الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
2798 - وعن قيس بن أبي غرزة - رضي الله عنه - قال : كنا نسمى في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السماسرة ، فمر بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسمانا باسم هو أحسن منه ، فقال : " يا معشر التجار ! إن البيع يحضره اللغو والحلف فشوبوه بالصدقة " . رواه أبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه .

التالي السابق


2798 - ( وعن قيس بن أبي غرزة ) : بمعجمة وراء وزاي مفتوحات ، ذكره السيد جمال الدين ، وكذا المصنف وقال : ليس له إلا حديث واحد في ذكر التجارة ( قال : كنا ) : أي نحن معاشر التجار ( نسمى ) : بصيغة المجهول أي : ندعى ( في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السماسرة ) : بالنصب على أنه مفعول ثان وهو بفتح السين الأولى وكسر الثانية على صيغة الجمع ، وهم الآن المتوسطون بين البائع والمشتري لإمضاء البيع جمع السمسار بالكسر ، وهو في الأصل القيم على الشيء الحافظ له ، ثم استعمل في المتوسط وقد يطلق على المقوم ( فمر بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسمانا باسم هو أحسن منه ) : أي من اسمنا الأول ، قيل : لأن اسم التاجر أشرف من اسم السمسار في العرف العام . ولعل وجه الأحسنية أن السماسرة تطلق الآن على المكاسين ، أو لعل هذا الاسم في عهده - صلى الله عليه وسلم - كان يطلق على من فيه نقص اهـ .

والأحسن ما قاله الطيبي - رحمه الله : وذلك أن التجارة عبارة عن التصرف في رأس المال طلبا للربح ، والسمسرة كذلك ، لكن الله - تعالى - ذكر التجارة في كتابه غير مرة على سبيل المدح ، كما قال - تعالى : هل أدلكم على تجارة تنجيكم وقوله تجارة عن تراض وقوله : تجارة لن تبور اهـ . ولعله أراد أيضا قوله : رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار تنبيها لهم بهذا الاسم على أن يكونوا موصوفين بهذه النعوت خصوصا ، وفي هذا الاسم إيماء إلى قوله - تعالى : إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة الآية . ( فقال : " يا معشر التجار إن البيع يحضره اللغو ) : أي غالبا ، وهو من الكلام ما لا يعتد به ، وقيل : هو الذي يورد لا عن روية وفكر ، فيجري مجرى اللغو وهو صوت العصافير ، ذكره الطيبي والظاهر أن المراد منه ما لا يعنيه ، وما لا طائل تحته ، وما لا ينفعه في دينه ودنياه ، ومنه قوله - تعالى :والذين هم عن اللغو معرضون وقد يطلق على القول القبيح كالشتم ، ومنه قوله - تعالى : وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وعلى الفعل الباطل ومنه قوله - تعالى : وإذا مروا باللغو مروا كراما . ( " والحلف " ) : أي إكثاره أو الكاذب منه ( " فشوبوه " ) بضم أوله ، أي اخلطوا ما ذكره من اللغو والحلف ( " بالصدقة ) : فإنها تطفئ غضب الرب ، وأن الحسنات يذهبن السيئات ، كذا قيل ، وهو إشارة إلى قوله - تعالى : وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم . وقال الطيبي - رحمه الله : ربما يحصل من الكلام الساقط وكثرة الحلف كدورة في النفس ، فيحتاج إلى إزالتها وصفائها ، فأمر بالصدقة لتنزيل تلك الكدورة وتصفيتها . وقال : وفيه إشعار بكثرة التصدق ، فإن الماء القليل الصافي لا يكتسب من الكدورة إلا كدورة اهـ . ولكن ورد : أنه سبق درهم مائة ألف درهم ، وفي التنزيل :

[ ص: 1911 ]



الخدمات العلمية