الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الفصل الثالث

4041 - عن أسلم ، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، ضرب الجزية على أهل الذهب أربعة دنانير ، والورق أربعين درهما ، مع ذلك أرزاق المسلمين وضيافة ثلاثة أيام . رواه مالك .

التالي السابق


الفصل الثالث

4041 - ( عن أسلم رضي الله عنه ) ، قال المؤلف : هو مولى عمر ، كنيته أبو خالد ، كان حبشيا ابتاعه عمر بمكة سنة إحدى عشرة ، سمع عمر ، وروى عنه زيد بن أسلم وغيره ، مات في ولاية مروان ، وله مائة وأربع عشرة سنة . ( أن عمر رضي الله عنه ، ضرب الجزية على أهل الذهب ) : أي المكثرين منه ( أربعة دنانير ، وعلى أهل الورق ) : بكسر الراء ويسكن أي : الفضة ( أربعين درهما ، مع ذلك ) أي : منضما مع ما ذكر ، وفي نسخة : ومع ذلك ( أرزاق المسلمين ) : قال الطيبي : يجوز أن يكون فاعل الظرف ، وأن يكون مبتدأ وهو أي : الظرف خبره ( وضيافة ثلاثة أيام ) . عطف تفسيري . في شرح السنة : يجوز أن يصالح أهل الذمة على أكثر من دينار ، وأن يشترط عليهم ضيافة من يمر بهم من المسلمين زيادة على أصل الجزية ، ويبين عدد الضيفان من الرجال والفرسان ، وعدد أيام الضيافة ، ويبين جنس أطعمتهم وعلف دوابهم ويفاوت بين الغني والوسط في القدر دون جنس الأطعمة . رواه مالك . ومما يتعلق بالباب أن الجزية توضع على عبدة الأوثان من العجم ، وفيه خلاف الشافعي وهو يقول : القتال واجب ؛ لقوله تعالى ( وقاتلوهم ) إلا أنا عرفنا جواز تركه إلى الجزية في حق أهل الكتاب بالقرآن من قوله تعالى : ( حتى يعطوا الجزية ) وفي المجوس بالخبر الذي ذكر في صحيح البخاري ، فبقي من وراءهم على الأصل ، ولنا أنه يجوز استرقاقهم ، فيجوز ضرب الجزية عليهم ، فهذا المعنى يوجب تخصيص عموم وجوب القتال الذي استدل به ؛ وذلك لأنه عام مخصوص بإخراج أهل الكتاب والمجوس عند قبولهم الجزية كما ذكر ، فجاز تخصيصه بعد ذلك بالمعنى ، كذا ذكره ابن الهمام . قال : ولا توضع الجزية على عبدة الأوثان من العرب والمرتدين ; لأن كفرهما قد تغلظ ، فلم يكونوا في معنى العجم ، أما العرب فلأن القرآن قد نزل بلغتهم ، فالمعجزة في حقهم أظهر ، فكفرهم والحالة هذه أغلظ من كفر العجم ، وأما المرتدون ؛ فلأن كفرهم بعدما هدوا للإسلام ووقفوا على محاسنه فكان كذلك فلا يقبل من الفريقين إلا الإسلام ، أو السيف زيادة في العقوبة لزيادة الكفر ، وعند الشافعي يسترق مشركو العرب ، وهو قول مالك وأحمد ; لأن الاسترقاق إتلاف حكما فيجوز كما يجوز إتلاف نفسه بالقتل ، ولنا قوله تعالى : ( تقاتلونهم أو يسلمون ) أي : إلى أن يسلموا .

وروي عن ابن عباس أنه عليه الصلاة والسلام قال : ( لا يقبل من مشركي العرب إلا الإسلام ، أو السيف ) . وذكر محمد بن الحسن عن يعقوب عن الحسن عن مقسم ، عن ابن عباس وقال : ( أو القتل ) مكان

[ ص: 2611 ] ( أو السيف ) . وعنه عليه الصلاة والسلام : ( ولا رق على عربي ) . وأخرجه البيهقي عن معاذ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لو كان ثابت على أحد من العرب رق لكان اليوم ) قال : وإذا ظهر على مشركي العرب والمرتدين فنساؤهم وصبيانهم فيء ويسترقون ; لأنه عليه الصلاة والسلام استرق ذراري أوطاس وهوازن ، وأبو بكر استرق بني حنيفة . قال الواقدي : وحدثنا أبو الزناد عن هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قالت : قد رأيت أم محمد بن علي بن أبي طالب ، وكانت من سبي حنيفة ، فلذلك سميت الحنفية ، ويسمى ابنها محمد ابن الحنفية . قال : وحدثني عبد الله بن نافع عن أبيه قال : كانت أم زيد بن عبد الله بن عمر من ذلك السبي .

واعلم أن ذراري المرتدين ونساءهم يجبرون على الإسلام بعد الاسترقاق ، بخلاف ذراري عبدة الأوثان لا يجبرون . وفي فتاوى قاضي خان : وأما الزنادقة فقالوا : لو جاء زنديق قبل أن يؤخذ فأخبر أنه زنديق وتاب تقبل توبته ، فإن أخذ ثم تاب لا تقبل توبته ، ويقتل ; لأنهم باطنية يعتقدون في الباطن خلاف ذلك فيقتل ولا يؤخذ منهم الجزية . قال : وتغلب بن وائل من العرب من ربيعة تنصروا في الجاهلية ، فلما جاء الإسلام زمن عمر دعاهم إلى الجزية فأبوا وأنفوا ، وقالوا : نحن عرب خذ منا كما يأخذ بعضكم من بعض الصدقة ، فقال : لا آخذ من مشرك صدقة ، فلحق بعضهم بالروم ، فقال النعمان بن زرعة : يا أمير المؤمنين إن القوم لهم بأس شديد ، وهم عرب يأنفون من الجزية ، فلا تعن عليهم عدوك بهم وخذ منهم الجزية باسم الصدقة ، فبعث عمر في طلبهم وضعف عليهم ، فأجمع الصحابة على ذلك ، ثم الفقهاء ففي كل أربعين لهم شاتان ، ولا زيادة حتى تبلغ مائة وإحدى وعشرين ، ففيها أربع شياه ، وعلى هذا في البقر والإبل ، وفي رواية قال عمر : هذه جزية سموها ما شئتم ، والله أعلم . ( رواه مالك ) .




الخدمات العلمية