الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                  صفحة جزء
                                                                  6073 - حدثنا أحمد بن القاسم بن مساور الجوهري ، ثنا سعيد بن سلمان الواسطي ، ثنا عبد الله بن عبد القدوس ، ثنا عبيد المكتب ، حدثني أبو الطفيل ، حدثني سلمان الفارسي قال : كنت رجلا من أهل جي ، وكان أهل قريتي يعبدون الخيل البلق ، وكنت أعرف أنهم ليسوا على شيء ، فقيل [ ص: 229 ] لي : إن الدين الذي تطلب ، إنما هو بالمغرب ، فخرجت حتى أتيت الموصل ، فسألت عن أفضل رجل فيها ، فدللت على رجل في صومعة ، فأتيته فقلت له : إني رجل من أهل جي ، وإني جئت أطلب العلم وأتعلم ، فضمني إليك أخدمك وأصحبك ، وتعلمني مما علمك الله ؟ فقال : نعم ، فصحبته ، فأجرى علي مثل ما كان يجري عليه الخل والزيت والحبوب ، فلم أزل معه حتى نزل به الموت ، فجلست عند رأسه أبكيه ، فقال : ما يبكيك ؟ قلت : يبكيني أني خرجت من بلاد أطلب الخير ، فرزقني الله عز وجل فصحبتك فعلمتني ، وأحسنت صحبتي ، فنزل بك الموت ، ولا أدري أين أذهب ، قال لي : أخ بالجزيرة بمكان كذا وكذا ، فهو على الحق فائته ، فأقرئه مني السلام ، وأخبره أني أوصيت إليه وأوصيتك بصحبته ، قال : فلما أن قبض الرجل خرجت حتى أتيت الرجل الذي وصف لي ، فأخبرته بالخبر ، وأقرأته السلام من صاحبه ، وأخبرته أنه هلك وأمرني بصحبته ، قال : فلما أن قبض الرجل خرجت حتى أتيت الرجل الذي وصف لي ، فأخبرته وأوفيته السلام من صاحبه ، أنه هلك وأمرني بصحبته ، قال : فضمني إليه ، وأجرى علي كما كان يجرى علي مع الآخر ، فصحبته ما شاء الله ، ثم نزل به الموت ، فلما أن نزل به الموت جلست عند رأسه أبكي ، فقال لي : ما يبكيك ؟ قلت : خرجت من بلادي أطلب الخير ، فرزقني الله عز وجل صحبة فلان ، فأحسن صحبتي وعلمني ، فلما نزل به الموت أوصى بي إليك فضممتني ، وأحسنت صحبتي ، وعلمتني ، وقد نزل بك الموت ، فلا أدري أين أتوجه ؟ قال : فائت أخا لي على قرب الروم ، فهو على الحق فائته ، واقرئه مني السلام واصحبه ، فإنه على الحق ، فلما قبض الرجل خرجت حتى أتيته ، فأخبرته بخبري ، وبوصية الآخر قبله ، قال : فضمني إليه ، وأجرى علي كما يجرى علي ، فلما نزل به الموت ، جلست أبكي عند رأسه ، فقال لي : ما يبكيك ؟ فقصصت قصتي ، قلت له : إن الله رزقني صحبتك ، وأحسنت صحبتي ، وقد نزل بك الموت ، فلا أدري أين [ ص: 230 ] أتوجه ؟ قال : لا أين ، ما بقي أحد أعلمه على دين عيسى في الأرض ، ولكن هذا أوان يخرج فيه نبي ، أو قد خرج بتهامة فأنت على الطريق لا يمر بك أحد إلا سألته عنه ، وإذا بلغك أنه خرج فائته ، فإنه النبي الذي بشر به عيسى عليه السلام ، وآية ذلك أن بين كتفيه خاتم النبوة ، وأنه يأكل الهدية ، ولا يأكل الصدقة ، قال : فكان لا يمر بي أحد إلا سألته عنه ، فمر بي ناس من أهل مكة فسألتهم ، فقالوا : نعم قد ظهر فينا رجل يزعم أنه نبي ، فقلت لبعضهم : هل لكم إلى أن أكون عبدا لبعضكم على أن تحملوني عقبة ، وتطعموني من الكسر ، فإذا بلغتم إلى بلادكم ، فإن شاء أن يبيع باع ، وإن شاء أن يستعبد استعبد ، فقال الرجل منهم : أنا ، فصرت عبدا له حتى قدم بي مكة ، فجعلني في بستان له مع حبشان كانوا فيه ، فخرجت وسألت ، فلقيت امرأة من أهل بلادي فسألتها ، فإذا أهل بيتها قد أسلموا ، وقالت لي : إن النبي صلى الله عليه وسلم في الحجر هو وأصحابه إذا صاح عصفور بمكة ، حتى إذا أضاء لهم الفجر تفرقوا ، فانطلقت إلى البستان فكنت أختلف ليلتي ، فقال لي الحبشان : ما لك ؟ فقلت : أشتكي بطني ، قال : وإنما صنعت ذلك لئلا يفقدوني إذا ذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : فلما كانت الساعة التي أخبرتني المرأة التي يجلس فيها هو وأصحابه ، خرجت أمشي حتى رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذا هو محتب وأصحابه حوله ، فأتيته من ورائه ، فعرف نبي الله صلى الله عليه وسلم الذي أريد ، فأرسل حبوته ، فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه ، فقلت : الله أكبر ، هذه واحدة ، ثم انصرف ، فلما كان الليلة المقبلة لقطت تمرا جيدا ، ثم انطلقت حتى أتيت به النبي صلى الله عليه وسلم ، فوضعته بين يديه فقال : " ما هذا ؟ " قلت هو هدية ، فأكل منها ، وقال للقوم : " كلوا " ، قال : قلت : أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله ، فسألني عن أمري ، فأخبرته ، فقال : " اذهب فاشتر نفسك " ، فانطلقت إلى صاحبي ، فقلت : بعني نفسي ؟ قال : نعم ، على أن تنبت لي مائة نخلة ، فإذا أنبتت جئني بوزن نواة من ذهب ، فأتيت رسول الله [ ص: 231 ] صلى الله عليه وسلم ، فأخبرته ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اشتر نفسك بالذي سألك وائتني بدلو من ماء البئر الذي كنت تسقي منها ذلك النخل " ، قال : فدعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها ، ثم سقيتها فوالله لقد غرست مائة نخلة ، فما غادرت منها نخلة ، إلا نبتت ، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبرته أن النخل قد نبتن ، فأعطاني قطعة من ذهب ، فانطلقت بها فوضعتها في كفة الميزان ، ووضع في الجانب الآخر نواة ، فوالله ما استقلت القطعة الذهب من الأرض ، قال : وجئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقني .

                                                                  التالي السابق


                                                                  الخدمات العلمية