الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                        442 416 - وأما حديث مالك في هذا الباب عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا سئل عن صلاة الخوف قال : يتقدم الإمام وطائفة من الناس فيصلي [ ص: 73 ] بهم ركعة ، وتكون طائفة منهم بينه وبين العدو ولم يصلوا فإذا صلى الذين معه ركعة استأخروا مكان الذين لم يصلوا ولا يسلمون ، ويتقدم الذين لم يصلوا فيصلون معه ركعة ، ثم ينصرف الإمام وقد صلى ركعتين . فتقوم كل واحدة من الطائفتين فيصلون لأنفسهم ركعة بعد أن ينصرف الإمام فتكون كل واحدة من الطائفتين قد صلوا ركعتين ، فإن كان خوفا أشد من ذلك صلوا رجالا قياما على أقدامهم ، أو ركبانا مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها .

                                                                                                                        [ ص: 74 ] 9704 - قال مالك ، قال نافع : لا أرى عبد الله بن عمر حدثه إلا عن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                        9705 - هكذا روى مالك هذا الحديث عن نافع على الشك في رفعه ، ورواه عن نافع جماعة لم يشكوا في رفعه .

                                                                                                                        9706 - وممن رواه مرفوعا عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير شك : ابن أبي ذئب وموسى بن عقبة وأيوب بن موسى .

                                                                                                                        9707 - وكذلك رواه الزهري ، عن سالم ، عن ابن عمر ، عن النبي ، صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                        9708 - وكذلك رواه خالد بن معدان ، عن ابن عمر ، عن النبي ، صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                        9709 - وقد ذكرنا أحاديثهم عنه بالأسانيد من طرق في " التمهيد " .

                                                                                                                        9710 - وذكرنا من روى مثل ذلك في صلاة الخوف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من / [ ص: 75 ] حديث ابن عباس ، وأبي موسى ، وأبي هريرة في " التمهيد " أيضا .

                                                                                                                        9711 - وقال بحديث ابن عمر هذا ومن كان مثله من الفقهاء جماعة منهم الأوزاعي ، وإليه ذهب أشهب بن عبد العزيز صاحب مالك .

                                                                                                                        9712 - وكان أحمد بن حنبل ، ومحمد بن جرير الطبري ، وطائفة من أصحاب الشافعي يذهبون إلى جواز العمل بكل ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الخوف وهي ستة أوجه قد ذكرناها كلها من طرق في " التمهيد " وذكرنا من ذهب إليها من العلماء .

                                                                                                                        9713 - أحدها حديث ابن عمر ومن تابعه .

                                                                                                                        [ ص: 76 ] 9714 - والثاني حديث سهل بن أبي حثمة ومن تابعه .

                                                                                                                        9715 - والثالث حديث ابن مسعود ومن تابعه .

                                                                                                                        9716 - وقد ذكرنا هاهنا القائلين بها من الفقهاء مثله على حسب ما ذكرناه في " التمهيد " .

                                                                                                                        9717 - ومن القائلين به ابن أبي ليلى ، والثوري أيضا في تخييره ، وقال به غيرهما من الفقهاء من أصحابنا ، وأصحاب الشافعي إذا كان العدو في القبلة .

                                                                                                                        9718 - والخامس حديث حذيفة وما كان مثله على ما هو مذكور في التمهيد وهو أحد الأوجه الثلاثة التي خير الثوري فيها ، رحمه الله .

                                                                                                                        9719 - السادس من حديث أبي بكرة وحديث جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 77 ] أنه صلى بكل طائفة من الطائفتين ركعتين ، فكانت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعا ولأصحابه ركعتين ركعتين .

                                                                                                                        9720 - وكذلك كان يفتي الحسن البصري ، وهو قول يجيزه كل من أجاز اختلاف نية المأموم والإمام في الصلاة ، وأجاز لمن صلى في بيته أن يؤم في تلك الصلاة .

                                                                                                                        9721 - وهو مذهب الأوزاعي والشافعي وابن علية ، وأحمد بن حنبل ، وداود .

                                                                                                                        9722 - ولا معنى لقول من قال : إن حديث أبي بكرة ، وحديث جابر كان في الحضر ; لأن فيه سلامه في كل ركعتين منها وقد ذكرناهما بأحسن أسانيدهما : في [ ص: 78 ] " التمهيد " .

                                                                                                                        9723 - وهما ثابتان من جهة النقل عند أهل العلم به ، وغير محفوظ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه صلى صلاة الخوف في الحضر ، ومعلوم أن صلاة الخوف إنما وضعت على أخف ما يمكن وأحوطه للمسلمين ، وهذا من أحوط وجوه صلاة الخوف .

                                                                                                                        9724 - وقد حكى المزني ، عن الشافعي قال : ولو صلى بكل طائفة ركعتين ثم سلم ، وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين وسلم كان جائزا .

                                                                                                                        9724 - قال : وهكذا صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ببطن نخل .

                                                                                                                        9726 - واختار هذا الوجه بعض أصحاب داود .

                                                                                                                        9727 - قال أبو عمر : الحجة لمن قال بحديث ابن عمر في هذا الباب أنه حديث ورد بنقل أئمة أهل المدينة وهم الحجة في النقل على من خالفهم ; ولأنه أشبه بالأصول ; لأن الطائفة الأولى والثانية لم يقضوا الركعة إلا بعد خروج رسول [ ص: 79 ] الله - صلى الله عليه وسلم - من الصلاة وهو المعروف من سنته المجتمع عليها من سائر الصلوات ، وأما صلاة الطائفة الأولى ركعتهما قبل أن يصليهما إمامها فهو مخالف للسنة المجتمع عليها في سائر الصلوات وخلاف لقوله : إنما جعل الإمام ليؤتم به .

                                                                                                                        9728 - وقد روى الثقات حديث صالح بن خوات على معنى حديث ابن عمر فصار حديث سهل بن أبي حثمة مختلفا فيه ، ولم يختلف في حديث ابن عمر إلا بما جاء من شك مالك في رفعه ، وشكه في ذلك مردود إلى يقين سائر من رواه بغير شك ، والشك لا يلتفت إليه واليقين معمول عليه ، والرواية التي رويت في حديث سهل بن أبي حثمة بمعنى حديث ابن عمر رواها يحيى القطان ، عن شعبة ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن صالح بن خوات ، عن سهل بن أبي حثمة : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بهم صلاة الخوف فذكر مثل حديث ابن عمر وقد ذكرناه بإسناده في " التمهيد " .

                                                                                                                        9729 - وقالت طائفة من أهل العلم منهم : أبو يوسف وابن علية : لا تصلى صلاة الخوف بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - بإمام واحد وإنما تصلى بعده بإمامين يصلي كل واحد [ ص: 80 ] منهما بطائفة ركعتين .

                                                                                                                        9730 - واحتجوا بقول الله - عز وجل - " وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك " [ النساء : 102 ] الآية 9731 - قالوا فإذا لم يكن فيهم النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن ذلك لهم ; لأنه - صلى الله عليه وسلم - ليس كغيره في ذلك ، ولم يكن من أصحابه من يؤثر بنصيبه فيه غيره ، وكلهم كان يحب أن يأتم به ويصلي خلفه وليس أحد بعده يقوم بالفضل مقامه ، والناس بعده تستوي أحوال أهل الفضل منهم أو تتقارب .

                                                                                                                        9732 - وليس بالناس حاجة إلى إمام واحد عند الخوف بل يصلي بطائفة من شاءوا ، وتحترس الأخرى فإذا فرغت صلى بالناس منهم من يقدمونه كذلك .

                                                                                                                        9733 - هذه جملة من احتج به من ذهب مذهب أبي يوسف في ذلك . ومن الحجة عليه لسائر العلماء إجماعهم على أن قول الله ، عز وجل : " خذ من أموالهم صدقة تطهرهم " [ التوبة : 103 ] ينوب فيها منابه ويقوم فيها مقامه الخلفاء والأمراء بعده .

                                                                                                                        9734 - وكذلك قوله تعالى " وإذا كنت فيهم " [ النساء : 102 ] 9735 - ومن الدليل على أن ما خوطب به النبي - صلى الله عليه وسلم - دخلت فيه أمته قول الله ، عز وجل : " فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم " [ الأحزاب : 37 ] ومثله : " وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم " [ الأنعام : 68 ] هو المخاطب - صلى الله عليه وسلم - وأمته داخلة في ذلك ، ومثله كثير .

                                                                                                                        [ ص: 81 ] 9736 - وأما مراعاة القبلة للخائف في الصلاة فساقطة عند أهل المدينة والشافعي إذا اشتد خوفه ، كما يسقط عنه النزول إلى الأرض لقوله عز وجل : " فإن خفتم فرجالا أو ركبانا " [ البقرة : 239 ] .

                                                                                                                        9737 - قال ابن عمر : مستقبل القبلة وغير مستقبلها وهذا لا يجوز لمصلي الفرض في غير الخوف .

                                                                                                                        9738 - قال : قول ابن عمر هذا مذهب جماعة من أهل الفقه منهم مالك والشافعي ، قالا : يصلي المسافر الخائف على قدر طاقته مستقبل القبلة وغير مستقبلها .

                                                                                                                        9739 - وبذلك قال أهل الظاهر لعموم قوله " فإن خفتم " .

                                                                                                                        9740 - وقال ابن أبي ليلى ، وأبو حنيفة ، وأصحابه : لا يصلي الخائف إلا إلى القبلة ولا يصلي أحد في حال المسابقة .

                                                                                                                        9741 - وقول الثوري في هذه المسألة نحو قول مالك .

                                                                                                                        9742 - ومن قول مالك والثوري أنه إن لم يقدر على الركوع والسجود فإنه يصلي قائما ويومئ إيماء يجعل السجود أخفض من الركوع .

                                                                                                                        9743 - وقال الأوزاعي : إذا كان القوم مواجهي العدو وصلى بهم إمامهم صلاة الخوف فإن شغلهم القتال صلوا فرادى ، فإن اشتد القتال صلوا رجالا وركبانا إيماء حيث كانت وجوههم فإن لم يقدروا تركوا الصلاة حتى يأمنوا .

                                                                                                                        9744 - وقد زدنا هذا الباب إيضاحا بالمسائل عن العلماء في " التمهيد " .

                                                                                                                        [ ص: 82 ] 9745 - وأحسن الناس صفة لحال الخوف الذي لا يجوز فيه الصلاة إلا بالأرض إلى القبلة وتحرس أحد الطائفتين فيه الأخرى ، ولحال شدة الخوف الذي يجوز فيه الصلاة راكبا وراجلا مستقبل القبلة ، وغير مستقبلها الشافعي - رحمه الله - في كتابه ، فإنه قد وصف الحالتين صفة بينة واضحة . وقد أوردنا ذلك عنه وعن غيره في " التمهيد " ، والحمد لله .




                                                                                                                        الخدمات العلمية