الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                  صفحة جزء
                                                                  ( 149 ) حدثنا علي بن عبد العزيز ، وأبو مسلم الكشي ، قالا : ثنا حجاج بن المنهال ، ثنا حماد بن سلمة ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، إنها قالت : لقد تحدث الناس بهذا الأمر وشاع وقام رسول الله فيه خطيبا ، وما أشعر به فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نفر من أصحابه على جارية لي نوبية ، فقال رسول الله : " ما تعلمين من عائشة ؟ " ، فقالت : ما أعلم عليها عيبا غير أنها تنام ، فتدخل الشاة ، فتأكل خميرتها وحصيرها ، فقال : " لست عن هذا أسألك " ، قالت : فعمه ، فلما فطنت ، قالت : سبحان الله ، وما أعلم من عائشة إلا كما يعلم الصائغ من التبر الأحمر ، فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : " أشيروا علي معشر المسلمين ، في قوم أبنوا أهلي ما علمت عليهم من سوء قط ، وأبنوهم بمن والله ما علمت عليه من سوء قط ، ولا تغيبت قط إلا وهو معي ، ولا دخل بيتي قط إلا وأنا شاهد " ، فقال سعد بن معاذ : أرى أن يضرب أعناقهم ، فقال رجل من الخزرج : كذبت والله أما والله لو كانوا من رهطك ما أمرت بقتلهم ، وكان حسان من [ ص: 107 ] الخزرج ، حتى كان بين الأوس والخزرج في المسجد كون ، وكان ممن يذيعه حسان بن ثابت ، ومسطح بن أثاثة ، وحمنة بنت جحش في آخرين ، وكان يتحدث به عند عبد الله بن أبي فيسمعه فيستوشيه ويذيعه ، قالت عائشة : فخرجت ذات ليلة مع أم مسطح لحاجتي ، فبينما نمشي إذ عثرت ، فقالت تعس مسطح ، فقلت : سبحان الله على من تسبين ابنك مسطحا وهو من المهاجرين الأولين وقد شهد بدرا ؟ ، ثم مشت ساعة فعثرت ، فقالت مثل ذلك ، فقلت لها مثل ذلك ، فقالت : والله ما أسبه إلا فيك ، قالت : قلت : وما شأني ؟ ، فأخبرتني بالأمر ، فذهبت حاجتي فرجعت ، فحممت ، فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : " ما شأنك يا عائشة ؟ " ، قلت : حممة فائذن لي فآتي أبوي ، فأذن لي فذهبت ، فإذا أمي أسفل وأبي فوق البيت يصلي ، فقالت أمي : ما شأنك يا عائشة ؟ ، فقلت : أخبرتني أم مسطح بكذا وكذا ، فقالت : أما سمعت به إلا الآن ؟ ، فبكيت وبكت وسمع أبي البكاء ، فقال : ما شأن ابنتي ؟ ، فقالت أمي : سمعت بذلك الأمر الآن ، فقال : أي بنية ارجعي إلى بيتك حتى نغدو عليك غدا ، فجاء من الغد وعند النبي - صلى الله عليه وسلم - امرأة من الأنصار ، فلم يمنع النبي - صلى الله عليه وسلم - مكانها أن يكلم ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : " أما بعد يا عائشة ، فإن كنت أسأت وأخطأت فاستغفري الله وتوبي " ، فقلت لأبي : تكلم ، فقال : بم أتكلم ؟ ، قلت لأمي : تكلمي ، قالت : بم أتكلم ؟ ، فحمدت الله وأثنيت عليه ثم قلت : أما بعد ، فوالله لئن قلت لكم قد فعلت والله يعلم ما فعلت لتقولن قد أقرت وما فعلت ، ولئن قلت لم أفعل والله يعلم ما فعلت لتقولن كذبت ، ولا أجد لي ولكم مثلا إلا ما قال العبد الصالح فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ، [ ص: 108 ] فنزل الوحي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فأسري عنه حتى رأيت السرور بين عينيه ، فقال : " يا عائشة أبشري أبشري فقد أنزل الله عذرك " ، وقرأ القرآن ، فقال أبواي : قومي فقبلي رأس رسول الله ، فقلت : أحمد الله لا إياكما ، وكان مسطح قريبا لأبي بكر وكان يتيما في حجره ، فحلف أن لا ينفق عليه ، فأنزل الله - عز وجل - ولا يأتل أولو الفضل منكم - حتى ختم الآية - ، وكان حسان إذا سب عندها قالت : لا تسبوه ، فإنه كان ينافح عن رسول الله ، وأي عذاب أعظم من ذهاب عينيه ، عذاب عظيم .

                                                                  التالي السابق


                                                                  الخدمات العلمية