الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ 33 ] باب التحريض على قيام الليل

الفصل الأول

1219 - عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد ، يضرب على كل عقدة : عليك ليل طويل فارقد ، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة ، فإن توضأ انحلت عقدة ، فإن صلى انحلت عقدة ، فأصبح نشيطا طيب النفس ; وإلا أصبح خبيث النفس ، كسلان " . متفق عليه .

التالي السابق


[ 33 ] باب التحريض ، أي : الترغيب . والتحريض : التحثيث والتحضيض ، ( على قيام الليل ) ، أي : على القيام بالعبادة في الليل .

الفصل الأول

1219 - ( عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يعقد " ) : بكسر القاف ، أي : يشد ( " الشيطان " ) ، أي : [ ص: 921 ] إبليس أو بعض جنده ( " على قافية رأس أحدكم " ) ، أي : قفاه ومؤخره ، وقيل : وسطه ( " إذا هو نام ثلاث عقد " ) : جمع عقدة ، والمراد بها عقد الكسل ، أي : يحمله الشيطان عليه ، قاله ابن الملك ، وقال الطيبي : أراد تثقيله وإطالته ، فكأنه قد شد عليه شدا وعقده ثلاث عقد ، قال البيضاوي : القافية القفا ، وقفا كل شيء وقافيته آخره ، وعقد الشيطان على قافيته استعارة عن تسويل الشيطان وتحبيبه النوم إليه والدعة والاستراحة ، والتقييد بالثلاث للتأكيد ، أو لأن الذي ينحل به عقدته ثلاثة أشياء : الذكر والوضوء والصلاة ، وكان الشيطان منعه عن كل واحدة منها بعقدة عقدها على قافيته ، ولعل تخصيص القفا ; لأنه محل الواهمة ومحل تصرفها ، هو أطوع القوى للشيطان وأسرع إجابة لدعوته . ( " يضرب " ) ، أي : بيده تأكيدا أو إحكاما ( " على كل عقدة " ) : متعلق بـ ( يضرب ) ، قاله الطيبي ، وقول ابن حجر : مفعول ( يضرب ) غير ظاهر ، قيل : معنى يضرب : يحجب الحس عن النائم حتى لا يستيقظ كما قيل في قوله تعالى : ( فضربنا على آذانهم ) ، أي : أنمناهم ، قال ميرك : واختلف في هذا العقد ، فقيل : على الحقيقة كما يعقد الساحر من يسحره ، ويؤيده ما ورد في بعض طرق الحديث :إن على رأس كل آدمي حبلا فيه ثلاث عقد ، وذلك عند ابن ماجه ، ونحوه لأحمد ، وابن خزيمة وابن حبان ، وقيل : على المجاز كأنه شبه فعل الشيطان بالنائم من منعه من الذكر والصلاة بفعل الساحر بالمسحور من منعه عن مراده ، وقيل : المراد له عقد القلب وتصميمه على الشيء فكأنه يوسوس بأن عليك ليلا طويلا ، فيتأخر عن القيام . وقيل : مجاز عن تثبيط الشيطان وتعويقه للنائم من قيام الليل . ( " عليك ليل طويل " ) : قال الشيخ ابن حجر : هكذا وقع في جميع روايات البخاري ( ليل ) بالرفع ، وقال القاضي عياض : رواية الأكثر عن مسلم بالنصب على الإغراء ذكره ميرك ، وقال الطيبي : عليك ليل طويل مع ما بعده ، أي قوله : ( " فارقد " ) : مفعول للقول المحذوف ، أي : يلقي الشيطان على كل عقدة يعقدها هذا القول وهو : عليك ليل طويل ، أي : طويل ، قال صاحب المغرب : يقال : ضرب الشبكة على الطائر : ألقاها عليه ، وقوله : ( عليك ) إما خبر لقوله : ليل طويل ، أي : ليل طويل باق عليك ، أو إغراء ، أي : عليك بالنوم أمامك ليل طويل ، فالكلام جملتان والثانية مستأنفة كالتعليل . ( " فإن استيقظ انحلت عقدة " ) ، أي : عقدة الكسالة والبطالة ، قال الشيخ ابن حجر : وقع بلفظ الجمع بغير اختلاف في رواية البخاري : وفي الموطأ بلفظ الإفراد . اهـ .

فينبغي أن يكون في المشكاة بلفظ الجمع ، لقوله في آخره : متفق عليه ، لكن في جميع النسخ الحاضرة بلفظ الإفراد ، ذكره ميرك . وفي فتح الباري : وقع لبعض رواة الموطأ بالإفراد ، ويؤيد الأول ما سيأتي في بدء الخلق بلفظ : عقده كلها ، ولمسلم في رواية : انحلت العقد ، وظاهره أن العقد تنحل كلها بالصلاة وهو كذلك في حق من لم يحتج إلى الطهارة كمن نام متمكنا مثلا ، ثم انتبه فصلى من قبل أن يذكر أو يتطهر ، أو لأن الصلاة تتضمن الطهارة والذكر . ( " فأصبح " ) ، أي : دخل في الصباح أو صار ( " نشيطا " ) ، أي : للعبادة ( " طيب النفس " ) ، أي : ذات فرح ; لأنه تخلص عن وثاق الشيطان وتخفف عنه أعباء الغفلة والنسيان وحصل له رضا الرحمن ( " وإلا " ) ، أي : وإن لم يفعل كذلك بل أطاع الشيطان ونام حتى تفوته صلاة الصبح . ذكره ميرك . والظاهر حتى تفوته صلاة التهجد . ( " أصبح خبيث النفس " ) : محزون القلب كثير الهم متحيرا في أمره ( " كسلان " ) : لا يحصل مراده فيما يقصده من أموره ; لأنه مقيد بقيد الشيطان ومبعد عن قرب الرحمن ( متفق عليه ) قال ميرك : رواه أبو داود والنسائي . اهـ . ورواه مالك في الموطأ على ما سبق .

[ ص: 922 ]



الخدمات العلمية