الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
حكم الصحيحين والتعليق .


40 - واقطع بصحة لما قد أسندا كذا له وقيل ظنا ولدى      41 - محققيهم قد عزاه النووي
وفي الصحيح بعض شيء قد روي      42 - مضعفا ولهما بلا سند
أشيا فإن يجزم فصحح أو ورد      43 - ممرضا فلا ولكن يشعر
بصحة الأصل له ك " يذكر "      44 - وإن يكن أول الإسناد حذف
مع صيغة الجزم فتعليقا عرف      45 - ولو إلى آخره أما الذي
لشيخه عزا ب " قال " فكذي      46 - عنعنة كخبر المعازف
لا تصغ لابن حزم المخالف

.

( حكم الصحيحين ) الماضي ذكرهما [ فيما أسند فيهما وغيره ] ، ( والتعليق ) أي : [ تعريف التعليق الواقع فيهما وفي غيرهما ] .

[ هل أحاديث الصحيحين تفيد العلم ] لما أشير إلى شرط صاحبي [ ص: 72 ] الصحيحين ، وانجر الكلام فيه إلى أن العدد ليس شرطا عند واحد منهما ، حسن بيان الحكم فيهما لسائله ; أيرتقى عن أخبار الآحاد لسموهما ، وجلالتهما ، وشفوف تحريهما في الصحيح أم لا ؟ .

فقيل له : ( واقطع بصحة لما قد أسندا ) أي : إن الذي أورده البخاري ومسلم مجتمعين ومنفردين بإسناديهما المتصل دون ما سيأتي استثناؤه من المنتقد والتعاليق وشبههما - مقطوع بصحته ; لتلقي الأمة المعصومة في إجماعها عن الخطأ ، كما وصفها - صلى الله عليه وسلم - بقوله : لا تجتمع أمتي على ضلالة لذلك بالقبول من حيث الصحة ، وكذا العمل ، ما لم يمنع منه نسخ أو تخصيص أو نحوهما .

وتلقي الأمة للخبر المنحط عن درجة المتواتر بالقبول يوجب العلم النظري ( كذا له ) أي : لابن الصلاح ; حيث صرح باختياره له والجزم بأنه هو الصحيح ، وإلا فقد سبقه إلى القول بذلك في الخبر المتلقى بالقبول الجمهور من المحدثين والأصوليين وعامة السلف ، بل وكذا غير واحد في الصحيحين .

ولفظ الأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني : " أهل الصنعة مجمعون على أن الأخبار التي اشتمل عليها الصحيحان - مقطوع بصحة أصولها ومتونها ، ولا يحصل الخلاف فيها بحال ، وإن حصل فذاك اختلاف في طرقها ورواتها .

قال : فمن خالف حكمه خبرا منها ، وليس له تأويل سائغ للخبر ، نقضنا حكمه ; لأن هذه [ ص: 73 ] الأخبار تلقتها الأمة بالقبول .

( وقيل ) : هو صحيح ( ظنا ) ; لأنه لا يفيد في أصله قبل التلقي - لكونه خبر آحاد - إلا الظن ، وهو لا ينقلب بتلقيهم قطعيا ، وتصحيح الأئمة للخبر المستجمع للشروط المقتضية للصحة إنما هو مجرى على حكم الظاهر ; لما تقدم في ثاني مسائل الكتاب ، وأيضا فقد صح تلقيهم بالقبول لما ظنت صحته ( و ) هذا القول ( لدى ) أي عند ( محققهم ) وكذا الأكثرون هو المختار كما ( قد عزا ) إليهم الإمام ( النووي ) .

لكن قد وافق اختيار ابن الصلاح جماعة من المتأخرين مع كونه لم ينفرد بنقل الإجماع على التلقي ، بل هو في كلام إمام الحرمين أيضا ; فإنه قال : لإجماع علماء المسلمين على صحتهما ، وكذا هو في كلام ابن طاهر وغيره ولا شك - كما قال عطاء - أن ما أجمعت عليه الأمة أقوى من الإسناد .

ونحوه قول شيخنا : " الإجماع على القول بصحة الخبر أقوى في إفادة العلم من مجرد كثرة الطرق ، وكذا من القرائن المحتفة التي صرح غير واحد بإفادتها العلم ، لا سيما وقد انضم إلى هذا التلقي الاحتفاف بالقرائن ، وهي جلالة قدر مصنفيهما ، ورسوخ قدمهما في العلم ، وتقدمهما في المعرفة بالصناعة ، وجودة تمييز الصحيح من غيره ، وبلوغهما أعلى المراتب في الاجتهاد والإمامة في وقتهما " .

على أن شيخنا قد ذكر في توضيح النخبة أن الخلاف في التحقيق لفظي ، قال : لأن من جوز إطلاق العلم ، قيده بكونه نظريا ، وهو الحاصل عن الاستدلال ، ومن أبى الإطلاق خص لفظ العلم بالمتواتر ، وما عداه عنده ظني .

لكنه لا ينفي أن ما احتف بالقرائن أرجح مما خلا منها ، ولأجل كونه نظريا قيل : ( في الصحيح ) لكل من البخاري ومسلم ( بعض شيء ) وهو يزيد على مائتي حديث ( قد روي ) حال [ ص: 74 ] كونه ( مضعفا ) بالنسبة لبعض من تأخر عنهما ، وفات بذلك فيه تلقي كل الأمة المشار إليه ، ومن ثم استثناه ابن الصلاح من القطع بقوله : " سوى أحرف يسيرة تكلم عليها بعض أهل النقد من الحفاظ ; كالدارقطني وغيره ، وهي معروفة عند أهل هذا الشأن " . انتهى .

ولا يمنع الاستثناء اجتهاد جماعة في الجواب عنه ، ودفع انتقاد ضعفه ، وأفرد الناظم مؤلفا لذلك ، عدمت مسودته قبل تبييضها ، وتكفل شيخنا في مقدمة شرح البخاري بما يخصه منه ، والنووي في شرح مسلم بما يخصه منه ، فكان فيهما مع تكلف في بعضه إجزاء في الجملة .

وأما ما ادعاه ابن حزم في كون كل واحد من الشيخين مع إتقانه وحفظه وصحة معرفته ، تم عليه الوهم في حديث أورده لا يمكن الجواب عنه ، وحكم على حديث مسلم خاصة بالوضع ، فقد رده بعض الحفاظ في جزء مفرد ، وأوضحت الكلام على ذلك مع مهمات كثيرة في هذا الباب ، وفي غيره في النكت لا يستغني من يروم التبحر في الفن عنها .

ويستثنى من القطع أيضا ما وقع التجاذب بين مدلوليه ; حيث لا ترجيح ; لاستحالة أن يفيد المتناقضان العلم بصدقهما من غير ترجيح لأحدهما على الآخر ; قاله شيخنا .

التالي السابق


الخدمات العلمية