الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1327 - وعن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من كانت له حاجة إلى الله أو إلى أحد من بني آدم فليتوضأ فليحسن الوضوء ثم ليصل ركعتين ، ثم ليثن على الله تعالى ، وليصل على النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم ليقل : لا إله إلا الله الحليم الكريم ، سبحان الله رب العرش العظيم ، والحمد لله رب العالمين ، أسألك موجبات رحمتك ، وعزائم مغفرتك ، والغنيمة من كل بر ، والسلامة من كل إثم ، لا تدع لي ذنبا إلا غفرته ، ولا هما إلا فرجته ، ولا حاجة هي لك رضى إلا قضيتها يا أرحم الراحمين " . رواه الترمذي ، وابن ماجه ، وقال الترمذي : هذا حديث غريب .

التالي السابق


1327 - ( وعن عبد الله بن أبي أوفى قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من كانت له حاجة ) ، أي : دينية أو دنيوية ( إلى الله أو إلى أحد من بني آدم فليتوضأ فليحسن الوضوء ) : وفي الحصن : وضوءه ( ثم ليصل ركعتين ) : بكسر اللام ، وتسكن ، ( ثم ليثن ) : من الإثناء ( على الله عز وجل ، وليصل ) : بالوجهين ( على النبي صلى الله عليه وسلم ) : والأصح الأفضل لفظ صلاة التشهد ( ثم ليقل ) : وفي الحصن : وليقل ، أي عودا للثناء على البدء ، ( لا إله إلا الله الحليم ) : الذي لا يعجل بالعقوبة ( الكريم ) : الذي يعطي بغير استحقاق وبدون المنة . ( سبحان الله ) : وما أحسن موقع تقديم التنزيه على ( رب العرش ) ، أي : المحيط بجميع المكونات ، والإضافة تشريفية لتنزهه تعالى عن الاحتياج إلى شيء ، وعن جميع سمات الحدوث من الاستواء والاستقرار ، والجهة والمكان والزمان ، واختلف في كون ( العظيم ) : صفة للرب أو العرش ، كما في قوله - عليه الصلاة والسلام : " لا إله إلا الله رب العرش العظيم " نقل ابن التين ، عن الداودي أنه رواه برفع العظيم ، على أنه نعت للرب ، والذي ثبت في رواية الجمهور على أنه نعت للعرش ، وكذلك قراءة الجمهور في قوله تعالى : ( رب العرش العظيم ) ، و ( رب العرش الكريم ) بالجر ، وقرأ ابن محيصن بالرفع فيهما ، وجاء ذلك أيضا ، أي : شاذا عن ابن كثير ، وأبي جعفر المدني ، وأعرب بوجهين ، أحدهما : ما تقدم ، والثاني : أن يكون مع الرفع نعتا للعرش ، على أنه خبر مبتدأ محذوف قطع عما قبله للمدح ، ورجح لحصول توافق الروايتين ، ورجح أبو بكر الأصم الأول ; لأن وصف الرب بالعظيم أولى من وصف العرش ، وفيه نظر ; لأن وصف ما يضاف للعظيم بالعظيم أقوى في تعظيم العظيم ، وقد نعت الهدهد عرش بلقيس بأنه عرش عظيم ، ولم ينكر عليه سليمان ، نقله ميرك . وبين العرشين بون عظيم ، والمعنى المراد في المقام أنه منزه عن العجز ، فإن القادر على العرش العظيم لا يعجز عن إعطاء مسئول عبده المتوجه إلى ربه الكريم . ( والحمد لله رب العالمين ) ، أي : مالكهم وخالقهم ، ومربيهم ومصلح أمورهم ، ومعطي حاجاتهم ، ومجيب دعواتهم ، وفي الحصن بدون العاطف ، [ ص: 992 ] وختم الثناء بما هو من مجامعه ، بل قيل : إنه من أفضل صيغ الحمد لافتتاح القرآن به إشارة إلى التفاؤل بزوال النقمة وحصول النعمة ، وإيماء إلى أنه حامد له تعالى على كل حال ، وراض عنه بكل فعال . ( أسألك موجبات رحمتك ) : بكسر الجيم ، أي : أسبابها ، وما في نسخة جلال من فتح الجيم غير ظاهر ، قال الطيبي : جمع موجبة وهي الكلمة الموجبة لقائلها الجنة ، وقال ابن الملك : يعني الأفعال والأقوال والصفات التي تحصل رحمتك بسببها . ( وعزائم مغفرتك ) ، أي : مؤكداتها .

قال الطيبي ، أي : أعمالا تتعزم وتتأكد بها مغفرتك ، وقال ابن الملك : جمع عزيمة وهي الخصلة التي يعزمها الرجل ، يعني الخصال التي تحصل مغفرتك بسببها ، أي : أسألك أن تعطي نصيبا وافرا منهما . ( والغنيمة من كل بر ) ، أي : طاعة وعبادة فإنهما غنيمة مأخوذة بغلبة دواعي عسكر الروح على جند النفس ، فإن الحرب قائم بينهما على الدوام ، ولهذا يسمى الجهاد الأكبر ; لأن أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك . ( والسلامة من كل إثم ) ، أي : الخلاص من كل ما يجرح دين السالك . ( لا تدع ) ، أي : لا تترك ( لي ذنبا إلا غفرته ) ، أي : إلا موصوفا بوصف الغفران ، فالاستثناء فيه وفيما يليه مفرغ من أعم الأحوال ( ولا هما ) ، أي : غما ( إلا فرجته ) : بالتشديد ويخف ، أي : أزلته وكشفته ( ولا حاجة هي ) : تلك الحاجة ( لك رضا ) ، أي : بها ، يعني مرضية ( إلا قضيتها يا أرحم الراحمين " . رواه الترمذي ، وابن ماجه ، وقال الترمذي : هذا حديث غريب ) : وفي إسناده مقال ، انتهى . نقله ميرك .

وقال ابن حجر : يندب تحري غداة السبت لحاجته لقوله - عليه الصلاة والسلام : " من غدا يوم السبت في طلب حاجة يحل طلبها فأنا ضامن لقضائها " . وذكر الجزري في الحصن : صلاة حفظ القرآن تخصيصا من بين حاجات الإنسان ، فأحببت أن ألحقها بها هنا ، قال : ومن أراد حفظ القرآن فإذا كانت ليلة الجمعة فإن استطاع أن يقوم في ثلث الليل الآخر فليقم ، فإنها ساعة مشهودة ، والدعاء فيها مستجاب ، فإن لم يستطع ففي وسطها ، فإن لم يستطع ففي أولها ، فيصلي أربع ركعات يقرأ في الأولى الفاتحة وسورة يس ، وفي الثانية الفاتحة وحم الدخان ، وفي الثالثة الفاتحة والم تنزيل السجدة ، وفي الرابعة الفاتحة وتبارك الملك ، فإذا فرغ من التشهد ، فليحمد الله ، وليحسن الثناء عليه ، وليصل على النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلى سائر النبيين ، ويستغفر للمؤمنين والمؤمنات ، ولإخوانه الذين سبقوه بالإيمان ، ثم ليقل في آخر ذلك : اللهم ارحمني بترك المعاصي أبدا ما أبقيتني ، وارحمني أن أتكلف ما لا يعنيني ، وارزقني حسن النظر فيما يرضيك عني ، اللهم بديع السماوات والأرض ذا الجلال والإكرام ، والعزة التي لا ترام - أي : لا تدرك - أسألك يا الله يا رحمان بجلالك ونور وجهك - أي : ذاتك - أن تلزم قلبي حفظ كتابك ، كما علمتني ، وارزقني أن أتلوه على النحو الذي يرضيك عني ، اللهم بديع السماوات والأرض ذا الجلال والإكرام ، والعزة التي لا ترام ، أسألك يا الله يا رحمان بجلالك ونور وجهك أن تنور بكتابك بصري ، وأن تطلق به لساني ، وأن تفرج به عن قلبي ، وأن تشرح به صدري ، وأن تستعمل - وفي نسخة صحيحة : وأن تغسل - به بدني ، فإنه لا يعينني على الحق غيرك ، ولا يؤتيه إلا أنت ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، يفعل ذلك ثلاث جمع أو خمسا أو سبعا يجاب بإذن الله ، والذي بعثني بالحق ما أخطأ مؤمنا قط . رواه الترمذي والنسائي كلاهما عن ابن عباس ، وقال الترمذي : حسن غريب ، وقال الحاكم : صحيح على شرطهما .




الخدمات العلمية