الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الفصل الثاني

3149 - عن عبد الله بن مسعود قال : علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم - التشهد في الصلاة والتشهد في الحاجة ، قال : " التشهد في الصلاة التحيات لله والصلوات والطيبات ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله . والتشهد في الحاجة إن الحمد لله نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ويقرأ ثلاث آيات ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) ، ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ) ، ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ) . رواه أحمد ، والترمذي ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه ، والدارمي . وفي جامع الترمذي فسر الآيات الثلاث سفيان الثوري وزاد ابن ماجه بعد قوله إن الحمد لله نحمده ، وبعد قوله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا .

التالي السابق


الفصل الثاني

3149 - ( عن عبد الله بن مسعود قال علمنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التشهد في الصلاة والتشهد في الحاجة ) أي : من النكاح وغيره والتشهد إظهار الشهادة بالإيقان أو طلب التشهد وهو حلاوة الإيمان أو طلب الشهود وهو الحضور والعرفان في مقام الإحسان ( قال ) أي : ابن مسعود ( التشهد في الصلاة ) أي : في آخرها ( التحيات لله والصلوات والطيبات السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ) قد تقدم شرحه ( والتشهد في الحاجة إن الحمد لله ) بتخفيف إن ورفع الحمد وفي نسخة بالتشديد والنصب ، قال الجزري في تصحيح المصابيح : " يجوز تخفيف إن وتشديدها ومع التشديد يجوز رفع الحمد ونصبه ورويناه بذلك " اه ، رفع الحمد مع التشديد يكون على الحكاية ، وقال الطيبي : " التشهد مبتدأ خبره أن الحمد لله وأن مخفقة من المثقلة كقوله تعالى : ( وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ) فالحمد هنا يجب أن يحمل على الثناء الجميل من نعمة أو غيرها من أوصاف الكمال والجلال والجمال والإكرام والأفعال العظام والتعريف على استغراق الجنس فيفيد أن كل نعمة من النعم الدنيوية والأخروية ليست إلا منه وكل صفة من صفات الكمال وفضائل الأعمال له ومنه وإليه ليترتب عليه الأفعال المتناسقة بعده من الاستعانة والاستغفار والاستعاذة ( نستعينه ) أي : في حمده وغيره وهو وما بعده جمل مستأنفة لأحوال الحامدين ( ونستغفره ) أي : في تقصير عبادته وتأخير طاعته ( ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ) أي : من ظهور شرور أخلاق نفوسنا الردية وأحوال طباع أهوائنا الدنية ( من يهده الله ) بإثبات الضمير أي من يوفقه للهداية ( فلا مضل له ) أي : من شيطان ونفس وغيرهما ( ومن يضلل ) بخلق الضلالة فيه ( فلا هادي له ) أي : لا [ ص: 2070 ] من جهة العقل ولا من جهة النقل ولا من ولي ولا نبي ، قال الطيبي - رحمه الله - : " أضاف الشر إلى الأنفس أولا كسبا والإضلال إلى الله تعالى ثانيا خلقا وتقديرا " ( وأشهد ) أي : بإعانته وهدايته ( أن لا إله إلا الله ) أي : المستحق للعبودية والثابت الألوهية في توحيد ذاته وتفريد صفاته ( وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ) سيد مخلوقاته وسند موجوداته ( ويقرأ ثلاث آيات ) قال الطيبي - رحمه الله - : " هذا في رواية النسائي وهو يقتضي معطوفا عليه فالتقدير يقول الحمد لله ويقرأ أي النبي - صلى الله عليه وسلم - " ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ) في المعالم قال ابن مسعود وابن عباس : هو أن يطاع فلا يعصى ، قيل : وأن يذكر فلا ينسى ، قال أهل التفسير لما نزلت هذه الآية شق ذلك عليهم فقالوا يا رسول الله ومن يقوى على هذا فأنزل الله تعالى ( فاتقوا الله ما استطعتم ) فنسخت هذه الآية وقيل أنها ثابتة والآية الثانية مبنية ( ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ) أي : مؤمنون أو مخلصون أو مفوضون أو محسنون الظن بالله تعالى ، وقيل : متزوجون والنهي في ظاهر الكلام وقع على الموت وإنما نهوا في الحقيقة عن ترك الإسلام ومعناه داوموا على الإسلام حتى لا يصادفكم الموت إلا وأنتم مسلمون ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله الذي ) هكذا في نسخة المشكاة والأذكار وتيسير الوصول إلى جامع الأصول وبعض نسخ الحصن قال الطيبي - رحمه الله - : " ولعله هكذا في مصحف ابن مسعود رضي الله تعالى عنه فإن المثبت في أول سورة النساء ( واتقوا الله الذي ) بدون ( يا أيها الذين آمنوا ) قيل : يحتمل أن يكون تأويلا لما في الإمام فيكون إشارة إلى أن اللام في يا أيها الناس للعهد والمراد المؤمنون ، قلت : لا يصح هذا الاحتمال لأنه لو كان كذلك لقال ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ) الآية ، مع أن الموصولين يلائمان التخصيص ( تساءلوا ) بحذف إحدى التاءين وبتشديد السين قراءتان متواترتان ( به ) أي : تتساءلون فيما بينكم حوائجكم بالله كما تقولون أسألك بالله ؟ ( والأرحام ) بالنصب عند عامة القراء أي واتقوا الأرحام أن تقطعوها وفيه عظيم مبالغة في اجتناب قطع الرحم وقرأ حمزة بالخفض أي به وبالأرحام كما في قراءة شاذة عن ابن مسعود يقال : سألتك بالله وبالرحم ، والعطف على الضمير المجرور من غير إعادة الجار فصيح على الصحيح في طعن من طعن فيه ، وقيل : الجر للجوار ، وقيل : الواو للقسم ، وقيل : على نزع الخافض ( إن الله كان عليكم رقيبا ) أي حافظا ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ) أي مخالفته ومعاقبته ( وقولوا قولا سديدا ) أي : صوابا وقيل : عدلا ، وقيل : صدقا ، وقيل : مستقيما ، وقيل : هو قول لا إله إلا الله أي دوموا على هذا القول ( يصلح لكم أعمالكم ) أي : يتقبل حسناتكم ( ويغفر لكم ذنوبكم ) أي : يمحو سيئاتكم ( ومن يطع الله ورسوله ) أي : بامتثال الأوامر واجتناب الزواجر ( فقد فاز فوزا عظيما ) أي : ظفر خيرا كثيرا وأدرك ملكا كبيرا ( رواه أحمد الترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجه والدارمي ) ورواه الحاكم في مستدركه وأبو عوانة وقال الترمذي حسن ( وفي جامع الترمذي فسر الآيات الثلاث سفيان الثوري ) أقول فيمكن الغلط سهوا منه فالأولى أن تقرأ الآية على القراء المتواترة كما في نسخة من الحصن وهو ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا ) [ ص: 2071 ] فهو في غاية المناسبة لحال النكاح وغيره من كل حاجة ( وزاد ابن ماجه بعد قوله إن الحمد لله نحمده ) مفعول زاد ( وبعد قوله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ) أيضا مفعول زاد ( والدارمي ) عطف على ابن ماجه أي وزاد الدارمي ( بعده قوله عظيما ثم تكلم بحاجته ) مفعول زاد المقدر ( وروى ) أي : البغوي ( في والدارمي بعد قوله عظيما ثم يتكلم بحاجته وروى في شرح السنة عن ابن مسعود في خطبة الحاجة من النكاح وغيره ) والمفهوم من الحصن أن أبا داود زاد بعد قوله : " ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة " أي : قدامها ، " من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصيهما فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئا " ، وقال صاحب السلاح بعد حديث ابن مسعود : " زاد أبو داود عن الزهري مرسلا ونسأل الله أن يجعلنا ممن يطعه ويطع رسوله ويتبع رضوانه ويجتنب سخطه فإنما نحن به وله أي به موجودون وله منقادون .




الخدمات العلمية