الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1407 - ( وعن جابر قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خطب احمرت عيناه ، وعلا صوته ، واشتد غضبه ، حتى كأنه منذر جيش يقول : صبحكم ومساكم ويقول بعثت أنا والساعة كهاتين ، ويقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى رواه مسلم .

التالي السابق


1407 - ( وعن جابر قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خطب ) أي : للجمعة ، ويحتمل غيرها ( احمرت عيناه ) لما ينزل عليه بوارق أنوار الجلال الصمدانية ، ولوامع أضواء الكمال الرحمانية ، وشهود أحوال الأمة المرحومة ، وتقصير أكثرهم في امتثال الأمور المعلومة ، ( وعلا صوته ) بالرفع وينصب أي : ارتفع كلامه لنزول الهموم ، أو رفع صوته لإفادة العموم . وقال ابن الملك : لإبلاغ وعظهم إلى آذانهم ، وتعظيم ذلك الخبر في خواطرهم ، وتأثيره فيهم ( واشتد غضبه ) أي : أثار الغضب الناشئ مما تفعله الأمة من قلة الأدب في معصية الرب ( حتى كأنه منذر جيش ) إضافة إلى المفعول أي : كمن ينذر قوما من قرب جيش عظيم قصدوا الغارة عليهم ( يقول ) صفة لمنذر ، أو حال منه ( صبحكم ومساكم ) [ ص: 1044 ] التشديد فيهما . قال ابن الملك : أي سيصبحكم العدو ، وسيمسونكم يعني سيأتيكم وقت الصباح والمساء . قال الطيبي : أي صبحكم العدو كذا أمساكم ، والمراد الإنذار بإغارة الجيش في الصباح والمساء ، ويقول : يجوز أن يكون صفة لـ " منذر جيش " ، وأن يكون حالا من اسم كان ، والعامل معنى التشبيه ، فالقائل إذا الرسول - صلى الله عليه وسلم - ويقول : الثاني عطف على الأول ، وعلى الوجه الأول عطف على جملة " كأنه " اهـ . الصحيح بل الصواب الوجه الأول ; إذ لا معنى لقوله في المنبر صبحكم ومساكم ، ويدل عليه إعادة الصحابي لفظ ( ويقول ) أي : النبي - صلى الله عليه وسلم - عن إشارة إلى أن قول المنذر : ثم قبله ثم الصحيح ، أنه عطف على احمرت ; لأن الرواية في يقول الرفع ، فارتفع احتمال أن يكون معطوفا على مدخول حتى . ( بعثت أنا والساعة ) بالرفع في أكثر النسخ ، وهو أبلغ ، وإن كان النصب أظهر معنى . قال في المفاتيح بنصبها ورفعها ، وقال ابن الملك : بالرفع عطفا على الضمير ، وبالنصب مفعول معه ، أي : يعني إليكم قريبا من القيامة . وقال الطيبي : أكد الضمير المنفصل ليصح العطف ( كهاتين ) يعني أنها ستأتيكم بغتة في مثل هذا اليوم كإتيان الجيش بغتة في الوقتين المتقدمين ( ويقرن ) بضم الراء ، وفي لغة بكسرها ، كذا في المصابيح ( بين أصبعيه السبابة ) بالجر على البدلية ، وجوز الرفع أي : المسبحة ( والوسطى ) قال الطيبي : مثل حال الرسول - صلى الله عليه وسلم - في خطبته ، وإنذاره القوم بمجيء القيامة ، وقرب وقوعها ، وتهالك الناس فيما يرديهم أي : يهلكهم - بحال من ينذر قومه عن غفلتهم بجيش قريب منهم ، يقصد الإحاطة بهم بغتة من كل جانب ، فكما أن المنذر يرفع صوته ، وتحمر عيناه ، ويشتد غضبه على تغافلهم ، ونظير هذا أنه لما نزل ( وأنذر عشيرتك الأقربين ) صعد - صلى الله عليه وسلم - الصفا فجعل ينادي بطون قريش ، وأعمامه ، وعماته ، وأولاده ، ويقول : لا أغني عنكم من الله شيئا ، أنا النذير العريان ، كذلك حال الرسول - صلى الله عليه وسلم - عند الإنذار ، وإلى قرب المجيء أشار بأصبعيه ( رواه مسلم ) .




الخدمات العلمية