الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الركن الرابع : الجعل ، وفي الجواهر شرطه أن يكون معلوما مقدورا كالأجرة ويمتنع بنصف الآبق للغرر ، وله أجر مثله - وقاله الأئمة ؛ قال ابن يونس قال مالك : يمتنع ، بعه ولك من كل درهم كذا إذا لم يسم ثمنا ، فإن قال : إن بعته بعشرة فلك من كل درهم سدسه جاز ، فإن باعه بأكثر ، فليس له إلا [ ص: 14 ] سدس العشرة ، كأنه قال بعه بعشرة ولك سدسها ، ولو قال فما زاد فبحسابه ، فسد للجهالة ، ويمتنع بيعه بأقل من عشرة ; لأنه الشرط ، وإذا قال لك : من كل درهم سدس فباع فله جعل مثله ، لبطلان العقد ، ولو قال لك الجعل بعته أم لا ، قال ابن حبيب يمتنع ; لأنها إجارة فاسدة وله أجرة مثله ، قال محمد : كل جعل فاسد ففيه إجارة المثل .

                                                                                                                قاعدة : العقود المستثنيات من أصول إذا فسدت هل ترد إلى صحيح نفسها فيما يستحق ; لأنه الأصل ، أو صحيح أصلها ; لأن الشرع استثنى الصحيح من ذلك الأصل إذا كان شرعيا ، والفاسد لم يستثن فيرد إلى الأصل الأول المستثنى منه ، وهذا كفاسد المساقاة والقراض ، والجعالة فيها قولان ، قال ابن يونس : يمنع إذا بعت فلك درهم ، وإلا فلك نصف درهم ، له أجرة مثله باع أم لا ، وقيل : إن باع فله أجر مثله . وإلا فلا شيء له لعدم العمل وفساد العقد .

                                                                                                                فرع : قال اللخمي : يجوز السكوت على الجعل إذا كان معلوما عادة لتعيين النقد بالعادة .

                                                                                                                فرع : في الكتاب يجوز على كل دابة يشتريها دينار ، وله رد المال متى شاء ولا يضمنه ; لأنه أمين .

                                                                                                                [ ص: 15 ] فرع : في الكتاب إن جئتني بالعبدين الآبقين فلك دينار يمنع ، فإن أتى بأحدهما فله أجرة المثل ، وقال ابن نافع نصف دينار نظرا للرضى بالتسمية ، قال اللخمي : وقال أشهب : يقسم على قدر القيم يوم الإباق ; لأن الجعل إنما يدل على ما يعرف منه يوم الإباق ، والمشهور أبين ; لأنهما لم يدخلا على أن الجعل على العدد أو القيم ، ولو جعلاه على القيم لفض ، أو على العدد لقسم نصفين وهو أخف من جمع الرجلين سلعتهما ، وإن قالا يوم الوجود فسد اتفاقا ، للجهل بحالة الوجود حينئذ ، ولو سمى لكل عبد جعلا مختلفا على قدر قيمته والمجعول له يعرفه جاز ، وإلا فقولان لمالك ورجع للمنع ; لأنه قد يقبض أحد العبدين ويكون المراد غيره ، فإن استوى الجعل واختلت القيم فله قولان أيضا ، قال ابن يونس : قيل : إنما يجوز الجعل على الأعداد لا على القيم ، فعلى هذا تجوز المسألة ; لأن حصة من يأتي به معلومة ، والخلاف إنما يجري حيث أبهم اللفظ : لو قال : إن جئت بهما فلك دينار وإلا فلا شيء لك امتنع اتفاقا ، لئلا يبقى للجاعل ما ينتفع به ، وأجاز مالك : لك في كل ثوب تبيعه درهم ، ومنع في كل دينار درهم ، وأجاز في كل آبق يأتي به دينار إذا سمى عددهم . وقال ابن يونس لا تشترط التسمية .

                                                                                                                فرع : قال اللخمي : يجوز الجعل مضمونا ويمتنع ضرب الأجل ; لأنه قد يحل قبل وجود الآبق ، فإن جعلا مبدأ الأجل بعد وجوده جاز ، فإن كان الجعل عينا [ ص: 16 ] معينة امتنع ، وللجاعل الانتفاع بها ويغرم المثل إذا أتى بالعبد ، وإن كان مكيلا أو موزونا لا يخشى تغييره إلى وجود الآبق أو ثوبا جاز ويوقف ، وإن خشي تغييره كالحيوان امتنع للغرر .

                                                                                                                فرع : في الكتاب يجوز حصاد الزرع وجد النخل والزيتون بنصفه وليس له تركه ; لأنها إجارة وبيع نصفه إن قال : افعل ولك ذلك ، وإن قال : فما حصدت فلك نصفه فهو جعل ، وله الترك متى شاء ومنع غيره هذا التوهم لجهالة في المعمول والمأخوذ ، ويمتنع : فما حصدت اليوم فلك نصفه ، لامتناع بيع ذلك ، إلا أن يشترط الترك متى شاء ، بخلاف ضرب الأجل ، ويمتنع انفض الشجر بنصف ما ينتفض للجهالة ، ويجوز انفضه كله ولك نصفه ، لجواز بيع نصفه ، قال صاحب التنبيهات : استدل بعضهم بحصاد الزرع بنصفه على جواز بيعه محصودا ، وهي رواية أشهب عن مالك ، ورواية ابن القاسم : المنع وليس كذلك ; لأنه وجب له بالعقد لا بالحصاد ; لأن الهالك منه قبل الحصاد وبعده من الأجير ، وهو باع منافعه بنصف الزرع ، فهو يحصد لنفسه وذلك النصف هو المبيع قائما لا محصودا ، قال صاحب النكت : قال ابن القاسم : إذا حصده أو نفضه فاحترق فمنهما وعليه حصد مثل بقي عليه ، قال سحنون : عليه قيمة نصف الزرع دون حصاد مثل نصفه ; لأن الزرع يختلف ، ولو قال : فما حصدت فلك [ ص: 17 ] نصفه ، وضمان ما حصد منه وما لم يحصد من ربه ، ولا يتبع أحدهما الآخر بشيء ; لأنها جعالة ، ولو قال : احصده وادرسه وصفه ولك نصفه ، فهلك بعد حصاده فضمانه كله من ربه ، وللأجير أجرة مثله لفساد الإجارة . قال ابن يونس عن مالك : منع ما لقطت اليوم فلك نصفه - وإن اشترط الترك متى شاء . قال اللخمي : يمتنع احصده وادرسه ولك نصف ما يخرج ; لأن الخارج مجهول بخلاف على النصف ; لأن النصف الآن على هيئته وهو شريك يحصد ويدرس لنفسه .

                                                                                                                فرع : قال ابن يونس : قال عبد الملك : إذا حملت الدابة قبل عمل فيها ثم طلبت الجعل يمتنع ; لأنها صارت أمانة ، والأمانة لا يؤخذ عليها جعل .

                                                                                                                فرع : في النوادر تجوز المجاعلة على بناء طاحون وله نصفها ، وعلى إصلاح القناة سنة ، وعلى بناء الدار بصفة معلومة بسكناها سنة ; لأن ذلك متقارب عادة .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية