الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1971 - وعن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب ، الشهر هكذا وهكذا وهكذا " وعقد الإبهام في الثالثة ، ثم قال : الشهر هكذا وهكذا وهكذا يعني تمام الثلاثين يعني مرة تسعا وعشرين ومرة ثلاثين . متفق عليه .

التالي السابق


1971 - ( وعن ابن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إنا " ) أي معاشر العرب " أمة " أي جماعة " أمية " قيل : الأمي منسوب إلى أمة العرب فإنهم غالبا كانوا لا يكتبون ولا يقرءون ، وإطلاق الأمن من قبل نبيهم - صلى الله عليه وسلم - والقرآن الذي بعث فيه ثم صار الآخر تبعا للأول في النسبة والحكم ، أو منسوب إلى الأم لأنه باق على الحال التي ولدته أمه ولم يعلم قراءة ولا كتابة ، وقيل : منسوب إلى أم القرى وهي مكة أي إنا أمة مكية " لا نكتب ولا نحسب " بضم السين ، وهذا الحكم بالنظر لأكثرهم ، أو المراد : لا نحسن الكتابة والحساب ، وأغرب ابن حجر حيث قال : أي منسوبون إلى الأم لبقائهم على الحالة التي ولدتهم عليها من عدم إحسان الكتابة والحساب ، ووجه الغرابة أن الحالة هي عدم الكتابة لا عدم إحسانها ، قال ابن الملك : أي لا نعرف الكتابة وحساب النجوم حتى نعتمد على علم النجوم وسير القمر ونعرف الشهر بذلك اهـ وفيه شائبة من الجواز بالعمل بالنجوم ، وهو مردود كما صرح به نفسه سابقا ، قال الطيبي " إنا " كناية عن جيل العرب ، وقوله لا نكتب ولا نحسب بيان لقوله أمية ، وهذا البيان ثم الإشارة باليد ثم القول باللسان ينهيك على أن الاستقصاء في معرفة الشهر لا إلى الكتاب والحساب كما عليه أهل النجاسة اهـ . فالمعنى أن العمل على ما يعتاده المنجمون ليس من هدينا وسنتنا ، بل علمنا يتعلق برؤية الهلال فإنا نراه مرة تسعا وعشرين ومرة ثلاثين كما قال " الشهر " مبتدأ " هكذا " مشارا بها إلى نشر الأصابع العشر " وهكذا " ثانيا " وهكذا " ثالثا خبره بالربط بعد العطف " وعقد الإبهام " أي أحد الإبهامين أو التقدير من إحدى اليدين أو إبهام اليمين ، على أن اللام عوض عن المضاف إليه ، وهو الأظهر " وفي الثالثة " أي في المرة الثالثة من فعله هكذا فصار الجملة تسعة وعشرين " ثم قال : الشهر " أي تارة أخرى " هكذا وهكذا وهكذا " قال الطيبي : أي عقد الإبهام في المرة الأولى وفي الثالثة ليكون العدد تسعا وعشرين ، ولم يعقد الإبهام في المرة الثانية ليكون العدد ثلاثين ، وإليه أشار بقوله " يعني تمام الثلاثين " ثم زاد الراوي البيان فقال ( يعني مرة تسعا وعشرين ومرة ثلاثين ) اهـ ، وفيه إيهام أن ( يعني ) الأول ليس من كلام الراوي ، وليس كذلك بل هو تفسير منه لفعله - صلى الله عليه وسلم - هكذا وهكذا وهكذا في المرة الأخيرة ، فالتقدير : قال الراوي : يعني أي يريد النبي - صلى الله عليه وسلم - بكونه هنا لم يعقد الإبهام في الثالثة تمام الثلاثين ، ثم زاد البيان فبين الكيفية في المرتين جميعا ، فالتقدير : قال الراوي أيضا : زيادة في الإيضاح تأسيا به - صلى الله عليه وسلم - يعني أي يريد - صلى الله عليه وسلم - بمجموع ما ذكره أن الشهر يكون مرة تسعا وعشرين ومرة ثلاثين ، قال ابن حجر : وإنما بالغ في البيان بما ذكره مع الإشارة المذكورة ليبطل الرجوع إلى ما عليه الحساب المنجمون ، وبه يبطل ما مر عن ابن سريج ومن وافقه ، ثم قال أكثر أئمتنا : المنجم ، وهو من يرى أن أول الشهر طلوع النجم الفلاني ، والمراد بقوله - تعالى - وبالنجم هم يهتدون الاهتداء في نحو أدلة القبلة في السفر ، ولا بحساب الحاسب ، وهو من يعرف منازل القمر وتقدير مسيره ، لكن لكل منهما أن يعمل بمعرفة نفسه ، ثم اختلفوا في أن ذلك هل يجزئه فلا يلزمه قضاء أو لا فيلزمه ، والذي عليه الأكثرون الأول اهـ ، فتأمل فإنه موضع زلل ، ولعله مقيد بأول رمضان ، ثم إنه أراد بهما أنه بحسب ما يرى الهلال لا على الترتيب والتعاقب في ذلك ، فإن النووي وابن عبد البر صرحا بأن الشهر قد ينقص أربعة أشهر متوالية لا خمسة ، قال ابن حجر : وكأنهما اعتمدا في ذلك على الاستقراء ، ومع ذلك ، الظاهر أنه لو وقع خلاف ذلك عمل به ( متفق عليه ) قال ميرك : وفيه تأمل ، فإن قوله : الشهر هكذا وهكذا إلى قوله " ومرة ثلاثين " لفظ مسلم ، ولفظ البخاري " الشهر هكذا وهكذا " يعني مرة تسعا وعشرين ومرة ثلاثين ، قال الشيخ ابن حجر : هكذا ذكره آدم شيخ البخاري مختصرا .

وفيه اختصار عما رواه غندر عن شعبة أخرجه مسلم عن ابن المثنى وغيره عن غندر ، ثم ذكر اللفظ المذكور عن مسلم ، والله أعلم ، وفى الحديث إيماء إلى أنه - صلى الله عليه وسلم - كما أدى ما وجب بتبليغه بالعبارة أداه أيضا بالإشارة ، واستفيد منه أن إيماء الأخرس بعرف النكاح وطلاقه ونحوهما كاللسان في معرض البيان .

[ ص: 1375 ]



الخدمات العلمية