الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2186 - وعن الحسن مرسلا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " من قرأ في ليلة مائة آية لم يحاجه القرآن تلك الليلة ، ومن قرأ في ليلة مائتي آية كتب له قنوت ليلة ، ومن قرأ في ليلة خمسمائة إلى الألف أصبح وله قنطار من الأجر " قالوا : وما القنطار ؟ قال : " اثنا عشر ألفا " رواه الدارمي .

التالي السابق


2186 - ( وعن الحسن ) ، أي البصري ( مرسلا ) لأنه تابعي حذف الصحابي ( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " من قرأ في ليلة مائة آية لم يحاجه القرآن ) ، أي لم يخاصمه في تقصيره ( تلك الليلة ) ، أي من جهتها ، وقال ابن حجر : أي لم يخاصمه في تلك الليلة من جهة التقصير في تعهده ، لأنه لا تقصير منه فيه ، بل من جهة عدم العمل به إن لم يعمل لما في حديث أنه يقول في مخاصمته لبعض حفاظه : نام عني ولم يعمل بي ، المعلوم منه أنه يخاصم من جهتين : التقصير في تعهده لأنه يؤدي إلى نسيانه ، وفي العمل به لأن فيه استهتارا بحقه اهـ ويمكن حمل العمل على قيام الليل كما هو الأنسب الأظهر - والله أعلم ، قال الطيبي : دل على أن قراءة القرآن لازمة لكل إنسان واجبة عليه ، فإذا لم يقرأ خاصمه الله وغلبه بالحجة ، فإسناد المحاجة إلى القرآن مجاز ، قال ابن حجر : وفي جميعه نظر أما قوله لازمة لكل إنسان وواجبة عليه فغير صحيح لأن الكلام في حافظ قرأ ما ذكر فأفهم أن المحاجة لحافظ لم يقرأ ما ذكر لا لمن لم يقرأ ذلك أصلا ولا لمن لم يقرأ بالكلية ، قلت : من المعلوم بقرينة المقام المفهوم أن مراده من كل إنسان حفظ القرآن مع إفادة زيادة إطلاقه الإشارة إلى وجوب تفقد القرآن قليلا أو كثيرا ، كما هو من المقرر في القواعد الشرعية ، ويجوز حمل المائة على تكرارها وعدمه ، وأيضا في إطلاقه إيماء إلى قول الأئمة : إن حفظ القرآن من فروض الكفايات ، فيخاطب به كل الأمة في كل زمن ، نعم إن حفظه جمع منهم يقوم بهم الكفاية سقط الحرج عن جميعهم ، وإلا أثموا كلهم ، قال : وأما قوله : يخاصمه فقد مر رده غير مرة بالقاعدة المقررة أن ألفاظ الشارع حيث أمكن بقاؤها على ظواهرها لم تصرف عنه ، وهذا يمكن بقاء محاجة القرآن على ظاهرها بأن يجعل الله له صورة ناطقة ، وفيه أن يجعل الله له صورة غير ظاهرة في الحديث مع أن القرآن في الحقيقة إما الكلام النفسي ، وإما المقروء على ألسنتنا ، والكتاب والسنة مملوءان من استعمال المجاز ، بل هو أبلغ من الحقيقة ، كما أن الكناية أبلغ من الصريح على ما صرح به علماء البيان وأصحاب تفسير القرآن ، بل قالت السادة الصوفية : إن قوله - تعالى - قل يتوفاكم ملك الموت نسبة مجازية ، وقوله - عز وجل - الله يتوفى الأنفس هي النسبة الحقيقية ، فلا معنى للاعتراض على كلامه ، لكن هذا على ما قال الشاعر :


وعين الرضا عن كل عيب كليلة ولكن عين السخط تبدي المساويا

[ ص: 1495 ] أي تبدي المحاسن مساويا ، ونظر إلى إفراد عين الرضا وجمع عيون السخط فإنه يفتح لك نكتة لطيفة وحكمة شريفة ظاهرية وباطنية " ومن قرأ في ليلة مائتي آية كتب له قنوت ليلة " ، أي طاعتها أو قيامها " ومن قرأ في ليلة خمسمائة إلى الألف أصبح وله قنطار " ، أي ثواب بعدده أو بوزنه " من الأجر ، قالوا : وما القنطار ؟ قال : اثنا عشر ألفا " ، أي درهما أو دينارا ، قال الطيبي - رحمه الله جل جلاله - : وفي الحديث أن القنطار ألفا ومائتا أوقية ، والأوقية خير مما بين السماء والأرض ، وقول ابن حجر : اثنا عشر ألفا ، أي من الأرطال يحتاج إلى نقل صحيح أو دليل صريح ( رواه الدارمي ) .




الخدمات العلمية