الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
4621 - عن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى أقبل علينا بوجهه ، فقال : " من رأى منكم الليلة رؤيا " قال : فإن رأى أحد قصها ، فيقول ما شاء الله . فسألنا يوما فقال : " هل رأى منكم أحد رؤيا ؟ " قلنا : لا . قال : " لكني رأيت الليلة رجلين أتياني ، فأخذا بيدي ، فأخرجاني إلى أرض مقدسة ، فإذا رجل جالس ورجل قائم بيده كلوب من حديد ، يدخله في شدقه ، فيشقه حتى يبلغ قفاه ، ثم يفعل بشدقه الآخر مثل ذلك ، ويلتئم شدقه هذا ، فيعود فيصنع مثله . قلت : ما هذا ؟ قالا : انطلق ، فانطلقنا ، حتى أتينا على رجل مضطجع على قفاه ، ورجل قائم على رأسه بفهر ، أو صخرة يشدخ بها رأسه ، فإذا ضربه تدهده الحجر ، فانطلق إليه ليأخذه ، فلا يرجع إلى هذا حتى يلتئم رأسه ، وعاد رأسه كما كان ، فعاد إليه فضربه ، فقلت : ما هذا ؟ قالا : انطلق ، فانطلقنا ، حتى أتينا إلى ثقب مثل التنور أعلاه ضيق وأسفله واسع ، تتوقد تحته نار ، فإذا ارتفعت ارتفعوا حتى كاد أن يخرجوا منها ، وإذا خمدت رجعوا فيها ، وفيها رجال ونساء عراة . فقلت : ما هذا ؟ قالا : انطلق . فانطلقنا ، حتى أتينا على نهر من دم ، فيه رجل قائم على وسط النهر ، وعلى شط النهر رجل بين يديه حجارة ، فأقبل الرجل الذي في النهر ، فإذا أراد أن يخرج رمى الرجل بحجر في فيه فرده حيث كان ، فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع كما كان ، فقلت : ما هذا ؟ قالا : انطلق ، فانطلقنا ، حتى انتهينا إلى روضة خضراء ، فيها شجرة عظيمة ، وفي أصلها شيخ وصبيان ، وإذا رجل قريب من الشجر ، بين يديه نار يوقدها ، فصعدا بي الشجرة ، فأدخلاني دارا وسط الشجرة ، لم أر قط أحسن منها ، فيها رجال شيوخ وشباب ونساء وصبيان ، ثم أخرجاني منها ، فصعدا بي الشجرة ، فأدخلاني دارا هي أحسن وأفضل منها ، فيها شيوخ وشباب ، فقلت لهما : إنكما قد طوفتماني الليلة ، فأخبراني عما رأيت . قالا : نعم ، أما الرجل الذي رأيته يشق شدقه فكذاب ، يحدث بالكذبة فتحمل عنه حتى تبلغ الآفاق فيصنع به ما ترى إلى يوم القيامة ، والذي رأيته يشدخ رأسه فرجل علمه الله القرآن فنام عنه بالليل ولم يعمل بما فيه بالنهار ، يفعل به ما رأيت إلى يوم القيامة ، والذي رأيته في الثقب فهم الزناة ، والذي رأيته في النهر آكل الربا . والشيخ الذي رأيته في أصل الشجرة إبراهيم . والصبيان حوله فأولاد الناس ، والذي يوقد النار مالك خازن النار . والدار الأولى التي دخلت دار عامة المؤمنين . وأما هذه الدار فدار الشهداء . وأنا جبريل وهذا ميكائيل ، فارفع رأسك ، فرفعت رأسي ، فإذا فوقي مثل السحاب - وفي رواية : مثل الربابة البيضاء قالا : ذلك منزلك . قلت : دعاني أدخل منزلي . قالا : إنه بقي لك عمر لم تستكمله فلو استكملته أتيت منزلك " رواه البخاري . وذكر حديث عبد الله بن عمر في رؤيا النبي - صلى الله عليه وسلم - في المدينة في " باب حرم المدينة " .

التالي السابق


4621 - ( وعن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - ) ، مر ذكره ( قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى ) أي : صلاة الصبح وفرغ من أوراده ( أقبل علينا بوجهه ، فقال : " من رأى منكم الليلة رؤيا ؟ ) على وزن فعلى بلا تنوين ويجوز تنوينه كما قرئ به في الشاذة : أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ، وكذا روي منونا قوله في الحديث : ومن كانت هجرته لدنيا . ( قال ) أي : الراوي ( فإن رأى أحد ) أي : رؤيا صالحة ( قصها ، فيقول ) أي : النبي - صلى الله عليه وسلم - في تعبيرها ( ما شاء الله ) أي : مما يلهمه في جنانه ويجريه على لسانه ( فسألنا ) أي : هو ( يوما ) أي : صباح يوم ( فقال : هل رأى أحد منكم رؤيا ؟ ) يعني : على عادته - صلى الله عليه وسلم - في هذا السؤال ( قلنا : لا ) إما لا صريحا أو سكوتا ( قال : لكني رأيت الليلة ) .

قال الطيبي ، فإن قلت : ما معنى الاستدراك ؟ قلت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يهمه أن يرى أحدهم رؤيا يقصها ، فلما سألهم ولم يحصل منهم تلك قال : أنتم ما رأيتم ما يهمني لكني رأيت الليلة ( رجلين ) أي : شخصين على صورة رجلين ( أتياني ، فأخذا بيدي ) بتشديد الياء ( فأخرجاني إلى أرض ) بالتنوين ( مقدسة ) ، أي مطهرة مطيبة ، قيل هي أرض الشام ( فإذا رجل جالس ورجل ) أي : وهناك رجل ( قائم بيده كلوب ) بفتح الكاف وتشديد اللام المضمومة ، وقد يقال له الكلاب أيضا حديدة معوجة الرأس تتعلق بالشيء مع شدة فيجذب به ، فقوله : ( من حديد ) ، للتجريد وقيل للتأكيد ( يدخله ) أي : الرجل القائم ، ذلك الكلوب ( في شدقه ) ، أي : في جانب فم الرجل الجالس . قال شارح : هو بكسر الشين المعجمة وسكون الدال المهملة طرف شفته من جانب الأذن ( فيشقه ) أي : يقطعه ( حتى يبلغ ) أي : يصل قطعه ( قفاه ، ثم يفعل بشدقه الآخر مثل ذلك ، ويلتئم ) أي : يبرأ ( شدقه هذا ) أي : المشقوق ، والظاهر أن يقال ذاك ، ولعله أراد هذا الثاني ، أي يلتئم شدقه هذا ، أو وقع هذا مقام ذلك في أن المراد به المذكور من الشدقين ( فيعود ) أي : الرجل القائم ( فيصنع مثله ) أي : فيصنع بالرجل الجالس مثل صنعه الأول ( قلت : ما هذا ؟ ) أي الذي رأيناه ( قالا : انطلق ) ، أي اذهب ولا تسأل ( فانطلقنا ) ، أي جميعا ( حتى أتينا ) أي : مررنا ( على رجل مضطجع على قفاه ، ورجل ) : بالرفع أي : وهناك رجل ( قائم ) : وفي نسخة السيد بجرهما ، وكذا في نسخة مقروءة على الجزري عطفا على رجل ، أي : وعلى رجل قائم ( على رأسه ) أي : رأس الرجل المضطجع ( بفهر ) : بكسر الفاء وسكون الهاء ، أي : أخذ بحجر ملء الكف على ما في النهاية ، وقيل هو الحجر مطلقا ( أو صخرة ) : وهي الحجر العظيم ، قيل أو للشك ، ويحتمل التنويع ، أي : تارة وتارة ( يشدخ ) : بفتح الدال المهملة ، أي : يكسر ويدق ( به ) أي : بذلك الحجر والباء للاستعانة ( رأسه ، فإذا ضربه ) أي : بالحجر على رأسه ( تدهده الحجر ) ، أي : تدحرج ( فانطلق إليه ) أي : فذهب الرجل إلى ذلك الحجر ( ليأخذه فلا يرجع إلى هذا ) أي : المضطجع ( حتى يلتئم رأسه ) ، أي : شدخه ( وعاد رأسه كما كان ) ، أي : رجع مثل ما كان أولا ، وهذه الجملة تأكيد لما قبلها ( فعاد إليه ) أي : فرجع متوجها إليه ( فضربه ) ، أي : فشدخه ثانيا ( فقلت : ما هذا ؟ قالا : انطلق فانطلقنا حتى أتينا ) أي : جئنا ( إلى ثقب ) : بفتح مثلثة وسكون قاف ، وفي نسخة بنون مفتوحة في أوله ، وهو الموافق لما في المصابيح ومؤداهما واحد ، ففي القاموس الثقب النقب . وقال صاحب المغرب : الثقب الخرق النافذ [ ص: 2926 ] والثقبة بالضم مثله ، وإنما يقال : هذا فيما يقل ويصغر ، وأما نقب الحائط ونحوه بالنون ، فذلك فيما يعظم ، هذا وفي نسخة على ثقب ، بالمعنى : مررنا على ثقب ( مثل التنور ) : بالجر ( أعلاه ضيق وأسفله واسع ) ، الجملة صفة كاشفة ( تتوقد ) : بالتأنيث وجوز تذكيره ( تحته ) أي : تحت التنور ( نار ) ، وفي بعض النسخ منها - نسخة السيد - نارا بالنصب على التمييز ، أي : يتوقد ما تحته نارا ، فحذف الموصول ، وقال ابن الملك : روي بالنصب على التمييز ، وأسند يتوقد إلى ضمير الثقب . ( فإذا ارتقت ) : بقاف بين تاءين ، قال الطيبي : كذا في الحميدي ، وجامع الأصول ، وفي بعض نسخ المصابيح اقترنت ، وفي بعضها أوقدت ، والأول هو الصحيح رواية ودراية اهـ .

وفي الدراية نظر إذ المعاني مقاربة أي فإذا اشتعلت النار ، وفي نسخة : فإذا ارتفعت من الرفعة ( ارتفعوا ) أي : الناس الذين في الثقب المشبه بالتنور ( حتى كاد أن يخرجوا منها ) ، قال الطيبي : كذا في الحميدي والجامع ، أي : كاد خروجهم والخبر محذوف ، أي : كاد خروجهم يتحقق ، وفي نسخة المصابيح : يكادوا يخرجوا وحقه بثبات النون ، اللهم إلا أن يتحمل ، ويقدر أن يخرجوا تشبيها لكاد بعسى ، ثم حذف أن وترك على حاله ( وإذا خمدت ) : بفتح الخاء المعجمة والميم ويكسر ، ففي القاموس خمدت النار كنصر وسمع سكن لهبها ولم يطفأ جمرها ( رجعوا ) أي : الناس الذين كادوا أن يخرجوا ( فيها ) ، أي : في قعرها ليكون العذاب أشد ( وفيها ) أي : في تلك النار ( رجال ونساء عراة ) الجملة بيان للناس المفهوم من قوله : ارتفعوا ، وتنبيه على التغليب في الضمير وتوضيح لكشف أبدانهم ، فإنه للتهويل أوهى وللتنفير أدعى ( فقلت : ما هذا ؟ قالا : انطلق . فانطلقنا ، حتى أتينا على نهر ) بفتح الهاء ويسكن ( من دم ، فيه رجل قائم على وسط النهر ) بسكون السين ويحرك ، والجار الثاني بيان للأول فتأمل ( وعلى شط النهر ) أي : طرفه ( رجل بين يديه حجارة ) ، بكسر الحاء جمع حجر ( فأقبل الرجل الذي في النهر ) ، أي : مريدا للخروج ( فإذا أراد أن يخرج ) أي : بالكلية ويتخلص منه ( رمى الرجل ) أي : الذي على الشط ( بحجر ) : الباء للتعدية ( في فيه ) أي : فمه ( فرده حيث كان ) ، أي : إلى مكان كان من وسط النهر ( فجعل ) أي : شرع وطفق ( كلما جاء ليخرج ) قيل أصل أفعال المقاربة أن يكون خبرها كخبر كان إلا أنه ترك الأصل والتزم كون الخبر مضارعا ، ثم نبه على الأصل المتروك بوقوعه مفردا ، كما في عسيت صائما ، وجملة من فعل ماض مقدم عليه كلما كقوله : فجعل كلما جاء ليخرج ، أي : كلما جاء قريبا إلى الشط ليخرج من النهر . ( رمى ) أي : الرجل ( في فيه بحجر فيرجع كما كان ) ، وهو عطف على فجعل ، ولعل العدول عن الماضي إلى المضارع لاستحضار الحال ( فقلت : ما هذا ؟ قالا : انطلق . فانطلقنا حتى انتهينا ) : فيه إشارة إلى حسن المقطع ، أي : حتى وصلنا في آخر الأمر ( إلى روضة خضراء ، فيها شجرة عظيمة ، وفي أصلها ) أي : تحتها المقارب إلى جذعها ( شيخ ) أي : عظيم ( وصبيان ) ، أي : ولدان كثير ( وإذا رجل قريب من الشجرة ، بين يديه نار يوقدها ) : من الإيقاد ( فصعدا ) : بكسر العين ( بي ) : بالموحدة للتعدية ( الشجرة ) ، بالنصب على نزع الخافض ، والمعنى : رفعاني على الشجرة ( فأدخلاني دارا وسط الشجرة ، لم أر قط أحسن ) أي : كمية وكيفية ( منها ) أي : من تلك الدار ( فيها رجال شيوخ وشباب ) بفتح أوله جمع شاب ( ونساء ) عطف على رجال ( وصبيان ) أي : ولدان ( ثم أخرجاني منها ) أي : من تلك الدار ( فصعدا بي الشجرة ) ، أي : الشجرة التي كانت فيها فأل للعهد الذهني ، كما في قوله تعالى :

[ ص: 2927 ] " إذ هما في الغار " ، والظاهر أن الشجرة السابقة كذلك مع احتمال بعيد أن التعريف فيها للعهد الذكري ، لكنه بحسب الظاهر خلاف التأدب مع الشيخ المفسر بإبراهيم عليه الصلاة والسلام ، ومجمله أن الشجرتين كانتا بمنزلة السلم والمعراج للصعود في اليوم الموعود ( فأدخلاني دارا هي أحسن وأفضل ) أي : منها كما في نسخة . يعني : من الدار الأولى وفيه إشارة إلى أن للجنة درجات سفلية وعلوية ، وأن كل ما يكون أعلى فهو أعلى من الأدنى ( فيها ) أي : في الدار الثانية ( شيوخ وشباب ) ، ولم يذكر النساء والصبيان في هذا المقام ، إما لقلة كمالهم كمال الرجال ، أو لقلة وجود الكمال فيهن بخلاف الرجال ، ولذا قال - صلى الله عليه وسلم - كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران ، وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام " . على ما رواه أحمد والشيخان والترمذي والنسائي ، عن أبي موسى ، ويمكن أن يكون السكوت عن بيان النساء والصبيان ; لأنهم إن وجدوا فيها فيكون بالتبعية لا بالأصالة والله أعلم . ( فقلت لهما : إنكما قد طوفتماني ) : بالموحدة وقيل بالنون ، أي : دورتماني وفرجتماني ( الليلة ) : وقد رأيت أشياء غريبة وأمورا عجيبة بطريق الإجمال ( فأخبراني عما رأيت ) أي : تفصيلا وتفسيرا ( فقالا : نعم ) . في المغني : نعم بفتح العين وكنانة تكسرها ، وبها قرأ الكسائي ، وبعضهم يبدلها هاء ، وبها قرأ ابن مسعود وهي حرف تصديق ووعد وإعلام ، فالأول بعد الخبر كقام زيد ، والثاني بعد افعل ولا تفعل ، والثالث بعد الاستفهام نحو : ( " فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا " ) ، ( " إن لنا لأجرا " ) ولم يذكر سيبويه معنى الإعلام ألبتة ، بل قال : وأما نعم فعدة وتصديق ( أما الرجل الذي رأيته يشق ) : بصيغة المجهول أي : يقطع ( شدقه ) أي : طرف فمه إلى قفاه ( فكذاب ) ، أي : فهو كثير الكذب ( يحدث ) : استئناف مبين لقبح فعله ( بالكذبة ) : بفتح الكاف وسكون الذال للمرة وبكسر أولها للنوع ( فتحمل ) على بناء المفعول ، أي : فتروى وتنقل تلك الكذبة عنه ( حتى تبلغ الآفاق ) أي : حتى تنشر في أطراف الأرض ( فيصنع ) أي : لذلك ( ما ترى ) أي : ما رأيت ( إلى يوم القيامة ) أي : صنعا مستمرا ( والذي ) أي : وأما الذي ( رأيته يشدخ رأسه فرجل علمه الله القرآن ) أي : وفقه لتعلمه ( فنام عنه بالليل ) أي لم يكن يقرأ القرآن في الليل وإنما خص به لأنه كما قال تعالى : إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا إن لك في النهار سبحا طويلا ، ( ولم يعمل بما فيه بالنهار ) ، أي : ومن جملة ما فيه قوله تعالى : اتل ما أوحي إليك أي اقرأ واتبع ( يفعل به ما رأيت إلى يوم القيامة ) . وجملة الكلام أنه مع ما أعطي من النعم الجزيلة ، وهي علم القرآن كان غافلا عن تأويلاته ، وربما جر إلى نسيانه وهو من الكبائر ، ولم يكن عاملا بأوامره ونواهيه ، مع أنه هو المراد من نزول القرآن ، ولذا ورد معناه : إن من عمل بالقرآن فكأنه دائما يتلو القرآن ، وإن لم يقرأ ، ومن قرأ القرآن دائما ولم يعمل بما فيه فكأنه لم يقرأه أبدا .

وقال الطيبي : قوله فنام عنه ، أي : أعرض عنه . وعن هنا كما في قوله تعالى : الذين هم عن صلاتهم ساهون أي : ساهون سهو ترك لها ، وقلة التفات إليها ، وذلك فعل المنافقين والفسقة . قلت : ولذا قال بعض الصالحين : الحمد لله حيث ما قال في صلاتهم ساهون ، قال : فمعنى نام عنه بالليل : أنه لم يتله إذا كان بالليل ، ولم يتفكر فيما يجب عليه أن يأتي به ويذر من الأوامر والنواهي مثل المنافقين والفسقة ، فإذا كان حاله بالليل هذا فلا يقوم به فيعمل بالنهار بما فيه ، ويؤيد هذا التأويل ما جاء في رواية أخرى للبخاري : أما الرجل الذي يثلغ رأسه بالحجر ، فإنه الرجل الذي يأخذ القرآن فيرفضه وينام عن الصلاة المكتوبة ، وأما من نام من غير أن يتجافى عنه لتقصير أو عجز ، فهو خارج من هذا الوعيد اهـ .

[ ص: 2928 ] ( والذي رأيته في الثقب ) : بتقدير : أما ، ولذا قال ( فهم الزناة ، والذي رأيته في النهر آكل الربا ) . مبتدأ وخبر ( والشيخ الذي رأيته في أصل الشجرة إبراهيم ) . جملة أخرى ( والصبيان حوله فأولاد الناس ) : بالفاء في النسخ المصححة بناء على تقدير ما في صدر الكلام ، وفي نسخة بحذفها وهو ظاهر مطابق للجمل السابقة التي تليها . قال الطيبي : الفاء في قوله : فأولاد الناس جاز دخوله على الخبر ; لأن الجملة معطوفة على مدخول ، أما في قوله : أما الرجل الذي رأيته ، وحذف الفاء في بعض المعطوفات نظرا إلى أن أما لما حذفت حذف مقتضاها وكلاهما جائزان . (والذي يوقد النار مالك خازن النار . والدار الأولى التي دخلت ) أي : أولا ( دار عامة المؤمنين ) ، أي : عوامهم أو أكثرهم ( وأما هذه الدار فدار الشهداء ) ، أي : خواص المؤمنين من الأنبياء والأولياء والعلماء لما ورد : أن مداد العلماء يرجح على دماء الشهداء ، ويمكن أن يراد بالشهداء أرباب الحضور مع المولى في غالب أحوالهم ، كما أن المراد من العامة من غالب أحوالهم الغفلة والغيبة عن الحضرة . ( وأنا جبريل وهذا ميكائيل ) ، قال السيوطي : وأفضل الملائكة جبريل - عليه الصلاة والسلام - لحديث ورد فيه على ما رواه الطبراني ( فارفع رأسك ، فرفعت رأسي فإذا فوقي مثل السحاب ) أي : في غاية من الارتفاع ونهاية من الامتناع من أن يصل إليه كل أحد ، أو يطمع فيه من لم يكن له من الله مدد .

( وفي رواية : مثل الربابة ) : وهي بفتح الراء وتخفيف الموحدتين السحابة التي ركب بعضها على بعض ( البيضاء : قالا ذلك ) أي : هذا ( منزلك ) . ولعل العدول للإشارة إلى علو المنزلة ، وبعد الوصول إلى تلك المرتبة كما قيل مثل هذا في قوله تعالى : ( ذلك الكتاب ) ( قلت : دعاني ) أي : اتركاني ( أدخل ) : بالجزم ويرفع ( منزلي ) أي : الآن لأرى تفصيل ما لي ( قالا : إنه بقي لك عمر ) : بضمتين ويسكن الثاني أي : زمان من جملة العمر ( لم تستكمله ) أي : ما استكملته إلى الآن ( فلو استكملته ) : وفي نسخة : فإذا استكملته ( أتيت منزلك . رواه البخاري ) . قال النووي : فيه تنبيه على استحباب استقبال الإمام بعد سلامه على أصحابه ، وعلى استحباب السؤال على الرؤيا ، وعلى مبادرة المعبر إلى تأويلها أول النهار قبل أن يتشعب ذهنه باشتغاله في معاشه في الدنيا ; ولأن عهد الرائي قريب ولم يطرأ عليه ما يشوشها ; ولأنه قد يكون فيها ما يستحب تعجيله ، كالحث على خير ، والتحذير عن معصية ، وفيه إباحة الكلام في العلم وتعبير الرؤيا بعد صلاة الصبح ، وأن استدبار القبلة في جلوسه للعلم أو غيره جائز . قلت : هو للعلم أفضل إن لم يتصور الاستقبال مع الإقبال ، وفي الخطبة متعين على كل حال ، وأما استقباله في غيرهما فمستحب لما ورد عن ابن عباس مرفوعا على ما رواه الطبراني : " أشرف المجالس ما استقبل به القبلة " .

( وذكر حديث عبد الله بن عمر في رؤيا النبي - صلى الله عليه وسلم - في المدينة في باب حرمة المدينة ) .

[ ص: 2929 ]



الخدمات العلمية