الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
462 - وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وجهوا هذه البيوت عن المسجد ; فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب " . رواه أبو داود .

التالي السابق


462 - ( وعن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وجهوا هذه البيوت " : بكسر الباء وضمها ، أي : حولوا أبوابها ( " عن المسجد " ) : قال بعضهم : هذا اللفظ إذا استعمل بـ " عن " معناه الصرف من جانب إلى آخر ، وبـ " إلى " معناه الإقبال إلى الشيء ، أي : اصرفوا أبواب هذه البيوت التي فتحت إلى المسجد إلى جانب آخر ; كيلا يمر الجنب أو الحائض في المسجد على قول مالك والشافعي دون المكث خلافا لأحمد ، وعند أبي حنيفة ، يحرم المرور فيه ، قاله ابن الملك . وقال الطيبي : ضمن معنى الصرف ؛ يقال : وجه إليه أي : أقبل ، ووجه عنه أي : صرف ، وفي اسم الإشارة إشارة إلى تحقير البيوت وتعظيم شأن المساجد ، ( " فإني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب " ) : تعليل وبيان للوصف الذي هو علة الحكم . في شرح السنة : لا يجوز للجنب ولا للحائض المكث في المسجد ، وبه قال الشافعي ومالك وأصحاب أبي حنيفة ، وجوز الشافعي المرور فيه ، وبه قال مالك ، وجوز أحمد والمزني المكث فيه أيضا ، وأولوا عابري سبيل بالمسافرين تصيبهم الجنابة فيتيممون ويصلون . ( رواه أبو داود ) من طريق أفلت بن خليفة ، عن جسرة بنت دجاجة . وقال البخاري : عند جسرة عجائب . وقال البيهقي : فيها نظر ، وقال الخطاب : ضعفوا هذا الحديث ، وقالوا : أفلت راوية مجهول لا يصح الاحتجاج بحديثه ، وذكر النووي هذا الحديث والأحاديث الضعيفة ، كذا نقله السيد عن التخريج ، لكن أبو داود لم يضعفه فيكون عنده صالحا للاحتجاج به ، ومن ثم حسنه ابن القطان وغيره مع اطلاعهم على تضعيف جمع له ، وروى ابن ماجه نحوه ، ويوافقه قوله تعالى : لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا قال ابن عباس وغيره : أي مواضعها ، وهي المساجد لا غير إذ هي الموضوعة لها ابتداء ودواما بخلاف غيرها ، وذهب المزني وداود وابن المنذر وغيرهم إلى حل إباحة المكث فيه مطلقا . ووجهه النووي بأن الأصل الحل قال : وليس لمن حرم دليل صحيح صريح . قال :

[ ص: 440 ] وخبر : " يا علي ، لا يحل لأحد يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك " ضعيف ، وإن قال الترمذي : حسن غريب ، نعم من خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه يحل له المكث في المسجد جنبا على ما قاله صاحب التلخيص ، لكن خالفه القفال ، وغلطه إمام الحرمين وغيره ، ومع ذلك احتج النووي بالحديث المذكور ، وقال : هو إن كان فيه من ضعفه الجمهور ، فلعله اعتضد عند الترمذي بما اقتضى حسنه ، لكن إذا شاركه علي في ذلك لم يكن من الخصائص ا هـ . وفيه بحث إذ يمكن أن يكون من خصائصه ، ومع هذا يخص من شاء بهذه الخصوصية ، وهذا أخص من الاختصاص المطلق ، والله أعلم .




الخدمات العلمية