الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( الفصل الثاني )

1799 - عن علي قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " قد عفوت عن الخيل والرقيق فهاتوا صدقة الرقة من كل أربعين درهما درهم ، وليس في تسعين ومائة شيء ، فإذا بلغت مائتين ففيها خمسة دراهم " . رواه الترمذي ، وأبو داود ، وفي رواية لأبي داود عن الحارث الأعور عن علي قال زهير : أحسبه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " هاتوا ربع العشر من كل أربعين درهما درهم ، وليس عليكم شيء حتى تتم مائتي درهم ، فإذا كانت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم ، فما زاد فعلى حساب ذلك ، وفي الغنم في كل أربعين شاة شاة إلى عشرين ومائة ، فإن زادت واحدة فشاتان إلى مائتين ، فإن زادت فثلاث شياه إلى ثلاثمائة ، فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة شاة ، فإن لم يكن إلا تسع وثلاثون فليس عليك فيها شيء ، وفي البقر في كل ثلاثين تبيع ، وفي الأربعين مسنة وليس على العوامل شيء .

التالي السابق


( الفصل الثاني )

1799 - ( عن علي قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قد عفوت عن الخيل والرقيق ) أي إذا لم يكونا للتجارة ، وفي الخيل السائمة خلاف تقدم ، قال الطيبي : عفوت مشعر بسبق ذنب ، من إمساك المال عن الإنفاق ، أي تركت وجاوزت عن أخذ زكاتهما مشيرا إلى أن الأصل في كل مال أن تؤخذ منه الزكاة اهـ . وفيه إيماء إلى أن الأمر [ ص: 1288 ] مفوض إليه - صلى الله عليه وسلم - والمعنى إذا عفوت عنهما وعن أمثالهما مما هو أكثر الأموال ( فهاتوا صدقة الرقة ) أي زكاة الفضة ، وهي قليلة ( من كل أربعين درهما درهم ، وليس في تسعين ومائة شيء ) بيان للنصاب ( فإذا بلغت ) أي الرقة ( مائتين فقط ) أي بعد حول أي الواجب ( خمسة دراهم . رواه الترمذي وأبو داود في رواية لأبى داود عن الحارث الأعور ) أي ابن عبد الله الهمداني ، قال الطيبي : هو أبو زهير ، وهو ممن اشتهر بصحبة علي ، وقيل : لم يسمع عنه إلا أربعة أحاديث ، وقد تكلم فيه الأئمة ( عن علي قال زهير ) بالتصغير أحد رواة الحديث ( أحسبه ) أي أظنه ( مرويا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال ) أي علي ، أو النبي ، قال ابن الهمام روى أبو داود عن عاصم بن ضمرة ، والحارث عن زهير قال : أحسبه قال : ورواه الدارقطني مجزوما ، ليس فيه قال زهير ، قال ابن القطان : هذا سند صحيح ( هاتوا ) أي في كل حول ( ربع العشر ) أي من الفضة وبيانه ( من كل أربعين درهما درهم وليس عليكم شيء ) أي من الزكاة ( حتى تتم ) بالتأنيث والتذكير أي تبلغ أي الرقة أو الورق ( مائتي درهم ) قال الطيبي : نصبه على الحالية أي بالغة مائتين ، كقوله - تعالى - فتم ميقات ربه أربعين ليلة ( فإذا كانت ) أي الرقة أو الورق ( مائتي درهم ) قال ابن الهمام : سواء كانت مسكوكة ، أو لا ، وفي غير الذهب والفضة لا تجب الزكاة ، ما لم تبلغ قيمته نصابا مسكوكا من أحدهما ، لأن لزومها مبني على التقوم ، والعرف أن يكون بالمسكوك ، وكذا نصاب السرقة احتياطا للدرء ( ففيها ) أي حينئذ ( خمسة دراهم فما زاد ) أي على أقل نصاب ( فعلى حساب ذلك ) أي يؤدي زكاته كما علم من الأول أيضا ، وأعيد هنا لمزيد التأكيد ، لما جبلت النفوس عليه من الشح ، ومنع الزكاة ، قال الطيبي : دل على أنه لا عفو في الدراهم ، وقال ابن الملك : وهذا يدل على أنه تجب الزكاة في الزائد على النصاب بقدر قل أو كثر ، وإليه ذهب أبو يوسف ومحمد ، وقال أبو حنيفة : لا زكاة في الزائد عليه حتى يبلغ أربعين درهما ، وحمل الحديث على أن يكون الزائد على المائتين هو الأربعين جمعا بين الأحاديث ، قال ميرك : إن الرواية الأولى من حديث علي رواها أبو داود والترمذي وابن ماجه من طريق عاصم بن ضمرة عنه ، قال الشيخ الجزري : وعاصم تكلم فيه ، لكن قال الشيخ ابن حجر : إسناده حسن ، والرواية الثانية رواها أبو داود من حديث عاصم المذكور ، والحارث وتكلموا فيهما وذكر أبو داود أن الحديث روي موقوفا . اهـ ، أقول : وثق عاصما المذكور ابن معين وابن المديني والعجلي وأحمد بن حنبل ، وقال النسائي : ليس به بأس ، وقال الشيخ ابن حجر : صدوق ، وقال الذهبي : هو وسط ، وأما الحارث فالأكثرون على تضعيفه ، وقوى أمره بعضهم ، ولحديثه شواهد في الأحاديث الصحيحة ، وليس فيه ما يخالفه حديث الثقات ، إلا قوله : فما زاد فعلى حساب ذلك . اهـ ، قال الطيبي : ورواية الحارث والأعور ليست في المصابيح ، ورواها أبو داود ، وليس في رواية الترمذي ، وأبي داود : مما زاد فعلى حساب ذلك ( وفي الغنم في كل أربعين ) بدل من في الغنم بإعادة الجار ( شاة ) تمييز للتأكيد كما في قوله - تعالى - ذرعها سبعون ذراعا قال الطيبي : وليس " شاة " هاهنا تمييزا مثله في قوله : في كل أربعين درهما درهم ، لأن درهما بيان مقدار الواحد من أربعين ، ولا يعلم هذا من الرقة فيكون شاة هنا لمزيد التوضيح ، ونظر فيه ابن حجر ( شاة ) مبتدأ مؤخر ، وفي الغنم خبره ، ثم الظاهر أن لفظ " كل " زائدة ، أو المراد بها استغراق أفراد الأربعين ، ليفيد تعلق الزكاة بكل من أربعين ، أو الواجب شاة مبهمة ، قال ابن الصلاح : وظواهر الأحاديث تدل للثاني ، والحاصل أنها ليست مثلها في كل أربعين درهم ، وإلا لفسد المعنى ، إذ لا تتكرر الزكاة هنا بتكرر الأربعين إجماعا ، ثم لا شيء فيما زاد على الأربعين ( إلى عشرين ومائة فإن زادت واحدة فشاتان إلى مائتين فإن زادت ) أي واحدة أو الغنم على مائتين ( فثلاث شياه إلى ثلاثمائة فإذا ) وفي نسخة فإن [ ص: 1289 ] ( زادت ) أي الشاة ( على ثلاثمائة ) أي وبلغت أربعمائة ( ففي كل مائة شاة ، فإن لم تكن ) بالتأنيث والتذكير ( إلا تسع وثلاثون فليس عليك فيها شيء ، وفي البقر في كل ثلاثين ) أي بقرا ( تبيع ) أي ما له سنة ، وسمي به لأنه يتبع أمه بعد ، والأنثى تبيعة ( وفي الأربعين ) أي من البقر ( مسنة ) أي ما له سنتان ، وطلع سنها ، قال ابن الهمام : لا تتعين الأنوثة في هذا الباب ، ولا في الغنم بخلاف الإبل ، لأنها لا تعد فضلا فيهما ، بخلاف الإبل ، ثم قال ابن حجر : ولا شيء فيما زاد على الأربعين حتى تبلغ ستين ، ففيها تبيعان ، ثم يتغير الفرض بزيادة عشر فعشر ، ففي كل أربعين مسنة وفي كل ثلاثين تبيع . اهـ . وهو رواية أسد بن عمرو عنه ، وهو قول أبي يوسف ومحمد ، لقول معاذ في البقر لا شيء في الأوقاص سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأما على قول الإمام ففيما زاد يحسب إلى ستين ، وفيها ضعف ما في ثلاثين ، ففي الواحدة ربع عشر مسنة ، أو ثلث عشر تبيع ، وعلى هذا لأنه لا نص في ذلك ، ولا يجوز نصب النصب بالرأي ، فيجب بحسابه ، وهذا هو المعتمد في المذهب عند صاحب الهداية ، ومن تبعه ( وليس على العوامل ) ولو بلغت نصابا ( شيء ) فعلى بمعنى في ، أو التقدير على صاحب العوامل ، وهي جمع عاملة من البقر والإبل في الحرث ، والسقي ، وفي المسألة خلاف مالك ، ذكره الطيبي وفي معناه الحوامل ، قال ابن الهمام : ثم لا يخفى أن العوامل تصدق على الحوامل والمثيرة فالنفي عنها نفي عنها ، وقد روي في خصوص اسم المثيرة حديث مضعف في الدارقطني : ليس في المثيرة صدقة ، قال البيهقي : الصحيح أنه موقوف . اهـ والمثيرة على ما في البقر تثير الأرض ، ثم الظاهر من الحديث كما اقتضاه السياق أن العوامل من البقر وقد صرح بها في رواية صحيحة ، ومع ذلك يلحق بها الإبل قياسا ، وإن أساسها المالك كل الحول ، قال ابن حجر : ومدة العمل المؤثرة نحو ثلاثة أيام في السنة . اهـ ، وفيه بحث والظاهر أن العبرة بالغلبة .




الخدمات العلمية