الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
235 - وعن جندب - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ " . رواه الترمذي ، وأبو داود .

التالي السابق


235 - ( وعن جندب ) : بضم الجيم والدال ويفتح كذا في المغني ، وذكر القاضي عياض في المشارق بفتح الدال وضمها مع ضم الجيم وبكسر الجيم أيضا مع فتح الدال وكسرها ، ووهم ابن حجر فقال : جندب بضم الجيم وتثليث الدال إذ ليس فعلل بضم الأول وكسر ما قبل الآخر من أوزان الرباعي المجرد والملحق به والله أعلم . قال المصنف : هو بضم الجيم وسكون النون وضم الدال المهملة وفتحها أيضا ، ابن عبد الله بن سفيان البجلي العلفي ، وعلفة : بطن من بجيلة ، مات في فتنة ابن الزبير ، روى عنه جماعة ( قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( من قال في القرآن ) أي : في لفظه أو معناه ( برأيه ) أي : بعقله المجرد ( فأصاب ) أي : ولو صار مصيبا بحسب الاتفاق ( فقد أخطأ ) أي : فهو مخطئ بحسب الحكم الشرعي . قال ابن حجر أي أخطأ طريق الاستقامة بخوضه في كتاب الله بالتخمين والحدس لتعديه بهذا الخوض مع عدم استجماعه لشروطه ، فكان آثما به مطلقا ، ولم يعتد بموافقته للصواب لأنها ليست عن قصد ولا تحر ، بخلاف من كملت فيه آلات التفسير وهي خمسة عشر علما : اللغة ، والنحو ، والتصريف ، والاشتقاق ، لأن الاسم إذا كان اشتقاقه من مادتين اختلف المعنى باختلافهما ، كالمسيح هل هو من السياحة أو المسح ، والمعاني ، والبيان ، والبديع ، والقراءات ، والأصلين ، وأسباب النزول ، والقصص ، والناسخ ، والمنسوخ ، والفقه ، والأحاديث المبينة لتفسير المجمل والمبهم ، وعلم الموهبة ، وهو علم يورثه الله لمن عمل بما علم ، وبعض هذه العلوم كان موجودا عند السلف بالفعل ، وبعضها بالطبع من غير تعلم فإنه مأجور بخوضه فيه وإن أخطأ لأنه لا تعدي منه ، فكان مأجورا أجرين كما في رواية ، أو عشرة أجور كما في أخرى إن أصاب وأجر إن أخطأ كالمجتهد في الأحكام ، لأنه بذل وسعه في طلب الحق واضطره الدليل إلى ما رآه ، فلم يكن منه تقصير بوجه ، وقد أخطأ الباطنية الذين يعتقدون أن للقرآن ظهرا وبطنا وأن المراد باطنه دون ظاهره ، ومن هذا ما يسلكه بعض الصوفية من تفسيرهم فرعون بالنفس وموسى بالقلب إن زعموا أن ذلك مراد من الآية لا إشارات ومناسبات للآيات ، وقد صرح الغزالي وغيره بأنه يحرم صرف شيء من الكتاب والسنة عن ظاهر من غير اعتصام فيه بنقل من الشارع ، ومن غير ضرورة تدعو إليه من دليل عقلي . قال الماوردي : وقد حمل بعض المتورعة هذا الحديث على ظاهر ، وامتنع من أن يستنبط معاني القرآن باجتهاده وإن صحبها شواهد سالمة عن المعارض ، وهذا عدول عما تعبدنا بمعرفته من النظر في القرآن واستنباط الأحكام منه كما قال تعالى : لعلمه الذين يستنبطونه منهم وفي حديث أبي نعيم وغيره : " القرآن ذلول ذو وجوه فاحملوه على أحسن وجوهه " ومعنى ذلول سهل حفظه وفهمه حتى لا يقصر عنه أفهام المجتهدين ، ومعنى ذو وجوه أن بعض جمله يحتمل وجوها من التأويل ، أو أنه جمع وجوها من الأمر والترغيب والتحليل وأضدادها ، ومعنى فاحملوه إلخ : احملوه على أحسن معانيه ، وفيه دلالة على جواز الاستنباط والاجتهاد في كتاب الله تعالى . ا هـ .

وما ذكره عن بعض المتورعة قال به قوم فحرموا التفسير مطلقا ، ولو على من اتسعت علومه إلا ما أثر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهؤلاء من الإفراط على شفا جرف هار ، وإطباق العلماء في سائر الأعصار على خلاف مقالتهم كاف في تسفيههم وتكذيبهم ، وقد قال محيي السنة ، وآخرون : التأويل الذي هو صرف الآية لمعنى يحتمله [ ص: 311 ] موافق لما قبلها وما بعدها ، ليس مخالفا للكتاب والسنة من طريق الاستنباط ، غير محظور على العلماء بالتفسير ، بخلاف نحو تأويل البحرين بعلي وفاطمة ، واللؤلؤ والمرجان بالحسن والحسين ، فإنه من تأويل الجهلة والحمقاء كالروافض . قال بعض الشراح أي من شرع في التفسير من غير أن يكون له وقوف على لغة العرب ووجوه استعمالاتها من الحقيقة والمجاز والمجمل والمفصل والعام والخاص ، وغير ذلك مما ينبغي أن يكون للمفسر ، فهو وإن طابق المراد بالآية فهو مخطئ لأنه تكلم في القرآن بغير إذن الشارع ، وقيل : معناه قضى بتأويله واجتهاده على أنه مراد الله تعالى . ونقل الطيبي عن التوربشتي أن المراد بالرأي ما لا يكون مؤسسا على علوم الكتاب والسنة ، بل يكون قولا تقوله برأيه على ما يقتضيه عقله ، وعلم التفسير يؤخذ من أفواه الرجال كأسباب النزول والناسخ والمنسوخ ، ومن أقوال الأئمة وتأويلاتهم بالمقاييس العربية كالحقيقة والمجاز والمجمل والمفصل والعام والخاص ، ثم يتكلم على حسب ما يقتضيه أصول الدين ، فيئول القسم المحتاج إلى التأويل على وجه يشهد بصحته ظاهر التنزيل ، فمن لم يستجمع هذه الشرائط كان قوله مهجورا ، وحسبه من الزاجر أنه مخطئ عند الإصابة ، فما بعد ما بين المجتهد والمتكلف ، فالمجتهد مأجور على الخطأ ، والمتكلف مأخوذ بالصواب . وقال صاحب جامع الأصول : يحتمل النهي عن وجهين . أحدهما : أن له ميلا عن طبعه وهواه فيئول على وفق رأيه ، ولو لم يكن له ذلك الهوى لم يلح له ذلك المعنى . الثاني : أن يتسارع إلى التفسير بظاهر العربية من غير استظهار بالسماع فيما يتعلق بغرائب القرآن ، وما فيه من الإضمار والتقديم ولا مطمع في الوصول إلى الباطن بدون معرفة الظاهر . ( رواه الترمذي ، وأبو داود ) ، وكذا النسائي .




الخدمات العلمية