الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال التونسي : الصدقة في المرض لا تحتاج إلى حيازة ; لأنها من الثلث كالوصية ، فلو وهب مريض لمريض هبة لا مال له غيرها ، ثم وهبها الموهوب للموهوب في مرضه ولا مال له غيرها ، قال ابن القاسم : تقسم من تسعة : ثلاثة للموهوب له أولا منها واحد للواهب الأول ، قال : وهذا السهم يلزم منه الدور ; لأنك إذا أعطيته لورثة الأول كثر ثلثه ، فيرجع فيرجع عليهم ورثة الثاني في ثلثه كمال تجدد ; لأن هبة البتل تدخل فيما علم وما لم يعلم ، ثم يقوم يقوم عليهم ورثة الأول في ثلث ثلثه ، فيدور هكذا حتى يقطع ، ولما كان كذلك سقط من الدورين ، ويكون المال ثمانية ؛ ستة لورثة الأول واثنان لورثة الثاني .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال اللخمي : إن لم يفرط في القبض فهي من رأس المال وعنه تبطل ; لأنه مريض ولم يجعلها وصية وإن فرط ، قال ابن القاسم : لا تخرج من رأس المال ولا من ثلث ، وعلى قوله في العتق : يقوم يقوم عليه في ثلثه ؛ تخرج الصدقة من الثلث ، فإن لم تقم تقم عليه حتى مات بفور الصدقة فقيل تبطل ، وقيل تصح من رأس المال لعدم التفريط في الحوز ، فإن صح لم تخرج من رأس المال ولا من الثلث لتقدم حوز الورثة على حوز المتصدق .

                                                                                                                [ ص: 238 ] فرع

                                                                                                                في الكتاب : إذا تصدقت على رجل بدراهم وجعلتها على يد غيره والمعطى حاضر عالم جائز جائز الأمر الأمر ولم يقم ولم يقبض حتى مت نفذت نفذت إن لم تنه الذي هي على يديه عن دفعها إليه إلا بأمرك ; لأن قبض الغير حوز له ، فإن قلت للغير ذلك فلورثتك ; لأنه حوز لك ; لأنه حينئذ وإن دفعت مالا يفرق في الفقراء أو في سبيل الله وقد قبل إنفاذه وقد أشهدت نفذت من رأس المال لاستقلال الحوز ، وإن لم تشهد فالباقي منه لورثتك لعدم الحوز ، ولو فرق الباقي بعد موتك ضمنه لورثتك ، قال ابن يونس : إذا جعل الحبس على يد رجل والمحبس عليهم كبار جاز لأنك حوزته لهم .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال ابن يونس : إذا وهبت نصف عبدك فحوزه أن يخدمه يوما ويخدمك يوما ، وعبد الغلة تؤجرانه جميعا وتقتسمان الغلة ، فإن وهبت شقصا لك فيه لا يبقى بيدك منه شيء بل جميعه إما بيد الشريك ، أو بيد المعطى ، أو بأيديهما تحقيقا للحوز ، وإن سلمت نصيبك واكتريت نصيب شريكك بطلت الهبة لعدم الحوز باستيلائك من غير ضرورة بخلاف بقائك شريكا ; لأنه ضرورة .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : إذا وهبته ميراثك في قرية مشاعا فعمل فيها بقدر حصته فهو حوز ؛ قاله ابن القاسم ، وقال في امرأة تصدقت على زوجها بميراثها من دار مشاعا ، فبنى في ناحية منها وسكن بغير مقاسمة ، بطلت إلا أن يصالحه الشركاء فيبقون بناحية وهو بناحية ; لأنه لم يحز نصيبه كما وهبته مشاعا ، قال أصبغ : إلا الموضع الذي بنى فيه صح الحوز فيه ، قال محمد : إن لم يكن بنى للمرأة فيها شيئا فهو حوز لخروجها [ ص: 239 ] عنها وإلا فكما قال ابن القاسم ، وإن وهبت سهما في أرض فعمر المعطى قدر حصتك بحضرة الباقين ، أو لاستغنائهم ، أو ضعفهم عن العمل لا يكون له إلا نصيبه فيما عمر ; لأنهم لم يسلموا ذلك إليه ، قال : ولو تصدق بعض الورثة بناحية قبل قسمة الأرض تقسم الأرض إن وقعت تلك الناحية للمتصدق فهي للمعطى وإلا بطلت الصدقة وليس عليه التعويض ; لأن الصدقة إنما تناولت معينا فتبطل ببطلانه كالبيع ، وإن وقع بعضها فهي للمعطى له ، فإن قال أقاسمكم هذه الناحية وهي تحمل القسمة وامتنع الورثة ، فإن كانت في جودتها وردائتها مثل بقية الأرض أجيب فيأخذ منها حصته ، وإن كانت تضاف إلى جملة الأرض في الحكم قسم الجميع كما تقدم .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال ابن يونس : قال مالك : إذا خرجت للسائل بالكسرة بالكسرة أو بالدرهم فلم تجده ، أرى أن تعطي لغيره تكميلا للمعروف ، وإن وجدته ولم يقبل فهو أولى من الأول لتأكيد العزم بالدفع .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال اللخمي : قال مالك : إذا تصدق على ولده الصغير أو يتيم يلي عليه بمائة من غنمه ولم يفرزها حتى مات ، فذلك جائز وهو شريك بحصته وله النماء والنقصان ، وعنه إن لم يفرزها أو يسمها برسم امتنع لعدم الحوز ، قال ابن القاسم : وإن سماه جازت إذا عرفت كذلك ، وإن كانت غائبة عن شهوده إذا كان في حجره حجره ، وجوز ابن القاسم الصدقة بعدة من نخله يكون شريكا ، واختلف إذا حبس أو تصدق بعبد أو حائط على ولده الصغير أو أجنبي فلم يحز الأجنبي حتى مات المعطي ، قال مالك : الحبس باطل لعدم حوز الأجنبي أو الكبير إن كان مع [ ص: 240 ] الصغير ، قال ابن القاسم : وكذلك الهبة ، وعن مالك الصحة في الهبة والصدقة دون الحبس لامتناع القسمة فيه ; لأنها بيع ، وعنه إن علم في الحبس وغيره أن الأب حاز ومنع نفسه من المنافع جاز نصيب الابن ولا خلاف أن نصيب الأجنبي باطل لعدم الحوز ، وكل هذا راجع إلى الخلاف في هبة المشاع هل تجوز أم لا ؟ ، فعلى القول بالجواز يصح نصيب الصغير ; لأنه لو قام الأجنبي بالحوز كانت يد الأب معه على الهبة والحبس ، وعلى القول بالمنع يبطل نصيب الصغير ; لأنه لو قام الأجنبي بالحوز لرجعت يد الأب على الجميع ولو جعل ذلك بيد أجنبي ، أو يجعل معه من يحوز للصغير فهو بمنزلة من تصدق على ولد له صغير على أن لا يحوز له ، وإن : الحائز له فلان فلم يحز فلان حتى مات الأب فإن الحبس يرجع ميراثا بخلاف الصدقة ; لأن الأجنبي لو قام بالصدقة لقال له الأب : أنا أقاسمك ، أو أبيع معك لولدي ولا ترجع ، وألحق مرة الصدقة بالحبس ورأى أن من حق الأجنبي أن يكون حبسا على يديه .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال التونسي : إذا تصدق بعبده على أن له خمسة أيام من كل شهر جوزه ابن كنانة ; لأنه تصدق بخمسة أسداس العبد وقد حازها ، وقال ابن القاسم : إن كانت صدقة امتنع ، أو حبسا جاز ، قال : والأول الصواب ، ولو دعي للبيع جبر عليه وسدس الثمن للمتصدق عليه ، وإن أراد ابن القاسم أنه كان شرط عليه في الخمسة الأسداس عدم البيع فخرج على من وهب على أن لا يبيع الموهوب ولا يهب امتنع ذلك للحجر ، ويقال إما أن تطرح الشرط أو ترجع الهبة .

                                                                                                                [ ص: 241 ] فرع

                                                                                                                في الكتاب : ليس حوز الغاصب ولا المرتهن ولا خليفتك على دارك ولا المستأجر حوزا للموهوب إلا أن يسلم إليه إجارته ; لأن هؤلاء قبضوا لغير الموهوب بل لأنفسهم بخلاف قبض المخدم والمعار إلى أجل ، قال ابن يونس : قال أشهب قبض الغاصب قبض للموهوب ; لأنه ضامن فهو كالدين عليه فيجوز إذا أشهد ، قال ابن القاسم : لو وهبك وديعة بيدك ولم تقل : قبلت قبلت حتى مات الواهب فذلك لورثته ، وقال أشهب ذلك قبض لك إلا أن تقول : لا أقبل ; لأنه من حين الهبة صارت في حوزك ، وقال ابن القاسم : إذا أشهد أن وديعته لفلان هبة ولم يأمره بقبضها ثم مات المتصدق قبل قبض المتصدق عليه ، إن علم المودع فهي جائزة ; لأنه حينئذ يكون قابضا للمتصدق عليه ولو دفعها الواهب الواهب ضمنها وليس للمودع أخذها ، وقال مالك : إذا بعد بعد بطلت ; لأنه لم يجزه ذلك .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال ابن يونس : لو وهبك دينه عليك فقلت قبلت سقط الدين ، أو لا أقبل بقي على حاله ، وقال أشهب يسقط إن لم يعلم .

                                                                                                                قاعدة : التصرفات تنقسم إلى الإسقاط بغير نقل كالطلاق ؛ فإنه يسقط العصمة ولا ينقلها للمرأة ، وكالعتق يسقط الملك ولا ينقله للعبد ، وإلى نقل إما بعوض كالبيع ، أو بغير عوض كالهبة ونحوها ، فما كان إسقاطا لا يفتقر إلى القبول إجماعا وما كان نقلا افتقر إلى القبول إجماعا ، واختلف الناس في الإبراء هل هو إسقاط فلا يفتقر إلى القبول ، أو نقل ملك فيفتقر إليه ، فهذه القاعدة منشأ الخلاف وبالأول قال ( ش ) وأحمد .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : قال سحنون : إن أعطيت غلة كرمك ، أو سكنى دارك سنين لرجل [ ص: 242 ] وتصدقت به على ابنك الصغير ، فحوز الرجل حوز له ولابنك إن كان الجميع في فور واحد والإشهاد عليه ، قال عبد الملك : إذا أعمرت رجلا دارك وتصدقت بها على آخر في فور واحد فحيازة المعمر حيازة للموهوب ، وكذلك في إخدام العبد ، ولو قتل العبد فقيمته للموهوب ، فإن تقدم الإعمار ، ثم تصدقت بها إن رجعت رجعت وأنت حي فهي للموهوب ، أو ميت ، أو مريض ، أو مفلس فلا شيء للموهوب ، وكذلك المخدم ، قال ابن القاسم : ذلك حيازة في الوجهين ، قال اللخمي : قال عبد الملك : لا يكون حوز المخدم حوزا للموهوب إذا تأخرت الهبة بعد الإخدام ; لأنه إنما حوز لنفسه ، وإن كان في فور فهو حوز لهما ; لأنك أقبضته لهما ، وقال أشهب : المستأجر جائز ، وإن لم تسلم الإجارة له ; لأنه كما حاز الرقبة لنفسه ليستوفي منها المنافع منسوبة إليك يحوزها منسوبة للموهوب مع بقاء الإجارة عندك في الوجهين ، والمخدم على وجهين إن وهب الرقبة بعد انقضاء الخدمة لم يكن حوزا ; لأن المخدم يحوزه لنفسه ، وإن قتل فالقيمة لصاحبه الأول ، وإن جعل له الرقبة من الأول فإن كانت نفقته على سيده بطلت الهبة لعدم الحوز ، وإن شرطها على الموهوب فسدت أيضا للغرر ; لأنه لا يدري هل يحصل قبالة نفقته شيء أم لا ، وإن كانت نفقته قبل الهبة على المخدم جاز كالعبد المغصوب ; لأن الواهب رفع يده عنه إلا أن يرضى المخدم بحوزه فيجوز بخلاف فضلة الرهن ; لأن المرتهن حقه في الرهن وقيمته ، والمخدم في المنافع ، فحوزه لرقبة الموهوب لا يناقضه ، وإذا لم يعلم المودع لا يكون حوزه حوزا بخلاف المخدم ; لأن المودع قبضه لربه والمخدم قبضه لنفسه فلا يد لربه عليه ولا لوكيله ، وإن قال المودع أنا أحوزه للموهوب كان حوزا ، أو قال بل للواهب لم يكن حوزا ولا أحوزه لواحد منهما فعلى القولين في المغصوب ، فإن وهبت نصفه ورضي المودع أن يحوز له نصفه فقيل حوز ، وقال عبد الملك : ليس بجحوز لعدم التمكن من الحوز ، قال التونسي : لا يعتبر [ ص: 243 ] ابن القاسم على المخدم والمستعير ; لأنهما حازا لأنفسهما ، ولو قالا : لا نحوز للموهوب لم يلتفت يلتفت إليهما إلا أن يبطلا ما لهما من المنافع وهما غير قادرين قادرين على ذلك لتقدير قبولهما ، وإذا وهبته أرضا غائبة فخرج مبادرا فمات الواهب قبل القبض ، ذلك حوز لعدم التفريط ؛ قاله أشهب وخالفه ابن القاسم ; لأن الأرض لو حضرت أمكن قبضها ، وقال عبد الملك : الإشهاد في العبد الآبق حوز ، وإن مات المعطى قبل القبض ; لأنه الممكن فيه ، وينبغي أن يمتنع على مذهب ابن القاسم ، ولو باع الموهوب الهبة في يد الواهب فهو حوز عند عبد الملك خلافا لأصبغ ; لأن القابض المشتري وهو غير محتاج إلى حيازة ، قال التونسي : إذا غاب الواهب قال مطرف : لا يحكم الحاكم بدفعها للموهوب بخلاف غيرها من الحقوق لأنا لا نعلم حاله عند الحكم فلعله مات ، أو مرض ، أو أادان ، وقال عبد الملك : إن دافع عن حيازتها مدافع حكم له بها بعد الاستيلاء إلا أن يثبت أنه مات ; لأن الأصل عدم حدوث الموانع ، وقال أصبغ تسمع بينته ويوقف لينظر موته فتدفع للوارث ، أو حياته فتدفع له .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية