الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2360 - وعن ثوبان - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " ما أحب أن لي الدنيا بهذه الآية : يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا الآية . فقال رجل : فمن أشرك ؟ فسكت النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " ألا ومن أشرك " ثلاث مرات .

التالي السابق


2360 - ( وعن ثوبان قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " ما أحب أن لي الدنيا ) أي : جميع ما فيها بأن أتصدق بخيراتها ، أو أتلذذ بلذاتها ( بهذه الآية ) أي : بدلها فإن الآية مشعرة بحصول المغفرة التامة والرحمة العامة بهذه الأمة التي هي خير أمة ( يا عبادي ) : بفتح الياء وسكونها ( الذين أسرفوا ) أي : بالمعاصي ( على أنفسهم ) : لأن وبالها عليهم ، وفي نسخة ( لا تقنطوا ) : بفتح النون وكسرها ( الآية ) : بالحركات الثلاث قال الطيبي : هي أرجى آية في القرآن ، ولذلك اطمأن إليها وحشي قاتل حمزة - رحمه الله - دون سائر الآيات . اهـ .

وقد ذكر البغوي في المعالم أن عطاء بن أبي رباح ، روى عن ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرسل إلى وحشي يدعوه إلى الإسلام ، فأرسل إليه كيف تدعوني إلى دينك ، وأنت تزعم أن من قتل أو زنى أو أشرك يلق أثاما يضاعف له العذاب ، وأنا قد فعلت هذا كله ؟ فأنزل الله تعالى : إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فقال وحشي : هذا شرط شديد لعلي لا أقدر عليه ، فهل غير ذلك ؟ فأنزل الله عز وجل : إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء فقال وحشي : أراني بعد في شبهة ، فلا أدري يغفر لي أم لا . فأنزل الله : قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم قال وحشي : نعم هذا . فجاء وأسلم ، فقال المسلمون : هذا له خاصة أم للمسلمين عامة ؟ فقال : بل للمسلمين عامة . ( فقال رجل : فمن أشرك ؟ ) أي : أهو داخل في الآية أم خارج عنها ؟ ( فسكت النبي - صلى الله عليه وسلم - ) : أي : أدبا مع الله تعالى وانتظارا لأمره ، أو تفكيرا وتأملا في أداء جوابه ، ( ثم قال ) : إما بالوحي أو بالاجتهاد ( ألا ) : بالتخفيف ( ومن أشرك ) أي : بالتوبة . كذا قيل ، وهو غير ظاهر إذ هذا معلوم من الدين بالضرورة ، فلا يتأتى فيه السؤال والجواب والله أعلم بالصواب . وقال الطيبي : أجاب بأنه داخل ، فيكون منهيا عن القنوط ، والواو في ( ومن ) مانعة من حمل الأعلى على الاستثناء وموجبة لحملها على التنبيه . اهـ .

وفي كلامه إشكال لأنه إن حملناه على التائب من الشرك ، فهذا من الواضحات عندهم ، فكيف يسألون عنه ؟ وإن حملناه على غير التائب فبظاهره مخالف لقوله تعالى : إن الله لا يغفر أن يشرك به اللهم إلا أن يقال في السؤال : فمن أشرك من الموجودين ما حكمه ؟ فقال : ألا ومن أشرك فحكمه مبهم الآن ، إما يتوب عليه بالإيمان أو يعذبه بالطغيان . وأشار بعدم الحكم إما إلى إبهامه ، وإما بعدم الجواب إلى إعظامه .

[ ص: 1636 ] وقال الطيبي : يمكن أن ينزل السؤال على قوله : يا عبادي يعني المشرك أداخل في هذا المفهوم وينادى بيا عبادي ؟ فقيل : نعم ، أو على الذين أسرفوا أي : هل يصح أن يقال لهم أسرفوا على أنفسهم ؟ فقيل : نعم أو على لا تقنطوا فينهون عن القنوط . فقيل : نعم أو على قوله : إن الله يغفر الذنوب جميعا فقيل : نعم . اهـ .

فهذه أربعة احتمالات : الأول والرابع منها يحتاج كل إلى تأويل أيضا ، والثاني غير لائق بالسؤال ، والثالث هو معنى ما ذكرته من " الاحتمال " والله أعلم بالحال . ( ثلاث مرات ) : ظرف لقال ، والتكرار لتأكيد الحكم ، أو إشارة إلى اختلاف الحالات .




الخدمات العلمية