الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1446 - وعن جابر - رضي الله عنه - قال : شهدت الصلاة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في يوم عيد ، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة ، بغير أذان ولا إقامة ، فلما قضى الصلاة قام متكئا على بلال ، فحمد الله ، وأثنى عليه ، ووعظ الناس ، وذكرهم ، وحثهم على طاعته ، ومضى إلى النساء ومعه بلال ، فأمرهن بتقوى الله ، ووعظهن ، وذكرهن . رواه النسائي .

التالي السابق


1446 - ( وعن جابر ، قال شهدت ) أي : حضرت . ( الصلاة ) أي : صلاة العيد . ( مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في يوم عيد ) أي : من الأعياد . ( فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة ) : كما هو عادته - صلى الله عليه وسلم - . ( فلما قضى الصلاة قام متكئا على بلال ) : قال الطيبي : فيه أن الخطيب ينبغي أن يعتمد على شيء كالقوس ، والسيف ، والعترة ، والعصا ، أو يتكئ على إنسان اهـ . وتعقبه ابن حجر بما هو خلاف الظاهر . ( فحمد الله ) أي : شكره . ( وأثنى عليه ) : بما ألهم إليه . ( ووعظ الناس ) قال الراغب : الوعظ زجر مقترن بتخويف . وقال الخليل : هو التذكير بالخير فيما يرق له القلب ، فقوله : ( وذكرهم ) : بالتشديد عطف تفسيري اهـ .

وأما قول ابن حجر : وذكرهم العواقب بدل مما قبله فغير ظاهر ، والعواقب ليس من الحديث ، ويمكن أن يكون معنى وعظهم نصحهم بالأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وذكرهم بأحوال القيامة ، والنار والجنة . ( وحثهم ) أي : رغبهم وحرضهم . ( على طاعته ) أي : طاعة الله تعالى ، ومنها طاعته - عليه الصلاة والسلام - ، وهذا تعميم بعد تخصيص ; لأنه يشمل مكارم الأخلاق ، أو المراد عبادته النافلة ، أو على طاعته الخاصة بذلك اليوم من صدقة الفطر أو الأضحية ، وهذا هو الأظهر ، وأما قول ابن حجر : وحثهم على طاعته لكونها طاعة الله تعالى ، فبعيد عن السباق والسياق . ( ومضى إلى النساء ومعه بلال ) ولا يلزم منه رؤيته لهن التي قال جمع من الشافعية بحلها . ( فأمرهن ) أي : النبي - صلى الله عليه وسلم - . ( بتقوى الله ) أي : الجامعة لامتثال المأمورات ، واجتناب المنهيات . ( ووعظهن ) : بتخويف العقاب . ( وذكرهن ) : بتحصيل الثواب أو بإعطاء الصدقات ، وفعل الخيرات والمبرات ، فيوافق ما تقدم عنهن من إعطاء ما في آذانهن وحلوقهن .

وأما قول ابن حجر هنا : وذكرهن بالعواقب المشتملة على البشارة تارة ، والنذارة أخرى ، فهو عطف أعم ، فمخالف لما قاله سابقا من كونه بدلا مما قبله . قال : ثم رأيت شارحا قال : ذكرهن إما تفسير لوعظهن ، أو تأكيد له ; إذ الوعظ الإنذار بالعقاب ، والتذكير الإخبار بالثواب ، والتذكير يكون لأمر علم سابقا اهـ . وهو موضع تأمل اهـ . وفاته ما ذكرته من عطف الأعم الأولى مما ذكره كما هو ظاهر للمتأمل اهـ . وهو موضع تأمل ، فإنه يتوقف تحقيقهما على معناهما اللغوي أو العرفي ، ولا شك أن كلام الشارح هو الظاهر المطابق لما ذكره أرباب اللغة ، كصاحب الفائق ، والخليل ، وغيرهما ، ومما يؤيد أنه عطف تفسيري أنه اكتفى في بعض الروايات بالتذكير . ( رواه النسائي ) .

قال الشيخ الجزري : حديث جابر هذا متفق عليه ، ورواه النسائي ، وهذا لفظه : وكان من حقه أن يذكر في الصحاح ، وإن اختلف اللفظ يسيرا إذا كان متضمنا للمعنى على العادة ، كذا قاله - قدس سره - معترضا على صاحب المصابيح ، ويمكن أن يجاب من قبل محي السنة ، بأن إيراده لهذا الحديث هنا لا بالأصالة ، بل لمناسبة الاتكاء على القوس والعصا ، فبين أن حديث جابر يدل على تجويز الاتكاء على الآدمي في حال الخطبة والتذكير ، والله الهادي ، ذكره ميرك ، ولا يخفى أن ما ذكره لا يصلح دفعا للاعتراض ; لأن حقه كان أن يذكره في الصحاح ، ثم أحاديث الحسان تكون مبينة ومفسرة لجواز غير الآدمي ، كما هو دأبه في الكتاب ، ويشهد تتبعه لما في المبهم من الصواب ونظيره ما فعله بخصوص هذا الباب ، حيث ذكر المصنف عن جابر قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كان يوم عيد خالف الطريق رواه البخاري ، ثم قال هنا .

[ ص: 1073 ]



الخدمات العلمية