الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
3963 - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، قال : لما نزلت بنو قريظة على حكم سعد بن معاذ ، بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاء على حمار ، فلما دنا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " قوموا إلى سيدكم " . فجاء فجلس ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن هؤلاء نزلوا على حكمك " . قال : فإني أحكم أن تقتل المقاتلة وأن تسبى الذرية . قال : " لقد حكمت فيهم بحكم الملك . وفي رواية : " بحكم الله . متفق عليه .

التالي السابق


3963 - ( وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : لما نزلت بنو قريظة ) : بالتصغير طائفة من اليهود ( على حكم سعيد بن معاذ ) . قال القاضي : إنما نزلوا بحكمه بعدما حاصرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمسة وعشرين يوما وجهدهم الحصار ، وتمكن الرعب في قلوبهم ; لأنهم كانوا حلفاء الأوس ، فحسبوا أنه يراقبهم ويتعصب لهم ، فأبى إسلامه وقوة دينه أن يحكم فيهم بغير ما حكم الله فيهم ، وكان ذلك في السنة الخامسة من الهجرة في شوالها حين نقضوا عهدا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ووافقوا الأحزاب ، روي أنهم لما انكشفوا عن المدينة وكفى الله المؤمنين شرهم أتى جبريل النبي - صلى الله عليه وسلم - في ظهر اليوم الذي تفرقوا في ليلته فقال : وضعتم السلاح والملائكة لم يضعوه ، فإن الله تعالى أمركم بالمسير إلى بني قريظة فائتهم عصرهم ( بعث ) : جواب لما ; أي أرسل وفي نسخة ، إليه ; أي إلى سعد ( رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فجاء على حمار ) ; أي شاكيا وجعه ، فإنه قد أصيب يوم الخندق ( فلما دنا ) : أي قرب ( قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قوموا إلى سيدكم ) : قال النووي : فيه إكرام أهل الفضل وتلقيهم والقيام لهم إذا أقبلوا واحتج به الجمهور ، وقال القاضي عياض : ليس هذا من القيام المنهي عنه ، وإنما ذاك فيمن يقومون عليه وهو جالس ، ويتمثلون قياما طول جلوسه ، وقيل : لم يكن هذا القيام للتعظيم ، بل كان للإعانة على نزوله لكونه وجعا ، ولو كان المراد منه قيام التوقير لقال : قوموا لسيدكم ، ويمكن دفعه بأن التقدير قوموا متوجهين إلى سيدكم ، لكن [ ص: 2548 ] الأول أظهر ; لأن الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ما كانوا يقومون له - صلى الله عليه وسلم - لكراهيته للقيام . ( فجاء فجلس ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن هؤلاء ) : أي بني قريظة ( نزلوا على حكمك ) . قال النووي : وإنما فوض الحكم إلى سعد ; لأن الأوس طلبوا من النبي - صلى الله عليه وسلم - العفو عنهم ; لأنهم كانوا حلفاءهم فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أما ترضون أن يحكم فيهم رجل منهم ) فرضوا به . ( قال : فإني أحكم أن تقتل المقاتلة ) : بكسر التاء ; أي من يتأتى منهم القتال ولو بالرأي . ( وأن تسبى الذرية ) ; أي النساء والصبيان ( قال ) : أي النبي عليه الصلاة والسلام ( لقد حكمت فيهم بحكم الملك ) . بكسر اللام وهو الله ويؤيده قوله : ( وفي رواية : بحكم الله ) : أي أصبت بهم وقضيت بقضاء ارتضى الله به ، ويروى بفتحها ; أي الملك النازل بالوحي وهو جبريل ، أو الذي ألقى الصواب في القلب . قال النووي : الرواية المشهورة الملك بكسر اللام ويؤيده الرواية الأخرى . قال القاضي : وضبطه بعضهم في صحيح البخاري بكسر اللام وفتحها ، فإن صح الفتح ، فالمراد به جبريل ; أي الحكم الذي جاء به جبريل عن الله تعالى اهـ . وفيه جواز التحكيم في أمور المسلمين ومهماتهم العظام ، ولا يخالف في هذا الإجماع إلا الخوارج ، فإنهم أنكروا على علي رضي الله عنه التحكيم ، وإذا حكم الحاكم العادل في شيء لزمه حكمه ، ولا يجوز للإمام ولا لهم الرجوع عنه بعد الحكم ( متفق عليه ) .




الخدمات العلمية