[ الفرع الثالث ] ( و ) أما ( عد ما فسره الصحابي ) الذي شاهد الوحي والتنزيل من آي القرآن ( رفعا ) أي : مرفوعا كما فعل
الحاكم ، وعزاه للشيخين ، وهو الفرع الثالث ( فمحمول على الأسباب ) للنزول ، ونحوها مما لا مجال للرأي فيه ; لتصريح
الخطيب فيها بقوله في حديث
جابر الآتي : قد يتوهم أنه موقوف ، وإنما هو مسند ; لأن
nindex.php?page=treesubj&link=29122الصحابي الذي شاهد الوحي إذا أخبر عن آية نزلت في كذا كان مسندا ، وتبعه
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابن الصلاح ، وقيد به إطلاق
الحاكم ، وإنما كان كذلك ; لأن من التفسير ما ينشأ عن معرفة طرق البلاغة واللغة كتفسير مفرد بمفرد ، أو يكون متعلقا بحكم شرعي ، ونحو ذلك مما للرأي فيه مجال ، فلا يحكم لما يكون من نحو هذا القبيل بالرفع ; لعدم تحتم إضافته إلى الشارع .
أما اللغة والبلاغة : فلكونهم في الفصاحة والبلاغة بالمحل الرفيع .
وأما الأحكام : فلاحتمال أن يكون مستفادا من القواعد ، بل هو معدود في الموقوفات .
ومنه - وهو المرفوع - ما لا تعلق للسان العرب به وهو لا مجال للرأي فيه ; كتفسير أمر مغيب من أمر الدنيا أو الآخرة أو الجنة أو النار ، أو تعين ثواب أو عقاب ،
[ ص: 157 ] ونحو ذلك من سبب نزول ; كقول
جابر : كانت اليهود تقول : من أتى امرأته من دبرها في قبلها ، جاء الولد أحول ، فأنزل الله : ( نساؤكم حرث لكم ) الآية .
على أنه قد يقال : إنه
nindex.php?page=treesubj&link=29124يكفي في تسويغ الأخبار بالسبب البناء على ظاهر الحال ; كما لو سمع من الكفار كلاما ، ثم أنزل الله تعالى ما يناقضه ; إذ الظاهر أنه نزل ردا عليهم من غير احتياج إلى أن يقول له النبي - صلى الله عليه وسلم - : هذا أنزل لسبب كذا ، فقد وقع الإخبار عنهم بالكثير بناء على ظاهر الحال .
ومن ذلك قول
الزبير - رضي الله عنه - في قصة الذي خاصمه في شراج الحرة : إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=65فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ) [ النساء : 65 ] وهو وإن كان بعض الروايات : جزم
الزبير بذلك ، فالراجح الأول ، وأنه كان لا يجزم به ، وإذا كان كذلك فطرقه الاحتمال .
وأما التقييد في قائل ما لا مجال للرأي فيه بكونه ممن لم يعرف بالنظر في الكتب القديمة - فسيأتي في سادس الفروع .
[ الْفَرْعُ الثَّالِثُ ] ( وَ ) أَمَّا ( عَدُّ مَا فَسَّرَهُ الصَّحَابِي ) الَّذِي شَاهَدَ الْوَحْيَ وَالتَّنْزِيلَ مِنْ آيِ الْقُرْآنِ ( رَفْعًا ) أَيْ : مَرْفُوعًا كَمَا فَعَلَ
الْحَاكِمُ ، وَعَزَاهُ لِلشَّيْخَيْنِ ، وَهُوَ الْفَرْعُ الثَّالِثُ ( فَمَحْمُولٌ عَلَى الْأَسْبَابِ ) لِلنُّزُولِ ، وَنَحْوِهَا مِمَّا لَا مَجَالَ لِلرَّأْيِ فِيهِ ; لِتَصْرِيحِ
الْخَطِيبِ فِيهَا بِقَوْلِهِ فِي حَدِيثِ
جَابِرٍ الْآتِي : قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ ، وَإِنَّمَا هُوَ مُسْنَدٌ ; لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29122الصَّحَابِيَّ الَّذِي شَاهَدَ الْوَحْيَ إِذَا أَخْبَرَ عَنْ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي كَذَا كَانَ مُسْنَدًا ، وَتَبِعَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12795ابْنُ الصَّلَاحِ ، وَقَيَّدَ بِهِ إِطْلَاقَ
الْحَاكِمِ ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ ; لِأَنَّ مِنَ التَّفْسِيرِ مَا يَنْشَأُ عَنْ مَعْرِفَةِ طُرُقِ الْبَلَاغَةِ وَاللُّغَةِ كَتَفْسِيرِ مُفْرَدٍ بِمُفْرَدٍ ، أَوْ يَكُونُ مُتَعَلِّقًا بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لِلرَّأْيِ فِيهِ مَجَالٌ ، فَلَا يُحْكَمُ لِمَا يَكُونُ مِنْ نَحْوِ هَذَا الْقَبِيلِ بِالرَّفْعِ ; لِعَدَمِ تَحَتُّمِ إِضَافَتِهِ إِلَى الشَّارِعِ .
أَمَّا اللُّغَةُ وَالْبَلَاغَةُ : فَلِكَوْنِهِمْ فِي الْفَصَاحَةِ وَالْبَلَاغَةِ بِالْمَحَلِّ الرَّفِيعِ .
وَأَمَّا الْأَحْكَامُ : فَلِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مُسْتَفَادًا مِنَ الْقَوَاعِدِ ، بَلْ هُوَ مَعْدُودٌ فِي الْمَوْقُوفَاتِ .
وَمِنْهُ - وَهُوَ الْمَرْفُوعُ - مَا لَا تَعَلُّقَ لِلِسَانِ الْعَرَبِ بِهِ وَهُوَ لَا مَجَالَ لِلرَّأْيِ فِيهِ ; كَتَفْسِيرِ أَمْرٍ مُغَيَّبٍ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا أَوِ الْآخِرَةِ أَوِ الْجَنَّةِ أَوِ النَّارِ ، أَوْ تَعَيُّنِ ثَوَابٍ أَوْ عِقَابٍ ،
[ ص: 157 ] وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ سَبَبِ نُزُولٍ ; كَقَوْلِ
جَابِرٍ : كَانَتِ الْيَهُودُ تَقُولُ : مَنْ أَتَى امْرَأَتَهُ مِنْ دُبُرِهَا فِي قُبُلِهَا ، جَاءَ الْوَلَدُ أَحْوَلَ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ : ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ ) الْآيَةَ .
عَلَى أَنَّهُ قَدْ يُقَالُ : إِنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=29124يَكْفِي فِي تَسْوِيغِ الْأَخْبَارِ بِالسَّبَبِ الْبِنَاءُ عَلَى ظَاهِرِ الْحَالِ ; كَمَا لَوْ سَمِعَ مِنَ الْكُفَّارِ كَلَامًا ، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى مَا يُنَاقِضُهُ ; إِذِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ نَزَلَ رَدًّا عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إِلَى أَنْ يَقُولَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : هَذَا أُنْزِلَ لِسَبَبِ كَذَا ، فَقَدْ وَقَعَ الْإِخْبَارُ عَنْهُمْ بِالْكَثِيرِ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ الْحَالِ .
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ
الزُّبَيْرِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي قِصَّةِ الَّذِي خَاصَمَهُ فِي شِرَاجِ الْحَرَّةِ : إِنِّي لَأَحْسَبُ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=65فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ) [ النِّسَاءِ : 65 ] وَهُوَ وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الرِّوَايَاتِ : جَزَمَ
الزُّبَيْرُ بِذَلِكَ ، فَالرَّاجِحُ الْأَوَّلُ ، وَأَنَّهُ كَانَ لَا يَجْزِمُ بِهِ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَطَرَقَهُ الِاحْتِمَالُ .
وَأَمَّا التَّقْيِيدُ فِي قَائِلٍ مَا لَا مَجَالَ لِلرَّأْيِ فِيهِ بِكَوْنِهِ مِمَّنْ لَمْ يُعْرَفْ بِالنَّظَرِ فِي الْكُتُبِ الْقَدِيمَةِ - فَسَيَأْتِي فِي سَادِسِ الْفُرُوعِ .