الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الجلاب : إذا وهب لولده دنانير ، أو مثليا فخلطه بمثله ، بطل [ ص: 271 ] الاعتصار لتعذر التمييز ، وكذلك لو صاغها حليا في شرح الجلاب يتعذر الرجوع .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال الأبهري : لا يعتصر لغرمائه بدين متجدد بعد الهبة ، بل إنما يعتصر لنفسه كما يأخذ من ماله لينفق على نفسه دون غيره .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال صاحب المقدمات : هبة الثواب مباحة خلافا للأئمة ؛ قالوا لأنه بيع للسلعة بقيمتها ، أو بثمن مجهول إن لم يعينوا القيمة وهو ممنوع في البيوع اتفاقا ، فكذلك هاهنا ; ولأن موضوع الهبة التبرع لغة ، والأصل عدم النقل ، والتبرع لا يقتضي عوضا فلا تكون الهبة تقتضي ثوابا ; ولأن كل عقد اقتضى عوضا غير مسمى لا يفترق فيه الأعلى مع الأدنى ، كالنكاح في التفويض ، فلو اقتضته الهبة لاستوى الفريقان ، وبالقياس على الوصية بجامع التبرع ، والجواب عن الأول الفرق بأن هبة الثواب وإن دخلها العوض فمقصودها أيضا المكارمة والوداد ، فلم تتمحض للمعاوضة والمكايسة ، والعرف يشهد لذلك ، فلذلك جاز فيها مثل هذه الجهالة والغرر ، كما جوز الشرع الذهب والفضة والطعام لا يدا بيد في القراض ; لأن قصده المعروف فظهر الفرق ، وعن الثاني إن أردتم أن كل هبة موضوعها التبرع فهو مصادرة على محل النزاع لاندراجها في هذه الكلية ، وإن أردتم أن بعض الهبات كذلك فمسلم ولا يضرنا ذلك ; لأن عندنا أن هبة الأدنى للأعلى موضوعة للعوض والأعلى للأدنى للتبرع بشهادة العرف ، فيكون [ ص: 272 ] لغة كذلك ; لأن الأصل عدم النقل والتغيير ، وعن الثالث الفرق بأن النكاح للعوض فيه لازم شرعا ، لا يتمكنان من إسقاطه ، فلذلك اطرد في جميع الصور ، والسلعة قائمة للعوض وعدمه ، فإذا اقترن بها ما يدل عليه أو على عدمه اتبع ذلك الدليل أو بقلبه ، فيقول عقد يقصد للوداد فيقتضي العوض قياسا على النكاح ، بل عندنا ملحقة بنكاح التفويض يسكت عن العوض فيه ، ويلزم صداق المثل ، كذلك هاهنا يلزم قيمة المثل ، وعن الرابع الفرق بأن الوصية تراد لثواب الآخرة فلذلك لم تقتض أعواض الدنيا كالصدقة ، ثم يتأيد مذهبنا بقوله تعالى : وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ، وهو يشمل الهبة والهدية ; لأنها يتحيى بها وورودها في السلام لا يمنع دلالتها على محمل النزاع ; لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ; ولأنه أهدى إليه أعرابي ناقة فأعطاه ثلاثا فأبى ، فزاد ثلاثا فأبى ، فلما كملت تسعا قال : رضيت ، فقال : وأيم الله لا أقبل من أحد بعد اليوم هدية إلا أن يكون قرشيا ، أو أنصاريا ، أو ثقفيا ، أو دوسيا ، خرجه الترمذي وأبو داود بألفاظ مختلفة ، فدل على أن الهبة تقتضي الثواب ، وإن لم يشترط ; لأنه أعطاه حتى أرضاه ، وروي عنه : " الرجل أحق بهبته ما لم يثب منها " ، وما زال الصحابة على ذلك - رضي الله عنهم - ولأنه مفهوم في العرف ، والعرف كالشرط ، ويشير إليه قوله تعالى : وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله ، لأنه لا أجر له فيربو فبقي الأجر ولم يثبت الإثم ، فدل ذلك على أنه عادة [ ص: 273 ] العرف ، وعلى الإباحة قال صاحب المقدمات : وهي حرام على النبي لقوله تعالى ولا تمنن تستكثر ، أي : لا تعط شيئا لتأخذ أكثر منه لشرف منصبه - عليه السلام - عن ذلك لما فيه من المسكنة .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : إذا شرط الواهب الثواب ، أو يرى أنه أراده فلم يثب فله أخذ هبته إن لم تتغير في بدنها بنماء ، أو نقص بخلاف البيع ، وكذلك إذا أثابه أقل من قيمتها ولا يجبر الموهوب على الثواب إذا لم تتغير الهبة عنده ، ويلزم الواهب أخذ القيمة يوم وهبها ; لأنه يوم العقد وليس للموهوب ردها في الزيادة إلا أن يرضى الواهب ، ولا للواهب أخذها في نقص البدن إلا برضا الموهوب ، ولا بقيمتها عند الموهوب بحوالة الأسواق ; لأنها رغبات الناس خارجة عن الهبة ، وإذا عوض الموهوب الواهب أقل من قيمة الهبة ، ثم قام الواهب بعد ذلك أحلف ما سكت إلا للانتظار ، وتكمل له القيمة ; لأن الأصل عدم الرضى لا سيما بدون القيمة ، أو ترد الهبة إن لم تفت ، والصدقة للشراب كالهبة للثواب ، وهبة الدين للثواب تمنع إلا يدا بيد لئلا يكون فسخ دين في دين ، قال صاحب التنبيهات : قوله إذا شرط يقتضي جواز التصريح بالشرط ; لأن الثواب ثمن فالتصريح به جائز ومنع عبد الملك التصريح بالشرط ; لأنه بيع للسلعة بقيمتها ، وللمسألة أربعة أوجه : أن يسكت ويعلم طلبه للثواب بعادة أو ظاهر حال الهبة فيجوز اتفاقا ، وأن يصرح فيقول : أهبتك للثواب أو لتثيبني من غير ذكر شرط ، فجعله اللخمي كالأول متفقا عليه ، وظاهر قول عبد الملك يقتضي المنع ، وأن يصرح بالشرط ؛ فالمذهب الجواز ، وعبد الملك يمنع ; لأنه بيع بالقيمة وهو ممنوع اتفاقا ، يقول [ ص: 274 ] على أن تثيبني كذا بعينه فيجوز منه ما يجوز في البيع ويمتنع ما يمتنع وتنعقد الهبة الجائزة بالقبول ، وقال عبد الملك : لا تنعقد هبة الثواب إلا بالقبض ، قال اللخمي : لم يختلف المذهب إذا فاتت أنه يجبر على القيمة ، وليس له إذا أكثر ، فإن كانت قائمة فكذلك أيضا مذهب الكتاب ، وعنه : له أن يأبى ، وإن أثيب أكثر من قيمتها لقول عمر - رضي الله عنه - من وهب هبة يرى أنها للثواب فهو على هبته يرجع فيها إن لم يرض منها ; ولأنه لو أراد القيمة لباعها في السوق ، والأصل عصمة الأموال إلا برضى أربابها ، قال : وأرى إن أثيب منها ما يرى أنه كان يرجوه من هذا الموهوب ، فإنه يلزمه ؛ قائمة كانت أو فائتة ; لأنه إنما رضي بإخراج سلعته به .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : للواهب هبة الثواب المنع من القبض حتى يقبض العوض كالبيع ، فإن قبض قبل العوض وقفت فيثيبه أو يردها ويتلوم له ما لا يضر ، وإن مات الواهب للثواب وهي في يده فهي نافذة كالبيع وللموهوب أخذها إن دفع العوض للورثة ، ورثته تقوم مقامه كالبيع ، قال اللخمي : المذهب له منعها حتى يثاب لحديث عمر - رضي الله عنه - ، وقال محمد : ليس له المنع من قبضها ; لأن العادة تقدم تسليمها قبل الطلب وإذا كان الواهب مريضا جاز له تسليمها على القول الأول قبل القبض ، وليس له على القول الآخر إلا أن يكون الموهوب له فقيرا ، فللورثة منعه منها ، وإن قبضها منعوه من بيعها حتى يثيب ، وإن كان موسرا لم يكن لهم منعه من البيع على المذهب ، وقيل يمنع ، ومتى [ ص: 275 ] غاب على الجارية العلي امتنع الرد خشية الوطء ، وإذا امتنع الرد أبيح الوطء قبل الإثابة .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : لا ثواب في هبة النقدين ; لأنهما يقصدان عوضا لا معوضا ، إلا أن يشترط فيثاب عرضا أو طعاما حذرا من النساء في الصرف ، وإن وهب حليا للثواب عوض عرضا لا معينا ولا حليا من فضة ، قال ابن يونس : وعن ابن القاسم : إذا اشترط الثواب في النقدين ردت الهبة ; لأنها قيمة فلا تكون لهما قيمة ، ولأنهما حينئذ بيعا بما لا يعلم من أصناف العروض ، ولا ثواب في غير المسكوك من الذهب والفضة من التبر والسبائك والنقار والحلي المكسور ، وعنه يجوز التعويض على الحلي الصحيح للذهب فضة وعن الورق ذهبا ، قال ابن القاسم : إذا قال واهب الدنانير أردت الثواب بالعين لا يقبل قوله لكونه خلاف العادة ، ولو كان الواهب يعتقد أنه وهبها للثواب إذا لم يره الناس فإن الذي يقوم مقام الشرط العرف لا الاعتقاد ، قال مالك : إلا أن يقوم على ذلك دليل .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : إذا قدم غني من سفره فأهدى له جاره الفقير الفواكه ونحوها فلا ثواب له ولا له ردها ، وإن كانت قائمة العين ; لأن العادة أن هذا للمواصلة ، وكذلك أحد الزوجين مع الآخر ، والولد مع والده ، والوالد مع ولده ، إلا أن يظهر القصد لذلك ، كهبة المرأة لزوجها الموسر جارية ، أو الزوج ، أو الولد يفعل ذلك يستعذر من أبيه ، قال ابن يونس : قيل له أخذها ما لم تفت ، قال محمد : وأما القمح [ ص: 276 ] والشعير يوهب للثواب ففيه الثواب ، قال اللخمي : قال ابن عبد الحكم له الثواب في الفاكهة للقادم ونحوها ، وما وهبه القادم لجيرانه لا ثواب فيه ; لأنه العادة والعادة في هدية العرس والولائم للثواب غير أنهم يختلفون في القيام ، ومن علم أن مثله لا يطلب لم يكن له قيام ولا لورثته إن مات ، وإن كان مثله يطلب فله ولورثته ، ومتى كانت العادة أن يثيب مثل الأول جاز لشبهه بالقرض ، وإن كان القصد أن يثاب أكثر فسدت وردت .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال اللخمي : إذا كان الحكم أن لا ثواب فأثاب جهلا ، أو أثاب من صدقة ، قال مالك : يرجع في ثوابه ما كان قائما لعدم سببه ولا شيء له إن فات ; لأنه سلطه كما قيل في صرف الزكاة لغير المستحق ، قال ابن القاسم إن أثابه دنانير فقال أنفقتها أو هلكت حلف وبرئ ، أو سلعة أخذها ، وإن نقصت ، وكذلك إن زادت إلا أن يعطيه قيمتها ، قال : وأرى أن يرجع في عوض ثوابه قبل الفوت إذ يصون به ماله ، ولا يصدق في الدنانير ولا غيرها مما يغاب عليه كما لا يصدق إذا استحق من يده وادعى التلف للتهمة ويصدق في الحيوان .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : ومتى قام دليل الثواب ، أو عدمه صدق ، وإن أشكل الأمر لم يكن له شيء ; لأنه سلطه ، والأصل عدم الاستحقاق وعدم خروج الهبة إلى باب البيع ، ومتى كانت من فقير لغني فالثواب ، أو بالعكس فعدم الثواب ، لأنه [ ص: 277 ] العادة ، أو من غني لغني فالثواب ; لأن عادة الأغنياء المكافأة ، أو بين فقيرين فقولان نظرا للفقر ، أو لأن سنة الفقير للفقير كالغني للغني ، قال أشهب : الهبة للغني فيها الثواب إلا أن يريد أن يسعى له في حاجة ; لأن السعي ثواب ، ولا ثواب للسلطان ولا عليه ، وقال عبد الوهاب : إن كان الواهب فقيرا فله الثواب ; لأنه يرجو رفد السلطان ، أو غنيا فلا ثواب ; لأن الأغنياء يحاسبون ذبا عن أموالهم إلا أن يكون طالبه بمظالم فهاداه ولم يتركه ، أو قدم من السفر بتحف فهاداه فالعادة الثواب إلا أن يعلم أن المقصود الجاه ، قال عبد الوهاب : ولا فيما وهب للفقيه ، أو الصالح ، قال ابن شعبان : ولهما الثواب إن وهبا إلا أن يكونا فقيهين ، وفي هبة أحد الزوجين للآخر قولان في الثواب ، وكذلك الوالد مع الولد ، وعلى القول بالثواب يصدق مدعيه ، والأقارب يختلفون في سقوط الثواب وأقواهم الجد والجدة يهبان للولد ، وليس كذلك هبته لهما .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : ما وهبته لذي رحمك وغلمانك للثواب ، لك طلبه إن أثابوك وإلا رجعت فيها ، وأما هبتك لفقيرهم فلا ثواب ; لأن ذلك قرينة الصلة والصدقة ، وكذلك هبة الغني للفقير الأجنبي أو فقير لفقير ، ولا يصدق في دعوى الثواب ، ويصدق الفقير للغني والغني للغني ، فإن أثيب وإلا رجع فيها لقول عمر - رضي الله عنه - : من وهب هبة يرى أنه أراد بها الثواب فهو على هبته يرجع فيها إلا أن يرضى منها ، فإن هلكت فله شرواه بعد أن يحلف بالله ما وهبتها إلا رجاء أن أثاب عليها .

                                                                                                                [ ص: 278 ] فائدة : : قال صاحب التنبيهات : شرواها - بفتح الشين وسكون الراء - أصله : مثل الشيء ، والمراد ها هنا القيمة ; لأن القيمة مثل ، ولذلك سميت قيمة ; لأنها تقوم مقام المتقوم ، قال : وتحليفه مذهب الكتاب لهذا الأثر ، وقال ابن زرب : لا يمين عليه ; لأن نيته أمر لا يعلم إلا من قبله ، وقال أبو عمران : إن أشكل الأمر حلف ، وإن علم أنه أراد الثواب لا يحلف ، وفي الجلاب ينظر للعرف ، فإن كان مثله يطلب الثواب صدق مع يمينه أو لا يطلب الثواب صدق الموهوب مع يمينه ، وإن أشكل صدق الواهب مع يمينه ; لأن الأصل استصحاب الأملاك .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : إذا عوضك فلا رجوع لأحدكما لاستقرار الأملاك .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : إذا وهبت عبدا لرجلين فعوضك أحدهما عن حصته فلك الرجوع في حصة الآخر ، إن لم يعوضك كما لو بعته منهما ففلس أحدهما أنت أحق بنصيبه من الغرماء .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : إذا عوض أجنبي عنك بغير أمرك عرضا لم يرجع على الواهب بل عليك بقيمته إن رأى أنه أراد ثوابا منك ; لأنه وهبك دونه ، وإن عوض دنانير ، أو دراهم لا يرجع عليك بشيء إلا أن يريد تسليفها لك ; لأن النقدين لا [ ص: 279 ] ثواب فيهما إلا بالشرط ، قال التونسي : قال محمد : إن أثاب قبل تعيين الهبة ووجوب قيمتها فهو فاسد ويخير الموهوب بين رد الهبة على الواهب ، ويرجع للمثيب ما أعطى وحبسها ودفع الأقل من قيمتها ، أو ما أثابه الأجنبي له ، قال : وقول محمد يرجع للمثيب قيمة عرضه ، أو قيمة الهبة يخرجه عن هبة الثواب ; لأن هبة الثواب فيها القيمة ليس إلا ، فهي أقل غررا ، فكان الواجب أن يكون ذلك فاسدا ويرجع بقيمة ما دفع ليس إلا ، وظاهر كلام محمد إجازة هذا الفعل لأن جعل له الأقل إذا تمسك الموهوب بالهبة الأولى أو فاتت ، ويلزم إذا تكفل عن رجل بدنانير فصالح عن المكفول بعرض ، فإنه لا يدري هل ترجع إليه قيمته ، أو عينه مع إن القاعدة تقتضي بطلان الفرعين للجهالة ، قال ابن يونس : يريد في الكتاب أنه يرجع بقيمة العرض ، أي : بالأقل من قيمته ، أو قيمة الهبة .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : إذا تغيرت عند الموهوب في بدنها بزيادة أو نقص ، فليس لك ردها ولا يفيتها حوالة الأسواق ، أو بخروجها عن العين الموهوبة ; لأنها رغبات الناس ، قال صاحب المقدمات : فيما يلزم به القيمة للموهوب أربعة أقوال : مجرد القيض فوت يوجبها ولا يردها إلا بتراضيهما ؛ قاله مالك ، وقال ابن القاسم : حوالة الأسواق فوت يوجب القيمة ، ولا تفوت إلا بالزيادة دون النقصان لابن القاسم أيضا ، وعنه لا تفوت إلا بالنقصان ؛ فالأول قياسا على البيع ; لأن القيمة كالثمن ، والثاني قياسا على البيع الفاسد ، والثالث لأن الزيادة توجب تعلق الحقين بخلاف النقصان ; لأنه حق لأحدهما ، والرابع لأن النقص خلل في العين فهي كالذاهبة ، وهي مع الزيادة باقية فلا فوت ، واختلف في أخذها بعد الفوت هل يستغنى عن معرفة قيمتها ، أو يحتاج وهو الصحيح ؛ إذ ليس له رد [ ص: 280 ] عينها إلا بتراضيهما عند ابن القاسم ، وأخذ عينها بعد الفوت لا يحتاج إلى ذلك إن قلنا له إثابة العروض بعد الفوت ، وإلا احتاج نفيا للجهالة .

                                                                                                                نظائر : قال ابن بشير في نظائره أربع مسائل لا تفيتها حوالة الأسواق : هبة الثواب ، واختلاف المتبايعين ، والسلعة التي هي ثمن العيب ، والكذب في المرابحة ، والبيع الفاسد في الأصول والمكيل والموزون .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال صاحب المقدمات : ومتى يلزم الواهب القيمة إذا بذلت له ولا يكون له ردها إذا لم يرض منها أربعة أقوال : بمجرد الهبة وإن لم تقبض كالبيع وهو القول بوجوب تسليمها قبل قبض القيمة ، والثاني القبض وهو المشهور ; لأنه سلطه على العين ، والثالث التغير بزيادة أو نقصان لانتقال العين إلى عين أخرى كأنها هلكت ، والرابع فوات العين بالكلية بهلاك أو عتق أو غيره .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : إذا قلنا يلزم الواهب تسليم الهبة قبل قبض الثواب فضمانها من الموهوب ، ولا يجري فيها الخلاف الذي في المحبوسة بالثمن والقيمة يوم الهبة ولا يوم القبض اتفاقا ، فإن قلنا لا فيجري الخلاف الذي في المحبوسة بالثمن ; لأنها محبوسة بالثواب ، والخلاف في لزوم القيمة يوم الهبة أو يوم القبض على الخلاف في الضمان .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال : للواهب الرجوع في الهبة حتى يعطى قيمتها عند ابن القاسم ، أو أكثر [ ص: 281 ] من قيمتها عند مطرف وله الرجوع ، وإن أعطي أكثر من القيمة ، وإن زادت أو نقصت نظرا لضعف العقد وقياسا على الوصية ، فهي ثلاثة أقوال .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية