الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                  صفحة جزء
                                                                  7264 - حدثنا أبو شعيب الحراني ، ثنا أبو جعفر النفيلي ، ثنا محمد بن سلمة ، عن محمد بن إسحاق ، حدثني محمد بن مسلم الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن ابن عباس ، قال : ثم مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واستخلف على المدينة أبا رهم كلثوم بن حصين الغفاري ، وخرج لعشر مضين من رمضان ، " فصام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصام الناس معه حتى إذا [ ص: 10 ] كان بالكديد ما بين عسفان وأمج أفطر " ، ثم مضى حتى نزل مر الظهران في عشرة آلاف من المسلمين من مزينة وسليم ، وفي كل القبائل عدد وإسلام ، وأوعب مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمهاجرون والأنصار ، فلم يتخلف منهم أحد ، فلما نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمر الظهران ، وقد عميت الأخبار عن قريش ، فلم يأتهم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خبر ، ولا يدرون ما هو فاعل ، خرج في تلك الليلة أبو سفيان بن حرب ، وحكيم بن حزام ، وبديل بن ورقاء يتحسسون وينتظرون هل يجدون خبرا ، أو يسمعون به ، وقد كان العباس بن عبد المطلب أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببعض الطريق ، وقد كان أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ، وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة قد لقيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما بين مكة والمدينة ، فالتمسا الدخول عليه ، فكلمته أم سلمة فيهما ، فقالت : يا رسول الله ، ابن عمك وابن عمتك وصهرك . قال : " لا حاجة لي بهما ، أما ابن عمي فهتك عرضي ، وأما ابن عمتي وصهري ، فهو الذي قال لي بمكة ما قال " . فلما أخرج إليهما بذلك ، ومع أبي سفيان بني له ، فقال : والله ليأذنن لي أو لآخذن بيد ابني هذا ، ثم لنذهبن في الأرض حتى نموت عطشا وجوعا ، فلما بلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رق لهما ، ثم أذن لهما فدخلا وأسلما ، فلما نزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمر الظهران قال العباس : واصباح قريش ، والله لئن دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة عنوة قبل أن يستأمنوه ، إنه لهلاك قريش إلى آخر الدهر قال : فجلست على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء ، فخرجت عليها حتى جئت الأراك فقلت : لعلي ألقى بعض الحطابة ، أو صاحب لبن ، أو ذا حاجة يأتي مكة ، فيخبرهم بمكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليخرجوا إليه ، فيستأمنوه قبل أن يدخلها عليهم عنوة . قال : فوالله ، إني لأسير عليها ، وألتمس ما خرجت له إذ سمعت كلام أبي سفيان ، وبديل بن ورقاء وهما يتراجعان ، وأبو سفيان يقول : ما رأيت كاليوم قط نيرانا ولا عسكرا قال : يقول بديل : هذه والله نيران خزاعة حمشتها الحرب . قال : يقول أبو سفيان : خزاعة ، والله أذل وألأم من أن تكون هذه نيرانها وعسكرها . قال : [ ص: 11 ] فعرفت صوته ، فقلت : يا أبا حنظلة ، فعرف صوتي ، فقال أبو الفضل فقلت : نعم . قال : مالك فداك أبي وأمي . فقلت : ويحك يا أبا سفيان ، هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الناس واصباح قريش والله قال : فما الحيلة ، فداك أبي وأمي ؟ قال : قلت : والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك ، فاركب معي هذه البغلة حتى آتي بك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أستأمنه لك ، قال : فركب خلفي ورجع صاحباه ، فحركت به كلما مررت بنار من نيران المسلمين قالوا : من هذا ؟ فإذا رأوا بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا : عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بغلته حتى مررت بنار عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال : من هذا ؟ وقام إلي ، فلما رأى أبا سفيان على عجز البغلة ، قال أبو سفيان عدو الله ، الحمد لله الذي أمكن منك بغير عقد ولا عهد ، ثم خرج يشتد نحو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وركضت البغلة ، فسبقته بما تسبق الدابة البطيء الرجل البطيء ، فاقتحمت عن البغلة ، فدخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودخل عمر ، فقال : يا رسول الله ، هذا أبو سفيان قد أمكن الله منه بغير عقد ولا عهد ، فدعني فلأضرب عنقه . قال : قلت : يا رسول الله ، إني أجرته ، ثم جلست إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخذت برأسه فقلت : لا والله لا يناجيه الليلة رجل دوني ، فلما أكثر عمر في شأنه قلت : مهلا يا عمر ، أما والله لو كان من رجال بني عدي بن كعب ما قلت هذا ، ولكنك عرفت أنه رجل من رجال بني عبد مناف قال : مهلا يا عباس ، فوالله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم ، وما بي إلا أني قد عرفت أن إسلامك كان أحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إسلام الخطاب ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " اذهب به إلى رحلك يا عباس ، فإذا أصبح فائتني به " . فذهبت به إلى رحلي فبات عندي ، فلما أصبح غدوت به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " ويحك يا أبا سفيان ، ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله ؟ " قال : بأبي أنت وأمي ، ما أكرمك وأوصلك ، والله لقد ظننت أن لو كان مع الله غيره لقد أغنى عني شيئا قال : " ويحك يا أبا [ ص: 12 ] سفيان ، ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله ؟ " قال : بأبي أنت وأمي ، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك هذه والله كان في نفسي منها شيء حتى الآن . قال العباس : ويحك يا أبا سفيان أسلم ، واشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله قبل أن تضرب عنقك ، قال : فشهد بشهادة الحق وأسلم . قلت : يا رسول الله ، إن أبا سفيان رجل يحب هذا الفخر ، فاجعل له شيئا قال : " نعم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، ومن أغلق بابه فهو آمن ، ومن دخل المسجد فهو آمن " . فلما ذهب لينصرف ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يا عباس ، احبسه بمضيق الوادي عند خطم الجبل ، حتى تمر به جنود الله فيراها " . قال : فخرجت به حتى حبسته حيث أمرني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أحبسه قال : ومرت به القبائل على راياتها كلما مرت قبيلة قال : من هؤلاء ؟ فأقول : سليم . فيقول : ما لي ولسليم ؟ قال : ثم تمر القبيلة قال : من هؤلاء ؟ فأقول : مزينة . فيقول : ما لي ولمزينة ؟ حتى تعدت القبائل لا تمر قبيلة إلا قال : من هؤلاء ؟ فأقول : بنو فلان . فيقول : ما لي ولبني فلان . حتى مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الخضراء كتيبة فيها المهاجرون والأنصار لا يرى منهم إلا الحدق ، قال : سبحان الله ، من هؤلاء يا عباس ؟ قلت : هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المهاجرين والأنصار . قال : ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة ، والله يا أبا الفضل ، لقد أصبح ملك ابن أخيك الغداة عظيما . قلت : يا أبا سفيان ، إنها النبوة . قال : فنعم إذن ، قلت : النجاء إلى قومك . قال : فخرج حتى إذا جاءهم صرخ بأعلى صوته يا معشر قريش ، هذا محمد قد جاءكم بما لا قبل لكم به ، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن ، فقامت إليه امرأته هند بنت عتبة ، فأخذت بشاربه ، فقالت : اقتلوا الدسم الأحمس ، فبئس من طليعة قوم . قال : ويحكم ، لا تغرنكم هذه من أنفسكم ، فإنه قد جاء ما لا قبل لكم به ، من دخل دار أبي سفيان ، فهو آمن قالوا : ويلك وما تغني عنا دارك . قال : ومن أغلق بابه فهو آمن ، ومن دخل المسجد فهو آمن فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد .

                                                                  [ ص: 13 ] 7265 حدثنا الحسن بن علي المعمري ، ثنا إسحاق بن موسى الأنصاري ، ثنا يونس بن بكير ، عن جعفر بن برقان ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، عن ابن عباس ، فذكر مثل حديث محمد بن إسحاق .

                                                                  التالي السابق


                                                                  الخدمات العلمية