الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2090 - وعنها قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل العشر شد مئزره وأحيا ليله ، وأيقظ أهله ، متفق عليه .

التالي السابق


2090 - ( وعنها ) أي عن عائشة ( قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل العشر ) أي الأخر فاللام للعهد ، وفي رواية لابن أبي شيبة التصريح بالأخير ( شد مئزره ) بكسر الميم أي إزاره وهو عبارة عن القصد والتوجه إلى فعل شاق مهم كتشمير الثوب ، وفي رواية لابن أبي شيبة والبيهقي زيادة : واعتزل النساء ، وهو يؤيد أن المراد بالشد المبالغة في الجد ، قال النووي : قيل : معنى شد المئزر الاجتهاد في العبادات زيادة على عادته - صلى الله عليه وسلم - في غيره ، ومعناه التشمير في العبادة ، يقال : شددت في هذا الأمر مئزري أي تشمرت له وتفرغت ، وقيل : هو كناية عن اعتزال النساء وترك النكاح ، ودواعيه وأسبابه ، وهو كناية عن التشمير للعبادة والاعتزال من النساء معا ، وقال الطيبي : قد تقرر عند علماء البيان أن الكناية لا تنافي إرادة الحقيقة ، كما إذا قلت : فلان طويل النجاد ، وأردت طول نجاده مع طول قامته ، كذلك - صلى الله عليه وسلم - لا يستعبد أن يكون قد شد مئزره ظاهرا ، وتفرغ للعبادة ، واشتغل بها عن غيرها ، وإليه يرمز قول الشاعر :


دنيت للمجد والساعون قد بلغوا جهد النفوس وألقوا حوله الأزرا



اهـ قال ابن حجر : هذا هو مذهب الشافعي من أن اللفظ حمل على حقيقته ومجازه الممكن ، وقال بعضهم : شرط ذلك إرادة المتكلم لهما معا ، والله أعلم ، ولا يخفى أن الجمع بين الحقيقة والمجاز غير جائز عندنا ، وما ذكره الطيبي من شد الإزار حقيقة بعيد عن المراد كما لا يخفى ( وأحيا ليله ) أي غالبه بالصلاة والذكر وتلاوة القرآن ، قال النووي : أي استغرق بالسهر في الصلاة وغيرها ، وأما قول أصحابنا : يكره قيام كل الليل فمعناه الدوام عليه ، ولم يقولوا بكراهة ليلة أو ليلتين أو عشر اهـ ولا يظهر أن معناه على أي شيء مبناه ، وأما نحن فإنما حملنا الليل على غالبه ، لأنه روي أنه - صلى الله عليه وسلم - ما سهر جميع الليل كله ، والله أعلم ، ثم قال : واتفقوا على استحباب إحياء ليالي العيد وغير ذلك ، قلت : يمكن حمله على إحياء أكثره ، قال الطيبي : وفي إحياء الليل وجهان : أحدها راجع إلى نفس العابد ، فإن العابد إذا اشتغل بالعبادة عن النوم الذي هو بمنزلة الموت فكأنما أحيا نفسه ، كما قال - تعالى - الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها وثانيهما أنه راجع إلى نفس الليل فإن ليله لما صار بمنزلة نهاره في القيام فيه كان أحياه وزينه بالطاعة والعبادة ، ومنه قوله - تعالى - فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها فمن اجتهد فيه وأحياه كله وفر نصيبه منها ، ومن قام في بعضه أخذ نصيبه بقدر ما قام فيها ، وإليه لمح سعيد بن المسيب بقوله : من شهد العشاء ليلة القدر فقد أخذ حظه منها اهـ وتبعه ابن حجر : لكن في الجامع الصغير : " من صلى العشاء في جماعة فقد أخذ بحظه من ليلة القدر " ، رواه الطبراني بإسناد حسن عن أبي أمامة مرفوعا ، " ومن صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف ليلة ، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله " ، رواه أحمد ومسلم عن عثمان مرفوعا ، وهو يحتمل على ما هو الظاهر المتبادر أن صلاة الصبح بانضمام العشاء كإحياء الليل كله ، ويحتمل أن يكون الصبح مزية على العشاء لأن القيام فيه أصعب وأشق على النفس ، والله أعلم ( وأيقظ أهله ) أي أمر بإيقاظهم في بعض أوقاته للعبادة وطلب ليلة القدر ، لقوله - تعالى - وأمر أهلك بالصلاة وإنما لم يأمرهم بنفسه لأنه كان معتكفا ( متفق عليه ) .

[ ص: 1442 ]



الخدمات العلمية