الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
4114 - وعن جابر - رضي الله عنهما - قال : غزوت جيش الخبط ، وأمر علينا أبو عبيدة فجعنا جوعا شديدا ، فألقى البحر حوتا ميتا لم نر مثله ، يقال له : العنبر ، فأكلنا منه نصف شهر ، فأخذ أبو عبيدة عظما من عظامه فمر الراكب تحته ، فلما قدمنا ذكرنا ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : " كلوا رزقا أخرجه الله إليكم ، وأطعمونا إن كان معكم " قال : فأرسلنا إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - منه فأكله . متفق عليه .

التالي السابق


4114 - ( وعن جابر - رضي الله تعالى عنه - قال : غزوت جيش الخبط ) ؟ بفتح الخاء المعجمة والموحدة ، وفي نسخة بسكونها فقيل بالتحريك ورق الشجر ، وبالسكون هش ورقها بالعصا ، وسموا جيش الخبط ؛ لأنهم أكلوه من الجوع حتى قرحت أشداقهم بسبب حرارة ذلك الورق ، فصارت شفاههم كشفاه الإبل ، وقد ضمن الغزو معنى الصحبة أي : صحبت جيشه وغزوت معهم . وقال الطيبي : جيش الخبط منصوب على نزع الخافض أي : غزوت مصاحبا لجيش الخبط . قلت : هذا هو أحد نوعي التضمين ، ولا يحتاج إلى إيراد الباء حينئذ إلا للتقوية ، وليست بضرورية في تصحيح الكلام . ( وأمر ) : بصيغة المفعول من التأمير أي : وجعل أميرا ( علينا أبو عبيدة ) أي : ابن الجراح أحد العشرة المبشرة ( فجعنا جوعا شديدا ) أي : وأكلنا الخبط ( فألقى البحر ) [ ص: 2667 ] أي : إلى الساحل ( حوتا ميتا لم نر مثله يقال له : العنبر ) : في القاموس : من الطيب روث دابة بحرية أو نبع عين فيه ويؤنث ، وسمكة بحرية والترس من جلدها ، ( فأكلنا منه نصف شهر ) : وفي رواية : قمنا عليه شهرا ، وفي أخرى فأكل منه الجيش ثمانية عشر يوما ، ووجه الجمع أن من روى شهرا هو الأصل ، لأن معه زيادة علم ، ومن روى دونه لم ينف الزيادة ولو نفاها قدم المثبت ، وقد ثبت عند الأصوليين أن مفهوم العدد لا حكم له ، فلا يلزم نفي الزيادة لو لم يعارضه إثبات الزيادة ، فكيف وقد عارضه ؟ فوجب قبول الزيادة . ذكره النووي - رحمه الله تعالى - والأظهر في وجه الجمع أن نصف الشهر كان لكلهم ، وإلى آخر الشهر كان لبعضهم ، أو نصفه في الإقامة ونصفه الآخر في السفر ، أو نصف شهر في الذهاب ونصفه في الإياب ، والله أعلم بالصواب . ( فأخذ أبو عبيدة عظما من عظامه ) أي : أوقفه ( فمر الراكب تحته ) أي : بحيث لم يصل رأسه إلى منتهى عظمه ( فلما قدمنا ) أي : المدينة ( ذكرنا للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : كلوا ) : قال الطيبي : كأنه - صلى الله عليه وسلم - استحضر تلك الحالة واستحمدهم عليها ، فأمرهم بالأكل ومن ثم صرح بقوله : ( رزقا ) : ووصفه بقوله ( أخرجه الله ) : وعقبه بقوله : ( أطعمونا ) اهـ وفي نسخة صحيحة : أخرجه الله إليكم ، ( وأطعمونا ) أي : منه ( إن كان معكم ) أي : شيء منه .

( قال ) أي : جابر ( فأرسلنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منه ) أي : بعضه أو شيئا منه ( فأكله ) : وإنما طلبه لئلا يتوهم جواز أكلهم إياه للضرورة وأكله تبركا به حيث كان رزقا لدنيا لأصحابه - رضي الله عنهم - مع كونه من عجائب المخلوقات . قال النووي : إنما طلب - صلى الله عليه وسلم - منه تطييبا لقلوبهم ومبالغة في حله ، وليعلم أنه لا شك في إباحته ، أو قصد استحباب المفتي أن يتعاطى بعض المباحات التي يشك فيها المستفتي إذا لم يكن فيه مشقة على المفتي ، وكان فيه طمأنينة للمستفتي اهـ . والظاهر أن المراد من قوله : ذكرنا للنبي - صلى الله عليه وسلم - هو أنهم ذكروا له ما وقع لهم من الجوع والمشقة ، وما حصل لهم من الرزق على الكيفية المستغربة ، لا أنهم شكوا في حليته ، كيف وقد أجمعوا على أكله وحمله إلى البلد مع أن الحال حال الاضطرار ، وقد أحلت الميتة فضلا عن غيرها . ( متفق عليه ) .




الخدمات العلمية