوقعت يدي ) : بالإفراد ( على بطن قدميه ) : قال القاضي : يدل على أن الملموس لا يفسد وضوءه ، إذ اللمس الاتفاقي لا أثر له ؛ إذ لولا ذلك لما استمر على السجود ، قال الأشرف : ويمكن أن يقال : كان بين اللامس والملموس حائل ، ذكره الطيبي ، وظاهر الحديث يوافق مذهبنا ( وهو في المسجد ) : بفتح الجيم ، أي : في السجود فهو مصدر ميمي أو في الموضع الذي كان يصلي فيه في حجرته ، وفي نسخة بكسر الجيم وهو يحتمل مسجد البيت بمعنى معبده ، والمسجد النبوي ، قال الطيبي : قوله : في المسجد هكذا في صحيح مسلم ، وكتاب الحميدي ، وفي أكثر نسخ المصابيح ، وفي بعضها في السجدة ، وفي بعضها في السجود ، وأغرب ابن حجر حيث جعل أصل المشكاة وهو " في السجدة " ، ثم قال : وفي نسخة ( المسجد ) وهو ما في صحيح مسلم وغيره ، والأولى في بعض نسخ المصابيح ، وفي بعضها " السجود " ، والذي في أكثرها ما في مسلم اهـ .

ووجه الغرابة أن النسخة التي هي أصل المشكاة على ما في النسخ المصححة المقروءة المطابقة لما في أكثر نسخ المصابيح الموافقة لما في صحيح مسلم جعلها نسخة ، والنسخة التي هي موجودة في بعض نسخ المصابيح جعلها أصلا مع مخالفته لما في مسلم ، مع أنها ليس في نسخة المشكاة أصلا ( وهما ) ، أي : قدماه ( منصوبتان ) ، أي : قائمتان ثابتتان ( وهو يقول : " اللهم إني ) : بسكون الياء ويفتح ( أعوذ برضاك من سخطك ) ، أي : من فعل يوجب سخطك علي أو على أمتي ( وبمعافاتك ) ، أي : بعفوك وأتى بالمغالبة للمبالغة ، أي : بعفوك الكثير ( من عقوبتك ) : وهي أثر من آثار السخط ، وإنما استعاذ بصفات الرحمة لسبقها وظهورها " من " صفات الغضب ( وأعوذ بك منك ) : إذ لا يملك أحد معك شيئا ، فلا يعيذه منك إلا أنت ، قال الطيبي : وفي رواية أخرى بدأ بالمعافاة ثم بالرضا ، فيكون الابتداء بصفات الأفعال ، ثم بصفات الذات ، ثم بالذات مترقيا اهـ .

وكذا ذكره الإمام الغزالي في الإحياء ، وأما قول ابن حجر : وهذا من باب التدلي من صفات الذات إلى صفات الأفعال ، وفي رواية عكسه ليكون من باب الترقي إذ صفات الذات أجل وأفخم اهـ ، فغفلة عن الختم بالذات ، إذا لا يصح معه التدلي ، كما هو ظاهر أنه بين الأمور الثلاثة ، ( لا أحصي ثناء عليك ) : قال الطيبي : الأصل في الإحصاء العد بالحصى ، أي : لا أطيق أن أثني عليك كما تستحقه ( أنت كما أثنيت ) : " ما " موصولة [ ص: 722 ] أو موصوفة ، والكاف بمعنى " مثل " ، قاله الطيبي ( والأظهر أن يقال : لا أطيق أن أعد وأحصر فردا من أفراد الثناء الواجب لك علي في كل لحظة وذرة إذ لا تخلو لمحة قط من وصول إحسان منك إلي ، وكل ذرة من تلك الذرات لو أردت أن أحصي ما في طيها من النعم لعجزت لكثرتها جدا ، قال الله تعالى : وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها فأنا العاجز عن قيام شكرك فأسألك رضاك وعفوك ، وأما قول ابن حجر : وفي جعل الشارح الكاف بمعنى " مثل " وأنه زائد بعد أي بعد - فبعيد ، أي : بعيد ولم يقل الشارح بزيادته ، ولا يفهم من كلامه ( على نفسك ) : أي : ذاتك بقولك ، فلله الحمد رب السماوات ورب الأرض رب العالمين ، وله الكبرياء في السماوات والأرض ، وهو العزيز الحكيم ، ( رواه مسلم ) : قال ميرك : ورواه الأربعة .




الخدمات العلمية